سرقة البيانات: الاستعمار الجديد لعمالقة التكنولوجيا وكيفية مقاومته
مقدمة
وأنت قاعد مع صاحبك في قاعدة صفا وبتقوله: "صحيح يا حسين أنا بفكر اشتري موبايل جديد.. إنت شايف أجيب أيفون ولا انفنكس؟"، وحسين مبيردش عليك زي عادته، بس بعد ما بتروح البيت وتفتح فيسبوك بتلاقيه متغرق اعلانات عن الموبايلات الانفنكس، وتفتح الانستاجرام تلاقيه كله اعلانات جرابات لموبايلات شاومي، وتفتح تيك توك تلاقي الفور يو مفهاش غير اعلانات اوبو، مرة واحدة كدا.. هتقولي "الله! هما بيراقبوني ولا ايه يا أخضر؟" وبعدين يا صديقي هي دي عاوزة سؤال برضو؟! هتقولي طب وفين اعلانات الأيفون؟ هقولك ودي هتغيب عليهم برضو.. ما انت عمال تبحث على جوجل عن كيفية سرقة واي فاي الجيران وكوبونات خصم كل يوم، والفيسبوك شايفك وعارف انت مين وشغال ايه وساكن فين ومش بعيد يكون معاه رقم البطاقة كمان.. فهما شكلهم كدا شكوا ان الوضع المادي بعافية حبتين.. وبصراحة.. احتمال كبير كمان ان حسين يكون قالهم على اللي فيها! فآيفون ايه اللي يرشحهولك بقى.. هيرشح لك اللي تقدر تجيبه
أنا متأكد إن قابلك من المواقف دي كتير! وعشان كدا هكلمك في حلقة النهارده عن المواقع دي وهعرفك ازاي بتسرق بياناتنا، وتستخدمها في ايه، وقد ايه ده ممكن يأثر علينا وعلى حياتنا، ومش هخبي عليك حاجة.. هقولك في الآخر ازاي نحاول نمنع ده. وده عشان هنتكلم النهارده عن كتاب
(Data Grab: The New Colonialism of Big Tech and How to Fight Back)
أو يعني (سرقة البيانات: الاستعمار الجديد لعمالقة التكنولوجيا وكيفية مقاومته…)
لـ عالم الاجتماع نيك كولدري || Nick Couldry وأستاذ دراسات الاتصال أوليسيس ميهياس || Ulises Mejias.
١- استعمار البيانات
طيب.. نرجع لموضوع الاستعمار الجديد.. لو اقولك استعمار تقولي ايه؟
"أوروبا" ( تتقال بهمس)
اقولك استعمار.. تقولي ايه؟ (لحظة صمت) الله ينور عليك يا صديقي.. هي اوروبا فعلًا.. الفكرة ان الأوريبين مش عاوزين يسيبونا في حالنا، وطلع الاستعمار القديم دا مانتهاش ولا حاجة هو شكله اتغير بس..
الاستعمار الجديد ده بقى يا سيدي استعمار البيانات.
وزي ما الاستعمار "القديم" بدأ بطريقة معينة، استعمار البيانات كمان بدأ بنفس الطريقة، يعني زي ما كانوا بيستكشفوا الأراضي في بعثات وبعد كدا يستغلوا مصادرها وياخدوها من أهلها ويعملوا مستعمرات، وبعدين يتوسعوا تمامًا في الأرض ويبدأوا يبيدوا أهلها واحدة واحدة.
اهو دلوقتي بقى شركات ال Big Tech بتعمل نفس الحاجة، بس محاولاتهم للاستكشاف والتوسع هنا مش مرتبطة بالأراضي.. لا.. دي مرتبطة بالمجالات الافتراضية لحياتنا، زي عادات الشوبينج بتاعتنا، أو تفاعلاتنا مع الأهل والأصحاب على السوشيال ميديا، دراستنا، شغلنا وهواياتنا، و.. و.. و.. مبقاش في تقريبًا أي نشاط مش مستهدف من النوع ده من الاستعمار، يعني خلاص كدا نقدر نقول ان العالم كله بقى مكشوف للشركات دي.
الشركات دي بقى بتاخد بياناتني وبياناتك وبيانات الراجل اللي قاعد هناك ده عشان تستخدمها في الاخر وتصنفنا لقوايم كدا، وتستهدفنا بالاعلانات.. أو تبيع البيانات دي لشركات تانية، وفي حالات كتيرة الحكومات او الشركات الكبيرة بتستخدم البيانات دي عشان تاخد قرارات ممكن تأثر علينا كلنا.
انت ممكن تقول اني ببالغ حبتين.. واستعمار ايه يا عم، ده بياخدوا حبة بيانات صغننة مننا عشان يحسنوا البرامج والمنصات بتاعتهم مش اكتر، واهو كله عشانا في الآخر.. بلاش بقى جو المؤامرات ده.. وساعتها هقولك يا صديقي اهو انت كدا غسلولك دماغك.. عشان ده بالظبط الكلام اللي كان الاستعمار "القديم" هاا القديييم بيقوله برضو.. ده احنا.. احنا غلاااابة.. مش مستعمرين ولا مغتصبين ولا حاجة. (للفويس أوفر: تتقال بصوت غلبان وفيه مسكنة أو اللي هو احنا على الله). ده احنا يادوبك بناخد أرض الناس التانية دي ونستغلها عشان هدف أكبر بكتييير.. عشان نخليها أحسن ونخلي حياتهم أحسن.. تمثيلية مقفوشة من زمان وانت عارف نهاية الفيلم ده ايه.. الوحيد اللي بيستفاد من التحسن ده هو المُستعمِر.. فمتصدقش البوقين دول الله يخليك.
حاجة كمان لو خدت بالك منها يعني.. انهم بيعاملوا البيانات بتاعتنا زي ما كانوا بيعاملوا الأرض تمامًا.. حاجة موجودة.. ملهاش أصحاب.. مستنياهم يستغلوها وخلاص.. ولا يرموها يعني؟ ما انت لو اتكلمت معاهم في النقطة دي هيردوا يقولولك بيانات زي الفل وجت لحد عندنا، نعمل ايه؟ نفيد بيها "البشرية" ولا نرميها في الزبالة؟ واي كلمة هتحاول تقولها بعد كدا هتلاقي نفسك بقيت عدو البشرية والتقدم والحضارة خلاص.. وانت طبعًا ميفوتش عليك أن "البشرية" دي هي الكام شركة اللي احنا عارفينهم كويس.. واهو في كل الأحوال سواء بقيت عدو البشرية ولا لا، فكدا كدا هيستفادوا من بياناتك!
٢- الشروط والأحكام متمشيش غير على الفقير
وانت بقى ملكش عين تتكلم ولا تعترض بصراحة، مش انت اللي دوست موافق على الشروط والأحكام بتاعة البرامج دي من غير ما تقراها؟ اشرب بقى يا معلم! اهي المنصات دي كدا كدا حاطة الشروط دي عشان تقولك في الآخر اشرب يا معلم مش اكتر..
ما أي منصة من دول متأكدة 100% انك مش هتقرأ خمستلاف سطر من الكلام المجعلص اللي متفهمش منه حاجة ده، هما حاطينه أصلًا وعاملينه كدا عشان متقرأهوش وتوافق وخلاص.. عالم مش سالكة! انت لو جربت دلوقتي تفتح وتقرأ شروط واحكام اي منصة ولا برنامج من اللي بتستخدمهم هتتصطدم من كمية البيانات اللي بياخدوها منك أو البيانات اللي يعرفوها عنك. في منصة مثلًا من اللي بنستخدمهم كل يوم مش هنقول اسمها، بتسجل موقعك كل ما يتغير.. يعني انت حرفيًا ماشي ووراك حد بيتعقبك.. حد ايه بس.. دي أمة لا إله إلا الله كلها ماشية وراك!
ده في حالة لو لقدر الله يعني كنت واحد من عامة الشعب، يعني إنسان بسيط.. في أسفل السلمِ الاجتماعي.. متضطرنيش اقولها بقى.. يعني لامؤخذة في حالة لو انت فقير.. ما الفقير هو اللي بيشيل يا صاحبي.. مدام معاكش الموبايل أبو تفاحة آخر إصدار ولا بتستخدم برامج باشتراكات غالية توفرلك حماية على بياناتك، فانت كدا فقير معانا..
واللي بيحصل هنا لو تاخد بالك إن البيانات بتتحول لمصدر قوة بتستخدمه الشركات دي عشان تكبّر الفجوات الاجتماعية بدل ما تصغرها، ومع إن التطبيقات بتوعدنا إنها هتخلي حياتنا أسهل وأحسن، إلا إن اللي بيحصل في الواقع هو إن الفقرا كالعادة هما اللي بيدفعوا التمن، لإنهم بيعيشوا في عالم معندهمش فيه رفاهية الاختيارات الكافية للبرامج دي عشان يحافظوا على خصوصيتهم أو يختاروا شروط التعامل اللي تناسبهم.
٣- البيانات بتجيب بيانات
المهم ان البيانات اللي بنتكلم عنها دي لو تاخد بالك فهي مادة خام، لا تُفنَى ولا تُستَحدَث من العدم كدا يا صاحبي.. يعني ملهاش آخر.. ملهاش قيود.. ملهاش شكل.. شغالة معاك في كل الأشكال، خامة مطاطة تروح وتيجي معاك وطّلع منها اللي تحبه يا معلم.. وده اللي الشركات بتعمله، بتعيد استخدام البيانات دي دشليون مرة، وكل مرة بتكسب منها من جديد، مرة تستخدمها عشان تعمل برامج جديدة أو مساحات جديدة ولا تبيعها لشركات تانية ولا تستهدفك بيها بالاعلانات، والجديد بقى.. بتستخدمها عشان تعرف اللي في دماغك!
هو انت لما بتيجي تسيرش عن حاجة مثلًا على جوجل، جوجل مش بس هيبدأ يظهرلك إعلانات للحاجة دي او حاجة قريبة ليها، ده كمان هيخزّن المعلومة دي في بياناتك ويربطها بكل البيانات اللي قبل كدا ويبدأ بقى يحلل سلوكك ويحط قايمة بالحاجات اللي متوقع انك تعملها بعد كدا كمان، وبكدا من الحاجة البسيطة دي شوف هو استخرج منها كام حاجة تانية ممكن يبيعها او يستفاد منها!
٤- مصلحة المستعمر أولًا
غير كل ده، فالشركات دي على الرغم من انها بتقولك أنها للكل، إلا انها بتنحاز دايمًا لأصحابها.. للمستعِمرين.. ما أكيد مش هتنحاز لينا احنا يعني، وانت اكيد شفت بنفسك الانحياز ده الفترة اللي فاتت.. وفي منظمات كتير بدأت تعترف بوجوده فعلًا من 2021 لما بقى واضح للكل إن المحتوى اللي بينشروه الفلسطينين بيتشال لأتفه الأسباب، في حين ان المحتوى الإسرائيلي كان بيتساب ويتنشر أكتر كمان حتى لو كان مليان تحريض على العنف. ومننساش الفلسطيني اللي شرطة الاحتلال اعتقلته في 2017 عشان كتب بالعربي على الفيسبوك "صباح الخير" بس لسبب ما.. الفيسبوك ترجم البوست ده لـ "اقتلوهم" بالعبرية.
٥- بيانات مسروقة وكوكب مهدد
بس البيانات لوحدها مش مفيدة خالص.. عشان تكون مفيدة.. لازم تتعالج، وعشان تتعالج.. عملوا وحدات ضخمة من الكمبيوترات بنسميها "مراكز البيانات"، ودي بتستخدم كهربا عالية وبتنتج حرارة أعلى، فبتحتاج تبريد.. وده بيحتاج مساحات كبيرة من الأرض وكميات أكبر من الماية العذبة.
مراكز البيانات دي بتستهلك كهربا كبيرة جدًا زي ما قلنا، بس الاستهلاك ده بدأ حاليًا يخرج عن السيطرة.. يعني بيقولك في 2030 مراكز البيانات دي هتبقى بتستهلك حوالي 13% من اجمالي الكهربا في العالم .. ولا بلاش 2030.. بعيدة دي، خلينا في دلوقتي، اهو دلوقتي بيوقفوا أي عملية بُنا لـ البيوت (للفويس أوفر: جايه من كلمة بِناء) في غرب لندن رغم انهم محتاجينها.. تفتكر ليه حصل توقف في المباني؟ عشان في نقص كبير في امدادات الكهربا في المنطقة، والسبب في النقص ده هو زي ما توقعت كدا.. مراكز البيانات الكتير اللي عاملينها في المنطقة. فبكدا احنا كبشر عايشين على كوكب وضعه البيئي ميسرش خالص، بنضيع ماية وكهربا وأراضي احنا محتاجينها عشان الشركات الغنية تحافظ على شوية بيانات مسروقة -سرقة قانونية طبعًا- هتخليها أغنى وأغنى.
والحقيقة إن الموضوع أسوأ من كدا بكتير، ده حتى الأجهزة اللي بنستخدمها بتأثر على البيئة بالسلب، وده عشان كل الأجهزة دي بتعتمد في صناعتها على معادن نادرة زي الليثيوم، اللي بيتم استخراجه بطريقة معينة بيستخدموا فيها كميات ضخمة جدًا من الماية، وده في النهاية سبب نقص في الماية في مناطق كتيرة جدًا زي منطقة صحراء أتاكاما (Atacama) في تشيلي.
ومن ناحية تانية، متنساش النفايات البيئية اللي بتنتج عن الأجهزة الإلكترونية بتاعتنا لما تبقى قديمة أو مستهلكة، ورغم إن معظم النفايات دي بتيجي من الدول المتقدمة، إلا انها بتترمي في الآخر في الدول النامية اللي معندهاش القدرات الكافية أصلًا عشان تعيد تدويرها، وده بيأثر جامد على صحة البشر هناك.. ده غير تأثيرها على البيئة، لأن المواد اللي فيها للأسف بتحتوي على مواد سامة زي الرصاص والزئبق.
ولو عاوز تتخيل حجم النفايات دي قد ايه عشان تستوعب خطورة الأمر، فأحب أقولك إن في 2019 لقيوا إن كل شخص على الكوكب أنتج حوالي 7 كيلو من النفايات الإلكترونية!! ودا وفقًا لـ المرصد العالمي للنفايات الإلكترونية.. تخيل بقى دلوقتي مع تقدم التكنولوجيا الرقم ده اتضاعف قد ايه!
٦- الذكاء الاصطناعي والخصوصية
خد بالك احنا كل ده مجيبناش سيرة ال AI خالص! وده اللي هو الذكاء ال لامؤخذة الاصطناعي، زي ChatGPT وDALL-E وأدوات غيرهم كتير، منها اللي بيعمل صور ورسومات ولا فيديوهات، او اللي بيطلعلك أصوات كأنها أصوات ناس حقيقية بجد، وده عشان هي جاية من أصوات ناس حقيقية فعلًا، أي فيديو بترفعه مثلًا على النت، فهو بقى ملك الذكاء الاصطناعي يقدر يستخدمه ويحلله على كيفه عشان يتعلم ويطور منه نفسه، ومش بس اي فيديو بترفعه على النت بنفسك، كمان ممكن فويس نوت باعتها لصاحبك.. على البرنامج الأخضر مثلًا.. مثلًا يعني.. أو حتى فيديوهاتك الشخصية على موبايلك! الله أعلم انت سامح لمين يشوف ايه بقى يا صاحبي!
٧- احمي خصوصيتك: القرار في إيدك!
صحيح في كل الأحوال منقدرش ننكر قد ايه التقدم التكنولوجي مهم ومفيد لينا في شغلنا وحياتنا ودراستنا وبيوتنا وكل حاجة، بس السؤال هنا، هل الفوايد دي تستاهل اننا نخسر خصوصيتنا؟ أو نخلي الشركات دي تتحكم فينا وفي بياناتنا؟ هل تستاهل اننا نضر البيئة بالشكل ده وندمر الطبيعة؟!
أخضر بيقولك بقى لازم نحط في اعتبارنا إن الاستعمار الرقمي ما يقدرش يستمر من غيرنا. ما هو من غير بياناتنا.. مش هيشتغل. معظم البيانات اللي بتتجمع مش بتتاخد من غير موافقتنا زي ما قلنا، فبكدا كل اللي علينا نعمله اننا قبل ما نستخدم أي منصة أو أداة أو برنامج.. نبص كويس على الشروط والأحكام، وساعتها هنقدر نحكم كويس.. هل الخدمة دي تستاهل في المقابل نديلهم البيانات اللي مكتوبة؟ لو اه فاستخدمه، لو لا.. فحاول تدور على بديل أخف شوية في الشروط والأحكام.. أو بديل مدفوع بيحافظ على بياناتك، احتمال كبير تلاقي بدايل أسعارها حنينة متقلقش.. واهو..ربنا يسترها علينا.. وعلى بياناتنا..
يلا أشوفك على خير.. سلام