هوس الجمال

Book-Cover

 

مقدمة

هذه نور، ونور كمعظم البنات، لا تثق بشكلها، وتعتقد دائمًا أن وزنها هو السبب، تجدها سارحة طوال الأربع والعشرين ساعة في تخيلاتها لما سيحدث إن أصبح شكلها كالمؤثرين الذين تتابعهم ليلَ نهار، وليتها تخيلات وحسب، إذ أصبحت نور تتّبع حِمية مختلفة كل يومين، تارة تتبع الصيام المتقطع وتارة أخرى نظام الكيتو، وبالطبع أرهقت صحتها بسبب كل هذا، لكنها ليست مهتمة لأنها ترى أن الجمال يلزمه الألم، تجدها دائمًا تعيسة، تشعر أن شبابها يضيع وهي لم تعِش حياتها كمن تشاهدهم طوال اليوم على إنستجرام سعداء بأشكالهم. 

عانت مؤلفة كتابنا رينيه إنجلين حالة كحالة نور طوال فترة مراهقتها، وفي يوم قررت أن تعرف هل هي وحدها التي مرت بهذا أم لا، فشاركت رينيه منشورًا عاديًّا تطلب فيه من الشباب أن يرسلوا إليها رسائل عبر البريد الإلكتروني ليحكوا فيها قصصهم مع هذه الظاهرة، وتفاجأت رينيه باستلام رسائل كثيرة جدًّا، وكل واحد فيهم عنده قصة قريبة من حالة نور، لذا قررت أنها يجب أن تعرف ما اللغز وراء هذه القصة، وبدأت دراسة أسمتها "مرض هوس الجمال".

فما هوس الجمال؟ وما أسبابه؟ وما أعراضه؟ وكيف أعرف إن كنتُ مصابًا به أم لا؟ ولو كنتُ مثل نور أو أعرف أحدًا مثلها، كيف أتصرف؟ وهل هو مرض مُعدٍ يستوجب الذهاب إلى طبيب؟

تأثير المرض

هوس الجمال ليس مرضًا بالضبط، أي لا يحتاج إلى عمل تحليل دم أو أشعة، ولا يلزمك أن تتكبد عناء الذهاب إلى الطبيب، اطمأننت.. أليس كذلك؟ 

 لا تطمئن تمامًا، وتعالَ أحكِ لك قصة، اسمع يا سيدي، سنة ١٩٩٥ في جزيرة فيجي الهادئة، تحولت البنات فجأة، فمنهن من امتنعت عن الطعام ومنهن من اكتأبت، وأصبحن كلهن يكرهن أجسامهن، فبالطبع قلق سكان الجزيرة، ما هذا؟ هل هو فيروس منتشر؟ ماذا يحدث؟ لفتت هذه الظاهرة نظر أصحابنا العلماء، وبعد فترة بحثٍ أعلن هؤلاء العلماء أنهم وصلوا إلى السبب، وهو ظاهرة هوس الجمال، وهي حالة تحدث عندما تركز عقليتك على شكلك في المرآة وحسب، وتُغفل كل شيء في حياتك، وتحاول أن تصل إلى الشكل الذي تراه مثاليًّا وإن كان ثمن الوصول إليه صحتك ووقتك، أعرف أن الأمر مخيف، فتُرى ما أسبابه؟

الأفلام

الأفلام هي أول سبب مُسهِم في ظاهرة هوس الجمال، لأن صناعة السينما ظهرت منذ زمن، ففي السبعينيات كانت توجد ناقدة أفلام مشهورة اسمها لورا مولفي، انتقدت لورا كل الأعمال السينمائية بحجة عدم وجود أي قصص للممثلات، وكلهن دائمًا يظهرن بالشكل النمطي نفسه، البنت الشقراء الجميلة ذات الجسم المثالي والشخصية السطحية، وما عبرت عنه لورا ظهر في ما بعد بشكل أكبر في نظرية التشييء، الاسم صعب لا عليك، ركز معي، التشييء معناه أن تنظر إلى شخص عنده حياة وأحلام وأفكار ومشاعر ودائرة علاقات على أنه شيء شكله جميل أو قبيح، وتقيمه على هذا الأساس. اعلَم أن هذا السلوك خطير، لأنه واحد من أسباب التحرش، فالمتحرش ينظر إلى الضحية على أنه جسم فقط، ليس لديه أي شعور، وهذا يسهل عليه أن يسبب أذًى لمن حوله.

الإعلانات والبرامج

والأمر لم يقف عند الأفلام، فالإعلام كله متورط في ترويج معايير الجمال، كالبرامج والإعلانات وحتى الأخبار، لذا فالإعلام هو السبب الثاني.

تعالَ أخبرك بالأسباب.. في سنة ٢٠١٦، أُجريت دراسة على أهم البرامج والإعلانات، ووجدت هذه الدراسة أن ٩٠% من المذيعات أو العارضات بشرتهن فاتحة، و٨٠% منهن لم يصلن إلى سن الثلاثين حتى، ومعظمهن نحيفات نحافة مرضية، ومعنى هذا أن وكالات الدعاية والإعلان تستهدف فئة معينة، فتعرض بالقصد صورًا غير واقعية، وتُظهر صفات طبيعية مثل لون البشرة الداكن أو الوزن الطبيعي والتقدم في السن كأنها عيوب يجب أن تعالَج، والتأثير لا يقف عند الأذى النفسي فقط، بل إن الألفاظ البذيئة والتشبيهات الجنسية في البرامج الترفيهية أو الإعلانات زادت من نسبة تعرض البنات للتحرش اللفظي في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه مشكلة كاملة وحدها.. تعالَ أشرح لك. 

وسائل التواصل الاجتماعي 

وسائل التواصل الاجتماعي هي ثالث وأهم سبب في الوقت الحالي، نحن يا صديقي لا نستطيع أن ننكر فائدة هذه المنصات وأثرها الإيجابي، لكن تعالَ أعرفك الجانب الآخر من تأثيرها.

عندما تتصفح إنستجرام وفيسبوك طوال اليوم وتمر بصور المؤثرين والفيديوهات القصيرة، تقارن نفسك بهم بشكل غير واعٍ، وتركز أكثر على شكلك، وعندما تلتقط صورة لنفسك بالكاميرا الأمامية وتحب أن تشاركها، تجد أنك تعدل الصورة وتستخدم الفلاتر، وغصبًا عنك أيضًا ستقارن بين نفسك التي تراها كل يوم في المرآة والصور المنتشرة على حساباتك، بالإضافة إلى النصائح الطبية والحِميات الخطأ المنتشرة على منصات التواصل ليلَ نهار ويتبعها كثيرون دون البحث وراءها، وتأثير هذه الحميات الخطأ كبير جدًّا.

الحميات الخطأ والرغبة المرضية في خسارة الوزن

لذا فهذه الحميات هي رابع سبب، وهي ليست سببًا فقط، بل نتيجة أيضًا، فلولا الهوس بالجمال لم يُضَحِّ أحد بصحته، ومع زيادة ظاهرة الهوس بالجمال تظهر حميات خطأ متطرفة جدًّا، منها ما يمنعك عن الأكل لفترات أطول من عشرين ساعة، ومنها ما يجعلك تعيش على طعام معين وتتجاهل الباقي، وكلها مصممة لغرض واحد فقط، وهو أن تفقد وزنًا في أسرع وقت ممكن، ونهاية هذه الأنظمة شيء من اثنين، وصدقني.. كلٌّ منهما أسوأ من الآخر، إما أن تخسر وزنك فعلًا لكن على حساب صحتك، وإما أن تلتزم أسبوعًا وتحرم نفسك، ونتيجة الحرمان يصيبك شرهٌ مرضي وتصحو في منتصف الليل لتأكل كل شيء وتزيد في الوزن، فترجع تلتزم مرة أخرى بالنظام الخطأ، وتنتكس مرة أخرى، وتظل في هذه الدوامة، لا تستطيع الخروج منها.

الـFat shaming 

وبما أننا تكلمنا عن الحميات الخطأ، دعنا نتكلم عن السبب الذي يجعل الأشخاص يتبعونها، وهو الـFat shaming، وهذا هو خامس سبب معنا، ولا تذهب إلى ترجمة جوجل؛ سأشرح لك.

الـFat shaming هو أن تعلق على وزن أحد بشكل سلبي، كأن تمزحي بشأن شكل صديقتكِ التي زادت بعض الكيلوجرامات، أو أن تناديَ صديقك بألقاب سيئة لأن وزنه زائد قليلًا، أنت تظن أن كل هذا مزاح وسيمر وأنكم تضكحون فقط، لكن هذا ليس حقيقيًّا، لأن صديقتكِ أو صديقكَ الذي مر بهذا سيختبر شيئًا اسمه شعور الخزي، وشعور الخزي هذا هو أن يشعر بأن شكله خطأ كبير، وأن من مستحيل أن يحب أحدٌ شكلَه أو يراه جميلًا، وإذا علقت تعليقًا جيدًا في ما بعد على شكله فسيظن أنك تشفق عليه أو تسخر منه، وليس هذا فحسب، بل إن شعور الخزي هذا سيجعله يتطرف في محاولة فقدان الوزن، فتجده يبيت في صالة الألعاب الرياضية، أو يتوقف عن الأكل ويتبع حمية خطأً كالتي تكلمنا عنها.

شركات التجميل

وطبعًا إن تكلمنا عن الهوس بالمظهر وترويج معايير جمال معينة، فلا يصح أن ننسى المؤثر الأهم والأكبر في ظاهرة هوس الجمال، والسبب السادس من أسباب الظاهرة، وهو شركات التجميل، إن صناعة التجميل قائمة على مليارات الدولارات، وهذا رقم أصفاره كثيرة فلا تحاول أن تعدها، وقد أُجري إحصاء عن هذا الأمر، وشارك فيه أشخاص كثيرون جدًّا، ووجدوا أن معظم أموال البنات تحديدًا تضيع على منتجات التجميل المختلفة ومنتجات العناية بالبشرة، بل إن نسبة منهن أجرت عمليات تجميل مكلفة فعلًا، وهذه بالطبع مشكلة كبيرة لأن النساء في معظم الأماكن يعانين نقصًا في الأجور، وهذا يجعلنا نسأل أنفسنا "كيف لأحد -أمواله ليست كافية- أن يجبر نفسه على شراء كل منتجات التجميل هذه في حين أن لديه احتياجات أهم؟"، والإجابة ببساطة هي القبول، نعم بالضبط.. القبول، لأن نسبة استخدام مستحضرات التجميل زادت جدًّا، فأصبح من الطبيعي أن ترى أشخاصًا كثيرين يستخدمونها، في مكان عملك أو في الجامعة وحتى الشارع، ولا أحد سيحب أن يشعر بأن شكله شاذ أو مختلف، وهذا يجعل نسبة كبيرة جدًّا من البنات تستخدم منتجات التجميل، ولا ننسى طبعًا أن بعض أماكن العمل تفرض على الموظفات أن يستخدمن مستحضرات التجميل أصلًا. 

الحلول الخطأ 

 أعرف أني أطلت عليك بالأسباب، فتعالَ أخبرك بالسبب الأخير لهوس الجمال، وهو الحلول الخطأ، فمثلًا في موقف كموقف صديقك الذي حكيته منذ قليل، عندما تجده في هذه الحالة، غالبًا ستحاول أن تصلح ما حدث، وتقول له "إن ملابسك رائعة"، أو "إن وزنك مثالي، ليتني كنتُ أنت"، لكن ما فعلتَه هذا بنيّة جيدة سيزيد الوضع سوءًا أيضًا، وقبل أن أخبرك بالسبب، اعلم أنك لست الوحيد الذي يقع في هذا الخطأ، حتى شركات التجميل الكبيرة والبرامج المهمة وقعت فيه، وأشهر مثال على هذا هو شركة Dove عندما بدأت حملة إعلانية بعنوان "Real beauty" الجمال الحقيقي، كانت الشركة تعتقد أنها سترفع ثقة البنات حول العالم، إذ نشرت إعلانات تعرض فيها سيدات أشكالهن عادية، وتقول لك اعلم أن كل واحد جميل بطريقته ومختلف، وأنك لا يجب أن تملك جسم عارضي الأزياء، وهذا ليس فقط في الإعلانات، بل في اللافتات التي تملأ الشوارع، وإذا أغلقت التليفزيون وجلست في بيتك، وجدت الحملة على فيسبوك وإنستجرام، كانت Dove تعتقد أنها هكذا حلت مشكلة هوس الجمال، لكن حدث العكس، وهو أن نسبة كبيرة جدًّا من البنات اختبرت شعورًا بانعدام الثقة والخزي، وشعرت بوجود عيب في شكلها، وDove مجرد مثال، لأن هذه هي الطريقة التي تحاول معظم الشركات والبرامج أن تحل بها المشكلة، فتخلق مشكلة أخرى أكبر، والسبب أنها تجعل الإنسان يركز على شكله بسبب ومن دون سبب، فيشعر أن لديه عيب كبير يحتاج إلى المواساة من أجله، أسمعك وأنت تقول لي: "ألا ينفع المزاح ولا الكلام الجميل؟ هل أسكت تمامًا أم ماذا أفعل؟".

الحلول

بصراحة.. إن سكتَّ تمامًا فهذا أفضل، لا تفهمني بطريقة خطأ، ما أقصده هو أنه لا يصح -بمجرد أن ترى وجه صديقك- أن تقول له "ملابسك رائعة"، أو تقولي لصديقتكِ "تعالي ألتقط لكِ عشرين صورة لأن مكياجك رائع اليوم"، اجلسوا يا سيدي تكلموا عن أي شيء، حتى لو دار الحديث عن أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي، المهم ألا يكون كل كلامكم عن الشكل، وألا يكون أول ما تتكلمون عنه. 

ولو كنت أبًا أو أمًّا، أو حتى تتعامل مع الأطفال، فحاول أن تتجنب المدح المستمر لأشكالهم، وبدلًا من هذا امدح صفة جيدة فيهم كالصدق مثلًا أو الشجاعة، وتجنب تمامًا أن تتكلم عن شكل أحد أمامهم سواء بالسلب أم الإيجاب، لأن هذا يخلق عندهم منذ طفولتهم وعيًا بأشكالهم، وسيجعلهم يفكرون أن الناس يتكلمون عنهم أيضًا، والأهم أنه يجعلهم يحكمون على من حولهم.

ولو كانت لديك مشكلة مع شكلك وقلة ثقة بنفسك تظهر أمام أولادك، أو كانت سلوكياتك الخطأ في الأكل والتمرين ظاهرة لهم، فبنسبة كبيرة جدًّا سيفقد أولادك ثقتهم بأشكالهم، ويسهل جدًّا أن يتأثروا بمعايير المجتمع عن الجمال. 

أما لو كنت أنت شخصيًّا تعاني هذه المشكلة، فتعالَ أخبرك ما يمكن أن تفعله: 

الخطوة الأولى: انتبه للمشكلة، وهذا ما فعلتَه بالضبط عندما سمعتَ هذه الحلقة. 

الخطوة الثانية: غيّر من سلوكياتك وأفعالك قليلًا، وإليك بعض النصائح التي ستساعدك خلال رحلة التعافي من مرض هوس الجمال: 

- افتح حساباتك كلها وألغِ متابعة من يركز محتواهم على الملابس والشكل وروتين حياتهم فقط. 

- ركز على جسمك واحتياجاته، وغيّر نظرتك إلى التمرين والرياضة، فبدلًا من أن تمارس الرياضة لأنك تريد أن تغير شكلك فقط، فكر في أنك تريد أن تمارس أنشطة حياتك دون أن تتعب باستمرار. 

- حاول أن تقدِّر جسمك، قدِّر أنك معافًى، وقادر على ممارسة حياتك، وغيرك غير قادر على هذا، وقدِّر النعم التي بين يديك.

- لا تجعل صورة ممثل أو لاعب كمال أجسام هي تخيلك المثالي لشكلك، لأن كل جسم تختلف طبيعته عن الآخر، ولا يوجد شكل واحد فقط هو معيار الجمال، فمحاولتك أن تصل إلى طبيعة جسم ليست كطبيعة جسمك ستذهب بك إلى المستشفى في النهاية.. صدقني!

- ولو كان وزنك يضايقك ويسبب لك أزمة، أو عندك مشكلة في علاقتك بالأكل، فحاول أن تتكلم مع شخص قريب منك تثق به، وجرب أن تذهب إلى طبيب تغذية يساعدك في على أن تعدل نمط حياتك وتضبط علاقتك بالأكل. 

- وأخيرًا لو كنت تصرف مالًا كثيرًا جدًّا على منتجات للعناية بشكلك، فحاول أن تسجل مصروفاتك الشهرية وحدد.. هل ما تشتريه يستحق مالك فعلًا؟ هل أنت معتدل في نفقاتك؟ هل تقدم الرفاهيات على أشياء أخرى أهم؟ أجب عن هذه الأسئلة مع نفسك كل شهر، وحدد على أساس إجاباتك ما يحتاج إلى تغيير. 

الخاتمة

وآخر ما أريد أن أقوله لك يا صديقي.. إنه ليس من الخطأ أن نهتم بأشكالنا أو نمارس الرياضة لنصل إلى أفضل شكل لنا، الخطأ هو أن يكون هدفنا في الحياة هو أشكالنا فقط وأن يكون تفكيرنا منصبًّا عليها وحدها، فلا تنسَ أنك إنسان عنده أحلام ومشاعر وأفكار واهتمامات أخرى.