صعوبة التخلّص من العادات: ولمَ يتمسّك بها دماغنا؟

Book-Cover

مُقدِّمة 

يحكى أنه في عهد الدولة الفاطمية في مصر، كان طباخ يحضِّر الغداء للملك، وبينما هو يصنع الملوخية وعلى وشك أن يضع "الطشة"، دخل عليه الحارس وقال له: "لقد جاع الملك ولو لم يجهز الطعام خلال دقائق سنقرأ عليك الفاتحة"، وفي لحظتها شهق الطباخ من الخوف ووضع الطشة وأنهى الملوخية بسرعة، والمفاجأة أن الملك أعجب بطعمها جدًّا، أكثر من كل مرة، وكافأ الطباخ أيضًا، ومن وقتها انتشر في البيوت كلها أنك لو أردت صنع ملوخية لذيذة لا تنس الشهقة.

وحتى الآن هذه العادة مستمرة في أغلب البيوت المصرية، وغيرها من العادات الأخرى.

عرفنا الآن السر وراء عادة شهقة الملوخية، ولكن ما سر العادات؟
ولماذا وكيف تبنى العادات فينا وتثبت إلى درجة كونها جزءًا من شخصيتنا؟
ولماذا من الصعب أن نتخلص منها؟
ولأن هذه الأسئلة عميقة، سنستعين بعالم النفس والأعصاب بجامعة ستانفورد (راسل بولدراك| Russell  Poldrack) الذي سيفهمنا المزيد عن العادات وما علاقتها بالذاكرة والأعصاب، وكيف نتخلص من العادات التي لا نرغب بها، لكن بشكل علمي، من خلال كتاب حلقة اليوم بعنوان"صعوبة التخلّص من العادات: ولمَ يتمسّك بها دماغنا؟".

ويمكنك أن تقرأ وتسمع مراجعة الكتاب على تطبيق أخضر مع ملخصات آلاف الكتب التي ستساعدك في مجال النمو الشخصي ومجالات معرفية أخرى.. نزّل التطبيق واشترك في الباقة المميزة كي تسمع وتقرأ ملخصات الكتب في 15 دقيقة من دون إعلانات.

والآن نرجع إلى كتابنا.. 

ما العادة؟

دعنا نقول ما العادة: العادة هي الفعل أو السلوك الذي تفعله دائمًا  بشكل غير واعٍ ودون تفكير، مثل روتينك الصباحي بدايةً من استيقاظك من النوم وعمل snooze للمنبه، ثم قيامك لتتوضأ وتغسل أسنانك وتحضر القهوة وتذهب إلى المدرسة أو العمل، وهكذا إلى آخر اليوم.

لو انتبهت لشيء تفعله بشكل متكرر كل يوم، ستجد أنك لم تعد تفكر في تفاصيله، فمثلًا في طريقك إلى العمل، لو كنت ماشيًا أو سائقًا ستجد نفسك تفكر في هموم الدنيا والآخرة، وماذا سنأكل على الغداء، أو تسمع بودكاست أو مُلخصًا لأخضر، لكن تفاصيل الطريق نفسها يمكن ألا تنتبه لها، تنعطف يمينًا وشمالًا وتصل دون أن تنتبه، ولو كنت ناويًا المرور على مكان ما لست معتادًا أن تقف عنده يمكن أن تنسى.

لذا لا يمكننا تخيل حياتنا من دون عادات، وكم كانت ستكون صعبة ومرهقة، تخيل فعلًا أنك قبل كل مرة تتنفس فيها تفكر كيف تأخذ الشهيق ثم الزفير وما وقت كل منهما!
وفي الوقت نفسه لدينا إشكالية، أننا نريد التخلص من بعض العادات، كالإدمان بأنواعه مثلًا، أو بعض السلوكيات كالسهر أو ضغطة الامتحانات.

والعادات عمومًا هي وعقلنا البشري من الأشياء الباهرة والمعقدة في الوقت نفسه، التي اعتبرها العلماء لغزًا مُحيرًا منذ زمن، ومنهم كاتبنا  Russell، فسنبدأ باستعراض مجموعة من التجارب العلمية، ونجمع الخيوط بعضها مع بعض كي نفهم كل شيء عن العادات.

الذاكرة والعادات

وبما أن العادات هي أمور تعلمناها قديمًا وكررناها بشكل تلقائي، فبالتأكيد هناك علاقة بين العادات والذاكرة.

لكن الغريب أن تجربةً أجريت على سيدة لديها اضطراب في الذاكرة ولا تستطيع أن تحتفظ بأي معلومة جديدة، شك العالم الفرنسي (إدوارد كلاباريدي) يدها بدبوس، وبعد بضع دقائق نسيت السيدة أنها قد شُكت، أو أن شيئًا قد حدث لها من الأساس، ولكن في المرة الثانية عندما مد (إدوارد) يده لها.. سحبت هي يديها!
ولما سألها عن السبب قالت: "أحيانًا يخبئ الناس دبابيس في أيديهم"!

والتساؤل هنا كيف استطاعت السيدة أن تكتسب عادة رغم أن دماغها لا يسمح بالاحتفاظ بأي ذكريات جديدة؟
والحقيقة أن حالة هذه السيدة لم تكن فريدة من نوعها، وهذا ما جعل مجموعة من الأبحاث بعلم الأعصاب تبدأ في ستينيات القرن الماضي، والعلماء توصلوا إلى أننا نمتلك أنظمة متعددة للذاكرة والتعلّم بالدماغ، سنتناول اثنين منها بالتبسيط:
1- أول نظام هو الذاكرة الواعية، أو السلوك الموجه لهدف.
2- النظام الثاني: الذاكرة غير الواعية، أو مركز تعلم الأشياء المستقرة.
 - وهذا النظام هو الخاص بالعادات، ووجد العلماء بالأبحاث أن مكانه في الدماغ يقع في منطقة تسمى (العُقد القاعدية أو basal ganglia).
ومن هنا التفسير الذي جعل السيدة تسحب يدها رغم أن لديها اضطرابًا في الذاكرة، إن هذا الاضطراب في الذاكرة كان في نظام الذاكرة الواعي، لذا احتفظت بعادة سحب يدها في نظام الذاكرة الآخر الموجود في العقد القاعدية.

وعمومًا نظاما الذاكرة دائمًا في تنافس، والعقل يختار ما يعمل فيهما حسب الموقف:

-  لو وجدك تجرب أو تتعلم شيئًا جديدًا سيشغل النظام الأول.

- أما لو وجد الشيء يتكرر كثيرًا، فإنه يحوله إلى عادة ويضعه في النظام الثاني من الذاكرة، كي يوفر لك وقتًا ومجهودًا أكثر للأشياء المتغيرة.
وبالنسبة إلى العقل فهو يفضل وضع أي شيء في النظام الثاني، لأن نشاطه أقل ويوفر طاقة، فعقلنا يعد كسولًا نوعًا ما، ولكنها آلية لرفع الكفاءة، ولتسهيل الحياة والتفكير في الأمور المعقدة عمومًا.

ومثال على ذلك:
- عندما تستخدم لوحة مفاتيح هاتفك، ستجد نفسك تكتب بسرعة وتحفظ أماكن الحروف، ويمكن أن تكتب مغمض العينين، لأن دماغك اعتاد الأمر ووضعه بذاكرة الأشياء المستقرة.
- أما لو اشتريت هاتفًا جديدًا، ولوحة مفاتيحه مختلفة عن القديم، فستجد الكتابة عليه صعبة، وأنك تخطئ في الحروف، هنا سيبدأ عقلك بالتركيز وتشغيل نظام الذاكرة الأول الواعي، ويتعلم مكان الحروف إلى أن يعتاده ويضعه بنظام الذاكرة الثاني.
وهذا كله لكي يوفر لك مجهودًا تفكر به في معنى الكلام الذي ستكتبه.

تشكيل وتأصيل العادات حتى الإدمان!

وهنا نكون قد عرفنا لماذا يكون عقلنا العادات، تبقى أن نعرف كيف؟

ولكي نعرف كيف تحديدًا، سنشاهد تجربة صندوق سكينر (Skinner's Box):
وهي عبارة عن صندوق مغلق وفيه زر وفأر، عرض العالم سكينر الفأر لثلاثة سيناريوهات بالترتيب:
1) أول سيناريو  أنه كلما ضغط على الزر أحضر له طعامًا.
2) ثاني سيناريو عشوائي، وفكرة أن يأخذ الفأر الطعام بمجرد ضغطه على الزر غير مضمونة، بمعنى أن الفأر يمكن ألا يجد طعامًا كما اعتاد، أو يمكن أن يجد، الله أعلم!
3) أما السيناريو الثالث والأخير فهو أن الفأر مهما ضغط على الزر فلن يجد أي طعام.
وبالطبع كل سيناريو كان يستغرق فترة من الترتيب.
تعال نرى سلوك الفأر في كل سيناريو من التجربة، وما نشاط دماغه  

1) في أول سيناريو: عندما كان الفأر يتدرب ويعرف أن الضغط على الزر يحضر طعامًا، أصبح الطعام بالنسبة إليه مصدرًا للسعادة، فيعتبر مكافأة لكنها كانت غير متوقعة، وهنا هرمون الدوبامين  نشّط الخلايا العصبية بعدما حصل على المكافأة.

2) أما في السيناريو الثاني: وبعدما عرف الفأر أمر المكافأة، زاد معدل الدوبامين قبل أن يحدث فعل الضغط على الزر، وأصبح الفأر من ساعتها يكرر السلوك حتى أصبح عادة عنده.

3) وفي السيناريو الأخير كان سلوك الفار أن يضغط على الزر بسبب ومن دون سبب، مع أنه عرف أنه لا طعام، ولكن فعل الضغط أصبح إدمانًا لديه، والدوبامين ما زال ينشط رغم غياب المكافأة!

من هذه التجربة استنتج العلماء أمرين:
1) الأمر الأول: مكونات العادة، وهم ثلاثة عناصر:

1_ الدليل Cue، وكان يمثل الإشارة التي تجعلك تبدأ في سلوك العادة، الذي كان بالنسبة إلى الفأر زر الطعام.

2_ سلوك العادة Routine، وكان فعل الضغط على الزر. 

3_ المكافأة reward، وهي الحصول على الطعام.

ومع الأسف لو ركزنا قليلًا في حياتنا، سنجد أنفسنا قد وقعنا داخل صندوق سكينر لأكثر من عادة، مثل الجيمينج لوقت طويل، أو حتى المسلسلات أو متابعة أسعار الذهب اليوم!
ولو أخذنا مثالًا عن عادة تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، فبمجرد أن تسمع صوت الإشعار الذي يعد الدليل، ستمسك الهاتف وتفتح كل مواقع التواصل، وتستمر في حالة ال scrolling لساعات دون أن تشعر، وهذا هو الروتين، وبالنسبة إلى المكافأة فترى كم  تفاعلًا حصلت عليه، أو إذا أرسلت إليك رسالة، ويمكن ألا تجد أي مكافأة، ومع ذلك تكمل في حالة ال scrolling.


2) والأمر الثاني الذي استنتجناه هو: دور الدوبامين في تكوين العادات وتأصيلها في طباعنا..
- فبالنسبة إلى التكوين:
فهو مسؤول عن الرغبة وينشط بمجرد رؤية المحفز ويجعلك تسلك السلوك تلقائيًّا، حتى لو لم توجد مكافأة، وبالمناسبة الدوبامين يُنتَج في العقد القاعدية مكان النظام الثاني الخاص بذاكرة تعلم الأشياء المستقرة.
- وفي جزء تأصيل وتثبيت العادات ستجد الدوبامين يقول لك:  أنا أصنع عادات تعيش معك العمر كله، فيقوي الترابط والتشابك بين الخلايا العصبية التي تؤدي إلى سلوك العادة في كل مرة تكرره فيه!
فتكون قد وقعت في حلقة مفرغة تكرر فيها سلوكيات حتى أصبحت عادة تحدث بشكل تلقائي ويصعب التخلص منها.

وشيئًا فشيئًا تتحول هذه العادات -خصوصًا لو كانت سيئة كالتدخين والأكل بشراهة أو تعاطي المخدرات- إلى سلوك قهري يسمى بـ(الإدمان السلوكي).
وفي حالة الإدمان السلوكي تزيد مستويات الدوبامين في الجسم بكمية أكبر من المعتاد، فتقل حساسية الدماغ تجاه المؤثرات وشعوره تجاهها، فتجده لم يعد يشعر بإحساس المتعة نفسه من الجرعات القديمة، سواء من المخدرات أم الوقت الطويل الذي تقضيه في الجيمينج أو التواصل الاجتماعي.
فلكي يحافظ دماغك على العادة التي كونها، وتستمر في الشعور بشعور المكافأة القديم وبالسعادة بعد العادة، ستحتاج إلى زيادة الجرعة والوقت الذي تستغرقه في سلوك العادة، وبعدما تزيد مقدار الجرعة سيشعر عقلك أنها قليلة فتضطر إلى زيادته، وهكذا..

لماذا يمكن أن نعود إلى عادة تخلصنا منها؟


وبالتأكيد تتذكر المرة التي قررت فيها أن توقف عادة ما، ولنقل إنك ستغلق كل حساباتك في السوشيال ميديا لمدة أسبوع مثلًا، ونجحت فعلًا، لكن من أول مرة عدت لتفتحها وجدت نفسك قد عدت إلى سابق عهدك!

وما حدث معك يا صديقي ظاهرة منتشرة اسمها (الاستعادة التلقائية)، وكانت محل دراسة علماء كثر منهم مارك بوتين، الذي ظل عقدين كاملين يدرس لماذا يمكن أن تعود عادة قديمة تحت التراب، وربما تعود بقوة أكبر!
واستنج من الأبحاث وتجاربه أن العادات القديمة لا تختفي بل تخمد فقط، وعندما يظهر سياق الأحداث والدليل والمكافأة ، فإنها تعود مرة أخرى!
لذا لو أن أحدًا توقف عن التدخين، يجب ألا يعود إلى مكان فيه مدخنون أو يجرب أن يمسك سيجارة. 

التخلص من عادات الإدمان السلوكي


ألا يوجد أمل إذًا؟
فلكي يتخلص الشخص من عادة واحدة سيدخل في معركة مع دماغه!
لكن لا تقلق هناك أمل.. استعن بالله، وأخضر سيقول لك خلاصة الطرق التي استنتجها العلماء من تجارب وأبحاث علم النفس والأعصاب لكي نتخلص من العادات، وهذه الطرق لا تعتمد على قوة الإرادة وأن تقاوم رغبتك في سلوك العادة، الحل يكمن في ألا تدخل المعركة أصلًا!
كيف؟ سأخبرك:

1- أول شيء تحتاج أن تهتم به هو البيئة، فلا تجعلها تشجعك بأي شكل على أن تقع في فخ العادة، وهنا يمكن أن تستعمل:
  - خدعة هندسة الاختيارات: بمعنى أن تجعل البيئة التي توجد بها تدفعك لكي تلتزم في سلوك يبعدك عن العادة، كأن تسجل الخروج من مواقع التواصل الاجتماعي، وتطلب من أحد أفراد أسرتك أن يغير كلمة السر، ويعطيها لك وقت الضرورة فقط، عندها ستشعر أن اختيار فتح مواقع التواصل مرهق جدًّا، ومن الأسهل أن تصنع أي شيء أكثر فائدة.

- وهناك خدعة أخرى يمكن أن تستعملها في بيئتك، وهي أن تخفي منها الدليل cue أو المحفز، أو تجعل الوصول إليه صعبًا جدًّا، كأن تنزل برنامجًا يخفي مواقع التواصل الاجتماعي، أو تنقل عملك إلى مكان يمنع التدخين وهكذا.

2- ثاني شيء يمكنك عمله لكي تتخلص من أي عادة، وضع قواعد الالتزام:
- كأن تقول لنفسك إنك لو جلست أكثر من 10 دقائق على مواقع التواصل ستقوم بعشرين تمرين ضغط وتمرين بلانك، أو لو دخنت سيجارة ستتبرع ب 50 جنيهًا.
ومهم هنا أن تجعل القاعدة بسيطة ومفهومة وقابلة للتنفيذ.

 3- وثالث شيء للتخلص من العادات: أن تضع خطة وسيناريوهات مفصلة:
فلو قلنا مثلًا إنك ستلتزم بالنظام الغذائي وتقلل من أكلك، فلا تجعل استعدادك في الخطة أنه لو أعطاك أحدهم طعامًا حلوًا ستقول له لا!

الأفضل هنا لكي تفصل أكثر أن تستخدم استراتجية:
(إذا حصل.. سوف)، فتقول لنفسك: في حالة عرض عليك شيء سيفسد نظامك الغذائي، ستذكر نفسك أولًا بأهمية الحفاظ على نفسك وصحتك وضرورة النظام الغذائي في تحقيق ذلك، وتذكر المرات التي صبرت فيها وجاهدت نفسك، ثم تعتذر للشخص وتعرفه السبب وأنك ملتزم بحمية غذائية.

1- أما رابع شيء: أن تشجع نفسك دائمًا، وتحيط نفسك بأناس يحبونك ليشجعوك على أن تكمل في طريق التخلص من الإدمان.

2- وأخيرًا لا تنسَ أن تتابع نفسك وترى مدى تقدمك، ولو وجدت مشكلة في تنفيذ خطتك فحاول أن تغيرها بما يتناسب معك.

الخاتمة

وفي النهاية يا صديقي كلنا متفقون أن طريق التخلص من العادات السيئة صعب جدًّا، ويحتاج إلى صبر ومجاهدة، لكن تأكد أن نهاية الطريق تستحق التعب. 💪🏻😉

أخبرنا في تعليق ما العادة التي قررت محاولة التخلص منها؟
سلام.