توقف عن إرضاء الآخرين
مقدمة
محمد.. هلّا أنجزت هذا العرض التقديمي؟ أنت أفضل من ينجز هذه المهمة.
حسنًا!
محمد.. لا تنسَ أن تكمل العمل الذي طلبته منك.
حسنًا!
محمد.. هلّا أقرضتني بعض المال؟ سأسدده الشهر القادم.
لكنني مضغوط و.. حسنًا!
محمد.. هل يمكن أن توصلني في طريقك بالسيارة؟ إن طريقنا واحد أصلًا.
نعم لكن.. حسنًا اركب.
محمد.. إن تعديلاتك الأخيرة سيئة، نحتاج أن نغيرها مرة أخرى.
أنت من أخبرني بالتعديلات! حسنًا حسنًا أخبرني بتعديلاتك!
إن شعرت أن محمدًا يشبهك وأنت تتعامل مع الآخرين، ولا تستطيع أن تقول "لا"، ودائمًا ما تكبت رأيك واعتراضك، وتشعر أنك ستنفجر من داخلك، لكنك ما زلت محافظًا على ابتسامتك وتعاملك الجيد مع من حولك، فيا صديقي إن الكاتب "باتريك كينج" أرسل إليك رسالة وجعلها عنوانًا لكتابه، يقول لك "توقف عن إرضاء الآخرين"، توقف عن إعطاء مبررات عندما ترفض شيئًا، وتوقف عن الاعتذار بلا هدف، وتعالَ أخبرك كيف تفعل هذا في صورة خطوات عملية ستساعدك أن تتحسن.
ماذا يعني إرضاء الآخرين؟
يعرفنا الكاتب ما هو إرضاء الآخرين بالتفريق بينه وبين الطيبة والكرم، لأن إرضاء الآخرين عكسهما وعكس ما نظن تمامًا يا صديقي.
إرضاء الآخرين قد تبدو لنا من الخارج عادة شخص معطاء جواد لا تخرج من فمه كلمة "لا"، يسعد كل من حوله ولا يخذل أحدًا أبدًا، لكنه في الحقيقة لا يستطيع قول "لا"، هذا لا يعني أنه يرضي الآخرين، بل إنه لا يستطيع أن يرفض لهم طلبًا أصلًا، فيقبل العمل وهو رافضه، ويظل يتأفف من الداخل وهو ينجزه، وربما يعتذر عن عدم إتمام هذا العمل بعد وقت، ويضع نفسه وصاحب العمل في موقف مزعج.
من يحاول أن يرضي الآخرين يسعى دائمًا إلى الحصول على استحسانهم، وهذا لأنه خائف، نعم.. خائف من مواجهة الآخرين ورفضهم له، خائف أن يخسرهم إن رفض لهم طلبًا، فدائمًا ما يقدم رغباتهم على رغباته، وطلباتهم على طلباته، وإن كان سيظلم نفسه! لا بأس!
فيهمل ذاته! لا بأس!
يشعر بالكبت والغضب في داخله، لكنه أمام الناس قنبلة فكاهة وضحك وانبساط، لا بأس! يتوتر ويكتئب ويُستَغل، لا بأس!
من يحاول أن يرضي الآخرين يريد أن يسيطر عليهم بأن يسيطر على رد فعلهم، يأخذ منهم ولو إحساسًا لحظيًّا بأنهم رضوا عن تصرفه هذا وإن كان سيؤذيه، وهذا عكس الشخص الطيب تمامًا، لأن الطيب أو الكريم يفيض بما عنده بغض النظر عن رد فعل الآخرين، أما من يرضيهم فيخسر نفسه في سبيل رضاهم وأن يشعر -ولو للحظة- أنه شخص جيد.
ما وراء إرضاء الآخرين
وما الذي يجبر أحدًا على أن يتصرف بهذا الشكل؟ بالتأكيد لا أحد يختار أن يخسر نفسه يا أخضر!
بالضبط يا صديقي.. لا أحد يختار هذا إلا إن اعتقد أن خسارة النفس شيء جيد، وهذا ما يقوله كاتبنا، يوجد أربعة أسباب وراء هذا الخطأ في الفهم:
- فهمنا الخطأ لطبيعة العلاقات، وأن معنى أن تكون في علاقة، أن تكون في خدمة الطرف الآخر وتعمل على إرضائه، فهذا يجعلنا دائمًا نشعر بالذنب عندما لا نفعل للطرف الآخر ما يريد حسب مفهومنا عن العلاقة، وهو مفهوم خطأ كما قلنا.
- نظرنا إلى الأنانية نظرة سلبية بشكل تام، وهذا في الغالب بسبب أن أغلبنا -ونحن صغار- ضُربنا على أيدينا، "شارِك ابن عمتك لعبك وأشياءك لتكون شخصًا جيدًا"، فكبرنا وعندنا هذا المفهوم متضخم، "إن لم تُرضِ الآخرين وتشاركهم، فأنت شخص أناني وسيئ".
- وهذا يؤدي إلى أن يتبع الطفل توجيهات الكبار هذه، فيفهم أن رغباته واحتياجاته أقل من رغبات واحتياجات الآخرين، ويجب أن يقدم غيره على نفسه مهما كان الوضع، ليحافظ على صورة الشخص الجيد التي رُسمت له.
- الخوف من المواجهة، كأن يسبقك أحد مثلًا في الطابور، وتريد أن تقول له أن يرجع إلى مكانه وينتظر كما تنتظر أنت منذ الصباح، لكن إن كنت شخصًا معتادًا إرضاء الآخرين فستجد أن حلقك قد جفّ ونبضات قلبك تسارعت، وأصبحت غير مرتاح في مكانك، ففجأة تقول لنفسك "ربما يكون مشغولًا أو مستعجلًا"، فترتاح لهذه الفكرة لأنها جعلتك تهرب من المواجهة، ومن ثم جعلتك ترتاح.
رحلة لإعادة الهيكلة
وما الحل يا أخضر؟ لقد حصلت على الدرجة النهائية في كل الأسباب السابقة!
الحل يا صديقي هو أن نغير من طريقة تفكيرنا ونفهم أن:
- أولًا: الأنانية ليست شيئًا سيئًا، بالعكس، لو أنك تريد أن تساعد الآخرين، فأنت تحتاج إلى أن تساعد نفسك أولًا بأن تعرف حقها عليك، فمثلًا لو استهلكت الأم نفسها في أعمال البيت، والعمل خارج البيت، وتربية الأولاد، ومكالمات الأقارب، واستقبال الضيوف إلخ، ولم تبقَ ساعة واحدة لنومها أو راحتها، فلقد أنقذتِ الجميع يا سيدتي، ولكن من سينقذكِ؟ ستتعبين وتصابين بالصداع وربما تنهارين عصبيًّا، وهذا لأنكِ قدمتِ الآخرين على نفسك، الأنانية ليست سيئة يا سيدتي، كوني أنانية قليلًا، كلنا نحب أن تهتمي بنفسك، وكل شيء فداءً لمأكولاتك، أقصد فداءً لراحتك!
- ثانيًا: تحتاج إلى أن تحب نفسك قبل أن تحب الآخرين، أحب نفسك وتقبلها، حضر كوبين من الشاي وتفاهم معها وابنِ أسبابًا لحبك لها، والتفاهم معها، والطريقة التي ستتعاملان بها مع الآخرين، واعرف أنك لست مجبرًا أن تخنق نفسك وتقبل أي عمل يعرض عليك، الرفض دائمًا إجابة لأنك في النهاية صاحب قرار.
- ثالثًا: كن حازمًا، أنا هنا لا أنصحك بأن تنفر الآخرين منك وتصنع عداوات بالرفض، بل أنصحك بأن تكون لبقًا وتتعلم كيف ترفض وتخرج من الموقف والطرفان راضيان، وبعد قليل سأخبرك ببعض الخطوات التي ستساعدك، غير أن قسم مهارات التواصل على تطبيق أخضر سيساعدك كثيرًا في هذا.
- رابعًا: تعلم المواجهة من خلال العلاج بالتعرض، وأول ما تفعله أن ترسم تدرجًا هرميًّا لمخاوفك. ما هذا الكلام المعقد يا أخضر؟ ليس معقدًا يا صديقي، الفكرة ببساطة أن تغيير معتقداتك شيء جميل، لكنه غير كافٍ، نحن نحتاج إلى شيء عملي يدعم هذه المعتقدات التي غيرتها، وهذا لن يتأتى إلا بمواجهتك لمخاوفك، لذا أحضر ورقة وقلمًا واكتب المواقف التي ستشعر فيها بضيق، أو بذنب غير مبرر، أو لن تقدر أن ترفض فيها طلب الآخر.
صديق لك اعتاد أن يتصل بك بالرغم من أنك أخبرته بأنك مشغول – رأي مخالف تقوله وأنت تجلس مع أصحابك في المقهى – طلب من مديرك ألا يحملك أعمالًا أكثر – طلب ممن يجلس بجوارك في المواصلات أن يخفض صوت الهاتف.
تخيل المواقف، وبعدما تكتبها رتبها من الأسهل إلى الأصعب، ثم يأتي دور العلاج بالتعرض، وهذا أسلوب يستخدمه الأطباء النفسيون في علاج المرضى من مخاوفهم، بأن يتعرضوا لها تدريجيًّا حتى يتجاوزوها، وهذا ما سنفعله، سنعرض أنفسنا كل يوم لواحد من مخاوفنا هذه من الأسهل إلى الأصعب، حتى نجد أن رفضنا للشيء ليس تفضّلًا من الآخرين علينا، بل حقنا الطبيعي.
استعد للعواقب
وبطبيعة الحال رفضك هذا سيتسبب في شعور الآخرين بالاستغراب وربما العدائية، "إنه لم يقل "لا" من قبل، ماذا جرى؟"، وطبعًا ربما تتهم بالغرور أو التكبر أو الأنانية أو أي شيء من هذا القبيل، وستشعر بالذنب لأنك ضايقتهم، لكن تمالك أعصابك يا صديقي، هنا بالضبط مرحلة التجاوز، خذ نفسًا عميقًا من مخزون إرادتك وصمم على رفضك حتى تزول موجة الاستهجان، ومع الوقت ستجد أنهم اعتادوا طبعك الجديد ويحترمون حدودك، وأن حالتك النفسية أصبحت أفضل.
احمِ نفسك
الآن نحتاج إلى أن نتدرب على بعض الأساليب الدفاعية لتحميك من الوقوع في فخ إرضاء الآخرين مرة أخرى:
أولًا: غير مفرداتك: عندما يُطلب منك شيء وأنت لا ترغب في عمله، قل "لن أفعل" بدلًا من أن تقول "لن أستطيع أن أفعل"، لأنك إن قلت الجملة الثانية فسيقال لك "لن يكلفك الأمر سوى خمس دقائق، افعله في ما بعد لا مشكلة"، لذا كن حازمًا في مفرداتك ووضح موقفك من البداية، ليست المشكلة أني "لن أستطيع أن أفعل"، بل أنا "لن أفعل" أصلًا.
ثانيًا: ارسم حدودًا واضحة لنفسك: اعرف ما لك وما عليك تجاه الآخرين، وحافظ على عدم تعدي أي أحد على هذه الحدود، فلو خصصت لنفسك ساعة للراحة أو القراءة كل يوم، فنبّه على كل من حولك أن يحترموا هذه الساعة ويتجنبوا الكلام معك فيها، ولو حصل وانتهك شخص ما حدودك بالرغم من تحذيرك له أكثر من مرة، فاقطع علاقتك بهذا الشخص، وإلا لن يكون عندك حدود أبدًا.
وسيحدث أن تجد رد فعل سلبي على تصرفات كهذه، لكن تذكر أنك تحمي نفسك من اعتداءات الآخرين، وأنك طلبت منه أكثر من مرة أن يحترم حدودك، وهو لم يحترمها وقَطَعَ علاقته بك، وليس العكس.
حيل للرفض
وإن لم تستطع أن تقول "لا" بشكل مباشر؟
بسيطة يا صديقي، استخدم هذه الخدع..
- قل إنك مرتبط بمواعيد أخرى ويجب أن ترفض.
- غيّر مجرى الحديث وارفض هذا العمل بحجة أنك ملتزم الآن بعمل ما، وهذا العمل سيطول.
- "أرسل هذا العمل إلى أحد آخر ينجزه أفضل مني".
- إن صمم فأجّل الرد عليه وقل له سأراجع التزاماتي ثم أرد عليك، ثم بلغه أنك ترفض ولو برسالة واتساب.
وقاوم قاوم قاوم قاوم، قاوم الرغبة في المناقشة وتبرير سبب رفضك لما يُطلب منك، تذكر أن من حقك أن ترفض العمل الزائد لأنك غير ملزم به، ركز على أنك ترفض العمل نفسه، وليس الشخص.
خاتمة
وتذكر أنك خلال رحلتك للتخلص من عادة إرضاء الآخرين، ستشعر بالتردد والذنب والتشكيك في "هل هذا القرار صحيح أم لا؟"، خصوصًا عندما تجد أنك تغير معاملتك مع الآخرين، وتجد معاملة الناس تتغير معك، وملامح حياتك كذلك تتغير.
هذا طبيعي جدًّا يا صديقي، الحياة تتغير لأنك أنت أيضًا تتغير، وكأي تغيير حدث لك أو يحدث لك أو سيحدث لك، ستعتاد الوضع الجديد في النهاية، خصوصًا عندما ترى فوائد ومميزات أنك تقدم حقوق نفسك على رغبات الآخرين، راحة أكبر ووقت أكبر لنفسك ولهواياتك، وإحساس أعلى بذاتك عندما تكون قادرًا على أن تقول رأيك حتى لو كان معارضًا لكل الموجودين، بالإضافة إلى احترام من حولك لكونك شخصًا واضحًا صريحًا في آرائه وأفعاله.
فاصبر يا صديقي وتذكر "ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟".