7 خطوات لكسب أي نقاش

Book-Cover

 مقدمة

هذا أحمد، محترف في النقاشات، لم يخُض نقاشًا إلا وغلب الطرف الآخر، لا يهم إن كانت أفكاره صحيحة أم لا، ولا يهم ما يريد أن يقوله له الطرف الآخر، يخوض أحمد النقاش وعنده هدف واحد فقط هو أنه ينتصر، وطبعًا يجهز حججه ليخطِّئ الطرف الآخر، ليس هذا فحسب، إذ تكون نيته في الحوار العادي أن يظهر دائمًا على حق، ولا يسمع من حوله، مما جعل أصحابه يتجنبون الكلام أمامه، وحتى مواقع التواصل الاجتماعي لم تسلم منه، كل تعليقاته ومنشوراته إثارة جدل ونقاش مع أي مارٍّ ليثبت أنه على حق، دمه مكون من نقاش ومغالطات منطقية وكرات دم بيضاء، وهذا جعل من حوله يبعتدون عنه أكثر، استغرب أحمد هذا وعاش دور الوحيد وأن الناس تكره من يخبرها بالحق، أقصد الحق من وجهة نظر أحمد.

كان مؤلف كتابنا ميلان كوردستاني نسخةً من أحمد بالضبط في مرحلة الجامعة، فعلى الرغم من أنه كان يحاول أن يناقش الشباب في موضوعات مهمة كتقلبات المناخ والبيئة والسياسة، كان يُقابَل بالرفض في محاولاته، وحتى الذين كان يغلبهم لم يغيروا أفكارهم وكانوا يتجنبونه بعدها، وهذا جعل ميلان يسأل نفسه "ألا يمكن أن تكون المشكلة في طريقتي؟"، وبسبب هذا السؤال درس ميلان "النقاش المتحضر".

فما هو النقاش المتحضر؟ وما الفرق بينه وبين النقاش غير المتحضر؟ وما الذي يجعل الأشخاص يسمعون كلامنا؟ ولماذا يمكن أن يرفضوه وإن كان مهمًّا كما حدث مع ميلان؟ وماذا لو شعرت أني أشبه أحمد أو أعرف أحدًا يشبهه؟ كيف يمكن أن أغير هذا؟

تعالَ نعرف حكاية النقاش المتحضر، لكن دعنا أولًا نضع له تعريفًا واضحًا لتحدد يا صديقي إن كنت مثل أحمد أم لا.

النقاش المتحضر 

هذا النوع من النقاش حوار متحضر بين شخصين أو أكثر، مهما كان هدف النقاش بينهم أو حتى الاختلاف الكبير بين وجهات نظرهم، فكل الأطراف مهتمون بأن يكون التواصل بنّاءً ويعزز معرفة كل منهم لوجهات نظر الآخرين المختلفة ومشاركتهم الأفكار دون خوف، ببساطة النقاش المتحضر هو محاولة تواصل وتكوين روابط وليس مصارعة يجب أن ينتصر أحد فيها، ولا تقلق يا صديقي إن كانت هذه المعلومات جديدة عليك؛ يمكنك أن تتعلم النقاش المتحضر وتمارسه بسهولة، وتعالَ أخبرك كيف لا تكون مثل أحمد، وهذا من خلال بعض الخطوات السهلة.

التأمل الذاتي

وأول خطوة في عملية النقاش المتحضر هي التأمل الذاتي، وقبل أن تظن أني أنصحك بأن تترك النقاش وتمارس اليوجا، تعالَ أوضح لك قصدي، التأمل الذاتي عملية معناها مراجعة نفسك، وهذه الخطوة مهمة، لأن معظم الأشخاص يعتقدون أن دورهم في النقاش رد فعل، أي إنهم يتكيفون مع أفكار الآخر وردوده ويفكرون كيف يغلبونه وكيف يثبتون أنهم محقون ليغيروا أفكاره، وينسون أنفسهم تمامًا، بينما في الحقيقة التركيز على نفسك وأفكارك وطريقتك مهم جدًّا كأهمية تركيزك على الطرف الآخر، والتأمل الذاتي بسيط جدًّا، كل ما تحتاج أن تفعله أن تراجع نفسك وردودك بعد كل نقاش، وتسأل نفسك أسئلة مثل: هل أعطيت فرصة للشخص الآخر ليتكلم؟ هل سمعته جيدًا؟ هل كنت سلبيًّا هجوميًّا؟ وهل كنت متحيزًا إلى وجهة نظري فقط ونيتي أن أثبتها؟ والسؤال عن النية تحديدًا مهم جدًّا يا صديقي، لأن هذه الخطوة الثانية في النقاش المتحضر.

النية والتحيزات 

إن تحديد النية الذاتية صعب جدًّا، فعلى الرغم من أننا يمكن أن نفترض نيات من حولنا ونقنع أنفسنا بها دون أن يوضحها الطرف الآخر، فإننا ننخدع عندما نحاول أن نحدد النية الذاتية، فمثلًا أنت خُضتَ نقاشًا مع صاحبك في السياسة وكل أصحابكما حضروا هذا النقاش، ونيتك وقتها كانت أن تنتصر وتستعرض قدراتك في النقاش، لكن عندما تمارس خطوة التأمل الذاتي سيقول لك عقلك إن نيتك كانت أن تفيد صاحبك وتسمع وجهة نظر أخرى تضيف إليك أكثر، وسيعطيك الحجج التي تقنعك بهذا لتريح دماغك من التفكير، وهذا خطأ جدًّا ويجب أن تكون واعيًا به.

حسنًا.. ماذا أفعل إن كان تحديد النية صعبًا ولم أستطع أن أحدد نيتي قبل بداية النقاش أصلًا؟

الإجابة ببساطة أن تجعل نيتك أن تفيد وتستفيد، ذكّر نفسك بهذا وكرره داخل عقلك قبل كل نقاش، هذا سينبهك عندما تنحرف نيتك وترى النقاش حلبة مصارعة تستعرض فيها قدراتك، والأهم طبعًا ألا تفترض نيات من حولك، لأن هذا سيجعلك تصدر أحكامًا غير صحيحة، وستفسر كل كلامهم كما تحب. أسمعك يا من تقول "لكن عقلي يفترض نيات من حولي ويحكم عليهم بشكل فطري، فكيف أتصرف؟". 

الثقة

هنا يأتي دور الخطوة الثالثة وهي الثقة، فكما حددنا أن نيتك هي أفِد واستفِد، سنفترض أن نية الطرف الآخر كنيّتك، حتى إن كان هذا الطرف غريبًا عنك وهذه أول مرة تقابله فيها، ولا تُخطئ فهمي يا صديقي، أنا لا أقول لك أعطه الثقة التي تجعلك تشاركه معلوماتك الشخصية المهمة، بل أقصد أن تثق بالشخص من حيث أنه يقدر أن يشارك معك في نقاش متحضر إلى أن يثبت العكس، وسأقول لك كيف تميز هذا العكس.

لنفترض أنك لم تشعر بالراحة خلال نقاشك مع هذا الشخص، هنا يجب أن نميز إن كان هذا شعور عدم راحة لأنه يعرض وجهة نظر مختلفة عنك وغريبة عن خلفيتك الثقافية والاجتماعية، وحينها تهدأ ولا تبدي رد فعل سلبي بناءً على أحكامك المسبقة وتسمعه حتى ينتهي وترد، أم إن هذا شعور عدم راحة لأنه يشتم مثلًا أو يعرض وجهة نظر عنصرية أو عنيفة ضد فئات معينة، أو لا يعطيك فرصة لتتكلم، أو ليس عنده أدلة تدعم كلامه ويهاجم فقط، وفي هذه الحالة نبِّه الشخص أو اعتذر إليه ولا تكمل النقاش. 

أعرف أني أطلت الكلام ولم أقُل لك كيف تتكلم في النقاش لتفيد من حولك وتستفيد منهم، لكني لن أقول لك الآن كيف تتكلم، بل سأعلمك أولًا كيف تسمع، فيا صديقي قبل أن تنتظر من الناس أن يسمعوا كلامك يجب أن تسمعهم أنت أيضًا، ألا يقول المثل "لو كان الكلام من فِضة فالسكوت من ذهب"؟

 الاستماع الفعال

لذا فالاستماع الفعال هو الخطوة الرابعة.

وما الفرق بين الاستماع الفعال والاستماع العادي؟ لأُسَهِّل عليك الأمر دعنا نفترض أنك تجلس مع صاحبك وهو يحكي عن حبه لهواية التصوير وأنه سيشتري كاميرا قريبًا، وأنت صامت وتسمع صوته فعلًا، لكن لو دخلنا عقلك لوجدناك تفكر ماذا ستتغدى عندما تعود إلى المنزل وهل ستشاهد مباراة اليوم أم لا، وعندما يسألك صاحبك ستجد أنك لا تتذكر شيئًا، وهذا سيُوصل إلى صاحبك أو أي أحد سيناقشك شعورًا بعدم الأهمية، مما سيجعله يتفاعل بسلبية مع كلامك في ما بعد مهما كان مفيدًا، وهذا هو الاستماع العادي، هو أن تسمع صوتًا لكنك لا تركز على المضمون. أما لنتحدث عن الاستماع الفعال فيجب أن نرجع إلى موقف صاحبك وهو يحكي لك عن التصوير، هذه المرة ستركز على نبرة صوته ولغة جسده، وتتفاعل مع كلامه وتسأله عن نوع الكاميرا التي سيشتريها أو تطلب منه معلومات أكثر. 

حسنًا.. الآن أنت اقتنعت بنصيحتي وتريد أن تسمع من حولك بشكل فعال، لكنك تتشتت بسرعة، سأخبرك بالحل، أولًا اختَر مكانًا تتكلم فيه أنت وصاحبك بحيث لا يكون فيه ضوضاء مثلًا أو مليئًا بأشخاص يتكلمون، وكل الكلام فيه متداخل، ثم تبذل جهدًا لتركز وتوصل إليه أنك لا تسمع صوته فحسب، بل تنصت إليه، ويمكن أن تفعل هذا من خلال عدة طرائق، فمثلًا يمكن أن تعيد كلام صاحبك بصيغة مختلفة، فإذا قال لك: أنا أحب التصوير جدًّا لكن الكلية تستحوذ على كل وقتي، فقُل له: فهمت أنك تشعر بالإحباط بسبب ضغط الوقت، أو يمكن ببساطة أن تهز رأسك وتقول كلمات مثل "اممم" أو "نعم"، وبالطبع يجب أن تركز وألا تقول هذه الكلمات على سبيل تأدية الواجب، كما يمكن أيضًا أن تطرح الأسئلة، لكن بالتأكيد ليس أي أسئلة، فلن تسأله عن نتيجة مباراة أمس وهو يكلمك عن التصوير، لكن يمكن أن تسأله عن نوع الكاميرا التي يريد أن يشتريها، وهذه كلها طرائق يمكن أن تجمعها معًا وتستخدمها دائمًا، ومع الممارسة ستجد أنك تسمع من حولك جيدًا. 

وبعد خطوة الاستماع يأتي دور خطوة مهمة مرتبطة بالاستماع، وهي الخطوة الخامسة في عملية النقاش المتحضر واسمها الانتباه.

الانتباه 

الانتباه هو أنك بعد أن استمعت لكلام صاحبك، تصدر ردودًا إيجابية في سبيل أن تشعره بالراحة ليكمل كلامه، والردود الإيجابية كلام فقط، فمثلًا لغة جسدك وأنت تكلمه يجب أن تبين أنك مهتم بالكلام ومهتم بأن تسمعه، فلا تنظر إلى ساعتك كثيرًا، ولا تمسك هاتفك وتتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ولا ترد على مكالمة قبل أن تستأذن الطرف الآخر، ولا تنظر إلى السقف وأنت تكلمه، بل ركز عليه، وابتسم إن كان الموقف مناسبًا، وحاكِ حماس الطرف الآخر إن كان يحكي عن شيء حماسي، وإن اختلفت معه في ما يقوله فلا تقاطعه، وإذا خاف أن يعرض وجهة نظر ما، فشجعه حتى إن كنت مختلفًا معه، والهدف من كل هذا أن تزرع شعورًا بالراحة عند الطرف الآخر، ومن ثم يتقبل كل منكما كلام الآخر وتتكون بينكما صلة حقيقية. 

أسمعك يا من تقول لي "يا أخضر.. لقد حسّنت نيتي وراجعت نفسي وسأسمع من حولي قبل أن أتكلم، إذًا كيف أتكلم؟".

هذا ما سأشرحه لك يا صديقي في الخطوات القادمة.

نبرة الصوت

الخطوة السادسة هي نبرة الصوت، ومهم قبل أن تتكلم أن تحدد كيف تريد أن يصل كلامك، فلنفترض مثلًا أنك طلبت من زميلك في العمل مهمة عاجلة بنبرة صوت يغلب عليها الضحك والمزاح، وعندما سألته عن المهمة في اليوم التالي وجدت أنه لم ينجزها، فاللوم ليس عليه وحده، بل عليك أنت أيضًا، لأن نبرة الصوت مهمة كالكلام الذي تريد أن توصله بالضبط، وهذا لأن في أوقات معينة يجب أن تكون نبرة صوتك حازمة، وفي أوقات أخرى يتطلب منك الموقف أن تكون نبرتك متعاونة، وأيضًا عندما تشرح وجهة نظرك ستحتاج أن تغير نبرة صوتك وتبرز الجمل المهمة والأفكار التي تريد أن تؤكدها.

وإتقان فن نبرات الصوت يحتاج منك إلى تمرين بسيط، يمكنك أن تسمع TED Talks وتتعلم من الذين يتكلمون على المسرح، ويمكن أيضًا أن تحضر نقاشات متحضرة كثيرة على أرض الواقع أو عبر الإنترنت وتتعلم من الأشخاص المحيطين بك كيف تتغير نبرات أصواتهم مع الكلام، لكن المهم ألا تقلد نبرة صوت أحد، والهدف من هذه التمارين أن تتعلم المواقف المختلفة والرابط بين الكلام ونبرة الصوت، وتطبق هذا على نبرتك المميزة. 

لكن ماذا لو كنت لا تستطيع تغييرَ نبرة صوتك جيدًا، وتتعرض في أوقات كثيرة لردود سلبية وفهم خطأ بسبب هذه المشكلة؟ كيف تتصرف؟ 

ببساطة يا صديقي اعتذر إلى الشخص ووضح نيتك من الكلام، ووضح بشكل مباشر أنك لا تقصد الشعور السلبي الذي وصل إليه منك، واشرح كلامك مرة ثانية بنبرة صوت غير عالية حتى لا تصعّد الموقف، فلا يصح عندما يخطئ أحد فهمك ويشعر بالإهانة من مزاح قُلتَه بنبرة صوت جادة، أن تصرخ في وجهه لتبرر أنك لا تقصد.

أما إذا أنت شخصيًّا لم تفهم قصد أحد من نبرة صوته ووصل إليك شعور سلبي عنه، فماذا يمكنك أن تفعل؟

وضح شعورك لهذا الشخص ووضح له ما فهمته وأعطه الفرصة ليعتذر ويوضح النية من كلامه، فمن الوارد أن يكون هذا مجرد سوء فهم. 

المساحة المشتركة 

وصلنا إلى الخطوة السابعة الأخيرة في النقاش المتحضر، وهي المساحة المشتركة، نحن البشر نعيش على الكوكب نفسه وننتمي إلى الفصيلة نفسها، إلا إن كان لك صديق فضائي مثلًا، ساعتها لن تنفعك قواعد النقاش، والمهم أننا -البشر- نتفق على حقيقة أننا نمر بالمراحل العمرية نفسها ونهايتنا الموت، وعلى الرغم من كل نقاط التشابه هذه، فالاختلاف هو الذي يحكم تعاملنا معًا، ستجد أنك تلاحظ فقط فرق العرق والنوع والخلفية الثقافية والطبقة، وأنا هنا لا أنصحك بتجاهل الاختلافات يا صديقي، لكن أنصحك أيضًا بأن تلاحظ المتشابه، وهذا لأن المتشابه هو الذي سيخلق مساحة الحوار المشتركة التي ستساعدك أن تتناقش بشكل متحضر مع شخص مختلف عنك تمامًا. 

وخلق هذه المساحة المشتركة يكون من خلال عدة خطوات، هي: التعاطف ومعناه شعورك بالرغبة في أن تتفهم شعور أحد وإن لم تختبره، وهذا شعور فطري، ستلاحظ أننا نتعاطف مع ضحايا الحوادث مثلًا حتى إن لم نعرفهم. وبعد التعاطف تأتي خطوة ملاحظة نقاط التشابه لنستطيع بعدها أن ننظر إلى الاختلاف ونتكلم عنه برحابة صدر، فعلى سبيل المثال، إن كنت ستناقش مع أحد قضية سياسية فيها اختلاف آراء كبير، فلا تبدأ بسؤال عنها وتدخل في الموضوع مباشرة، الأفضل أن تتيح وقتًا للكلام عن التشابه، فيمكن أن تسأله عن صديق مشترك بينكما، أو عن الكلية إن كنتما تدرسان معًا، يا سيدي اسأله عن الغداء حتى أو عن شعوره الآن. 

الهدف من هذه الخطوات أن تشعر أنت والطرف الآخر أن بينكما تشابه رغم اختلافكما، وهذا يقلل حدة النقاش إن كان عن موضوع مهم، والأهم أنه يجعلك قادرًا على أن تتقبل اختلاف الشخص الآخر، وهو أيضًا يستطيع أن يتقبل اختلافك عنه. 

الخاتمة

وآخر شيء أريد أن أوضحه لك يا صديقي أن النقاش المتحضر لا يخلو من الخلافات، لكننا نتعامل مع الخلافات بأخلاق النقاش المتحضر وقواعده، وتذكر أن النقاش المتحضر مع المختلفين عنا يكون مثمرًا جدًّا، لأن كل شخص عنده شيء يعلمك إياه، فما الفائدة من النقاش إن اتفقنا على كل شيء، أو أن نتناقش فقط لنقنع أحدًا بوجهة نظرنا؟!