أول عشرين ساعة

Book-Cover

 مقدمة:

وضع محمد خطة محكمة ككل عام ليحصد الامتياز، ويكون الأول على الدفعة، ويتعلم الألمانية ليسافر، ويبدأ عمله الخاص ويصبح مليونيرًا.

هذا غير الآنسة التي تريد أن تعلم الإيديتنج والتسويق، والأخت التي تسعى إلى عمل مخبوزات بحشوة لذيذة من دون مكونات خزعبلية، والأستاذ الذي يحاول تعلم أي مهارة يكسب بها المال في هذه الظروف الصعبة، وبين قلة الوقت وصعوبة تعلم المهارات، كان المشترك بينهم أنهم يفشلون بعد أول شهر! تجدهم في هيئة الأستاذة القديرة عبلة كامل واضعين أيديهم على خدودهم، ثم يقولون: "سنحاول مرة أخرى في العام القادم".

 

لذا قدّم إلينا جوش كاوفمان مؤلف كتاب حلقة اليوم الطريقة التي نقدر بها أن نتعلم أي مهارة في عشرين ساعة فقط! متخيل؟ 

لماذا يُعَدُّ تعلم أي مهارة جديدة شيئًا شاقًّا؟

نرجع إلى صاحبنا جوش مدمن التعلم، الذي يريد أن يتعلم أشياء كثيرة جدًّا في وقت قصير، يقول إن المشكلة التي تواجهنا كلنا هي أن الأشياء التي نريد أن نتعلمها تحتاج إلى مهارة، والمهارة تحتاج إلى وقت وجهد، ونحن دائمًا ما نقول إنه لا وقت لدينا، والمجهود صعب، أصلًا ما الأسهل بالنسبة إلينا؟ أن نمسك الهاتف ونشاهد الفيديوهات ونقلّب في اللا شيء، أم بذل المجهود؟ خصوصًا أن تعلّم أي جديد غير ممتع نهائيًّا في البداية، على العكس، الأمر ممل جدًّا ويشعرك بالفشل والإحباط وأنك لن تستطيع إتقانه، والإنسان عجول يحب الإنجازات السريعة، لذا يتوقف تمامًا.

المتميزون: 

كان جوش مدركًا كل هذه الحقائق، وما أحبطه أكثر دراسة أجريت سنة 2008 في جامعة فلوريدا، وذُكِرَت في كتاب The Outliers، تقول إن ما يجعل الناس ناجحين مميزين جدًّا في مجال معين هو التدريب لمدة عشرة آلاف ساعة! أي 6 ساعات من التدريب المتواصل كل يوم لمدة 5 سنين! 

بالطبع أصيب كثيرون بالإحباط من فكرة العشرة آلاف ساعة اللازمة لتعلم أي مهارة، وأغفلوا أن الدراسة تتكلم عن التميز والاستثناء وليس مجرد تعلّم المهارة بمستوًى جيد، أي إن من يريد أن يلعب مثل مِسِّي أو كرِستيانو، أو من يريد أن يصبح مثل دافنشي، هؤلاء هم الذين يحتاجون فعلًا إلى 10 آلاف ساعة تدريب ليصلوا إلى الاحترافية.

مستوًى متوسط وليس ممتازًا: 

لكن جوش لا يريد أن يصبح محترفًا ولا يملك وقتًا أصلًا، كل ما يريده أن يفهم ويمارس أي مهارة يرغب في تعلمها بمستوًى معقول، فقرر ألا يستسلم لفكرة ضيق الوقت، أغفل نظام العشرة آلاف ساعة الخاص بالمحترفين، وبدأ بعشرين ساعة مجهودًا بذكاء وتركيز وانتباه.

وفكرة الـ20 ساعة تعني أنه حوّل الأمر من 6 ساعات يوميًّا لمدة خمس سنين إلى 45 دقيقة يوميًّا لمدة شهر.. فرق مريب جدًّا!

لكن لنفهم سبب هذا الرقم وسبب هذا الفرق الكبير، يجب أن نفهم أولًا منحنى التعلم.

منحنى التعلم 

لو ركزنا على منحنى التعلم سنجد أن على المحور الصادي مدى جودتنا وتحسننا في تعلم المهارة، وعلى المحور السيني مقدار ممارستنا لهذه المهارة، وسنجد منحنى التعلم يرتفع في البداية بسرعة جدًّا ثم يقل لدرجة أن يظهر ثابتًا.

من هذا المنحنى نستنتج أن أي مهارة نحاول أن نتعلمها نتطور فيها في البداية بسرعة جدًّا، لأننا نعرف الأساسات والمعلومات المهمة، وكلما تطورنا أكثر قابلتنا أشياء أكثر تعقيدًا، وهذا ما يفرق بين المميزين والعاديين.

إلى هنا يمكننا الاستفادة من قاعدة الـ20 ساعة التي وضعها جوش كاوفمان، لأن التفاصيل الأساسية للمهارات سنتعلمها في الـ20 ساعة، لكن إن رغبنا في أن نصل إلى درجة الخبرة ونصبح من المحترفين في هذه المهارة، فهذا موضوع آخر.

ومن دون أن تفكر كثيرًا سأقول لك إننا غالبًا ما نكون محتاجين إلى أن نصبح خبراء في مهارة أو اثنتين على الأكثر يقوم عليهما مجال تخصصك، وبعيدًا عنهما ستجد عشرات المهارات التي تحتاج إلى أن تتعلمها فقط دون أن تصبح خبيرًا فيها، وهنا تظهر أهمية قاعدة الـ20 ساعة.

مميزات قاعدة الـ20 ساعة؟

ولهذه القاعدة 3 مميزات مهمة جدًّا:

- الميزة الأولى أنك يمكن أن تتقن مهارات بالكامل في 20 ساعة، أي يمكن أن تتعلم برنامج Microsoft word، أو Excel، أو تفاصيل في المونتاج والجرافيك، وبعد الـ20 ساعة لن تحتاج إلى تعلم شيء آخر من هذه المهارة.

- الميزة الثانية أنك على الأقل ستكون قد تخطيت حاجز الصعوبة والملل الذي يحدث في البدايات ووصلت إلى نتيجة جيدة تمكنك من أن تستمر في هذه المهارة.

وهذا لأننا في كثير من الأوقات نبدأ في تعلم أشياء جديدة، ومع أول صعوبة نقابلها نفقد الشغف ونجد أنها ليست ممتعة كما ظننا، وننسحب من التجربة دون أن نعطي لأنفسنا فرصة نحاول فيها، لذا فالـ20 ساعة تضمن لك أن تتغلب على ملل البدايات وتتخطى الأفكار السلبية التي تعجزك.

 - الميزة الثالثة أنك ربما تشعر بعد الـ20 أن هذه المهارة غير مناسبة لك بعد ما تعرفت عليها جيدًا، وساعتها تنتقل إلى مهارة أخرى بقرار واعٍ ومن دون خسائر.

من خلال ما سبق حاولتُ أن أوضح لك أهمية هذا النظام ومميزاته قبل أن أشرح لك كيفية تنفيذه، وآخر شيء أنبهك له قبل أن أبدأ شرح قواعد هذا النظام بالضبط، هو الفرق بين اكتساب المهارة والتعلّم.

أهمية الممارسة:

وهنا سنأخذ اللغات مثالًا، يقول جوش إنه ظلّ يتعلم اللغة الإسبانية في المدرسة لمدة 4 سنين، وكانت درجاته مرتفعة جدًّا، لكن إن طلبت منه أن يقول أي جملة باللغة الإسبانية لن يستطيع أن يرد عليك، مثلنا تمامًا عندما نتخرج ونحن لا نستطيع أن نتكلم الفرنسية ولا الألمانية ولا حتى الإنجليزية، وعلى الرغم من أننا نتعلم آلاف المفردات، وقواعد اللغة، وتصريف الأفعال، لم نكتسب اللغة اكتسابًا فعليًّا ولا نتكلم بها.

ذلك لأن تعلّم اللغة مختلف عن اكتساب مهارة التحدث بها وممارستها، وإن كان هدف جوش من البداية ممارسة اللغة لكفته بعض الأسابيع محاولًا فيها إجراء حوار والتدرب مع أحد المتحدثين الأصليين للغة، كان ذلك سيغنيه عن سنين التعليم الكثيرة!

اكتساب المهارات في عشر خطوات:

وأخيرًا وصلنا  إلى السؤال المنتظر، ما الخطوات التي تستطيع أن تكتسب بها أي مهارة في 20 ساعة؟

10 خطوات يا صديقي:

1- اختر المهارة المناسبة: الحياة قصيرة وعمر الإنسان محدود جدًّا فيجب على الإنسان أن يكون حريصًا في أثناء اختيار ما سيتعلمه وينفق عليه من وقته، وترتيب الأولويات مهم، فليس منطقيًّا أن تتعلم لغة البطاريق وأنت لا تملك لغة تعمل بها مثلًا! 

 2- ركز طاقتك على مهارة واحدة: ولا تحاول أن تتعلم أكثر من مهارة في نفس الوقت؛ سيضيع وقتك وتتشت ولن تبني مهارة واحدة بشكل سليم، الأفضل لك أن تنجز العشرين ساعة في مهارة واحدة بدلًا من أن تجمع عشرين مهارة في عشرين ساعة بالتوازي، تذكر أنك هكذا لا تقسم وقتك فقط، بل تقسم تركيزك وقدرتك أيضًا.

3- حدد مستوى الأداء المستهدف: ويعتمد وصفك للأداء الذي تريده على سبب اختيارك للمهارة من البداية، فإن كنت تتعلم المونتاج فحدد ما تريد تعلمه بالضبط والشكل الذي تريد أن يكون عليه الفيديو، وإن اخترت هواية لتستمتع بوقتك، فهنا سيكون هدفك الوصول إلى النقطة التي يختفي عندها شعور الإحباط، وتبدأ فعلًا بالاستمتاع بممارسة هذه الهواية فقط، وهكذا.

 4- فَكِّكِ المهارة إلى مهارات فرعية صُغرى: أي لا تتعلم المهارة من المراجع باعتبارها وَحدة واحدة، بل قسم كل مهارة أجزاءً، فلو كنت تتعلم لغة فستجد أنها أربع مهارات فرعية وهي: الاستماع والقراءة والكتابة والتحدث، والمونتاج إضافةُ مؤثرات أو تقطيعُ الفيديو وهكذا، فعندما تفكك المهارة بهذا الشكل تتعلم كل جزء وحده، وهذا يجعل إنجازك واضحًا، فتعرف ما أنهيته وما تبقى لك بالضبط.

 5- احصل على الأدوات اللازمة: لا يصح مثلًا أن تقول أريد أن أتعلم التزلج وأنت لا تملك لوح تزلج أو حذاءً ذا عَجَل، ولا يصح أيضًا أن تعتمد على أدوات غيرك، لأنها يمكن ألا تكون متاحة في وقت ما فتصاب بالإحباط، وكون أدواتك عندك كاملة سيجعلك تستفيد أقصى استفادة من هذه المهارة ولا تتعطل.

6- تخلص من عوائق التدريب: ابتعد عن المشتتات كالهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي والتلفزيون.هناك مجهود كبير يضيع في أشياء صغيرة مثل أنك لم تجهز الأدوات، أو لم تُعِدَّ ما تريد أصلًا، أو ربما تواجهك عوائق نفسية مثل الخوف، أو المشاعر التي تحل عليك وقت الامتحانات ووقت أي حدث مهم مثل جلد الذات والبكاء على الأطلال، فحاول أن تؤجلها حتى تصل إلى هدفك، لكيلا تزيد همك وتصبح مجروحًا وتفشل أيضًا في تحقيق هدفك.

 7- خصص وقتًا للتدريب: لا تعمل دون تخطيط، بل نظّم جدولًا محددًا تقسم فيه الـ20 ساعة، ساعة كل يوم أو ساعة إلا ربع.

 8- احصل على التغذية الراجعة: أو المقياس الذي ستقيس به مدى نجاحك، فمن المهم أن تكون قادرًا باستمرار على معرفة مقدار تقدمك ومقدار الطريق الذي قطعته وأنت تتعلم؛ يجب ألا تعمل دون تخطيط، والمقياس هنا يختلف من مهارة لأخرى، فلو كنت تتعلم الخَبْز، فقوام العجين مقياس مبدئي يسبق المقياس الأخير وهو الطعم، أما لو كنت تتعلم البرمجة، فعمل "Run" للكود وتشغيله هو المقياس.

9- تدرّب باستخدام المؤقِّت: حدد لنفسك وقتًا لا تفعل فيه شيئًا سوى التدريب.

10-  ركز على الكمية والوقت: وابتعد عن المثالية كيلا تشعر بالفشل من عدم تحقيق المستوى المطلوب، وتذكر أننا لا نبحث عن المستوى المحترف.

وهكذا نكون انتهينا من خطوات الاكتساب السريع لأي مهارة.

القواعد العشرة للتعلم الفعال

الخطوات السابقة يمكن أن تجعلك جاهزًا للتعلم، لكن جوش يكلمنا من بَعد عن أنواع التعلم، وقد نوّهنا من قبل بوجود فرق بين التعلم واكتساب المهارة، ويقول جوش إننا محتاجون إلى أن نفهم طرائق التعلم الفعال لنستفيد من قانون الـ20 ساعة أقصى استفادة ممكنة، وقسم هذه الطرائق أيضًا عشر نقاط رئيسة.

1- إجراء بحث بسيط عن المهارة التي ترغب في تعلمها، لتفهم الخطوط الرئيسة للمهارة ولا تكون تائهًا عندما تبدأ فيها. 

2- خذ وقتك وفكر في المهارة بشكل عميق، في هذه المرحلة ستكون قد حددت المراجع التي ستذاكر منها سواءً كانت مقروءة أو مسموعة أو فيديوهات، إذًا سنفكر في المراجع والمهارة وما نريد فعله.

3-  فكر في السيناريو الذي ربما يحدث إن لم تتعلم هذه المهارة، أي التأثير السلبي الذي سيحدث إن تكاسلت، وفائدة هذا خلق دافع ومحفز يشجعك في أثناء تعلم المهارة. 

4- اطّلع على المصطلحات المهمة والمعقدة في كل مهارة ليصبح الطريق أسهل في أثناء التعلم.

5- اسأل الخبراء في المجال الذي ترغب في أن تتطور فيه؛ نصائحهم ستختصر عليك وتسهل كثيرًا. 

6- طبق على المهارة كثيرًا، والتطبيق يمكن أن يأخذ النسبة الكبرى من الـ20 ساعة، ربما يستغرق تعلم المهارة نظريًّا 5 ساعات، وبقية الوقت تطبق على ما تعلمته، والنسب هنا تختلف من مهارة لأخرى. 

7- راجع على المهارة التي تدربت عليها من وقت لآخر حتى لا تنساها مع الوقت.

8- ينصحك جوش بأن تكتب النصائح كلها على شكل نقاط مرقمة وتعلقها أمامك حتى لا تنساها في أثناء التعلم.

9- من المهم أن تتخيل شكل حياتك من دون تعلم المهارات التي تحتاج إليها، كما أن من المهم أيضًا أن تضع تصورات لما يجب أن يحدث عندما تتعلم المهارة، ومع مرور الوقت قارن الواقع بالتصورات التي وضعتها، واعرف هل أنت على الطريق الصحيح أم تواجه بعض المشكلات.

10-  راعِ حدودك وما تتحمله ولا تنس مشاغلك، وتوقف عن جلد ذاتك بسبب ومن دون سبب، فليس جميعنا يعمل بنفس الطريقة.

خاتمة

في النهاية دعنا نقل إن جوش كاوفمان لم ينجح في أن يتعلم مهارات كثيرة بقانون العشرين ساعة إلا عندما اقتنع أنه يستطيع أن يتعلم في عدد ساعات قليل ومنطقي، وأنه لا يجب أن يكون الأفضل في ما يتعلمه.

وبالمناسبة.. طريقة التعلم هذه هي التي يتبعها مارك زوكربيرج، وبيل جيتس، وأوبرا وينفري وغيرهم، هؤلاء المشاهير يتعلمون بطريقة اسمها تكريس الوقت، كل يوم يتعلمون شيئًا لمدة ساعة على مدار خمسة أيام في الأسبوع، مما يجعلهم يتعلمون في المتوسط مهارة كل أربعة أسابيع. 

بدأ الكاتب كتابه بجملة "الأحلام ليست صعبة المنال" وهذا حقيقي جدًّا، يكمن السر في أن تقتنع بوجود احتماليةٍ لأنْ تحقق ما تريده إن أعطيت له المجهود المناسب.