27 خرافة شعبية عن القراءة

Book-Cover

 المقدمة 

"القراءة عمل من لا عمل له".

"العلم في الرأس وليس في الكراس".

"القراءة ليست هواية ممتعة بالنسبة إليّ، لذا لا أمارسها".

"لا يا بني.. أنا كبرت على القراءة وهذه الأشياء".

"ليس عندي وقت للقراءة".

"لقد كبرت على أن أبدأ في القراءة، كان يجب أن أفعل هذا وأنا صغير".

بالتأكيد واجهتك هذه الأفكار إن حاولت مرة أن تقرأ رواية أو كتابًا، وليس شرطًا أن يقولها لك أحد، بل تجدها تتردد في أفكارك كصدى الصوت، تعارض محاولاتك للقراءة لأن لديك أشياء أهم لتفعلها، أو لأي سبب آخر من الخرافات الموجودة في عقلك الباطن.

لكن الآن سنركز على الخرافات التي تقابلك بصفتك قارئًا أو شخصًا يريد أن يقرأ، أو حتى يرغب في القراءة لكن ليس عنده شغف.

خرافات ذاتية

عندما تبدأ رحلتك في دخول عالم القراءة ستقابلك خرافات من كل الجهات، خرافات ذاتية موجودة عندك، وخرافات يرددها الناس من حولك، وخرافات ستقابلك عندما تختار أول كتاب تقرؤه، وخرافات ستتكون عندك وأنت تقرأ.

والآن سنتناول هذه الخرافات خرافة خرافة.. 

عندما يعرض عليك شخص أن تقرأ، في الغالب سترد عليه بأن "القراءة هواية غير مناسبة لك، والغناء في الحمام بالنسبة إليك هواية أمتع"، وفي هذا أنت مُحِقٌّ، إن كانت القراءة هواية فيوجد ألف هواية أكثر متعة، لكن الحقيقة هي أن القراءة ليست هواية، بل إنها من الأساسيات مثلها مثل الأكل والشرب والتنفس، لا أحد يتعامل مع التنفس على أنه هواية جانبية ولعب الكرة أمتع منه، فيقرر أنه لن يتنفس، لذا يجب أن يقرأ الإنسان ويعرف أكثر عن نفسه وإنسانيته ويطور نفسه معرفيًّا ووجدانيًّا، فالقراءة هي التي تميز الإنسان من باقي المخلوقات وتجعله إنسانًا. 

ولو عاملنا القراءة بهذا الشكل فسنكون قد حللنا الخرافة الثانية، وهي "لا أجد وقتًا للقراءة"، لأننا سننظر إليها على أنها شيء أساسي، ومن ثم سنجعل لها وقتًا أساسيًّا من روتيننا كل يوم.

- لكن عندي اعتراض صغير يا صديقي أخضر، أنا فعلًا لا أجد وقتًا فارغًا في يومي.

يا صديق أخضر، هل اطّلعت على موجز استخدامك لهاتفك اليوم؟ أغلب يومك ضائع على فيسبوك ويوتيوب وإنستجرام، هذا غير التنزه خارج الهاتف، كل ما أقوله لك هو أن تُخصص نصف ساعة كل يوم تجلس فيها مع كتاب، ولتحقق هذا إليك بعض الأفكار مثل أن:

- تخصص وقتًا محددًا للقراءة كل يوم.

- تحدد هدفًا للقراءة، كأن تقرأ كتابًا كل شهر أو عشرين كتابًا في السنة، ويُفضل أن تقسّمهم على فترات قصيرة.

- تستغل الأوقات البينية، أي في المواصلات، أو قبل المحاضرة، أو في انتظار عيادة طبيب الأسنان.

- تقرأ في المجالات التي تهمك في هذه الأوقات.

وإذا انتهيت من الخرافتين اللتين ذكرناهما فسيظهر عندك قلق من أن تتحول ويبهت جلدك وتنعزل في غرفتك وتعوي في الليالي القمرية بين الكتب وتقول كلامًا غريبًا للناس، باختصار ستقلق أن تتحول إلى قارئ انطوائي كالذين تراهم في الأفلام، لكنك لست مطّلعًا يا صديقي؛ توجد نوادي قراءة ومواقع لمناقشة الكتب ومراجعتها مثل goodreads، ومنصات تتيح لك عمل مراجعة لما قرأته كتطبيق أخضر، جربهم وستجد مجتمع قراء طبيعيين يخرجون ويتمشون ولهم أصحاب، ومنفتحين على التجارب والحياة بشكل طبيعي مثلك، وليس شرطًا أن تجدهم جميعًا يرتدون نظارات.

لكن إن كنت ما تزال قلقًا بشأن نظرك، فأحب أطمنك بأن مقالة على موقع هارفارد تصنف فكرة أن القراءة تتسبب في ضعف البصر على أنها خرافة، وأنها فقط ترهق العين، هذا لو كنت كثير القراءة ولا تترك الكتاب، ولتتغلب على هذا الإرهاق يجب أن تريح عينيك كل ساعة من الشاشة أو الكتاب، فاطمئن يا صديقي؛ عيناك في أمان.

خرافات المجتمع

وبالتغلب على أعدائك الداخليين بصفتك قارئًا، حان وقت التغلب على أعدائك الخارجيين، وهم آراء الآخرين.

عندما توضح رغبتك في أن تقرأ أو عندما يراك أحد تقرأ، سيحذرك بقوله: "القراءة ستصيبك بالجنون"، أو "ممارسة الرياضة أفيد لك"، أو "تعلّم من أرض الواقع؛ هذا أفضل من ألف كتاب"، وكل فكرة من هذه الأفكار خطأ؛ أولًا: القراءة لن تتسبب في جنونك، لكنها يمكن أن تجعلك تغير بعض المفاهيم الخطأ المنتشرة التي اكتسبتها من مجتمعك، فعندما تخرج للناس بالنسخة المحسنة سيظنون أن الكتب غيرتك وجعلتك تقول كلامًا غريبًا، لكن الحقيقة هي أن الكتب غيرتك إلى الأفضل وخلّصتك من المفاهيم الخطأ السائدة عند الناس، كما يظن الناس أنك ستُجَنّ لأن دماغك يمتلئ بالكلام الكثير الذي تقرؤه، لكن كما تعرف طبعًا "كل وعاء يضيق بما فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع". 💚

ثانيًا: القراءة لها بالفعل مردود على جسم الإنسان، إذ تجعله أقل عرضة للإصابة بالأمراض الشائعة سواء الجسدية أم النفسية، والدليل على هذا دراسةٌ أجرتها جامعة بنسلڤانيا على 1800 شخص، نصفهم غير مهتم بالقراءة والنصف الثاني قرّاء، ووجدوا أن غير القراء عندهم أمراض أكثر كالضغط والسكري والقلق والتوتر، في حين أن القراء أكثر صحة، وبعد سنة أعادوا الفحوصات فوجدوا تدهورًا في حالة غير القراء في مقابل استقرار حالة القراء وثبات صحتهم.

والسبب أن كثيرًا من الأمراض العضوية سببها اضطرابات نفسية ناتجة عن الأفكار السلبية، والقراءة تمنح صاحبها بعض العزلة عن ضغوطات حياته وتجعله يرى الأمور دائمًا بمنظور جديد يساعده على أن يواجه مشكلاته من جديد ويحلها، فالعزلة الصحية تخفف الضغط النفسي وتعطي له سعادة وراحة نفسية تبعده عن مشكلاته.

من أشهر الخرافات التي ستقال لك من المجتمع المحيط، إن "العلم في الرأس وليس في الكراس، اترك ما بين يديك وافعل شيئًا مفيدًا".

وهذه خرافة قائمة على اعتقادين، الأول أن التجربة الحياتية أفضل من التجربة المقروءة، وأن القراءة باختصار لمن لا يجد مالًا، ويهرب إليها الفقراء.

وأول معتقد هذا يتغافل عن فكرة كون الكتب تجاربَ أشخاص وما وصلوا إليه بأفكارهم أو أحاسيسهم وشاركوه معنا في كتاب، وتنسى أيضًا أنك تتعلم ما مرّوا به، وهذا شيء يساعدك أن تعيشه وتتعلمه كأنك عشت تجربتهم بالضبط، أو كما قال العقاد "حياة واحدة لا تكفيني"، وحتى إن تكلمنا عن مفهوم الخبرة المطلوبة في مقابلات التقدم إلى وظيفة، فهي بالفعل مطلوبة، لكن لا أحد سيعيّنك إن امتلكت خبرة ولم تدرس الكلام النظري قبلها في سنين من التعليم الأساسي ووصلت فيه إلى أحدث شيء في مجال تخصصك قبل أن تعمل وتضيف إليه.

وثاني معتقد أن القراءة مرتبطة بالفقر، يرد عليه كاتب آخر اسمه توماس كورلي في كتابه عادات الأغنياء، كان يُعد استبانة لمجموعة من الأغنياء والفقراء ليثبت فكرته، وهي أن ما يميز الأغنياء هو عاداتهم التي لو اكتسبها شخص فسيصبح النجاح مضمونًا له بشكل أفضل، وكان من ضمن الاستبانة "أنا أحب القراءة"، ووجد أن 86% من الأغنياء وافقوا عليها و26% من الفقراء فقط هم الذين وافقوا، فكان استنتاج الكاتب أن القراءة من الأدوات الأساسية للنجاح، لأنها تساعد الشخص على أن يطور نفسه بمجرد ثلاثين دقيقة كل يوم يخصصها للقراءة.

خرافات يقابلها المبتدئ

الآن دعنا نُعلن انتصارنا على الخرافات الداخلية والخارجية، وأننا جددنا العزم على أن نصبح قراء، حان الآن البدء في القراءة، لكن ما زالت توجد خرافات ستقابلك لحظة دخول عالم القراءة!

أُولاها أن "الروايات متعة رخيصة"، وهذه ستقابلها من فئة من القراء الذين لا يقرؤون إلا الكتب، وينظرون باحتقار إلى أي أحد يقرأ روايات على أنه بعقل رخو لا يقدر على أن يتحمل المعلومات المعقدة الموجودة في الكتب، متجاهلين الفوائدَ الأدبية والفكرية الموجودة في الروايات، وكونَ القصة أفضلَ وسيلة تواصل وُجدت بين البشر.

الروايات قصص مطولة مفصلة مليئة بتجارب وأحداث، نندمج معها ونتماهى فيها مع الشخصيات، فنعيش معهم ونكتسب خبرتهم ونحن أمام الكتاب، وتزيد حصيلة تجاربنا بإنهائنا لهذا الكتاب، فمثلًا في 2012 في دراسة بجامعة أوهايو، وُجد أن القراء الذين تماهوا مع قصة شخصية خيالية مرت بكثير من العقبات في سبيل أن تدلي بصوتها في الانتخابات، كانوا أكثر ميلًا إلى التصويت في الانتخابات الحقيقية، وقصص هاري بوتر التي جعلت الشباب في بريطانيا أكثر إيجابية في تعاملهم مع الأقليات المهمشة من حولهم، فالخلاصة أن الرواية لها فوائدها ومتعتها كالكتب الأصلية.

وإن قررت أن تقرأها وتتصالح مع الروايات وأردت أن تختار، فستواجه خرافة الكتب والروايات الأكثر مبيعًا، وتفكر أن تشتريها، ثم تجدها مملة غير مناسبة لك، فتقول "أرأيت يا أخضر؟ هذا كتاب أعجب الجميع ولا أفهم منه شيئًا، وهذه رواية منتشرة لكنها مملة ولم تجذبني، قلت لك من البداية إن القراءة ليست لي!".

يا صديق أخضر، لهذا قلت لك لا تختر الكتاب لمجرد أنه الأكثر مبيعًا، اختر الكتاب الذي يخدم أهدافك واحتياجاتك الشخصية، اختر الكتب والروايات في المجالات التي تحبها وستحتاج إليها في حياتك، ولا تختر على أساس احتياجات غيرك، جرب ذوقك وتكفيك متعة البحث والاختيار.

حسنًا يا أخضر، لقد عرفت أهمية القراءة، لكنّ سني كبيرة قليلًا على هذا الكلام؛ سأعلم ابني القراءة منذ صغره، لأنني كان يجب أن أتعلمها منذ الصغر، إلى اللقاء يا أخضر، ليس لي نصيب في القراءة!

يا صديقي انتظر، هل أكلمك عن ضرس العقل؟ القراءة عادة كأي عادة يمكن أن تكتسبها وأنت في العشرينيات أو حتى السبعينيات، كل ما يتطلبه الأمر 21 يومًا وستصبح عادة ثابتة في حياتك، ومع الوقت ستكتسب حب القراءة وتعطيها وقتًا أطول، وستساعدك ملخصات كتب (النمو الشخصي) على تطبيق أخضر على تكوين العادات، حمّل التطبيق واسمعها في 15 دقيقة.

خرافات يقابلها القارئ

حسنًا شكرًا يا أخضر، هكذا أصبحت قارئًا وسأتغلب على كل الخرافات، وأقرأ الكتب الـ…

لا يا صديقي، انتظر!

ماذا أيضًا؟

ستقابلك أشياء بسيطة جدًّا عندما تقرأ بعض الكتب مثل "القراءة السريعة"، والهدف منها المرور سريعًا بالسطور بهدف اختصار الوقت والوصول بشكل أسرع إلى المعلومة والفكرة العامة التي يعرضها الكاتب، لكن الحقيقة أن متعة القراءة ليست متعلقة بإنهاء الكتاب بقدر تعلقها بأن تعيشه وتغرق بين صفحاته. 

وأنا هنا لا أقول إن القراءة السريعة مرفوضة تمامًا، لكن ما يحدد سرعة قراءتك هو الكتاب وليس أنت بصفتك قارئًا، فبعض الكتب يستحق أن تمر به بسرعة، وبعضها الآخر يستحق أن تعيد كل فقرة فيه مرتين وثلاثة لتعيشها وتستوعبها، هذا موجود وهذا موجود يا صديقي، اقرأ بالطريقة التي تعجبك وبالشكل الذي يريحك مع الكتاب، لكن لا تحاول أن تقرأ كتابًا صعبًا بشكل سريع، أو كتابًا بسيطًا بشكل بطيء، فلكل مقام مقال، أليس كذلك؟

ولأننا ذكرنا القراءة السريعة يجب أن نمر بوسواس يواجه بعض القراء، وهو أنهم "يجب أن يقرؤوا كل حرف في الكتاب، أي كتاب يقع تحت أيديهم يجب أن يقرؤوه من الجلدة إلى الجلدة، لكن هذه فكرة خطأ جدًّا وتؤثر فيك بشكل ضار من عدة نواحٍ، مثل:

الناحية النفسية: إذ تمنعك من الاستمرارية وتجعلك تشعر أنك مجبر وملزم أن تقرأ كل شيء في الكتاب، وهذا يضيع من القراءة متعتها ويجعلك تتجنبها، ويمكن أن يجعلك تجبر نفسك على أن تقرأ أجزاءً ضعيفة من الكتاب أو أجزاءً أنت لست مهتمًّا بها، وبالمناسبة.. هذه الأجزاء يمكن أن تجدها في أي كتاب.

من الناحية الفكرية: سيضايقك لأنه سيجعلك تقرأ كتبًا أنت لست مستعدًّا لقراءتها بصفتك قارئًا مبتدئًا، لمجرد أنك بدأت قراءتها وأصبحت تشعر أنك ملزم أن تكملها إلى النهاية، ومن ثم تتعب نفسك ولن تستفيد في النهاية.

والحل الذي يقدمه إليك الكاتب هو أن تتذكر أن "الحياة قصيرة جدًّا لنقضيها مع كتاب سيئ"، وأن تعطي كل كتاب يقابلك فرصة حتى ربعه، ومن ثم تحكم إن كان يستحق أن تكمله أم لا.

خرافات عن الكاتب

توجد خرافة أخرى منتشرة بين القراء هي خرافة "الكاتب دائمًا على حق"، وهي مبنية على فكرة "أليس هذا كلام مطبوع أمامنا وقد كتبه كاتب؟ إذًا هو بالتأكيد صحيح، وإلا لم يكن ليُنشر!".

لكن الحقيقة هي أن الكاتب ليس بالقدرة التي نتخيلها، الكاتب ليس دائمًا على حق، ولا هو دائمًا أذكى منك، صورة الكاتب الموجودة في دماغك أنه شخص حكيم متعمق في تخصصه، أو أنه شاب نابغ عبقري عرف كل شيء عن تخصصه وكتب كتابًا على هذا الأساس، فكرة خطأ تمامًا، نحن لا ننفي وجود هذه النماذج، لكننا نقول إن الكاتب في الغالب شخص مثلي ومثلك، اجتهد واستعمل أدواته في الكتابة ليخرج وجهة نظره على الورق، من دون أن يكون بالضرورة قد حقق شرط الإلمام بكل شيء في علمه.

وبجانب هذا، الكاتب أيضًا شخص مثلي ومثلك، يوصل رأيه وصورته، فلا يوجد في عالم الكتابة حياد تام، فبطبيعة الحال كل كاتب يميل إلى آرائه وأفكاره، لذا يجب -بصفتك قارئًا- ألا تتقبل كل شيء يقوله الكاتب في كتابه بنسبة 100% لمجرد أنه طبعه على ورق، أو أنه كاتب مشهور على وسائل التواصل الاجتماعي، حافظ على مُنقِّياتك يا صديقي القارئ وثق بنفسك وعقلك، لأن الكاتب في النهاية إنسان مثله مثلك.

الخاتمة

هذه يا صديقي هي أغلب الخرافات التي ستقابلك في رحلتك لتكون قارئًا، لكن طبعًا توجد خرافات أخرى يمكن أن تسمعها في ملخص الكتاب على تطبيق أخضر، أو تقرأ الكتاب بشكل كامل وتعرف باقي الخرافات، وإن كنت تعرف خرافة أخرى عن القراءة فشاركنا بها في التعليقات.