مُحاط بالمرضى النفسيين

Book-Cover

مقدمة

تخيل معي يا صديقي أنك تجلس مع شخص يكثر في مدحك ويركز على كل كلمة تقولها ويهتم بقصصك وحكاياتك كأنها مهمة حياته، تخيلت؟ أعجبتك الفكرة، أليس كذلك؟ 

حسنًا لنرجع الآن إلى أرض الواقع، ماذا لو قلت لك إن هذا الشخص يحاول أن يتلاعب بك، وإن اهتمامه هذا كله بغرض استغلالك وكسب ثقتك لتحكي له أسرارك ومن ثم يستخدم هذه الأسرار ضدك لمصلحته؟ 

لا يا أخضر، يبدو طيبًا وابن حلال! 

والله يا صديقي أنت هو ابن الحلال؛ هذا الاهتمام الزائد كما يمكن أن يصدر عن شخص يحبك فعلًا، يمكن أيضًا أن يصدر عن "المختلين نفسيًّا" أو "السيكوباتيين" الذين يجذبونك باهتمامهم ليحققوا أهدافهم فقط!

أليس المختلون هم القتلة المتسلسلون والمُجرمون؟ فما علاقة هذا الكلام بالرجل الطيب الذي كنت أجلس معه؟

اسمح لي أفاجئك وأقل لك إن المُختلين نفسيًّا ليسوا فقط قتّالي القَتلى، وإن الذين نراهم في التليفزيون هم صور مُتطرفة وأقل ذكاءً من الذين يعيشون معنا حاليًّا ويحيطون بنا من كل ناحية، لذا نحتاج إلى أن نتعرف عليهم ونحمي أنفسنا منهم.

 وهذا ما سنتعلمه من كتاب حلقة اليوم "محاط بالمرضى النفسيين: كيف تحمي نفسك من تلاعب واستغلال الآخرين؟" لتوماس إريكسون، ويمكنك أن تقرأ وتسمع مراجعة الكتاب على تطبيق أخضر مع ملخصات آلاف الكتب التي ستساعدك على تنمية نفسك ومعارفك، حمّل التطبيق واشترك في الباقة المميزة لتسمع وتقرأ ملخصات الكتب في 15 دقيقة من دون إعلانات.

وأول ما يقوله لنا توماس إريكسون هو إن المختلين نفسيًّا الذين يقصدهم أو أصحاب الشخصية السيكوباتية ليسوا مرضى نفسيين، إذًا من هم؟ تعالَ نَرَ..

 من المختلون نفسيًّا؟

يناقش توماس في كتابه الأشهر "محاط بالحمقى"، الذي ستجد ملخصه على تطبيق أخضر وقناة يوتيوب، أساسيات تقييم نظام "ديسك" الذي يُصنف أنماط السلوك البشري بالاعتماد على 4 صفات ويربطهم بألوان معينة، فمثلًا نمط اللون الأحمر يركز على الهيمنة، واللون الأصفر خاص بالتأثير، واللون الأخضر للخضوع، واللون الأزرق للالتزام، وسنشرح تفاصيل كل نمط.

المهم أن بعد واحدة من محاضرات توماس عن الأنماط، قابل شخصًا غريبًا قال له إنه لم يجد نفسه في أي نمط ويرى أنه ينتمي إلى نمط خامس، وكانت سلوكيات هذا الرجل غريبة، فقد كان يراقب توماس من بعيد، ورآه توماس يقلد تعابير وجوه أشخاص آخرين حوله.

اكتشف توماس في ما بعد أن هذا الرجل كان مُحقًّا، وأن هذا التصنيف لا ينطبق على الكل، كالسيكوباتيين مثلًا لأنهم ليسوا أشخاصًا طبيعيين أصلًا، ليس لديهم مشاعر ولا ضمير! 

حسنًا.. كيف أعرفهم؟

يحصر توماس صفات المختلين في 20 صفة منها: اللباقة والجاذبية، والتقدير المبالغ فيه للذات، وعدم الشعور بالذنب، والكذب المرضي، والقسوة وعدم التعاطف، وعدم تحمل المسؤولية، وتعدد العلاقات الغرامية، والاندفاع، وغيرها كثير وطبعًا أهمها المكر والتلاعب الذي سنعرف أشهر طرائقه بعد قليل.

وهل وجود صفة من هذه الصفات يعني أن شخصًا ما أو _إحم_ أنا مثلًا مختل؟

لا يا صديقي، فمن الطبيعي أن نجد صفة أو اثنتين منها عندنا، نحن لسنا ملائكة ويمكن أن نرتكب أخطاءً، الفرق أننا نملك حِسًّا أخلاقيًّا ونشعر بالذنب، كما أن مجرد اعترافنا بالأخطاء كفيل أن يفصلنا عن فئة السيكوباتيين.

المهم الآن أن تحترس من المحيطين بك وتلاحظ مَن عنده صفات كهذه وكيف يتعامل معك، وخصوصًا إن كان يركز على نقاط ضعفك لأنه سيتلاعب بك من خلالها. 👀 

إذًا ما نقاط ضعفي؟

لا يفوتك شيء يا صديقي! سنتكلم حالًا عن أنماط السلوك التي ذكرها توماس في كتابه السابق ونقاط ضعف كل نمط وكيف يمكن أن يتسلل من خلالها المخُتل. 

الأنماط السلوكية وَفقًا لنظام "ديسك"

كما قلنا سابقًا.. نظام تقييم الشخصية "ديسك" يقسم الأشخاص 4 أنماط سلوكية مرتبطة بلون محدد:

1- النمط الأحمر: يمثل أصحاب السلوك المهيمن الذين يركزون على وظائفهم ويعملون بسرعة، وعندهم قدرة كبيرة على حل المشكلات، وهذا النمط يُعتبر حادًّا بشكل ما لأن أصحابه يمكن أن يرفعوا أصواتهم عندما يعترض أحد على كلامهم، ولا يسمحون لمن حولهم بالتأثير فيهم. 

 2-النمط الأصفر: يمثل السلوك المؤثر، والأشخاص الذين يندرجون تحت هذا النمط يغلب عليهم السعادة والإبداع والانفتاح في علاقاتهم مع الآخرين ويتواصلون بسهولة مع الناس ويهتمون بهم، كما يحبون التكلم كثيرًا عن أنفسهم، لكنهم ليسوا مُستمعين جيدين. 

 3- النمط الأخضر: يمثل السلوك الخاضع، وهم أشخاص مُتحفظون يحرصون على سعادة من حولهم ويكرهون الصراعات، مترددون ويميلون إلى أن يتخذ الآخرون القرارات بالنيابة عنهم، وهذا طبعًا يجعلهم فريسة سهلة للمختلين.

 4- النمط الأزرق: يمثل السلوك الملتزم، أصحابه انطوائيون تحليليون جدًّا ويحبون أن يكون كل شيء منظمًا ويركزون على التفاصيل، كما أن لديهم عينًا ناقدة تركز على العيوب.

عرفت أيُّهم أنت؟ لنرَ الآن كيف يمكن أن يتسلل إليك المختل لتستطيع أن تمنعه.

كيف يتلاعب المختل نفسيًّا بالشخص الأحمر؟ 

سنبدأ بالشخص الأحمر، لكن هل تظن أن أحدًا يستطيع أن يتلاعب بصاحب هذا النمط؟ مع الأسف نعم..

كيف؟

أصحاب السلوك الأحمر عدوانيون أحيانًا، وهنا يفكر المختل في كيفية الاستفادة من هذه العدوانية، ومن ثم يوجه الشخص الأحمر إلى أن يصب غضبه على اتجاه معين!

فربما يوجه موظفًا كبيرًا مشهورًا بنزعته للانتقام إلى أن يهاجم أبرز منافس له مثلًا.

هكذا انتهينا من الأحمر وسننتقل الآن إلى الأصفر..

 كيف يتلاعب المختل نفسيًّا بالشخص الأصفر؟

نقطة ضعف الشخص الأصفر هي أنه اجتماعي جدًّا ويحب الناس ويحب أن يتكلم عن نفسه، كما أنه حساس ضد النقد، ومشكلته أنه يعتمد على الآخرين في سعادته، يذبل من دونهم ويذهب حماسه ويقل إبداعه.

يمكن أن يستغل المختل ما سبق في أن يقول له مثلًا إن أحد أصحابه وصفه بصفات سيئة، أو إن أصحابه يشتكون كثرة كلامه عن نفسه، وهذا طبعًا يجعل الأصفر متوترًا فاقدًا توازنه.

إن فعل هذا بالأصفر، إذًا ماذا سيفعل بالأخضر؟

كيف يتلاعب المختل نفسيًّا بالشخص الأخضر؟

الأخضر يشبه الأصفر في حساسيته للنقد، بالإضافة إلى أنه يخاف الصراعات، ومن ثم لا يقول رأيه الحقيقي، كما أنه يخاف التغيير ولا يتحمل المسؤولية.

عندما يختار المختل ضحية من أصحاب النمط الأصفر فإنه يحاول أن يقمع شخصيتها ليسيطر عليها، لكن الأمر مختلف مع الأخضر الذي يحاول أصلًا أن يرضي كل من حوله، فكل ما يفعله المختل هنا أنه يعزز صفاته هذه. 

الآن لا يتبقى سوى الأزرق..

كيف يتلاعب المختل نفسيًّا بالشخص الأزرق؟

الشخص صاحب نمط السلوك الأزرق هو فعلًا أصعب من يُمكن التلاعب به -الحمد لله- لأنه واعٍ بما يحدث مِن حوله، ويتذكر كل التفاصيل، لذا وارد جدًّا أن يكشف كذب المختل.

لكن للأزرق أيضًا عيوبًا يمكن أن يتسلل المختل من خلالها مثل الكمالية الزائدة، فإن أقنعه المختل أنه ارتكب أخطاءً في العمل فستنهار ثقته بنفسه!

يا إلهي! كيف يتلاعب بالجميع هكذا؟!

لا تقلق يا صديقي سأذكر لك الآن أساليب التلاعب بالتفصيل لتتفاداها..

أساليب التلاعب الشائعة

وأساليب التلاعب كثيرة ومختلفة، سنذكر أهم 5 يستخدمها المُختلون والمتلاعبون:

- التعزيز الإيجابي التعسفي:

ومعناه أنه يشجع الشخص ويدعمه دعمًا قويًّا ثم يتوقف فجأة من دون سبب، مما يجعل الضحية تشك في نفسها وفي أنها أخطأت، لذا تلجأ إلى أن تفعل أي شيء يطلبه المختل لتستعيد الدعم والتشجيع مرة أخرى.

- قصف الحب:

يُستخدم هذا الأسلوب في العلاقات الشخصية ويعتمد على "تعالَ اشبعك حب اشبعك دلال" في أول التعامل، ثم يتحول فجأة إلى "إنت مغرور.. إنت معدوم الشعور"، أي إن الُمتلاعِب يُغرق ضحيته في الحب والدعم والتقبل التام في البداية، وفجأة يتوقف الحب ويتحول إلى نقد لكل شيء كان يقول إنه يحبه وذلك ليسيطر على شريك حياته.

كيف نمنع أنفسنا من الوقوع في فخ هذا الأسلوب؟

يجب أن تكون هادئًا عاقلًا وتأخذ وقتك ولا تثق بسهولة لمجرد أنك سمعت أحدًا يقول لك إنك أجمل مَن في الكون، أعرف أن الأمر صعب، لكن حاول أن تعمل بهذه النصيحة.

من المفترض أن تبني ثقتك على أساس 3 عوامل:

- قابلية التنبؤ: أي القدرة على توقع سلوك هذا الشخص.

- المصداقية: ويجب أن تقيسها على المدى الطويل.

- اليقين: وهنا تحتاج إلى أن تسأل نفسك، "هل أستطيع أن أعتمد على هذا الشخص أم لا؟".

وهذه العوامل الثلاثة تحتاج إلى أن تطبقها على سلوك الشخص معك الآن وليس في بداية معرفتكما، وذلك لتحدد إن كان محل ثقة أم لا.

هكذا انتهينا من الأسلوب الثاني من أساليب التلاعب.

 - التعزيز السلبي: 

يحدث عندما يكف المتلاعب عن عمل شيء يضايقك حين تفعل له ما يريد، ولهذا الأسلوب تأثير بسيط جدًّا وخطير، وهو أنه سيجعلك تفعل كل ما يريد لتسلم من تصرفاته المزعجة ولسانه. 

 - سحابة الدخان الكثيفة:

يستخدم هذا الأسلوب في الشجار، فيقول المتلاعب مثلًا: "أنت تبالغ جدًّا" أو "صوتك عالٍ جدًّا"، أو أي شيء يشوش على تركيزك ويحوّله من المشكلة الفعلية إلى رد فعلك، ويجعلك مخطئًا.

 - التلاعب بالعقول: 

وهنا المتلاعب يشكك ضحيته في سلامة قواها العقلية كما فعل الزوج في فيلم Gaslight وحاول أن يُشعر زوجته بأنها جُنَّت عن طريق عمل تغييرات صغيرة جدًّا في البيت، وعندما تلاحظها كان ينكر تمامًا، ويغير شيئًا آخر في اليوم التالي.. وهكذا.

حسنًا.. هل المختلون فقط هم من يستخدمون هذه الأساليب؟

في الحقيقة لا، يمكن أن يستخدمها العاديون، لكن الفرق أن المختل يمارس التلاعب وهو مدرك له ولسلبياته على الشخص الآخر ولا يهمه، أما الشخص العادي فربما جرب طريقة بالصدفة ووجد أنها تساعده فظلَّ يستخدمها، وفي كل الحالات يجب أن توقف هذا وسنعرف الآن كيف.

كيفية التعامل مع التلاعب 

سواء كان المتلاعب في حياتك مختلًّا أم لا، لديك حلّان: إما المقاومة وإما الهرب!

وميزة المقاومة أنها تجعل الكرة في ملعب الشخص الآخر وتقدم إليه خيارين، إما أن يتكيف مع مطالبك ويتبع سلوكًا آخر غير التلاعب وإما أن يمل مقاومتك ويذهب إلى ضحية أخرى.

وسأشرح لك كيف تقاوم من خلال 5 طرائق:

1- اكسر النمط:

الطبيعي أنك عندما تجد نفسك مُعرضًا للتلاعب أو أن أحدًا يكذب عليك أن تواجهه فورًا، ومشكلة هذه الاستجابة السريعة هي أنك تتصرف كما يريد المتلاعب بالضبط لأنه يعرفك جيدًا،

لذا فالنصيحة الأولى للتعامل مع التلاعب هي ألا تتصرف بناءً على غريزتك الأولى، ولكن أعطِ لنفسك وقتًا وفرصة لتفكّر أولًا.

2- الأسطوانة المشروخة:

 يطلق لفظ "الأسطوانة المشروخة" على من يكرر نفسه وكلامه، واعذرني يا صديقي أريدك أن تصبح كالأسطوانة المشروخة وخصوصًا في المواقف التي يحاول فيها المتلاعب أن يضغط عليك لتفعل شيئًا لا ترغب في فعله، ومن المفترض حينها أن تكرر نفس الجملة مثل: "سأفكر وأرد عليك" لتسيطر على الموقف.

3- أعد برمجة مشاعر الخوف والقلق والذنب:

المتلاعب هنا يلعب على هذه المشاعر الثلاثة خصوصًا، وسيفعل أي شيء ليشعرك بواحد منها، لذا من المهم جدًّا أن تعرف كيف تتعامل مع هذه المشاعر حتى لا تسمح لأحد أن يستخدمها ضدك.

4- تكلم عما تراه بوضوح:

ما دمت تتعامل مع المتلاعب سيستمر في استخدام حِيَله، لذا ستحتاج إلى أن تواجهه وتكلمه بوضوح عن تأثير أفعاله السلبي فيك وتطالبه بتغييرها.

5- وضّح شروطك لاستمرار العلاقة:

إن تحققت من أن شريك حياتك شخص متلاعب وما زال عندك أمل في أن يتغير، يجب أن توضح شروط طريقة التعامل التي ترغب فيها، إن وافق كان بِها، وإن لم يوافق فالجري نصف الجدعنة. 

كل ما قلناه يفترض أن أحدًا من المحيطين بنا مُختل ومتلاعب فعلًا، لكن هذا ليس شرطًا.

ولو -لا قدر الله- قابلتُ أحدهم، هل توجد طريقة يمكن أن تساعدني على أن أتحصن منه؟

نعم يا صديقي.. 

الدفاعات الأساسية ضد المختلين نفسيًّا 

لديك 3 خطوات وقائية يجب أن تتبعها لتحمي نفسك من المختلين:

1- تحسين وعيك بنفسك:

في كثير من الأحيان نُظهِر صفات يمكن أن تُستغل ضدنا، كأن يحمرّ وجهك وتتوتر إن مدحك شخص ما، مما يعني أنك تتأثر بالإطراءات وهذا يمكن أن يُستغَل ضدك، أو لو كنت من محبي الربح المالي السريع وعُرِف هذا الأمر فستكون مادة خامًا للاحتيال، لذا يجب أن تنتبه لردود أفعالك وما تكشفه عنك.

 2- معرفة سلوكيات المُختلين جيدًا: 

إن وجدت هذه السلوكيات تنطبق على شخص من المحيطين بك يجب أن تأخذ حذرك منه.

 3- تحديد مقدار تقديرك لقيمتك واحترامك لنفسك:

إن كان تقديرك لنفسك منخفضًا فسيجعلك هذا فريسة سهلة للمختلين، لذا من المهم أن تقبل نفسك وتحترمها. 

وأخيرًا.. الكتاب لا يهدف إلى أن تظل خائفًا من الناس أو تحبس نفسك في البيت، ولكن هدفه أن تكون واعيًا بنفسك قادرًا على التعامل مع الناس باختلافهم براحة وأمان.