إزالة القلق

Book-Cover

المقدمة

لو أردنا أن نلخص عالمنا اليوم ونصفه بكلمة واحدة فقط، غالبًا لن نجد كلمة دقيقة ومعبرة مثل "القلق"، ومشكلة القلق أنه لم يعد يلازمنا بسبب مشكلة في حياتنا أو كارثة لا نستطيع تخطيها، لا، فالمشكلة أصبحت في شكل العالم نفسه، كل شيء فيه أصبح مُثيرًا للقلق والتوتر، فمثلًا حمادة ابن الخالة ميرفت، يستيقظ من النوم كل يوم يتصفح هاتفه، وقبل أن يقول له أحد صباح الخير يرى عشرات الناس ممن يسافرون الساحل الشرير، ويرى من هم في حيرة أيشترون مرسيدس أم لمبورجيني، كل ذلك وحمادة يستعد ليبدأ يومه، فما زال أمامه معرفة كم يربح المشاهير في اليوم، ثم مقارنة مشكلاتهم بمشكلاته، ليس هذا فقط، فسوف يرى من لا يجدون قوتهم، ومن عاشوا في عنف أُسري وكانت طفولتهم قاسية، ثم يريه صاحبه فيديو فيه جريمة عنيفة، وهكذا.. وهنا يلجأ حمادة إلى المُخدر الذي يحل له كل مشكلات القلق، طبق الهريسة بالمكسرات.. ستقول لي وما علاقة الهريسة بالقلق وسمات العصر الحديث؟ دعنا نفتح كتاب إزالة القلق ونفهم ماذا يريد الكاتب جودسن بروير "judson brewer" أن يقول لنا.

ماذا يقول جودسن بروير؟

دائرة القلق .. كيف يقتلنا من أنقذنا في الماضي؟ 

لكي نفهم القلق بشكل واضح نحتاج إلى العودة إلى الوراء، قبل عصر الصناعة والآلة، قبل كل تفاصيل الحياة التي نعرفها الآن، تحديدًا قبل أن يعرف الإنسان طريق الزراعة ويعيش حياة مُستقرة، كان الإنسان وقتها يعيش كل يوم في مكان مختلف، لأنه في بحث مستمر عن المأكل والمشرب، كما أنه في هروب مستمر من الحيوانات المُفترسة التي ترى أيضًا الإنسان مجرد غذاء تبحث عنه. من هنا تحديدًا بدأ الإنسان يطور شعوره بالقلق، أصبح يشعر بالمخاطر من بعيد، وينام بعين مفتوحة وعين مقفلة، حذر وقلق دائمًا، لكن القلق في ذلك الوقت كان وسيلة يحافظ بها الإنسان على حياته، بمعنى أنك لو أظهرت الشجاعة، ستجد نفسك بعدها في معدة أسد، فلكي تنجو يجب أن تتواضع، وتعيش مع الجماعة وتقلق قليلًا.

في الحياة البدائية التي عاشها الإنسان كان لديه أمور كثيرة يقلق بسببها غير الحيوانات، مثل أنه يستيقظ ولا يدري إن كان سيجد طعامًا يأكله أم لا، وهنا صديقي المشاهد، دعني أقل لك إن دماغنا قرر ألا يسكت، وأصبح يبحث عن الطعام ذي السعرات الحرارية العالية؛ فالطعام بالنسبة إلى الإنسان وقتها مصدر كبير للطاقة، وسيساعده على أن يعيش لوقت أطول، وهو ما كان يشغل نظام المكافأة في الدماغ بسهولة.. فكلما تناولت دهونًا وسكريات حصلت على الدوبامين.

لكن مع الوقت تتغير الحياة ويعرف الإنسان الزراعة ويستقر، ويستطيع توفير الطعام والشراب بشكل مُستمر، ومع ذلك ما زلنا نبحث عن الطعام ذي السعرات العالية.. ستقول لي ألا ينقذ ذلك حياتنا؟

سأقول لك ومن دون مكياج.. الحقيقة أن هذا يميتنا ببطء؛ السكريات والدهون وغيرها من الطعام المرتفع السعرات مُضرة جدًّا لصحتنا، لكن دماغنا ما زال يعمل على النظام القديم، وما زال يفرز الدوبامين على هذا الطعام لأنه ينقذ حياتنا، ولكن هذا وهم، ومن هنا يقسم الكاتب دماغ الإنسان إلى: دماغ حديث، ودماغ قديم، واحد يحاول التأقلم على الحاضر، وواحد يتصرف بما تبرمج عليه في الماضي.

طبعًا ستقول لي لقد تهت منك ولا أفهم شيئًا، دعني أبسطها لك، الإنسان لكي يتغلب على قلقه الأول، كان محتاجًا  إلى أن يأكل ويشعر أنه في أمان ومحاط بالناس، وهكذا. في عصرنا الحالي لم تعد هذه الأمور تهدد حياتنا، لكننا ما زلنا نشعر بالقلق لو كنا وحدنا، أو ليس معنا أحد طوال الوقت، حتى إننا أصبحنا عندما نتوتر أو نقلق من موقف معين نوجهه بالأشياء التي تفرز الدوبامين كالسكريات والدهون وغيرها، فالمُخ صنع دائرة مغلقة يؤذي نفسه بها، ولا بد أن نستوعبها بشكل كامل كي نستطيع كسرها .

العادات السيئة للهروب من القلق

يحدثنا الكاتب بعد ذلك عن الأبحاث التي أجراها خلال حياته، وكيف أنه في يوم من الأيام أضاء مصباحًا في دماغه قال له إن العادات السيئة التي يفعلها الإنسان مصدرها الأساسي هو القلق، لأن الإنسان كلما حدث له شيء هرب إلى جرعة الدوبامين التي ترفع الضغط من عليه وتحسن نفسيته. ودعنا نفكك تكوّن العادات السيئة من خلال 3 مراحل أساسية؛ المرحلة الأولى هي "المُسَبِّب"، وهو الشيء الذي يسبب لك القلق في المقام الأول، كأن تفقد وظيفتك أو أن شخصًا تحبه في خطر، المرحلة الثانية هي "السلوك": وهنا يصيبك المُسبب بالقلق أو الجزع، والمرحلة الثالثة والأخيرة هي "النتيجة أو المكافأة"، وهنا العقل لديه طريقين يمشي فيهما، محاولة تجنب التفكير في المُسبب والهرب منه كي يخفف القلق، أو أن يبالغ في التفكير لدرجة تشل كل حياته، ويعد التجنب هو الحل الذي يفعله معظمنا كي يتخلص من مشكلاته، لكن المشكلة أن هذا التجنب يكون سبب خلق كل العادات السيئة في حياتنا، والكاتب يصف هذه المرحلة ويقول عنها "الاستمرار في الممارسة على الرغم من العواقب الوخيمة"، لأننا نريد فقط أن ننسى القلق، لا يهم كيف ستضرنا هذه العادة السيئة، ومع الوقت يصعب أن نتخلص من هذا الذي نهرب إليه. ومن هنا تتكون دائرة الإدمان، ولكي نوضح هذه النقطة دعنا نطبق مثالًا بسيطًا على حمادة، الآن حمادة قلق بشكل كبير بشأن نتيجة الكلية لأنه سيتوقف عليها أن يسافر للخارج أو يعيد السنة ويتغير مستقبله، الآن لدينا المُسبب، بسبب هذا القلق يبدأ حمادة ممارسة سلوك لم يكن يمارسه كالتعاطي، والمكافأة التي سيحصل عليها هي التخدير أو النسيان. شخص آخر يمكن أن يبدأ بالتسوق على الإنترنت ويشتري أشياء لا يحتاج إليها، شخص ثالث يمكن أن يدمن مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة كل الإنفلونسرز، دعني أيضًا أخبرك بمفاجأة صديقي المُشاهد، وأقول لك على دائرة إدمان ستجد أنك تحبها بعض الشيء، هذه الدائرة مُسببها: القلق من العمل أو المذاكرة التي عليك إنهاؤها، والسلوك الذي ينتج من القلق هو التسويف، والمكافـأة من التسويف هي تجنب العمل أو المذاكرة، ومن ثم إزالة مصدر القلق بغض النظر عن العواقب الوخيمة.

استراتيجيات التخلص من العادات السيئة الناتجة من القلق

أهم شيء للتخلص من عاداتك السيئة والمشكلات الناتجة من القلق، هو الإدراك والوعي التام بأن القلق هو سبب ما يحدث، وبمجرد أن تفهم وتحلل دوائر الإدمان وتفهم المسبب والسلوك والنتيجة، ستجد معظم مشكلاتك تُحل، كما يرى الكاتب أن هناك استراتيجيات تساعدنا على التخلص من العادات السيئة، أولاها الإدارك التام، والثانية هي قوة الإرادة، وهنا لا يقصد الكاتب كلام التنمية البشرية، ولكن قوة المعرفة أو الإدراك، فأنت حاليًّا تعرف أن السلطة أكثر فائدة من البرجر، لكن مخك القديم يرغب في البرجر لأجل الدوبامين؛ الوعي بهذه النقطة مع قوة الإرادة سيجعلك تختار السلطة، وبهذا تكون قد كسرت حلقة من العادات السيئة، كما يمكن أن نجرب استراتيجية أخرى، وهي الاستبدال، وهو ببساطة مثل مدمن السجائر، الذي عندما يقرر الامتناع عنها، يختار بديلًا لها أقل ضررًا، كنوع من الحلويات مثلًا، لكن انتبه لأن هذا البديل لا بد من اختياره بوعي وإدراك، لأنك لو تركت نفسك لمخك فلن تعجبك النتيجة، يمكن في مرة أن تصحو قلقًا بعض الشيء، ولكي يتجنب المخ القلق، يجعلك تتصفح التيك توك طوال اليوم.

مرض العصر.. والسرعات الثلاث

وخلال صفحات الكتاب نجد دائمًا اقترانًا بين كلمة الهلع والقلق، والكاتب يصف لنا أن القلق لم يعد مجرد شعور داخلي لدى كل منا، ولكنه يتحول أحيانًا إلى هلع يشعر به الناس جميعًا، والمشكلة أنه مُعدٍ بشكل كبير حسب الأبحاث العلمية التي أجريت على القلق، كما أن وسائل نقل عدوى القلق تزيد من يوم إلى آخر، فأنت الآن يمكن أن تمسك هاتفك فتجد من يحذرك من شيء أو يخيفك، وهنا ستبدأ بالقلق بسبب كلامه ويتغير مزاجك، بل يمكن أن نقول إن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وطريقة تعاملنا معها، يمكن أن يكون من أكثر مسببات القلق في العالم، ويكفي أن نرى تعامل الناس مع فيروس كورونا والقلق الذي كان منتشرًا في العالم كله، كما يقول الكاتب إن القلق معظمه غير حقيقي، ففي أيام كورونا لو كان أحدهم لمس وجهه، فإن قلقه كان يزيد ويشعر أنه اقترب من الموت، أو يمكن أن يتعرض للخطر، وهذا ليس لأنه سيموت فعلًا، ولكن بسبب العدوى التي انتشرت بسبب الأخبار والتحذيرات.

كما أن الجهل يعد من أكبر المغذيات للقلق، ولكي نفهم هذه النقطة نحتاج إلى أن تتخيل أبًا وأمًّا لأول مرة يتركان ابنهما يذهب إلى المدرسة وحده؛ تظل الأم طوال الوقت تحارب سيناريوهات سيئة، وتكون خائفة على ابنها، ويمكن أن يصل الأمر إلى أن تنزل لتمشي وراءه أو حتى تتصل به، وعندما كان يحدث ذلك تصبح الأم بخير مرة أخرى، ومع الوقت يصبح نزول ابنها وحده شيئًا طبيعيًّا.

لكي نتخلص من القلق ونكسر عاداته لدينا طرائق عدة ذكرنا معظمها في الحلقة، ولكن هناك استراتيجية أخرى يسميها الكاتب "السرعات الثلاث" وهنا يشبه الموضوع بالسيارة، التي تبدأ برفع سرعاتها إلى أن تتحرك، ولا تبدأ بأعلى سرعة مباشرةً. أول سرعة لدينا هي تحديث قيمة المفاجأة الخاصة بالعادة، فالقلق يجعلنا نتصرف تصرفًا معينًا، هذا التصرف نأخذ منه مكافأة معينة، تكون في الغالب مؤقتة وغير مفيدة على المدى البعيد، وهنا نحتاج إلى أن نذكر أنفسنا بالقيمة الحقيقية لهذه العادة؛ لو أخدنا السجائر مثالًا فنحتاج إلى أن نذكر أنفسنا أنها غير مفيدة ومع الوقت لم يعد النيكوتين يؤثر فينا، ولو كنا نأكل طعامًا سريعًا، نحتاج إلى أن نذكر أنفسنا بقيمته الغذائية، ولو كنا في علاقة مُضرة نحتاج إلى أن نصارح أنفسنا بالمشكلات التي بها، وأننا نهرب إليها فقط بسبب القلق، وهكذا. السرعة الثانية هي البحث عن عرض أكبر وأفضل، ففي حالة السجائر يمكن أن نشرب كوبًا من القهوة لكي يعطينا نيكوتين يوقظنا، أو أن نلعب رياضة، العلاقة المضرة يمكن أن نخرج منها ونهتم بأنفسنا وحياتنا بالشكل الذي سيجعل حياتنا لا تسمح إلا بدخول شخصيات جيدة في حياتنا. السرعة الثالثة والأخيرة هي أي شيء يساعدك على الخروج من حلقة العادة القديمة، وهنا ينصحنا الكاتب بأن نستعمل الوعي التام، لكي نختار ما سيخرجنا بحذر، على سبيل المثال يمكن لأحد أن يقلع عن السجائر بأن يأكل حلويات كبديل، لكن مع الوقت يبدأ بإدمان السكريات، ويزيد جسمه في الوزن، ويفقد الثقة بنفسه، في حين أن شخصًا آخر يمكن أن يقلع عن السجائر ويذهب إلى الجيم، ووقتها سيساعده هذا البديل على كسر حلقة العادة بشكل صحي.

نمط شخصيتك .. دليل التعامل مع القلق

الكاتب بعد ذلك يشبه نمط شخصيتنا بكائنات أولية وحيدة الخلية، هذه الكائنات تحافظ على حياتها عن طريق الفر أو التسمر، ببساطة هذه الكائنات عندما ترى غذاء تقترب، وعندما ترى سمومًا تبتعد بشكل تلقائي محفور في حمضها النووي، والكاتب يرى أن البشر أيضًا يتصرفون مثل هذه الكائنات، هناك أناس مندفعون دائمًا، وأناس آخرون يتسمرون ويتجنبون المواجهة، وهناك شخصيات في المنتصف، والكاتب سمى هذا النوع "مُسايرة الوضع". فهم نوع شخصيتك من خلال هذه التقسيمة مهم، لأنه سيساعدك على التسامح مع شخصيتك وألا تقسو على نفسك، فهناك أناس مندفعون ومنفتحون ويرقصون في منتصف الحفل وصوتهم عالٍ، وآخرون يجلسون على الرصيف ينتظرون انتهاء الضجيج كي يعودوا إلى منازلهم، وأناس يتماشون مع الوضع، الكاتب يصف نفسه وزوجته بأنهما من الشخصيات التي تتسمر ومنغلقة على نفسها، لكن لهذه الشخصية مميزات كقدرتها الكبيرة على تحليل الأمور، ونظرتها الثاقبة للأحداث، وتذوقها للجمال، وفي الغالب تكون هذه الشخصية ذكية بشكل كبير، وتنتقد الناس والأحداث معظم الوقت، كما تميل إلى الشخصيات المشابهة لها.

الخاتمة

في النهاية دعنا نقول إنه من خلال فهمك لشخصيتك والطريقة التي يعمل بها عقلك، سيتغير حُكمك على نفسك في مواقف كثيرة، وستكون أكثر رحمة بنفسك، ومن ثم سيقل توترك وقلقك من أن ترى  نفسك غير كافٍ أو غريبًا عن أناس معينين.. في النهاية دعنا نقول إن القلق ليس نهاية العالم، وكثير من الأمور كنا نتخيلها في رؤوسنا بشكل كابوسي مخيف ولكن بمجرد أن بدأنا نعيش الأحداث، اكتشفنا أنها عادية وأننا نستطيع التصرف معها؛ شخصياتنا وعاداتنا وتصرفاتنا خلال اليوم، كلها أمور يمكن أن تكون ناتجة من قلقنا وخوفنا، من أمور نهرب منها ونقنع أنفسنا أنها لا تؤثر فينا، مع أن الحقيقة أننا نتصرف تصرفات كثيرة لا تعجبنا لكي نهرب، والحل هنا ببساطة أن نجلس مع أنفسنا ونحاول تحليل كل هذه التصرفات، لأن مجرد فهم القلق والمعرفة عنه يمكن أن يميته ويزيله تمامًا.