لماذا لم يخبرني أحد بهذا من قبل؟

Book-Cover

 المقدمة

مزاجك سيئ؟ 

ليس لديك حافز لتعمل؟ 

لا تستطيع أن تتعامل مع قلقك والانتقادات التي توجه إليك؟

لا بأس يا صديقي؛ كل هذه مشكلات عادية.

عادية؟! ماذا تقول يا أخضر؟

نعم يا صديقي، كما أقول لك.. عادية، وكما قالت جولي سميث مؤلفة كتاب اليوم لكل من ذهبوا إلى عيادتها لأن عندهم مشكلات، وبعدما انتهوا وافقوها فعلًا وسألوها سؤالًا مهمًّا.. "لماذا لم يخبرني أحد بهذا من قبل؟"، وهذا هو العنوان الذي اختارته المؤلفة لكتابها.

الآن تعالَ نعرف كيف نتعامل مع سوء المزاج..

مزاجك سيئ

ولنتعامل مع مزاجنا يجب أن نعرف كيف يتكون المزاج أصلًا، أولًا يقرأ المخ البيانات القادمة إليه من الجسم، كمعدل ضربات القلب والتنفس والضغط والهرمونات والمعطيات التي تصل إلى حواسنا، ثم يقارنها بالبيانات الموجودة عنده من ماضينا وذكرياتنا وأفعالنا وقراراتنا السابقة، وعلى أساسها يقرر رد الفعل المناسب.

فلو سكبت بعض الينسون الساخن على نفسك ولُسِعت فهذا معطًى، يستقبله مخك ويراجعه مع ذكرياتك القديمة التي تقول إنه في يوم 23 أغسطس 2016 وقع من يدك كوب ينسون، وبعدها سقطت جارتكم التي في الدور السابع في شرفة جارتكم التي في الدور الرابع فكُسِرَت، وبعدها اصطدمت سيارتك وتضايقت، فحسب هذه الذكرى، هذا واحد من أيام النحس الذي تحدث لك فيه أشياء سيئة، فيتعكر مزاجك.

وتقول لنا الكاتبة إننا إن استوعبنا هذه العملية يمكن أن نقلل من سوء مزاجنا ونمنعه قبل أن يحدث، وأنا أقول "نقلل" وليس "نلغي" كما هو منتشر في كتب التنمية ومواقع التواصل الاجتماعي حاليًّا، "اجعل أفكارك كلها إيجابية"، و"تخلص من الطاقة السلبية في حياتك".

هذا ليس صحيحًا يا صديقي، هذه الكتب تقول لك إنك إن فكرت بشكل إيجابي فسيصبح مزاجك إيجابيًّا، لكن ما تهمله هو أن العلاقة عكسية، وإن لم يصبح مزاجك إيجابيًّا فأفكارك لن تكون إيجابية، بالإضافة إلى أنك عندما تكون غاضبًا متضايقًا كيف ستستطيع أن تفكر في أفكار إيجابية، سيكون الأمر صعبًا!

حسنًا.. وكيف أعي هذه العملية أيها الرجل الأخضر؟

بشيئين يا صديقي: الأول: إدراك أنك عندما تتفاعل مع الحياة لا تتفاعل بشكل منفصل، فطبعًا لا تسخن مشاعرك الشاي، وتلعب أفعالك الدومينو مع انفعالاتك، في الوقت الذي تعيش فيه أحاسيسك قصة حب، لا، هذه الأشياء الأربعة تكون متصلة معًا في كتلة واحدة عندما تتفاعل مع موقف ما، ولتستطيع أن تواجه مزاجك السيئ يجب أن تفكك الأشياء الأربعة، ولتفككهم ستستعمل الشيء الثاني وهو أداة التدوين، عن طريق أن تختار واحدة من لحظات مزاجك السيئ التي حدثت لك من قبل أو خلال يومك، وتمعن النظر فيها وتحاول أن تفكك أفعالك ومشاعرك وانفعالاتك وتعرف كيف كانت في هذه اللحظة، والاستمرار على هذا التمرين سيكوّن عندك القدرة على ملاحظة تفاصيل اللحظات السيئة عندما تحدث وتستطيع أن تغيرها، بمعنًى آخر ستنفصل عن اللحظة السيئة لحظة حدوثها. 

فإذا سكبت الينسون في ما بعد عن طريق الخطأ فستكون مدركًا ماذا سيفعل المخ وماذا سيستعيد، وكيف يستنتج مزاجك، لكنك الآن تلاحظ هذه العملية وهي تحدث، وتقدر أن تمنع المزاج السيئ قبل أن يتكون، وهذا سيساعدك على المدى البعيد أن تكون مدركًا لطبيعة ذاتك، وأن ليس سكب الينسون هو الذي يضايقك، أنت أصلًا لا تحب الينسون، ما له الشاي؟ هل يجب أن نخترع.

الحافز

حسنًا، هذا عن الأيام التي يكون مزاجك فيها سيئًا، أما الأيام التي يكون مزاجك فيها على ما يرام وعندك حافز على أن تتحرك وتنجز، فيجب أن تتعلم شيئين:

1. أن الحافز كمشاعر السعادة والحزن وغيرها، يأتي ويزول.

2. أنه بناءً على ما سبق، يجب أن تتعلم كيف تستغل الحافز عندما يأتي وتحافظ عليه، وتتعلم كيف تنجز العمل حتى وأنت لا تملك حافزًا أو رغبة في إنجازه.

وممارسة التمارين الرياضية هي أبسط الأمور لتزيد فرص أن يكون عندك حافز أغلب الأيام، وأن يستمر معك أطول مدة ممكنة، فالدراسات تظهر -حسب ما تقول الكاتبة- أن أي تمرين يتجاوز مقدار حركتك العادية ولو بمقدار صغير جدًّا يعزز قوة إرادتك، فبلا تمارين لا يوجد حافز، ومع التمارين سيصبح لديك حافز، وعليك الاختيار يا صديقي.

وبجانب التمارين، من المفيد لك أنك تظل على اتصال دائم بأهدافك، وترى نفسك كل يوم تقترب منها، هذا سيساعدك أن تتحفز دائمًا للاستمرار وتحسين نفسك، وطريقة هذا أن تحضر كراسة أو دفتر التدوين الذي تكلمنا عنه حين تكلمنا عن المزاج، وتخصص له جزءًا منفصلًا وتكتب فيه يومياتك، ليس ضروريًّا أن تكتب صفحات، يكفي عندما تستيقظ أن تكتب شيئًا أو شيئين يقربانك من هدفك، وقبل أن تنام تكتب كيف قربك من هدفك ما حققته اليوم.

أما عن الأيام التي ينعدم فيها الحافز ويتركنا نتعامل وحدنا مع المهام دون شغف ولا رغبة في الاستمرار، فسنواجهها بأن نكوّن عادات، فإن اعتدت أن تغسل أسنانك كل يوم في الصباح بمجرد أن تستيقظ، فهذه عادة مترسخة عندك تفعلها بشكل تلقائي دون أن تركز، بغض النظر عن إذا كانت عندك الرغبة في فعلها أم لا.

ينطبق الأمر نفسه على الأشياء المهمة التي نرغب في إنجازها كالمذاكرة والتمارين وخلافه، حدد وقتًا ثابتًا كل يوم وكررها لفترة زمنية كبيرة حتى تترسخ عندك تَرَسُّخَ العادة، وإذا أردت أن تستزيد في كيفية تكوين العادات فتطبيق أخضر سيساعدك بملخصات كتب النمو الشخصي وتكوين العادات، اسمعها في 15 دقيقة من خلال هاتفك. 

الألم الانفعالي

وبالعودة إلى الأيام السيئة أحيانًا تقابلنا مشاعر انفعالية شديدة، شديدة لدرجة الألم، كل شيء سوداوي، كل شيء حزين، كل مشاعرنا عبارة عن ألم جديد، تفكر.. "ما الفائدة؟ لماذا يجب أن أستمر ما دامت المشاعر المؤلمة تلازمني على أي حال؟"، تنزوي تدريجيًّا وتحاول أن تتجاهل مشاعرك، لكن لا تستطيع، فتقرر أن تذهب إلى معالج نفسي ربما يستطيع أن يخلصك من هذا الألم الملازم لك.

"لا.. أنت على ما يرام"، هذه في الغالب أول جملة سيقولها لك المعالج، فببساطة مشاعرنا الانفعالية المؤلمة رغم كونها مؤلمة، فإنها طبيعية جدًّا، كلنا نمر بأيام سيئة، لكن ما يجعلها أسوأ هو تصرفاتنا التي تزيد علينا صعوبة اليوم، وحتى لا نفعل ذلك نحتاج أن نعرف أن:

مشاعرنا المؤلمة تخميناتٌ من دماغنا ووجهات نظر يحاول أن يفسر بها العالم من حوله، ودورنا ليس التحكم في عملية إطلاق المشاعر في أدمغتنا، بل تعلم كيف نتحكم في هذه الحالات الانفعالية حتى لا تجعل حالنا تسوء أكثر، وهذا عن طريق أن نرجع خطوة إلى الوراء ونتأمل حالنا الحزينة هذه، ونقيم هل هي فعلًا انعكاس للواقع أم هي وجهة النظر التي طرحها دماغنا ومن ثم تبنّيناها مباشرة، كن فضوليًّا تجاه مشاعرك وانفعالاتك المؤلمة، واطرح على نفسك الأسئلة لتتعلم أن "مشاعرك ليست حقائق".

تجنب أكثر الأشياء الخطأ التي نفعلها عندما تصيبنا هذه المشاعر، كمحاولة صدها وتجاهلها لأنها مؤلمة، ففي الحقيقة هذا يجعلنا نتألم أكثر؛ المشاعر كأمواج البحر التي تصطدم بنا ونحن نسبح، محاولة صدها أو منعها مجرد عبث، اترك موجة الحزن تمر بألمها وحزنها وسوداويّتها، وركز على أن يظل رأسك فوق المياه، وبمجرد أن تمر ستكون قد انتصرت عليها وتجاوزتها. 

بمعرفتك لهذه المشاعر المؤلمة بالتأكيد ستدرك أنها ليست مشاعر سعادة ولا حزن وليس لها وصف محدد في القاموس الذي نعرفه، دورك الآن أن تعرف مشاعرك وتعطيها اسمًا وتحدد مواصفاتها لتستطيع أن تميزها عندما تحدث مرة أخرى ولا تقع فيها.

حافظ على السلوكيات المهدئة للذات في أوقات الكرب، فمشاعرك تعطي ألمًا وحزنًا وكآبة لدماغك، دلل دماغك وامنحه حمّامًا ساخنًا ودردشة لطيفة مع صديق متفهم، وبعض تمارين الاسترخاء، ومشروب شكولاتة ساخنًا وحلقة لأخضر كاست، الحياة ما زالت بخير. 

التعامل مع الرفض والانتقادات

كلا يا أخضر، لم تعد بخير؛ لقد انتقدوني ورفضوني وسأعود لأنتقم، سأنتقم سأنتقم سأنتقم!

يا إلهي! ثلاثة "أنتقم"؟! انتظر يا صديقي وتمالك أعصابك، ما ضرنا إذا انتُقدنا أو ورُفِضنا؟ هذا شيء يمر به كل بني آدم، أنت فقط تحتاج أن تتعلم كيف تتعامل مع الانتقادات وكيف تستفيد منها، وهذا عن طريق أن..

- تبني قدرتك على تحمل النقد بأن تشعر بقيمتك الذاتية، فمعرفتك لذاتك ستساعدك على أن تميز الملاحظات السلبية التي تنبهك لعيوبك التي تحتاج أن تقومها، من الملاحظات السلبية التي لا أساس لها أو ليست فيك أصلًا، والوصول إلى قيمتك الذاتية يكون عن طريق أن تسأل نفسك من أنت، وماذا تريد أن تكون، ويمكن أن تستعين خلال هذا بكتابة اليوميات والذهاب إلى المعالج النفسي، والحديث مع أصدقائك، وتلبية احتياجاتك النفسية والجسمانية وقتما تظهر، هذه الأشياء ستساعدك على أن تعرف نفسك أكثر وتتقبل الانتقاد بشكل أفضل.

- وبعد أن تعرف نفسك يمكن أن تحب رسم صورة تفصيلية لها في المستقبل، وهذا ما يسمى لوحة قبول الذات، وهي لوحة متخيلة للشكل الذي تريد أن تكون عليه حياتك، تحدد تفاصيلها من خلال الأسئلة التي تطرحها على نفسك، مثل:

- كيف ستكون حياتي إن كنت متقبلًا لذاتي؟

- وما الذي سأفعله بشكل مختلف وقتها؟

- ما الذي سأقول له نعم؟

- وما الذي سأقول له لا؟

- وما الذي سأبذل فيه مجهودًا أكبر؟

- ما الذي سأستغني عنه؟

- كيف سأتكلم مع نفسي؟

- كيف سأتكلم مع الآخرين؟

وغيرها من الأسئلة التي إن أجبت عنها بالتفصيل فسترسم صورة أوضح للشكل الذي تريد أن تكون عليه حياتك في المستقبل، مما سيمكنك من التعامل مع الانتقادات بشكل أكفأ، ودون انتقامات.

التعامل مع الخوف

هكذا نكون قد عرفنا كيف نتعامل مع مزاجنا السيئ ومشاعرنا المؤلمة والانتقادات التي توجه إلينا، ويبقى أن نتعلم كيفية مواجهة الإحساس الأخير الصعب، وهو الخوف.

الخوف استجابة طبيعية لغريزة البقاء عند الإنسان، يحدث عند إحساس الإنسان بالخطر، وهدفه أن يساعده على الهرب بأقصى سرعة من الخطر، لكن إن تركناه يسيطر على مشاعرنا دائمًا فسيسرق منا حياتنا ويمنعنا من الاستمتاع بها، وهذا لأن منظومة الاستجابة للخطر لا تميز الخطر الحقيقي من الخطر المزيف، فمثلًا إن طُلب من حسين أن يقدم عرضًا لأول مرة في الكلية فسيشعر أن نبضات قلبه تزداد وجسمه يتوتر ويتيبس، ويريد أن يهرب من العرض بأي ثمن حتى إن كان لن يحصل على درجته، ما حدث لحسين هنا هو قراءة حالته الجسدية من المخ وتفسيرها على أنها خوف، وأن الموقف الذي يتعرض له حسين خطر ويجب أن يهرب منه في الحال.

إذا استجاب حسين لدماغه وهرب من العرض فسيؤكد لدماغه أن العرض من الأشياء المرعبة التي تستحق الهرب منها فورًا، أما إن انطلق وقرر أن يقدم العرض على أي حال فسينفي نظرية المخ عن كون العرض من الأشياء المرعبة التي تستحق الخوف والهرب.

وسواء في الحالة الأولى أم الثانية، فالفعل الذي سيتكرر هو الذي سيحتفظ به المخ، لأن الأفعال المتكررة أقوى بالنسبة إلى المخ من الكلام المتكرر، فلو قررت ألا تهرب من خوفك وأن تواجهه كل يوم سواء في أنشطة كبيرة أم صغيرة، فستعوّد مخك مواجهة المخاطر، وتدريجيًّا سينشأ عندك إحساس بالتطور والنمو.

وللتقليل من أثر الخوف والتوتر في حياتنا يمكن أن نلجأ إلى التمارين الرياضية لحظة الإحساس بالخطر، لأن أجسامنا لحظة الخطر تطلق الأدرينالين في كل عروقنا، ونحن عندنا طاقة زائدة سنخرجها في التمارين والحركة وهذه طريقة جيدة لأنها تعد المسار الطبيعي للاستجابة للخطر، لكن مع الأسف هذا ليس متاحًا في كل المواقف، فأنت لن تمارس رياضة الضغط خمسين مرة في العمل مثلًا دون مبرر، فساعتها ستلجأ إلى التمرين الثاني وهو تمرين التنفس، وفكرته بسيطة.

عندما تقلق أو تخاف يزيد معدل تنفسك ونبضات قلبك لأن جسمك يستعد ويتحفز للحركة، فتحتاج إلى نسبة أكسجين أكثر، ونحن سنعكس العملية، بمجرد أن نجد معدل التنفس يزيد نبطئ التنفس بأن نجعل زمن الزفير أطول من زمن الشهيق، مما يبطئ نبضات القلب ويرجعه إلى الوضع المتوازن.

الخاتمة

وهكذا يا صديقي تكون قد امتلكت أدواتك اليومية التي ستساعدك على مواجهة الحياة، لكن انتبه، فهي لن تكون ذات فائدة إلا إن طبقتها وأدخلتها حياتك وصبرت عليها حتى يظهر مفعولها، فأدخلها تدريجيًّا في حياتك في شكل عادات صغيرة.
اعرف نفسك بالتدوين، اكتب هدفك صباح مساء وركز عليه لتحافظ على حافزك، وكون عادات جديدة تقربك من هذا الهدف، وتمرن وحافظ على تمارين تنفسك عندما تقلق، وواجه كل يوم شيئًا يقلقك وإن كان صغيرًا لتتعود أن تتجاوز خوفك، واعرف أنه حتى لو لم يخبرك أحد بهذا من قبل، فأخضر موجود ليخبرك.