علم نفس الظروف
مُقدِّمَة:
هل تعرف أنك يمكن أن تضر نفسك وأنت تمر بظروف صعبة فتصعّبها أكثر؟ بدلًا من أن تكحلها ستعميها تمامًا، تخيل أنك -كفاك الله الشر يا صديقي- فُصلت من عملك، وأنت تلتزم دفع أقساط وديون كثيرة، هل ستلتحق بدورة برمجة لمدة 12 شهرًا لتحصل على عمل أحسن وتسدد الديون والأقساط؟ ماذا ستفعل في شهور الدراسة هذه؟! التفكير بهذه الطريقة سيحبطك جدًّا، يجب أن تفكر في حل منطقي يسعفك حاليًّا ويطفئ هذا الحريق، أنا لا أنصحك بألا تفكر على مدًى طويل في حلول جذرية لمشكلاتك، لكن على الأقل يجب أن يكون تفكيرك مبنيًّا على علم نفس الظروف، الذي لا يحتوي على إيجابية سامّة أو خيالات زائفة!
وهذا ما سنعرفه في حلقة اليوم المبنية على كتاب (علم نفس الظروف) لسيهار صلاح،
الذي سنعرف فيه ما يمكن أن نفعله لنحسّن من جودة حياتنا بمختلف ظروفنا وأماكننا، وما أهم العوامل الأساسية لبناء حياة صحيّة وسط الظروف الصعبة والأفكار المعقّدة.
اختلاف الظروف
حسنًا، تعالَ نطّلع على "علم نفس الظروف" هذا.
فكّر معي، لِمَ يمكن أن نكره نظريات علم النفس؟
سأخبرك يا صديقي..
لأن الجزء الظاهر منها الذي يتكلم فيه الناس ويصورون عنه فيديوهات يكون قشورًا مثالية وكلامًا مثاليًّا أقرب ما يكون إلى الخيال، وغالبًا لا أحد يهتم بأن يشرح لك الأمر حسب ظروفك واحتياجاتك، فليس من الطبيعي مثلًا أن تمر بظروف صعبة ولا ترى أمامك بصيص نور، ويقول لك أحدهم "تقدر تطير من غير جناحات"!
- أنا يا فندم؟ شكرًا على ثقتك الغالية!
الحقيقة أننا نحتاج إلى أحد يفهم معاناتنا اليومية، يطلع على كل الظروف المحيطة بنا باختلافها، لأن كل واحد منا له ظروف نفسيّة ومالية ومادّية وعائلية مختلفة، وحتى قيمه ومبادئه في الحياة تختلف، لذا نحتاج إلى علم النفس الذي يكلمنا عن الواقع وليس عن الطيران دون أجنحة!
علم النفس علم كبير واسع مشتمل على دراسات تخصّ الظروف الصعبة، إلا أن الناس غالبًا يحبون أن يتكلموا في الجزء البسيط السطحي المثالي منه، وهذا يجعلنا نشعر بأنه كلام فقط، أو نقلل من قيمته ونتعامل مع المعلومات على أنها خرافات، وهذا طبيعي، إذ لا يصح لمن يتكلم أن يتجاهل مكاني الجغرافي وكيف أعيش، وما أنا مجبر عليه، وما أقاومه، وعلى من أصرف مالي.
فلو أردنا أن نصل فعلًا إلى حياة صحيّة، يجب أن نضع في الحسبان الظروف العامة، فمثلًا الشخص الذي وصل للتو إلى عمله بسيارته المكيفة، ومعه إفطاره، وحضر نشيطًا مبتسمًا، ليس كمن جاء بالمواصلات العامة، يتكلم خمسة أو ستة فوق رأسه، بالإضافة إلى الشجار الذي حدث في الطريق وعطّله نصف ساعة.
وقِس على هذا أشياء كثيرة، أشياء كثيرة تعلّمنا أن نحترم الفروق بين الناس ونعطيهم نصائح تليق بظروف حياتهم فعلًا، ونكون رحماء حتى بأنفسنا ونحن نفكر في نجاحتنا وطموحاتنا.
حتى اليوم السعيد يختلف تعريفه من شخص لآخر، فيمكن أن يكون اليوم السعيد بالنسبة إلى شخص ما هو مشاهدة فيلم كوميدي مع العائلة والأكل من مطعم، وعند آخر هو أن ينام 8 ساعات متواصلة مثلًا!
وعند شخص ثالث يمكن أن يكون اليوم السعيد هو أن يرجع إلى البيت وفي يديه كيس التسالي لأطفاله.
إذًا لا نريد أن نتكلّم عن السعادة دون وضع الظروف في الحسبان، وإلا فسيكون مجرد كلام إيجابي بلا قيمة غير ملموس على أرض الواقع.
جميل يا أخضر، لقد كنت أحتاج إلى أحد يشعر بي فعلًا؛ الحياة صعبة وأصحاب علم النفس والتنمية البشرية يتكلمون كثيرًا، والعمل صعب، والإنسان يحتاج أن يرتاح، ولا يوجد شيء إيجابي.
اهدأ يا صديقي، هل ستبدأ الشكوى أم ماذا؟ لقد أخطأت فهمي، أنا هنا لأساعدك على أن تتكيف مع الظروف وتحسّن من جودة حياتك، لا أن تستسلم وتقول إن الحياة صعبة لتقعد على رصيف المتعبين!
أنا أريد منك أن تعترف بظروفك الصعبة هذه وتكون على وعي بها وتحترمها ولا تخجل منها، وفي الوقت نفسه تتكيّف معها، لأن إنكار الواقع أو تزييفه هو الذي سيسبب لك التعاسة، والوهم سيجعلك تركز على أشياء غير موجودة، أما الرؤية الواقعية فهي التي ستساعدك على إدراك النعم والخير الذي تعيش فيه، المهم أن تركّز على إصلاح نفسك وواقعك الحالي، وتعرف أنك مضطر أن تتعايش مع بعض الأشياء وتتقبّلها لأنك لا تستطيع التحكم فيها.
واعلم أن أي خطوة تخطوها في حياتك ستتطلب منك خطوة ثانية بعدها، أي إن الحل في الاستمرارية على النمط الصحيح، ولن يكون شيئًا سهلًا سريعًا تفعله اليوم ثم تستيقظ غدًا على ما يرام، مثل الذين يتخيلون أن الزواج هو الذي سيحل لهم كل مشكلاتهم، أو أن قرار الانفصال هو الذي سيجعلهم أسعد البشر، أو أنهم عندما يلقون الاستقالة على مكتب المدير سيرتاحون راحة ما بعدها راحة، لا يا صديقي، كل هذه أوهام!
قد تكون بحاجة إلى قرارات كهذه فعلًا، لكن ماذا بعد؟
الحياة لن تنتهي عند خطوة واحدة فقط، والتغيير الظاهري لن يضمن لك السعادة، وينطبق الكلام نفسه على الأهداف، فمثلًا من قرر أن يخسر وزنًا يجب أن يمشي يوميًّا ولو بقدر بسيط، ومن قرر أن يكتب رواية يجب أن يكتب يوميًّا لمدة ربع ساعة مثلًا.
سأوضح لك بأمثلة حتى تفرق بين الوهم والحقيقة وأنت تضع أهدافك.
مثلًا:
- هدف وهمي: سأخسر 10 كيلوجرامات في شهر.
- هدف محتمل التحقيق: سأخسر من كيلوجرامين إلى أربعة كيلوجرامات في شهر أو ستة أسابيع.
- هدف وهمي: لن آكل خارج المنزل نهائيًّا.
- هدف محتمل التحقيق: سآكل مرتين أو ثلاثة فقط خارج المنزل خلال الشهر، وسأحاول أن ألتزم.
- هدف وهمي: لن أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي.
- هدف محتمل التحقيق: سأفتح مواقع التواصل الاجتماعي، لكني سأتابع أشياء مفيدة وسأقلل وقت استخدامي لها 50%.
وأنت تحدد أهدافك يا صديقي تذكر أنك إنسان عادي ولست خارقًا، لأن هوس البطولة في العصر الحالي هو الذي أوصلنا إلى التعاسة وجعل الناس طوال الوقت يريدون تحقيق أشياء أشبه بالخيال، فأين سيجدون الراحة والسكينة إذًا؟
الآن.. ركّز معي يا صديقي لأني سأخبرك بالعناصر الأساسيّة التي نحتاج إليها لتحسين جودة حياتنا.
العنصر البيولوجي
مبدئيًّا أنت كائن بيولوجي، أي تحتاج إلى الأكل والنوم والرياضة وكل الاحتياجات الطبيعية للجسم، لأن جسمك له تأثير كبير في سعادتك وقراراتك، نعم كما سمعت، فمقولة "العقل السليم في الجسم السليم" كانت حقيقيّة فعلًا.
عندما يكون نومك غير كافٍ وتشرب قهوة طوال اليوم، ولا تخرج من البيت ولا ترى نور الشمس حتى، لا تستغرب وتسأل "لِمَ أنا متعب وأشعر بخمول وكآبة؟"؛ الإجابة أمامك يا صديقي!
يجب أن نتعلم كيف نحترم أجسامنا ونعترف بحاجتنا الشديدة إلى النوم والأكل والشرب والحركة وكل ما هو بدهي لتلبية احتياجات جسم الإنسان.
الغريب فعلًا أننا نخجل أن نقول إننا نمنا ساعة إضافية أو أكلنا وجبة إضافية، وفي بعض العائلات المحترمة، تعد هذه التصرفات كارثية، رغم أنها ضرورية للجسم، حتى إن الاحتياجات الفسيولوجية موجودة قبل الاحتياج إلى الأمان في هرم ماسلو، فرفقًا يا أصدقاء!
فلو أنك أكلت وشربت ونمت وتحركت فأنت تستطيع أن تركز على بقية الأشياء وتنجزها بشكل جيد.
لذا يا صديقي أنا أطلب منك أن تقيّم صحتك وتقيس وزنك وتجري تحليلات شاملة تطمئن بها على الفيتامينات والغدد في جسمك، خصوصًا إن كان عندك أعراض جسدية مستمرة كالصداع أو وجع المعدة أو سقوط الشعر أو ألم العظام.
اطمأننت وكلّ شيء على ما يرام؟ اهتم إذًا بنومك وأكلك ورياضتك يا صديقي.
النوم والأكل والرياضة
أما عن النوم فهو ليس جريمة، بل إنه اليوم فقرة من أهم الفقرات، وليس مطلوبًا منك أبدًا أن تقاومه لتحصل على ساعة إضافية من المذاكرة أو ساعة تلعب فيها بالبلايستيشن حتى، لأنك هكذا لن تركّز وستهدر كفاءة مجهودك وعقلك.
وهذا لأن النوم له تأثير مباشر في جودة الحياة، وقلّته تسبب كوارث نفسية وجسدية، وهذا يفسّر لنا لماذا يذهب الناس إلى الأطباء ويبكون ليصفوا لهم أي منوم ينومهم ساعتين متتاليتين!
النوم نعمة كبيرة يا صديقي، والمثل يقول: "من زان نومه زان يومه"، وهذا لأنك عندما تنام جيدًا ستجد أن مزاجك سليم وطاقتك عالية وستركّز على ما تفعله.
وخلال النوم تحدث (عمليات البناء) ويفرز الجسم الأكل الذي أكلته ويستخلص منه الفيتامينات والمواد التي تحتاج إليها ويعزز الخلايا وعمليات النمو، لكن يوجد شرطان مهمّان لنستطيع أن نقول إن هذا النوم نوم طبيعي صحي، وهما:
- الشرط الأول: أن تكون ساعات النوم كافية لجسمك، والطبيعي أن تتراوح بين 7 و9 ساعات.
- الشرط الثاني: أن تكون جودة النوم جيدة، لأن بعض الناس ينامون ساعات طويلة ويصحون وأجسامهم تؤلمهم ولا يقدرون على الحركة، وهكذا توجد مشكلة تحتاج إلى العلاج أو يكون الإنسان مصابًا بالقلق أو الأرق.
لذا حاول أن تحلّ المشكلات الجسدية أو النفسية التي يمكن أن تؤثر في جودة نومك، واشبع نومًا يا صديقي لتستطيع أن تزيد من عملك وليس العكس، لأنك إن لم تنم جيدًا فلن تذاكر جيدًا ولن تعمل جيدًا، ولن يعمل دماغك بكفاءة ولن تستطيع أن تتخذ قرارات مصيرية صحيحة.
وأما عن الأكل فهو من أجمل ما في الدنيا، ومن يقول لك غير ذلك فلا تصدقه، فكثيرًا ما تكمن السعادة في وجبة شهية دافئة، وأكبر خطأ تعلمناه هو حرمان النفس والهوس بالنحافة واتباع الأنظمة الغذائية حتى إن كانت ستفقدنا طاقتنا، وهذا الكلام ليس دعوة إلى الأكل والمرعى وقلة الصنعة، لا يا صديقي، فعندما نتكلم عن أهمية النوم والأكل نقصد أن نتوسط ونوازن أمور حياتنا دون إفراط أو تفريط.
فمثلًا لا يصح أن تصحو فتفطر صينية معكرونة بالباشمِل وتقول إن أخضر قال لي كُل ولا تقلق، لا يا صديقي، كُل ما تحب، بالهناء والشفاء، لكن يجب أن تعرف ماذا تأكل ومتى وكيف.
عندما تدخِل كمًّا من الكربوهيدرات إلى جسمك منذ الصباح يصبح مزاجك سيئًا، مثلك مثل من لم يفطر وأهمل صحته، أما الفائز فهو الذي أفطر بالبروتين واهتم بشرب الماء وأكل نوعًا من الخضار أو نوعًا من الفواكه، ولا مشكلة في أن تأكل أكلة دسمة طبعًا، لكن اختر الوقت المناسب وساعد نفسك على الأخذ بأسباب الهضم والحركة وشرب الماء، ويفضَّل أن تتبع نمطًا صحيًّا متوازنًا يناسبك أنت بالتحديد، وليس لأنه نظام منتشر وحسب، وتذكر أن الطعام مصدر للمتعة، فلا يصح أن تؤنب ضميرك طوال اليوم بسبب ملعقتين إضافيتين من الأرز!
وكما تلاحظ يا صديقي، نحن جميعًا نؤجل النقاشات والقرارات بعد الإفطار، فإذا ذهبت إلى عملك وأراد أحدهم أن يكلمك فقط، تقول له "سأفطر وأكلمك"، أليس كذلك؟
وهذا لأن الجوع يؤثر في التركيز، ويمكن أن تحدث شجارات ومشكلات إن اجتمع بعض الأشخاص وهم لم يفطروا، ولا يتقبل أحدهم الآخر، لكنهم بعد الإفطار سيلاحظون أنهم أعطوا الأمر أكثر من حقه.
أما العنصر الثالث فهو الرياضة، وأنا أعرف يا صديقي أن أغلبنا يحب الراحة، وأننا نقول منذ ثلاث أو أربع سنوات إننا سنذهب إلى صالة رياضية، لأن الرياضة فعلًا في العموم خطوة ثقيلة على القلب في البداية، لكن يتأتّى الأمر بالتعوّد.
وأنبهك مرة أخرى.. جسمك سيتعود الرياضة ويساعد المخ على إفراز الهرمونات المفيدة، كالدوبامين والإندرفوين والسيروتونين وغيرهم من هرمونات السعادة، بالإضافة إلى أنّ جودة حياتك ستتحسّن وتركيزك سيزيد ونضارة بشرتك ستكون ملحوظة، وأنا هنا لا أقصد أنّك يجب أن تذهب إلى الصالة الرياضية بالتحديد، ولكن أقصد أنّ الحركة بركة، وأنك يمكن أن تحدد أوقاتًا تتمشى فيها أو تجري فيها أو تمارس الرياضة في البيت، لا يهم، المهم أن تكون بالشكل المناسب لجسمك وصحتك ونظامك الغذائي.
العنصر الاجتماعي
وهكذا نكون انتهينا من العوامل البيولوجية، وسنتكلم قليلًا عن أهمّية الجانب الاجتماعي والنفسي في بناء حياة صحيّة.
نبدأ بالجانب الاجتماعي الذي يتطلب منك أن تكون ماهرًا في التواصل ووضع الحدود لنفسك، موازنًا بين احتياجاتك واحتياجات الآخرين.
كلنا طبعًا نحتاج إلى حبّ الآخرين ونحاول أن نكون مقبولين في المجتمع، لكن احذر يا صديقي أن يكون هذا على حساب نفسك وسعادتك!
لا يصح أبدًا أن تعيش دون روح وتفعل كلّ شيء غير مناسب لشخصيتك فقط لترضي الناس، لا تشترِ أهدافًا جاهزة لأن فلانًا وفلانًا لهما الهدف نفسه، ولا تلاحق طموحات معلّبَة يلاحقها الناس، بل اذهب إلى الهدف والطموح المناسب لمعاييرك ومكانك وظروفك، واصبر على النتائج يا صديقي، لا تكن كمن لا يعجبه أي إنجاز ينجزه لأنه ينظر إلى لحظة الوصول إلى الهدف البعيد فقط، لأنك عندما تقيس الشيء بالنتيجة المتخيَّلة تعيش في قلق وتذمّر، لذلك يا صديقي ركز على التقدم وليس الوصول المباشر إلى الهدف، وارحم ضعفك قليلًا، أنت كفء يا صديقي، أنا متأكد من هذا!
عمومًا أريد منك أن تفهم يا صديقي أنّ الحل الوحيد هو أن تهدأ وتقف قليلًا لتحسب معاييرك المناسبة وسط الركض الذي نعيش فيه، وعُدَّ كل خطوة إيجابية إنجازًا مهمًّا، واحسب مع نفسك تقدّمك النفسي والصحي والاجتماعي، ولا تقِس كل شيء بما يُعرض على مواقع التواصل الاجتماعي ، لأن معايير النجاح ليست مرتبطة بنمط محدد ينطبق على الكلّ، ومعايير المرأة الجميلة والرجل المسيطر القوي ليس لها كتالوج لننسخه ونتبعه جميعًا.
شغّل مخّك يا صديقي!
لأن موضوع الهوس بمعايير بمواقع التواصل الاجتماعي هذا يوصلنا إلى سدّ، ولا نكون حينها قادرين على أن نواكب كل شيء حولنا بالشكل المثالي الذي تصوره لنا المواقع.
فكّر مرة واثنتين وعشرة، واجعل لك ذوقًا خاصًّا وتفكيرًا يناسبك ويناسب ظروفك وطبيعتك، واعذر نفسك عندما تمر بفترات استثنائية وظروف صعبة، وقف قليلًا لتلتقط نفَسَك؛ الدنيا لن تطير!
العنصر النفسي
إن طبقت كل ما سبق فأنت هكذا تحافظ على عامل مهمّ جدًّا وهو "العامل النفسي"، الذي يعد أشد حساسية وأصعب في الفهم من العامل الاجتماعي والبيولوجي، لأنك يمكن أن تستطيع ضبط نومك في يومين أو ثلاثة أو حتى أسبوعين على أقصى تقدير، لكن أن تكتشف عقدك الدفينة داخل نفسك أو تصل إلى الوعي الذاتي، فهذا طريق طويل سيحتاج منك إلى شهور أو حتى سنين، لكنّه مع ذلك سيساعدك ويجعلك ترى الحياة بمنظور واعٍ سليم.
ولتحسّن نفسيتك ووعيك الذاتي تذكر هذه الأساسيات:
- أولًا: أنت تحتاج أن تنمي مهاراتك في التواصل وتعرف كيف تختلف مع الآخرين باحترام وتتعامل معهم بمشاعر نبيلة، لأن الأذكياء اجتماعيًّا يعيشون بشكل أكثر راحة ممن يعيشون في صراعات مستمرة.
- ثانيًا: تحتاج أن تراجع الخرافات النفسيّة القديمة التي نشأت عليها، لأن كثيرًا منها خطأ، مثل: "اكسر للبنت ضلع، يطلع لها أربعة وعشرين".
إذًا حوّل المفاهيم الخطأ التي كهذه بالفكر الصحيح، لتصبح كائنًا منطقيًّا يستطيع أن يتعامل دون أوهام أو خرافات.
- ثالثًا: تحتاج أن تتعلّم كيف تختار اختيارات صحيحة حتى لا تصور ڤيديو تيك توك على أغنية "اختياراتي مدمرة حياتي".
ومهارة اتخاذ القرار الصحيح من المهارات الاجتماعية النفسية، لا أحد يتخذ قرارات سليمة دائمًا، لكن هناك من يحاول أن يفكر بشكل سليم ويتعلم من الأخطاء ويجمع معلومات كافية ويقيس المميزات والعيوب ويحدد العقبات ويستشير أهل الخبرة.
وأخيرًا.. أنت كائن روحاني يا صديقي، فلا تهمل علاقتك بالله تعالى، وحاول أن ترفع نسبة وعيك الديني وترتقي بنفسك وتتخلّص من الصفات التي لا خير فيها كالغرور والكِبر والنرجسية، وكن معطاءً محبًّا للخير مستمعًا للآخرين حنونًا عليهم، تذكر لماذا خُلقت، وتحرَّ الصواب والخطأ في كل خطواتك، وادعُ الله أن يصبّرك على المصايب والابتلاءات التي لم يسلم منها أحد يا صديقي.
ربّنا وحده العالِم بالحكمة وراء كلّ حدث في حياتنا، المهم أن نتقبّلها لأنها، بكل ما فيها، من تدبير الله.