قوانين التحرر من الصراع النفسي

Book-Cover

مقدمة

هذا هو الدكتور يوسف الحسني مؤلف كتاب اليوم، كان طوال حياته طالبًا متفوقًا، التحق بكلية الطب وتخرج وهو في المركز الأول، بالتأكيد كان سعيدًا بهذا الإنجاز الكبير! 

 مع الأسف لا، هذا لم يحدث، يقول لنا الدكتور يوسف إنه لم تظهر عليه يوم التخرج أي سمات للفرح، حتى والده ووالدته كانا مستغربين جدًّا! في رأيك ما السبب؟ 

هذا ما سنعرفه في حلقة اليوم المبنية على كتاب (قوانين التحرر من الصراع النفسي) للدكتور يوسف الحسني.

تعالَ نعرف لِمَ لم يكن الدكتور يوسف الحسني سعيدًا على الرغم من أنه في لحظة إنجاز تستحق الفرح..

السبب أنه كان بداخله صراع بين ما يحبه وما فعله إرضاءً لوالديه ولأن المجتمع يريد هذا، صراع بين حقيقته وبين الصورة التي وُضع فيها ومشى وراءها دون وعي، وكان هذا هو الدافع إلى خروج كتابه للنور، الذي يقول:

أولًا: الوعي والإدراك والتوازن

أول شيء يجب أن تهتم به لتتحرر من الصراع النفسي، أن يكون عندك وعي وإدراك جيد، لكن ما الفرق بينهما؟

الوعي هو قدرتك على تحليل الأمور ورؤيتها بعمق، وأن يكون عندك بعد نظر، والوعي له مستويات كثيرة: المستوى الذاتي: هو وعيك بنقاط قوتك وضعفك واحتياجاتك ومخاوفك، والمستوى الوجودي: يعبر عن رؤيتك للحياة والكون ومعتقداتك وما إلى ذلك، ومستوى العلاقات: الذي يمثل وعيك بعلاقاتك وفهمك لها، وأنك قادر على أن تراها على حقيقتها وليس كما تتمنى.

حسنًا، هذا عن الوعي، ماذا عن الإدراك؟

إن احتجنا إلى كلمة تلخص لنا معنى الإدراك، فيمكن أن نقول إنه التطبيق العملي للوعي، وهذا لأن الإدراك يرتبط أكثر بالتصرفات اللحظية التي تتصرفها وأنت في موقف معين، فمثلًا أنت عرفت وأصبحت واعيًا تمام الوعي بأنك في علاقة سامة غير مجدية، ومن ثم عندما يطلب منك هذا الشخص السام طلباته المستغلة كالعادة، سيكون دور الإدراك أن يجعلك تستحضر الوعي وتلمح أهدافه الخفية بسرعة وترفض الاستجابة لطلباته.

ولتقوي إدراكك لا تحتاج إلا إلى خوض التجارب ثم التجارب، لأن الإدراك يتأتى بتراكمية المواقف.

والاتزان والسلام النفسي يا صديقي هو أن يكون وعيك متوافقًا مع إدراكك، فلا يصح أن تعرف أن الشخص سام وتستمر في الاستجابة لطلباته ورغباته!

وأزيدك من الشعر بيتًا يا صديقي، ليس فقط وعيك وإدراكك اللذان يجب أن يكونا متوافقين، بل يجب أن يوجد توافق بين صورتك أمام نفسك وصورتك التي تظهر بها للناس، وهذا لأن أي اختلاف بين الصورتين يسلمك للصراع النفسي مباشرة.

والكاتب ينصحك هنا أن توجه كل الاهتمام إلى صورتك الذاتية أمام نفسك بأن تراها دائمًا ذات قيمة، وألا تضع نفسك في أي قالب حتى ترضي الناس وحسب، لأنك مع الوقت ستجد أنك تتحول إلى شخص لا تعرفه، مُفصّل كما يناسب الناس وليس كما يناسب نفسه وحقيقته!

يوجد شيء آخر يجب أن ننتبه له جدًّا في رحلتنا للتحرر من الصراع النفسي، وهو تحقيق التوازن بين جوانب حياتنا المختلفة، والكاتب جمعها لنا في ثلاثة أبواب أساسية: باب العمل والمادة، وباب العلاقات، وباب الذات الذي يضم معتقداتك ونمط حياتك وأهدافك.

وانتبه أن أي خلل في الأبواب الثلاثة لا يتسبب في الصراع النفسي وحسب، بل يؤدي إلى عدد كبير من الأمراض النفسية والجسدية كالقلق والوسواس والاكتئاب والأمراض العصبية والمناعية وغيرهم كثير.

ثانيًا: صفات ضرورية للتحرر من الصراع النفسي

حتى الآن كل شيء على ما يرام، سنكون واعين ومدركين وسنحافظ على توازن حياتنا وتوافقها، ماذا بعد؟ لتستطيع أن تتحرر من الصراع النفسي يا صديقي توجد مجموعة صفات يجب أن نعرفها جيدًا، وأولها الصلابة النفسية، ولتكون صلبًا نفسيًّا تحتاج إلى النصائح التالية:

- اضبط انفعالاتك واعرف كيف تسيطر على نفسك.

- حافظ على هدوئك حتى إن كنت تحت ضغط.

- قلل من جلد الذات ونقدك لنفسك.

- فكر بشكل عقلاني وابحث عن الأشياء التي تستطيع أن تفعلها بدلًا من الانهزامية الهروب من الواقع.

- وأخيرًا لا تسمح لدوائر التفكير السلبي بأن تسحبك، لأن هذا الطريق طويل، ومن يسير في لا يرجع. 

توجد صفة لا تقل أهمية عن الصلابة النفسية، ترى ما هي؟

إنه الانضباط يا صديقي، وهو المكون الصحي الأساسي، إن أردت أن تنجح في أي شيء، حتى إن أردت أن تربي دود القز، والانضباط ببساطة هو قدرتك على التزام عاداتك اليومية والاستمرار في العمل على أهدافك مهما كانت حالتك المزاجية، ومهما كانت مشاعرك أو أفكارك، أريد منك أن تفكر معي يا صديقي ما هو مفتاح الانضباط، المفتاح هو المعنى! نعم، أن تعلم جيدًا لماذا تريد أن تلتزم العادة الفلانية، وما سيعود عليك بالتزامها، فهذا هو الوقود الذي سيحركك ويحفزك دائمًا على الانضباط مهما كانت حالتك.

وكما توجد أشياء تساعدك على الانضباط كإيجاد المعنى، توجد أشياء أخرى تعوقه، كالتسويف والكسل، وهذا هو العدو اللدود للانضباط، والمشتتات تختلف صورها، مواقع التواصل الاجتماعي، أو أشخاص، أو أفعال، والمفاجأة أن المثالية تنضم إلى القائمة وتعد واحدة من أكبر معوقات الانضباط، لأنها تقوم على توافر الظروف المثالية، وضرورة أن تكون حالتك المزاجية منضبطة، وتركيزك في أحسن حالة وكل شيء تحت السيطرة، وهذا بالضبط عكس الانضباط الذي يجعلك تعمل من حيث أنت، بمزاجك غير المنضبط ومكتبك الفوضوي، ومشكلاتك ومشكلات المناطق المجاورة أيضًا.

وماذا عن الشغف يا أخضر؟ ألن أنتظر أن يأتي؟

إن للشغف قصة كبيرة، لكنه عمومًا كالمثالية، يعطل الانضباط والاستمرارية، وانتظارك أن يهبط الشغف عليك من السماء ليكون لديك طاقة وحماس لتعمل سيضيع منك وقتًا كبيرًا جدًّا، ويجعل مستوى إنجازك في مهب الريح، لا يا صديقي، لا تنتظر الشغف، توكل على الله وابدأ وسيلحق بك الشغف.

حتى هنا عرفنا أن الصلابة النفسية والانضباط صفتان مهمتان تساعداننا على التحرر من الصراع النفسي، ويبقى أن نعرف الصفة الثالثة وهي الإتقان، والإتقان معناه أن تسعى بشكل دائم إلى التطور في عملك، وتكتسب المهارات المطلوبة لأدائه بأفضل صورة ممكنة، وعلى قدر التعب والمجهود الذي يمكن أن تبذله لتتقن عملك ستجني شعورًا بالرضا والسعادة والسلام النفسي.

أما عن الوعي فقد وعينا، والإدراك فأدركنا، وأما عن الصلابة النفسية والانضباط والإتقان فأجدنا، ألن نواجه المخاوف إذًا، أم إن رحلة التحرر من الصراع النفسي هذه رحلة إلى دريم بارك؟!

انتظر يا صديقي..

ثالثًا: لن تتحرر من صراعك النفسي قبل أن تتحرر من مخاوفك!

أتعرف فان جوخ؟ نعم.. هو ذا الفنان المشهور، ماذا كان يقول لنا؟ "ما الذي يصنعه العقل بنا؟ إنه يفقد الأشياء بهجتها ويقودنا نحو الكآبة!"، معك حق أيها العم فان جوخ، عقلنا لديه مسؤولية يتولاها من قديم الأزل، وهي حمايتنا مذ كنا في الكهف حتى الآن، وهي بالنسبة إليه أولوية كبرى لا يعلو عليها أي شيء، كل هذا جميل، لكن ما ليس جميلًا أبدًا أن عقلنا في أثناء تنفيذه لمهمة الحماية هذه أحيانًا يوقعنا في أزمات حقيقية، كالانغماس في الخوف والقلق والتوتر والتفكير الزائد، وأحيانًا يجعلنا مقيدين في منطقة الراحة، وويلك إن فكرت مجرد تفكير أن تتعدى حدود الراحة! حينها لن يسكت عقلك، سيمطرك بالمخاوف والحواجز والممانعات وانعدام الإرادة، وتكتمل الخلطة السحرية ببعض التشكيك في جدوى خروجك وقدرتك على الخروج أصلًا، ومن ثم تستسلم وترجع مباشرة إلى منطقة الراحة، وعقلك في الخلفية يقول: "وجرت الأمور كما خطط لها"، وعقلك لا يفعل هذا ليضايقك وحسب، لكن هذه هي أساليبه التي يتبعها ليحميك، وبالطبع أسلم وسيلة للحماية بالنسبة إليه هي أن تظل مكانك ولا تذهب يمينًا أو يسارًا، وبصراحة عقلك يؤدي واجبه ويحميك، يبقى أن تؤدي أنت واجبك! ستقول لي "لكن ماذا سأفعل يا أخضر؟"، أحضر ورقة وقلمًا واكتب معي يا صديقي: مطلوب منك أن تستغل هذه الحماية وتوظفها لمصلحتك. كيف؟ بأن تفهم الرسائل التي يرسلها عقلك، وهل هي أسباب منطقية أم مجرد أساليب حماية غير مبررة، والمفاجأة أن معظم الرسائل مخاوف غير حقيقية، ودورك هنا أن تتجاهل هذه الأفكار تمامًا ولا تدخل معها في أي حوار ولا تقول إنها صواب أو خطأ، لأنك عندما تتدخل مع مخاوفك في حوار -حتى إن كنت تجمع الأدلة على عدم صحتها وتقول لها أنت خطأ- فأنت تعطيها قيمة من وقتك وجهدك وسلامك النفسي، وهكذا تجعلها تكبر وتسيطر عليك أكثر.

ومن حيل العقل أيضًا أن يقنعك بأن التفكير والاستغراق في تحليل الماضي والحاضر والمستقبل هذا حل للمشكلة، لكن، كما قلت لك، التحليل ومراجعة النفس مهمان بالطبع، ولكن زيادتهما مضرة جدًّا وتسحب الإنسان وتبعده عن الواقع وتعطله عن الحلول الفعلية التي يستطيع أن يطبقها على أرض الواقع. وأريد أن أخبرك أيضًا بشيء يسمى المحاكاة العقلية، وهي أن تقرأ وترى وتسمع وتجلس مع أشخاص لديهم المحتوى الموجود في عقلك نفسه، فمثلًا لو كنت حزينًا، تسمع حمزة نمرة ويكون لديك يوم طويل من "متغير ياما عن زمان" و"تهبي يا رياح الحياة دايمًا بما لا أشتهيه"، أو تشاهد فيلمًا حزينًا، أو تقرأ اقتباسات وخواطر حزينة، أو تلجأ إلى صاحبك الحزين وتُنشِئا شركة المكتئبين للشكوى! إذًا ما مشكلة المحاكاة؟ مشكلتها أنها تزيد من مشاعرك وتحبسك في هذه الدائرة، فقليل من المحاكاة لا بأس به، ولكن كثيرها شكل من أشكال الإدمان، فاحذرها يا صديقي.

الآن سأعطيك بعض النصائح التي ستساعدك على أن تتعامل مع الخوف:

- تقبل مشاعر الخوف ولا تحاول أن تكبتها، اتركها تأتي وتذهب في سلام.

- اكتب قائمة بأكبر مخاوفك، وحدد ما أنت مستعد لمواجهته وما لست مستعدًّا له.

- لا تنسَ أن تسأل نفسك "ماذا لو حدثت مخاوفي فعلًا؟"، واعرف كيف ستتصرف وقتها.

- ابحث بداخلك عن نفسك الحقيقية بعيدًا عن القوالب التي وضعت نفسك فيها، وحاول أن تخرج من هذه القوالب وكن على طبيعتك، فربما هي سبب الخوف، من يعلم؟!

- تأكد قبل أن تتخذ أي قرار أن الخوف ليس هو الدافع، لأن ما يبنى على الخوف باطل كزواج عتريس بفؤادة.

- جرب يا صديقي، لأن التجربة هي البرهان الواضح الصريح على خطأ مخاوفك، والتجربة هي المرجعية التي يعتمد عليها عقلك في كل شيء، ومع كل تجربة جديدة تعرف نفسك وقدراتك وتكسر حواجز الخوف وترفع تصوراتك عن نفسك وعما تستطيع أن تفعله.

 رابعًا: الصراع العاطفي والاجتماعي

تعالَ نختم رحلتنا مع التحرر من الصراع النفسي بحل المشكلات العاطفية والاجتماعية، والحقيقة أنه يوجد كم كبير من الأنماط السلبية والعقد النفسية التي يمكن أن تظهر في علاقاتنا، مثل:

- نمط السلبي اللطيف، وهو الذي يراعي شعور كل الناس على حساب نفسه.

- نمط القوي الزائف الذي يكون من داخله هشًّا ضعيفًا، ويحاول أن يفعل أي شيء يعوض ضعفه ويبين أنه قوي.

- نمط عقدة الخضوع، ومعناه أن الشخص لا يستطيع أن يواجه الآخر مهما أخطأ في حقه، ودائمًا يخاف من ردود أفعاله.

- عقدة المسؤولية، وهنا يشعر الشخص بمسؤولية كاملة عن كل شيء في حياة الطرف الآخر حتى إن لم تكن له علاقة بها.

- عقدة البطل، وهنا يكون الشخص مصلحًا اجتماعيًّا وطبيبًا نفسيًّا وحلّال العقد لكل الناس.

- عقدة العطاء، التي يعطي صاحبها بشكل مفرط جدًّا، وليس في قاموسه كلمة رفض أو "لا".

ولأن لسان حالك بالتأكيد يقول "كفى عقدًا يا أخضر وأخبرنا كيف سنحل هذه المشكلة"، تعالَ يا صديقي نعرف بعض النصائح التي إن طبقناها فسنتجاوز هذه العقد وتكون لدينا علاقات مستقرة بلا صراعات:

 - تمسك بالأشخاص الذين تحبهم لأن هذا هو عمود أي علاقة.

- قدم الاحتواء في أوقات الشدة، فليحتوِ بعضكم بعضًا يا أصدقاء!

- جرب أن تنصت إلى الآخر باهتمام وحب وستدعو لي، اسمع ثم اسمع ثم اسمع.

- الدعم المادي مهم وليس شرطًا أن يطلبه الآخر، يمكن أن تفاجئه، والهدايا أيضًا من صور الدعم المادي.

- وقبل الدعم المادي يجب أن يتوافر الدعم المعنوي والتشجيع.

- وكما تعطي وقتًا لأشياء كثيرة، خصص وقتًا لعلاقاتك، وأشعر من في دائرة علاقاتك بأنك معهم ومتاح لهم.

- تابع معهم خطوات حياتهم وشاركهم أحداثك وأمورك، لأن المشاركة معناها أن العلاقة حية وفيها روح.

- وأرجوك اهتم بتفاصيلهم الصغيرة قبل الكبيرة، فهذه الأشياء فارقة لو تعلم يا صديقي!

- استشعر قيمتهم وفكر -لا قدر الله- في ما سيحدث لو فقدتهم في لحظة، أحيانًا اعتيادنا أن شخصًا ما موجود يجعلنا لا نستشعر تأثيره في حياتنا، وسؤال كهذا، على الرغم من صعوبته، فهو مهم لنتخلص من أثر الاعتياد.

- ونصيحة.. اقبلهم كما هم، ولا تضعهم في قالب أو صورة داخل دماغك ثم تحاسبهم على أنهم غير ملتزمين بقوالبك ويتصرفون بطبيعتهم، نحن لا نغير الناس، نحن نختار من يتوافق معنا ونرتاح له كما هو من البداية.

وهكذا يا صديقي تكون انتهت رحلتنا للتحرر من الصراع النفسي، أتمنى أن تخوضها الآن وتشاركني استعدادك لهذا في التعليقات.