في وجه النار: اكتشف غضبك وعبَّر عنه بالطريقة المناسبة

Book-Cover

مُقدِّمة

هذا هادي، في أثناء مذاكرته ليلة الامتحان تجاوز الفصلَ الذي نبّه الدكتور أنه مُلغى، وبعدما انتهى من المذاكرة ونام مرتاحًا، تفاجأ بأن 90% من الامتحان كان من الفصل المُلغى!

صُدِمَ ولكنه قرر أن يُجيب رجمًا بالغيب إلى أن يأتي الدكتور، وجاء الدكتور الحمد لله، تُرى سيقول "أعرف أن هذا الجزء مُلغى وسأعوضكم بدرجات إضافية"، أو "إن الامتحان سيُصحح بناءً على الجزء المقرر فقط"؟

في الحقيقة.. قال الدكتور: "إن الامتحان واضح صريح ويُحل في ربع ساعة".

وهنا هادي لم يعد هادئًا ولم يستطع أن يتمالك أعصابه، رمى الورقة والقلم وبدأ يتشاجر مع الدكتور، ومع الأسف رسب في المادة. 

وفي الحقيقة ليس عدم التحكم في الغضب وحده الذي يمكن أن يسبب لك مشكلات، ولا حتى التعبير عنه، ربما تجد علاقات أسرية أو اجتماعية أو مهنية تتضمن خلافات وسوء تفاهم كالنار تأكل فيها، فكيف تواجه نار الغضب وتتحكم فيها وفي باقي المشاعر، بل وتستغلها لصالحك؟ هذا ما سنتعلمه من كتاب اليوم بعنوان "في وجه النار: اكتشف غضبك وعبَّر عنه بالطريقة المناسبة"، للكاتبان: (جون لي | John Lee) و(بيل ستوت | Bill Stott).
نعود الآن إلى شعور الغضب..

المشاعر والغضب 

شعور الغضب كسائر المشاعر من الحب والكره والفرح والحزن، جميعنا معرضون للشعور به في مواقف مختلفة، كالتعرض للظلم، أو عندما تجد أن الحياة لا تسير كما خططت لها، أو عندما تقابل شخصًا يتصرف بطريقة تضايقك، أو بسبب زيادة الأسعار، أو إذا جلس أحدهم في المواصلات بجوار الشباك بدلًا منك، أو إذا ضيع أخوك الصغير سماعاتك.. وهكذا.

أغلب الناس يضعون الغضب في خانة المشاعر السلبية رغم أن الحقيقة هي أنه لا يوجد شعور سلبي، فقط تصرفاتنا وردود أفعالنا التي تحدث بعدما نشعر بالغضب تحديدًا، هي التي سوّأت سمعته، ولو فتشت أكثر عن سبب عدم حب الناس لشعور الغضب، ربما تكتشف أن الأمر بدأ منذ الصغر، فبعض الأطفال ربطوا شعور الغضب بالألم نتيجة لتصرفات أهاليهم، فمثلًا لو رأى الطفل والده غاضبًا يتوقع أنه بالتأكيد سيصرخ في وجهه وربما يضربه، ووالدته إن غضبت فربما تبتعد عنه ولا تكلمه، والطفل شخصيًّا إن غضب وتسبب في حدوث ضوضاء فسيُعاقب ويُحبس في غرفته، لذا من المهم أن ينتبه الأهل لتصرفاتهم أمام أطفالهم، ويسمحوا لهم بأن يعبروا عن مشاعرهم ويفهموها.

وعمومًا تخيل أنك أوقفت أي مارٍّ وسألته "هل تحب أن تشعر بالغضب؟"، بالتأكيد سيقول لك "لا"، بسبب طفولته أو المواقف التي لم يستطع التصرف فيها فضيع حقه، أو حتى بسبب الناس والفرص التي خسرها بسبب غضبه، ونتيجة لهذا تجد نفسك تختار تجنب وتجاهل شعور الغضب وإن وُضِعت في موقف يضايقك أو يستدعي الغضب، تكتمه داخلك.

الغضب المكبوت 

تظل تُراكم الغضب داخلك حتى تجد نفسك فجأة:

- غضبت بسبب شيء تافه لا يستدعي الغضب. 

- متوترًا طوال الوقت.

- أصبحت تعامل الناس بطريقة غريبة اسمها (العدوان السلبي)، ومعناها أن تتنمر على غيرك وتقلل ثقته بنفسه بطرائق ملتوية، وتصبح أنت الشخص الخبيث. 

ما يحدث لك اسمه (الغضب المكبوت)، وهذا غير (الغضب اللحظي) الذي سنتكلم عنه أيضًا بعد قليل، فالأولُ يكون متراكمًا منذ زمن ويخرج في مواقف ربما تكون سطحية، لكنها توقظ الغضب بداخلك، ولتفهم أكثر سبب ما حدث لك وكيف تمنعه في ما بعد، يجب أن تعرف أولًا كيف تعمل المشاعر:ط

- أولًا جسمك هو الذي يستقبل المشاعر. 

- ثم يفسرها ويقيمها عقلك. 

- ثم يعبر عنها جسمك.

فإن شاهدت فيلم رعب مثلًا ارتعشت، وإن شعرت بالحزن بكيت، وإن فرحت رغبت في القفز، والغضب مثل هذه المشاعر، لكنه يتميز بأن طاقته كبيرة جدًّا مقارنةً بباقي المشاعر.

ومن هنا يا صديقي نلاحظ أن الجسم هو المسؤول عن المشاعر بشكل كبير، ونستنتج شيئين:

1. أولًا:
أن غضبك لن يختفي إن فهمت أسبابه فقط، فبالطبع سيساعدك الفهم على أن تتحكم فيه، لكن لتتخلص من غضبك يجب أن تُخرجه من جسمك.

 2. ثانيًا:

حسب الدراسات الطبية، إن لم تستطع التعبير عن الغضب المكبوت أو إخراجه من جسمك فـ:
- سيصبح تأثيره فيك أشبه بتأثير التدخين بشراهة، أو السمنة المفرطة.
- ربما يسبب أمراضًا مزمنة في القلب، واضطرابات في الجهاز المناعي.

- ربما يسبب مشكلات يومية كالصداع، ووجع القولون، وألم الظهر.

والظاهر أننا نُراكم ولا نتجاوز، وبالتأكيد أنت تتساءل الآن "هل يجب أن أتعصب، وأصرخ في الناس، وأكسّر الأشياء لأخرج غضبي وأحمي نفسي من كل المشكلات الصحية التي تكلمنا عنها يا أخضر؟"، بالتأكيد لا، لو تصرفت بأي شكل عنيف مؤذٍ سواء لك أم لغيرك فستندم في ما بعد، وستغضب من نفسك أصلًا! وهذا أيضًا السبب الذي يجعل عقلك يخدعك ويهرب من مشاعر غضبك ببعض الاستراتيجيات، منها:

- إدمان أي شيء، كالأكل والنوم ومواقع التواصل الاجتماعي، وحتى التدخين والمخدرات.

- الهروب الفكري بأن تسرح في أي شيء، إذ لا تهتم في حين أن أحدهم يؤذيك ويضايقك.

- إلقاء اللوم وأسباب غضبك على نفسك.

التخلص من الغضب المكبوت

وقبل أن تغضب سأقول لك كيف تتخلص من الغضب المكبوت بطريقة آمنة لك ولغيرك، وهذه الطريقة جربها الكاتب (جون لي) بنفسه، واستخدمها في الورش النفسية المسؤول عنها، وتتكون من خطوتين:

- الأولى أن تصل إلى مشاعرك.

- الثانية أن تتحرر عاطفيًّا.

وكل خطوة منهما فيها مجموعة من التمارين والأساليب، ليس شرطًا أن تفيدك كلها؛ تقنية واحدة أو اثنتان سيؤديان الغرض.

نبدأ بأول خطوة:

الوصول إلى مشاعرك المكبوتة والغضب المتراكم منذ زمن، سواء من الأشخاص المقربين منك في طفولتك، أم من مواقف حدثت لك في العمل أو الدراسة، وأي شيء لا يفكر فيه عقلك لكنه أغضبك وجسمك ما زال محتفظًا بشعوره داخلك.

ولنطبق هذه الخطوة لدينا ثلاثة تمارين، هي التنفس والتحدث والكتابة.

1 - تمرين التنفس:

 - وهو ببساطة أن تأخذ نفسًا عميقًا ببطء من أنفك حتى يصل إلى بطنك، ثم تحبسه قليلًا، ثم تخرجه وتكرر التمرين أكثر من مرة.

- وفائدة هذا التمرين لا تقتصر على مشاعر الغضب، بل يساعدك في حالة مشاعر التوتر أو التهديد أو الحزن.

- والنفس العميق يجعلك تركز على العثور على المشاعر التي تضايقك، ويمدك بطاقة تمكنك من احتوائها مؤقتًا حتى تتخلص منها.

وهكذا نكون انتهينا من التمرين الأول.. هيا بنا إلى التمرين الثاني!

2- التحدث:
وهنا ستتكلم عن غضبك مع شخص آمن، والشخص الآمن هو الشخص الذي:

- لن يؤذيك في ما بعد بكلامك.

- لن يتنمر على مشاعرك أو يقلل منها.

- سيحاول أن يساعدك على أن تفهم مشاعر غضبك وتوصلها.

3-  الكتابة:
وميزة الكتابة حسب كلام علماء النفس والباحثين أنها:
- تنظم التفكير والأحداث وإن كانت كثيرة، فتسهل عليك الوصول إلى مشاعرك.
- تقلل من الإجهاد البدني والعقلي الناتج عن الأفكار الكثيرة والتشويش.


وعندما تكتب:
1_ يمكن أن تكتب التجارب التي شعرت فيها بمشاعر الغضب، وتصف الموقف وتحكي ما حدث.

2_ أو تكتب قائمة بالأشخاص الذين غضبت منهم، والأشياء التي تضايقك عمومًا.
3_ أو تخصص دفترَ يوميات، تكتب فيه أحداث يومك وما شعرت به عندما تعرضت لهذا الموقف، ثم تقيّمها.

الآن -الحمد لله- انتهينا من أول خطوة في طريقة التخلص من المشاعر، وحان وقت الخطوة الثانية، وهي خطوة التحرر العاطفي:
وهنا يا صديقي ستبدأ في إخراج مشاعر الغضب المكبوتة، ولأننا اتفقنا من قبل أن الجسم هو المسؤول عن المشاعر، سنعرف الآن أساليب التعبير عن مشاعر الغضب عن طريقه:
1) تحرّك، مارس الرياضة، أو اشترك في صالة للألعاب الرياضية، أو اذهب للتمشية.
2) اضرب أي شيء، مارس الملاكمة أو اضرب الوسادة لن نختلف.
3) اكسر شيئًا كأي كوب مثلًا، لكن تذكر أنك ستضطر إلى أن تشتري واحدًا جديدًا دون علم ست الكل، لذا يمكنك أن تستعين بلعبة Smash Hit
4) اصرخ في مكان بعيد عن الناس.
وفي العموم وأنت تطبق أي أسلوب من هذه الأساليب يجب أن تتذكر ما أغضبك، وساعتها يخرج شعورها من جسمك.

الغضب والآخرين

إلى هنا -الحمد لله- نكون قد تخلصنا من غضبنا المكبوت، لكنك -بصراحة- لن تسلم من أن تتعرض لمواقف جديدة توترك وتغضبك، أريد منك أن تتخيل مثلًا أنك اتفقت مع صاحبك أنكما ستتقابلان الساعة التاسعة صباحًا عند أول الشارع، وجاءت الساعة العاشرة وصاحبك لم يستيقظ من نومه، فتضايقتَ وغضبت، فكيف تتصرف؟
هل تفعل كما فعل هادي الذي لم يعد هادئًا وتتشاجر مع صاحبك، ثم تعتذر إليه في ما بعد أو تخسره،

أم تتركه وتكتم الغضب داخلك ثم تتخلص منه، وتضيع حقك في مواقف أخرى في الحياة أو العمل؟

أعرف يا صديقي أن المواقف المشابهة لهذا تكون صعبة جدًّا، لذا سأقول لك كيف تتعامل وتعبر عن غضبك أمام الناس عمومًا بلباقة ومن دون أن تؤذي أحدًا، لكنك أولًا يجب أن تتأكد من شرط قبل أن تعبّر عن غضبك في أي موقف، وهو أن تقيّم مستوى غضبك إن كان زائدًا عن اللزوم ويعد غضبًا مكبوتًا نتيجة لأشياء أخرى لا علاقة لها بالموقف نفسه، أم هو غضب حالي بسبب الموقف فقط وتستطيع أن تحتويه،
وتعرف هذا عن طريق جسمك وانفعاله، فلو كان غضبًا مكبوتًا فحاول أن تغادر وتخبر الشخص أنك ستتكلم معه في ما بعد، أما إن كان غضبًا حاليًّا فانتظر معي.

- أما عن طريقة التعبير فسنقسمها جزأين، افعل ولا تفعل.
نبدأ بجزء "لا تفعل" أولًا:
وهنا سأخبرك بما يجب ألا تفعله عندما تعبّر عن غضبك لئلا تتصرف بطريقة غير مجدية أو توسع الفجوة بينك وبين غيرك، مثل:

1. نقد الشخص، كأن تقول لصاحبك: "على فكرة.. أنت لست مخلصًا ولا يُعتمد عليك"، أو "أنت مهمل"، والصواب أن تنقد سلوك الشخص وتصرفه الحالي فقط، وعمومًا حاول أن تجعل النقد بنّاءً لئلا يتحول النقاش بينكما إلى جدال فتتشاجرا، وإن رغبت في أن تعرف أكثر عن الجدل والنقاش يمكنك أن تستعين بملخص كتاب "فن الكلام"، ستجده على تطبيق أخضر وقناة يوتيوب^^.

2. لَوم الشخص أو مهاجمته، وذلك حتى لا يأخذ وضيعة الدفاع أو يرد الهجوم عليك، وساعتها لن تصل إلى حل.

3. لا تسترجع مشكلات الماضي -وغضبك مكبوت- وتربطها بالموقف الحالي، مثل مشكلة صاحبك الذي أكل طعامك وأنت في الصف السادس الابتدائي.
* وبعد انتهائنا من جزء "لا تفعل"، يتبقى أن أقول لك ماذا "تفعل":
وبصراحة.. لن تفعل أشياء كثيرة، ستقول: "لقد تضايقت"، أو "على فكرة.. لم يعد الأمر مضحكًا"، أو "أستاذ فلان.. في الحقيقة أنا منزعج مما حدث" فقط.
ربما تستغرب الآن وتسألني "ألن أوضح سبب غضبي؟"، سأقول لك إن عدم التوضيح أفضل لأربعة أسباب:

1- ربما تبالغ في انفعالك وتصبح شكّاءً بكّاءً.

2- ستعرّض مشاعرك العاطفية لحكم الآخرين المنطقي، وستظهر مشاعرك أمامهم غير منطقية ويمكن أن يتجاهلوها.

3- ربما تكون قد أخطأت فهم الموقف، فبذلك تعطي لنفسك وقتًا أطول.

4- ربما يعتذر لك الشخص الذي ضايقك من نفسه.

*وماذا إن سألك صاحبك أو هذا الشخص عن سبب غضبك؟
- ساعتها استخدم استراتيجية "عندما يحدث كذا.. أشعر بكذا"، أي ستقول ما شعرت به وتقدم له السبب، فمثلًا ستقول لصاحبك الذي تأخر عليك: "عندما تأخرت عليّ شعرت بعدم التقدير"، وهذا يختلف عن قولك "أنت لا تقدّر".

- ويمكن أن تستعمل عبارة في أولها كلام لطيف يؤكد المحبة، مثل الأم التي تقول لابنها: "حبيبي.. أنت تعرف كم أحبك، لكني أتضايق عندما تنشر الفوضى في الغرفة".
*حسنًا.. فلنفرض أن الشخص الذي عبرت له عن غضبك تغافل عما قلت وكرر السلوكيات نفسها، ساعتها سيكون أمامك حلّان:
1) أن توضح له في المرة الثانية أو الثالثة حدودًا إن لم يتبعها فستتخذ إجراءً معينًا، كأن تقول لصاحبك: "المرة القادمة إن تأخرت فسأغادر وأتركك". 

2) وآخر حل أن تقطع العلاقات التي يتعمد فيها الأشخاص إيذاءك أو مضايقتك.

*وماذا لو غضب منك شخص كزميلك في العمل مثلًا؟ كيف تتصرف؟

ببساطة يا صديقي يجب أن تحمي نفسك..

1- أوقف الشخص عند حده، وقل له بنبرة حازمة إنك لا تقبل أن يتعامل معك أحد بهذه الطريقة.

2- وإن توقف الشخص فعلًا لفترة، يمكن أن تخبره بأنك مستعد أن تسمعه إن تكلم بطريقة مناسبة.

3- وإن لم يتوقف فغادره وارحل.

فوائد الغضب

وفي الحقيقة تصرفك في هذه المواقف يعد من فوائد الغضب لأنك تحمي حدودك، وتوجد فوائد أخرى، مثل:

1- أن تأخذ حقك.

2- أن تقطع العلاقات المؤذية.

3- أن تستغل طاقة الغضب في أن تغير وضعًا لا يعجبك، أو تنصر مظلومًا، أو حتى تناضل من أجل قضية ما.

الخاتمة

وفي النهاية يا صديقي، الرسول ﷺ يقول: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"، ومن هذه الوصية ومن حلقة اليوم نكون قد تعلمنا كيف نتحكم في غضبنا، وفي الوقت نفسه نعبر عنه ولا نكبته، وعرفنا أيضًا كيف نتعامل مع غضب الآخرين.
اذكر لنا في تعليق موقفًا أو شيئًا يغضبك وكيف ستتعامل معه.