وهم المقارنة

Book-Cover

مقدّمة

بينما أنت قاعد في أمان الله، سمعت فجأة جرس الباب يرن، وصلت طلباتك التي طلبتها عبر الإنترنت، وصرفت آخر ما تملك مالٍ، وبدأت تتساءل: كيف سأصمد بـ10 جنيهات إلى آخر الشهر؟

وعندما يهلّ أول الشهر تجد أن راتبك قد نفد بعد أيام بسبب الفواتير والأقساط التي تلتزم بها. 

وتتساءل أيضًا: أين يذهب المال؟! ولِمَ ينفد الراتب أو المصروف سريعًا؟!

إن كانت مشكلتك هذه متكررة يا صديقي ولا تستطيع توزيع راتبك بشكل جيد بحيث يكفيك حتى آخر الشهر، أو لا تستطيع ادخار بعضه، أو إن كنت مدينًا أو ملتزمًا بأقساط كثيرة، فأنت في خطر.

 

نرجع الآن إلى العادات المالية السبعة..

معنى العادة

ولكن قبل أن نبدأ، نحتاج أولًا إلى أن نعرف معنى العادة أصلًا..

ببساطة.. العادة عبارة عن سلوكيات تفعلها بشكل تلقائي، لا تستهلك مجهودًا في التفكير، ولها تأثير في شكل حياتك كلها.

ومع الأسف عاداتنا المالية تهدر أموالنا، بعض هذه العادات اكتسبناه، وبعضها تربينا عليه مثل: "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، لذا سنقيّم هذه العادات ونغيرها ونبني مكانها عادات أخرى تحافظ على أموالنا لنسيطر على الميزانية.

ربما يقول لي أحد: يا أخضر أنا أصلًا فقير، ولا أملك مالًا كثيرًا لأحتاج إلى عادات مالية أو لأضع ميزانية، سأقول لك يا صديقي إن سلوك الصرف والعادات المالية لا يختلفان عند الغني أو من يملك مالًا كثيرًا، ومن لا يكفيه راتبه، والفقراء أصلًا هم أكثر من يحتاجون إلى وضع ميزانية، ليديروا مالهم بالطريقة التي تكفي احتياجاتهم، ويصبح بإمكانهم الادخار والاستثمار، وعمومًا السر ليس في قلة المال أو كثرته، السر في حسن إدارته.

العادة الأولى: لا تقارن

لنبدأ بأول عادة من العادات المالية التي سُمِّيَ الكتاب على اسمها وهي عادة "المقارنة"..

واسمح لي أن اسألك سؤالًا، هل سبق لك أن اشتريت شيئًا لم تكن محتاجًا إليه، لكنك اشتريته فقط حتى لا تكون أقل من زملائك أو حتى لمجرد أنك رأيته مع أحد؟

إن حدث فمع الأسف قد وقعت في فخ المقارنة.

وفي الحقيقة نحن نتعرض لمواقف المقارنة كثيرًا في حياتنا اليومية، خصوصًا عندما نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي مثل إنستجرام وفيسبوك وسناب شات، نرى أشخاصًا يخرجون في أماكن جميلة، ويشترون أشياء غالية، ومقارنة أنفسنا بالصورة المثالية التي يقدمونها يمكن أن تشعرنا بأننا لسنا جيدين كفاية، ونريد أن نصبح مكانهم. 

رغم أننا لا نعرف: 

- الحقيقة الكاملة عنهم.

- ما يمرون به، وهل واقعهم هذا مناسب لنا أم لا.

- الوقت الذي احتاجوا إليه ليصلوا إلى ما هم فيه.

فالمقارنة تضعنا في وهم يسرق سعادتنا بالأشياء التي نملكها، ويجعلنا نشعر بقلة الرضا وربما يؤدي إلى الحسد، فنحاول أن نشتري كل ما مع غيرنا وإن كنا لا نحتاج إليه أو لا نملك ثمنه! 

وساعتها نجد أننا نتجه إلى العادة المالية الثانية التي ستظهر في رداء الحل السحري الذي سيساعدنا على شراء ما أردنا شراءه الآن ودفع ثمنه في ما بعد، دون أن نحتاج إلى الصبر أو زيادة العمل أو الادخار، وهي عادة "الدّين".

العادة الثانية: فخ الديون

لنفترض أن شخصًا أراد أن يشتري أيفون ليظهر في مستوًى اجتماعي أعلى، لكن إمكاناته الحالية لا تسمح، أسهل حل أن يقسّط لمدة كبيرة، أو أن بنتًا أرادت أن تنظم عُرسًا أفخم من عرس بنت خالتها، فتكمل حياتها مع شريكها يسددان ديون الزواج.

وفي الحقيقة الاستلاف أو الدّين يعتبر أسوأ حل ممكن على الإطلاق، لماذا؟

لأنه:

- إن أصبح عادة عندنا فلن نشعر أن مصروفاتنا أصبحت أكثر من راتبنا الفعلي الصافي من دون الديون، ولن نعرف حدودنا المالية الحقيقية التي نقدر أن نتحملها.

- يعيّشنا في هَمٍّ وضيق طوال الوقت، وتصبح حياتنا كلها عبارة عن "كيف سأسدد الأقساط التي التزمت بها"، فبدلًا من أن نكون نحن المتحكمين في حياتنا ونستثمر جزءًا من مالنا، أو نتبرع بجزء أو نخرج في إجازة نهاية الأسبوع، سنجد الفواتير والديون تقول لنا: "هاتوا الفلوس اللي عليكو".

التغلب على عادة المقارنة والديون

نحتاج الآن إلى أن نغلق أغنية حمادة هلال، ونعرف كيف سنتغلب على عادتي المقارنة والاستلاف، والأمر يحتاج إلى أن نصحح بعض المفاهيم بداخلنا وفي طريقة تفكيرنا..

أما المقارنة:

هي كشعور لا نستطيع أن نمنعه، لكن يمكننا أن نضع له حدًّا، وهذا عن طريق بعض النقاط:

- أن نعرف أنّ المقارنة في الأصل قلة ثقة، ومبنية على اعتقاد أن الأشياء التي نملكها أقل من الأشياء التي يملكها غيرنا، وليس بالضرورة أن يكون هذا الاعتقاد صحيحًا، لأن الأشياء التي نملكها هي المناسبة لنا، فقط نحتاج إلى أن نستغلها بشكل صحيح.

- ومهم جدًّا أن نعرف أنّ السعادة ليست مرتبطة بامتلاكنا الأشياء.

- وهذا يأخذنا إلى أهمية الرضا والتركيز على حمد النعم الموجودة في حياتنا.

- والنقطة الأخيرة هي ألا نقارن أنفسنا أبدًا بأحد بدأ قبلنا، لأننا وقتها نضع أنفسنا في مقارنة غير عادلة.

هكذا انتهينا من المقارنة، ننتقل إلى عادة الاستلاف أو الدين:

- وأول قاعدة يجب أن نضعها لأنفسنا هي: إن لم نملك ثمن ما نريد شراءه الآن فلن نشتريه، ونتعلم أن نقول لأنفسنا لا.

- ثاني قاعدة: ألا نستخدم بطاقات الائتمان "credit card" التي تجعلنا نشتري كل ما نريد لكن على شكل ديون للبنك، ونستخدم مكانها بطاقة السحب "MasterCard" أو الفيزا، وفي الحقيقة من الأفضل أن ندفع نقدًا دائمًا، لنشعر بقيمة المال أكثر؛ الدفع بالطرائق الأخرى أسهل لذا ننفق مالًا أكثر.

- ثالث قاعدة: يجب أن نملك مالًا مُدَّخرًا لأي ظرف طارئ، حتى لا نضطر في أي وقت أن نستدين.

- وأخيرًا: يجب أن نضع خطة لتسديد كل ديوننا في أسرع وقت، نحضر ورقة وقلمًا ونكتب كل الديون، ونرتبها من الأصغر إلى الأكبر، ثم ندفع أصغر دين ثم الدين التالي وهكذا حتى نتحرر من ديوننا كلها.

ويساعدنا على ذلك أن نضع تسديد الديون بندًا في ميزانيتنا الشهرية أصلًا، وهذه هي العادة المالية الثالثة التي سنتكلم عنها الآن.

العادة الثالثة: وضع الميزانية

ولكن قبل أن نبدأ فيها، احكِ لي كيف يمر شَهْرُك؟ 

والله يا أخضر الراتب بالكاد يكفي، فإن عرفت أين يذهب المال أكون شاكرًا لك جدًّا!

في الحقيقة يا صديقي كل ما تحتاج إليه هو أن تضع ميزانية لدخلك الشهري، والميزانية ليست فقط لتساعدك على أن تحدد على أي شيء تصرف مالك، بل لتساعدك أيضًا على أن ترتب أولوياتك وتصبح على وعي بالاستهلاك وتعرف أين سيذهب كل قرش.

وقبل أن نبدأ في وضع الميزانية، سنتفق على شيئين:
الأول أن الميزانية يجب أن تكون مكتوبة، سواء على ورقة أو بالاستعانة بتطبيق على الهاتف، وستجد في صندوق الوصف ورقة إكسِل ربما تساعدك.

sheet link

- الثاني أن تضع ميزانية الشهر قبل بداية الشهر.

اتفقنا؟ 

تخيل معي يا صديقي أن راتب يوسفَ مثلًا 6000 جنيه، ويريد أن يضع ميزانية تناسبه وتناسب أسرته، كل ما سيفعله أنه سيوزع راتبه على 3 خانات أساسية.

ما هذه الخانات؟
(العطاء، والادخار، والمصروفات)

أول ما سيفعله أنه سيأخذ جزءًا من الراتب لخانتي العطاء والادخار قبل حتى أن يوزع المصروفات.

ربما تسألني لِمَ هاتان الخانتان أولًا يا أخضر؟

سأقول لك ليصبحا عادتين ماليتين عندك، وسأكلمك عنهما أكثر في ما بعد، لكن دعنا نتكلم الآن عن الخانة الثالثة وهي المصروفات.

فلو تبقى مع يوسف تقريبًا 4000 جنيه، سيوزعها على مصروفاته، لكن كيف يوزعها؟

- أولًا سيكتب كل ما ينفقه بالتفصيل ولن يعتمد على الذاكرة، كيلا ينسى أي تفصيلة.

- يجب أن تغطي خانة المصروفات كل الأساسيات، مثل: الأكل، والملابس، والمواصلات. 

- بالإضافة إلى الالتزامات الشهرية، مثل: الإيجار، وفواتير المياه والغاز والكهرباء.

- ويجعل خانة لأي اشتراك مثل الدورات التدريبية والنوادي.

- ويضيف خانة لسداد الديون، إن كان مدينًا. 

- وخانة احتياطية لأي شيء زائد، مثل: الأعراس أو التصليحات.

وهكذا يكون يوسف قد عرف أين سيصرف كل جنيه قبل أن يبدأ الشهر 🌟 

لكنْ عندنا ملاحظتان بخصوص الميزانية:

- لا يجب أن تسير الأمور بمثالية وتلتزم بها من أول شهر، أحيانًا تحدث بعض الأمور الخارجة عن إرادتك، بالإضافة إلى أنك لم تعتد نظام الميزانية بعد، المهم أن تستمر في المحاولة وأن تتعلم من أخطائك، ويمكنك أن تضيف خانة الملاحظات وتسجل فيها ما تريد تحسينه أو الانتباه له في الشهر القادم.

- يجب أن تعرف هل دخلك يكفي احتياجاتك واحتياجات أسرتك أم لا، إن كان لا يكفي فساعتها ستفعل شيئًا من اثنين:

-  إما أن تقلل المصروفات جدًّا، وتستغني عن الرفاهيات.

- وإما أن تزيد دخلك سواء بعمل إضافي أو بالبحث عن عمل آخر براتب أعلى. 

وبعدما تضع الميزانية، ناقشها مع أفراد الأسرة حتى يوافق عليها الكل، ومن ثم اعتمدها قانونًا، وهذا تحديدًا ما سيأخذنا إلى العادة الرابعة وهي مشاركة أفراد الأسرة في كتابة الميزانية وإدارة المال.

العادة الرابعة: مشاركة الأسرة

إذا كنت متزوجًا يا صديقي أو ستفعل في المستقبل إن شاء الله، يجب أن تتكلم مع شريكتك بخصوص شؤونكما المالية؛ هذا سيحميكما من الخلافات الزوجية التي ربما توصلكما إلى الطلاق، وفي الوقت نفسه تقوي العلاقة والثقة في ما بينكما.

أما الأولاد، فمهمٌّ أن تعلمهم المبادئ الأساسية للتعامل مع المال، فإشراكهم في الميزانية سيؤثر جدًّا في شخصياتهم عندما يكبرون وسيعلمهم المسؤولية،

- لأن الطفل يجب أن يعرف قيمة المال، وأنه لا يأتي بسهولة، بل هو في مقابل عمل ومجهود، فيمكن مثلًا إن كسر شيئًا أن يساهم بجزء من مصروفه في تصليحه، وإن فعل فعلًا حسنًا فكافئه بزيادة المصروف وهكذا.

- من المهم أن تناقشهم في الأشياء التي تشتريها، وما تحتاجون إلى شرائه أكثر، ولِمَ هذا المنتج أغلى من هذا وهكذا. 

عادة العطاء والادخار

هكذا نكون قد تكلمنا عن الميزانية وناقشناها وأصبحت جزءًا من عادات الأسرة، فهل تذكر أول خانتين في الميزانية، العطاء والادخار؟

هاتان هما العادتان الخامسة والسادسة، وسنتكلم عنهما الآن..

نبدأ بالعادة الخامسة وهي "العطاء"

غير أن للعطاء أثرًا طيبًا في القلب، وبركة في الرزق، ويمنحك شعورًا بالسعادة عندما تؤثر في حياة غيرك، فهو عادة مالية تغير طريقة التفكير الأنانية، وعندما يقل تفكيرك في نفسك وتبدأ التفكير في غيرك، ستقل مصروفاتك وستجد تحسنًا في إدارتك للمال لتتمكن من العطاء أكثر، كما يجب أن تعلم أطفالك أهمية الصدقة والعطاء، فيشاركون ولو بشيء يسير في تبرعات الأسرة.

أما عادة "الادخار" فهي السادسة

إن ادخرت بعض مالك لنوائب الزمن فسيكون عندك سلام نفسي كما ستؤمّن نفسك للمستقبل، لو حدث أي أمر طارئ أو مرت بك ظروف صعبة كالمرض أو الاستقالة من العمل مثلًا، فساعتها ستحتاج إلى هذا المبلغ بدلًا من اللجوء إلى الديون.

- هنا يمكن أن تخصص لميزانية الطوارئ مبلغ ادخار وحده، نحو 1000 جنيه مثلًا كل شهر.

- وربما تدخر لتتحمل مصروفات جامعة أبنائك أو لتجهزهم للزواج.

- كما يمكنك أن تدخر مبلغًا لتذهب في رحلة مع أسرتك، أو لتشتروا شيئًا مهمًّا غالي الثمن.

لذا كان مهمًّا أن نخرج جزء العطاء والادخار قبل أن نوزع المال على المصروفات، وليس صحيحًا أن تصرف طوال الشهر ثم تدخر ما تبقى لأنه بلا شك سيصرف، لكن إن جنّبت هذا المال من البداية ستجبر نفسك أن تقتصد وتدبر أمرك بما تبقى.

العادة السابعة: حدد قبل أن تشتري

هكذا انتهينا من كل خانات الميزانية، وتكلمنا عن 6 عادات مالية، تبقى لنا العادة السابعة والأخيرة وهي "التحديد قبل الشراء"، وسنحدد أشياء كثيرة، منها:

1. الاحتياجات التي تستطيع العيش من دونها والرغبات التي يمكن أن تستغني عنها، فمثلًا الأكل احتياج لتستطيع العيش أصلًا، لكن الأكل في مطعم كل يوم رغبة، والاحتياجات طبعًا أولى من الرغبات.

2. تحضير قائمة بالأشياء التي تحتاج إليها قبل الذهاب إلى أي سوبر ماركت حتى لا تشتري شيئًا لا تحتاج إليه، واحذر أن تقع ضحية العروض واللحاق بالمنتجات قبل نفاد الكمية، لا ينبغي أن تشتري كل منتج عليه عرض، اشترِ فقط ما تحتاج إليه.

3. يفضل أن تشتري من محلات الجملة.

4. ومهم أن تقول لأولادك "لا" إن طلبوا شيئًا لا يحتاجون إليه أو سيخلّ بنظام الميزانية، ذلك سيعلمهم أن المال محدود، وأن ليس كل ما نريده يجب أن نشتريه.

وبالتأكيد ستصادف أشياء تناسب نمط حياتك، وساعتها حدد ستشتري أم لا.

الخاتمة

هكذا نكون قد انتهينا من العادات المالية السبعة، وفي النهاية يا صديقي، إدارة المال من أهم الأشياء التي ستؤثر في شكل حياتك، واستخدام العادات المالية سيصبح طريقًا يساعدك على أن تصل إلى أهدافك، ربما تشعر في البداية أن العادات صعبة وتغييرها مستحيل، لكن بالمحاولة والسعي ستجد أنك بدأت تلمس تأثيرها في حياتك.

لا تنس أن تخبرنا في تعليق بأكثر عادة تأثرت بها، وبالخطوات التي تتبعها لتدير مالك.

ننتظرك في المعرض لا تتكاسل.