النوع الآخر من الذكاء

Book-Cover

مقدمة

في المسلسل الأمريكي The big bang theory ظهرت شخصية مشهورة جدًّا اسمها شيلدون كوبر، إن كنت لا تعرف فشيلدون هذا شخص عبقري، معدل ذكائه عالٍ جدًّا، وحصل على الدكتوراه في الفيزياء، كما أنه يعمل في واحدة من أكبر الجامعات في أمريكا، كلام جميل، أليس كذلك؟ 

بلى، لكن شيلدون عنده مشكلة كبيرة في التعامل مع الناس، إذ كان يصعب عليه مثلًا فَهم السخرية وخصوصًا إن كانت موجهة إليه، وكان يضطر إلى أن يسأل إن كانت هذه سخرية أم لا، وإن رأى أحد أصحابه صامتًا لا يشارك في الحوار، كان يسأله هل هو حزين أم غضبان أم جائع أم ماذا.

وهذا طبعًا كان يضايق المحيطين به كثيرًا، وأنت أيضًا ربما تقول "ما هذا الشخص السخيف؟!"، لكن الحقيقة أنه لا يفعل هذا عن قصد، هو فعلًا لا يستطيع أن يفهم بِمَ يشعر من أمامه إن لم يُقَلْ صراحةً، وإن قيل صراحة لا يعرف ماذا يفعل، وهذا ليس مع الناس فقط، هو حتى لا يستطيع أن يفهم مشاعره هو شخصيًّا،

لِمَ؟ لأنه لا يملك ذكاءً عاطفيًّا.

وهذا النوع من الذكاء لحسن الحظ يمكن أن تنميه وتطوره في أي مرحلة من حياتك، لذا فكتاب حلقتنا اليوم هو كتاب "النوع الآخر من الذكاء: طرق بسيطة لتعزيز الذكاء العاطفي للتمتع بدرجة أكبر من الكفاءة الشخصية والنجاح" لهارفي دوتشندورف. 

لكن قبل أن نبدأ في كتابنا أريد أن أقول لك إن أخضر موجود في معرض القاهرة الدولي للكتاب طوال مدة المعرض، فاستغل إجازة نهاية الأسبوع وتعالَ زُرنا في صالة 2 جناح C35، فَلِزُوَّار المعرض خصومات كبيرة، بالإضافة إلى المفاجآت التي تنتظرك هناك.. هيا إلى المعرض!

ولحين وصولك إلى المعرض، نرجع إلى كتابنا ونسأل ما الذكاء العاطفي؟

1- ماهية الذكاء العاطفي

الذكاء العاطفي هو القدرة على فهم مشاعرنا والتعامل معها وإدارتها واستخدامها لتوجيه سلوكنا وأفكارنا، وفهم مشاعر المحيطين بنا والتعامل معهم على أساسها.

وهل هذا مهم جدًّا؟

بالتأكيد، فإن حدثت معك مشكلة في الشغل أو البيت أو الشارع، فليس من المفترض أن يكون رد فعلك هو أن تنهر مديرك مثلًا، ولا أن تنزوي وتبكي، ولا أن تتشاجر مع بياع الطماطم، بل يجب أن تتحكم في مشاعرك وانفعالاتك وتعبر عما تريد أن تقوله بشكل جيد، وتصل مع الآخرين إلى هدف مشترك، وهذا ما سيعلمه لك الذكاء العاطفي.

ليس هذا فحسب، فالدراسات تقول إنه مؤشر أكثر فاعلية من الذكاء المعرفي لقياس قدرتك على النجاح في العمل وفي علاقاتك وفي الحياة كلها.

وهذا الكلام يعتبر حديثًا نسبيًّا خصوصًا في مجال العمل الذي كان يتطلب أن يترك الناس عواطفهم خارجه!

لكن لحسن الحظ أدركت هذا شركة southwest airlines لهيرب كلهر، التي وظَّفت الذكاء العاطفي لتهيّئ بيئة عمل ترعى موظفيها جيدًا، وشكلت لجنة كان دورها الوحيد ابتكار طرائق تشعر العاملين وأسرهم بأنهم جزء من الشركة، ونجحت في ذلك فعلًا، مما أدى إلى وصفها بأنها أكثر شركات الطيران نجاحًا في التاريخ.

فلو ركزنا طاقتنا على تحسين ذكائنا العاطفي فستتحسن حياتنا كلها، لأنه يساعدنا على أن نستفيد من مهاراتنا في التفكير، ومن دونه ستقل قدرتنا على استخدام ذكائنا المعرفي، والذكاء المعرفي وحده ليس كافيًا لتحقيق النجاح أو السعادة في العمل أو في حياتنا أو في علاقاتنا بالناس.

ولنبدأ في تطوير الذكاء العاطفي نحتاج إلى أن نبدأ من الداخل إلى الخارج، لذا سنبدأ بالمهارات الخاصة بفهم مشاعرنا.

2- مهارات فهم المشاعر

ما معنى أن نبدأ من الداخل؟

يعني ضرورة أن نفهم انفعالاتنا وعواطفنا وأسبابها، ولنفهمها يجب أن نرجع بالزمن إلى الخلف، لأن البيئة التي وُلِدنا فيها وطريقة تربيتنا حددت رؤيتنا لأنفسنا وللعالم كله.

 فمثلًا إن تربينا على كبت مشاعرنا والخجل منها وإخفائها، فسيصعب علينا أن نفهمها ونتعامل معها بالشكل الصحيح.

لذا مطلوب منا أن نبحث عن المصدر الحقيقي لانفعالاتنا، لأننا في أغلب الأحيان عندما ننفعل بسبب موقف معين، لا يكون الانفعال ناتجًا عن الموقف نفسه، بل عن أنه أثار فينا ذكريات ومشاعر مررنا بها من قبل.

فمثلًا لو كنت في غرفة فيها 10 أشخاص وقال أحد عنهم إنهم أغبياء، فستجد أن لكل واحد منهم رد فعل مختلفًا، سيغضب أحدهم ربما لأنه عانى هذا الاتهام طوال حياته، وسيضحك الثاني لأنه معتاد استخدام هذه الكلمة في المزاح، والثالث الذي وُجِّهَت إليه هذه الكلمة لأول مرة سيفكر لِمَ وُجِّهَت إليه. 

ولتتعلم التواصل مع مشاعرك، سيخبرك الكتاب بأكثر من طريقة لتساعدك، من ضمنها:

  1. تخصيص 10 دقائق كل يوم لتسترجع فيها الأحداث التي حدثت لك وأثارت عندك مشاعر قوية وتسجلها على ورق، مما سيحسن من قدرتك على التعرف على انفعالاتك.
  2. لو تعرضت لشعور سلبي قوي مثل الحزن أو الغضب، فابحث عن مصدره الحقيقي.
  3. حاول كل يوم أن تعبر عن شعور إيجابي واحد على الأقل.

حسنًا تعرفنا على مشاعرنا واكتشفنا البلايا التي بداخلنا، ماذا بعد؟

نحتاج إلى أن نحسّن من نظرتنا إلى أنفسنا من خلال 3 مفاهيم مهمة جدًّا.

3- الصورة الذاتية

1- أول مفهوم هو توكيد الذات 

ماذا يعني؟ يعني القدرة على وضع الحدود، وأن تعبر عن احتياجاتك ومشاعرك وآرائك بوضوح وبأسلوب مباشر، وهذا لا يعني أن كل طلباتك مجابة، لكن على الأقل تكون عندك الشجاعة أن تطلبها.

ولتحقق توكيد الذات تحتاج إلى أن تدرب نفسك على أن:

- تعبّر عما بداخلك وتطلب حقك بصورة مباشرة ومن دون خجل، فمثلًا لو كنت في مطعم وطلبت شيئًا وأُحضِر إليك عكسه، فمن حقك أن تقول إن خطأً قد حدث.

- تجعل كلماتك حاسمة قوية، فلا تقل امممم وأظن واحتمال.

- لا تعبر عن نفسك وأنت غضبان وفاقد للسيطرة، لأن هذا سيظهر عليك وعلى صوتك، وسيكون تأثيره سلبيًّا في من توجه إليه الكلام. 

 2- المفهوم الثاني هو احترام الذات 

ومعناه بوضوح احترم نفسك -نحن لا نهزأ بك لا سمح الله- فقط نقصد أن تعاملها باحترام، ودعك من قول "أنا فاشل" و"أنا لا فائدة مني" وكل هذا الكلام المؤذي، وإن أحسست بفشل يجب أن تتعلم منه وتظل محتفظًا باحترامك لنفسك ولمحاولاتها، ولتعزز هذا تحتاج إلى أن:

- تقلل وجودك مع الناس الذين يقللون منك وأن تحاوط نفسك بأناس داعمين.

-  تطلب من الناس الذين يحبونك أن يخبروك بنقاط قوتك.

- تكتب أهدافك وتعمل بجد لتحققها.

- تحتفظ بمفكرة لإنجازاتك وتكتب فيها كل أسبوع، وهذه الإنجازات ربما تكون أشياء بسيطة مثل أنك أضحكت شخصًا كان حزينًا.

3- المفهوم الثالث هو الاستقلالية

وهذا مفهوم نعاني معه قليلًا لأننا لا نستطيع أن نوفّق بين حاجتنا الفطرية لصنع شخصية مستقلة، وكوننا جزءًا من المجتمع، لكن هذا ليس مستحيلًا، من حقنا أن نعبر عن أنفسنا ونكوّن شخصياتنا، لكن يجب أن نراعي أننا لا نعيش وحدنا، وأن المجتمع يفرض حدودًا يجب أن نحترمها. 

ولتزيد الشعور بالاستقلالية، توجد بعض الطرائق التي ربما تساعدك في ذلك، وهي:

-  أن تكتب في نهاية كل يوم قرارًا أخذته بنفسك.

- أن تتدرّب على التعبير عن رأيك في الاجتماعات دون خجل وإن كان رأيك مختلفًا. 

- أن تختار شيئًا كل أسبوع تفعله لنفسك كأن تشاهد فيلمًا في السينما أو تحضر ورشة. 

حتى هنا نحن نعمل على العالم الذي بداخلنا والصفات التي يجب أن نتحلى بها لننمي ذكاءنا العاطفي، أما الآن سنخرج قليلًا ونفحص طريقة تعاملنا ونظرتنا إلى العالم، وهنا سنحتاج إلى تعلم مهارات التكيف لنستطيع أن نتعامل بشكل صحيح في أي موقف نتعرض له!

4- مهارات التكيف 

 1- أول مهارة هي مهارة حل المشكلات

يعتقد بعض الناس أن حل المشكلات يحتاج إلى ذكاء معرفي فقط، لكن الحقيقة أن الذكاء العاطفي يلعب دورًا كبيرًا جدًّا في حل المشكلات، لأن هذه المهارة تتطلب القدرة على اتخاذ القرارات وتتدخل فيها المشاعر بشكل كبير، غير أن كل المشكلات تتضمن شخصًا آخر، أي إنك تحتاج إلى أن تملك القدرة على التعامل مع الناس وهذا أيضًا من صميم الذكاء العاطفي.

لذا

- اعلم أن للمشكلات أكثر من حل واحد.
- حاول أن تتوقع المشكلات بشكل مُسبق لتجهز حلولًا وتكون مستعدًّا لها.

 2- المهارة الثانية هي المرونة 

العالم حولنا يتغير كل يوم، ميتافيرس وأوبئة وبلايا زرقاء، ونحن مع الأسف نواجه صعوبة في تقبل هذه الأشياء، لأن عقلنا يقبل التغيير فقط عندما يتخيل أنه مسيطر عليه ويمكنه أن يستفيد منه. 

تذكرون كيف كنا في بدايات فيروس كورونا؟ كنا ننزل ونمزح ونتجاهل كل الاحتياطات حتى بدأنا نرى الإصابات في أشخاص حولنا فعلًا، حينها غسلنا أكياس البقالة واستهلكنا كمية كحول هائلة! 

لذا فالمرونة والقدرة على التأقلم مع الظروف والمواقف الجديدة من أهم مهارات الذكاء العاطفي،

وظهر هذا في نتيجة بحث أجراه مركز القيادة الإبداعية في أمريكا يتناول أسباب نجاح وفشل الشركات، وقال إن أول سبب للفشل كان صعوبة التعامل مع التغيير!

ولتنمي هذه المهارة يمكن أن تغير أشياء بسيطة مثل الطريق الذي اعتدت أن تسلكه إلى العمل، وأن تجهز أكثر من سيناريو للأحداث، ولا تقف كثيرًا عند الأخطاء، وتدريجيًّا ستجد أن نظرتك قد اختلفت وقدرتك على التغيير أصبحت أكبر.

هكذا تعلمنا كيف نتكيّف مع الجديد الذي يحدث من حولنا، لكن ماذا لو أن ما يحدث هذا يثير غضبنا ويشعرنا بالضغط أو بمشاعر سلبية؟

هنا سنحتاج إلى أن نتعلم مهارات التعامل مع الضغوط.

5- مهارات إدارة الضغوط 

تزيد الضغوطات مع كل ما يحدث في العالم الآن من العمل ومن البيت ومن الأهل ومن كل ناحية، لكن هذا لا يعني أن نستسلم لها، بل من المفترض أن نحاول قدر الإمكان ألا نتركها تسيطر علينا، لذا من المهم أن تملك وسيلة أو مساحة للتفريغ، وهذا شيء نسبي تمامًا، يمكنك مثلًا أن تنزل للتمشية، أو أن تتأمل في الخُضرة، أو تشاهد شيئًا يضحكك، ولو عندك هواية تحبها فانغمس فيها وأرح دماغك، سواء كانت رسمًا، أم كروشيه، أم سماع ملخصات صوتية، كما تحب. 😇

المهارة المهمة الثانية هي السيطرة على الاندفاعات، لأن كلمة واحدة في لحظة غضب ربما تهدم بيوتًا وتضيع مستقبل أشخاص، ولنقلل من هذه الاندفاعات المُدمرة عندنا أربعة أساليب:

1-  إن شعرت بمشاعر قوية فعُدَّ إلى 10 قبل أن تصدر أي رد فعل. 

2- انتظر حتى تشعر أنك قادر على أن تتكلم بوضوح. 

3- إن شعرت أن دماغك يشجعك على أن تفعل شيئًا عنيفًا، فاترك المكان وحاول أن تفكر في شيء إيجابي.

4- وإن شعرت بأنك مُعرض لموقف ربما تنفعل فيه، فاصطحب معك أحدًا تثق به قادرًا على تهدئتك. 

هكذا نحن جاهزون للخروج إلى العالم الخارجي، وهذا الجزء الثاني من الذكاء العاطفي الخاص بتعاملنا مع العالم والناس من حولنا.

6- العالم الخارجي

ولنحقق الجزء الثاني من الذكاء العاطفي، نحتاج إلى أن نطور 3 مهارات:

1- التقمص العاطفي

وهو القدرة على أن ندرك عواطف الآخرين الحقيقية من خلال كلامهم الذي يقولونه، وحتى المعاني التي لا يقولونها صراحة، فنغمة الصوت وتعبيرات الوجه وكل شيء يمكن أن يشير إلى حالاتهم العاطفية، فمن غير المعقول أن تمشي تسأل الناس: "هل أنت سعيد؟ هل أنت حزين؟"، بل يجب أن تملك القدرة على أن تستشف هذا وحدك وإلا ستكون مزعجًا مثل شيلدون.

2- القدرة على إقامة علاقات صحية 

أكدت كل البحوث العلمية أهمية نوعية العلاقات التي نستطيع أن نقيمها مع الناس المحيطين بنا وتأثيرها في مدى شعورنا بالسعادة. 

وكلنا نسعى إلى العلاقات القريبة التي بها ثقة وراحة ونكون فيها على طبيعتنا، وفيها رصيد عاطفي بين الطرفين.

ولنبني علاقات صحية، نحتاج إلى أن نلاحظ اهتمامات الطرف الآخر ونهتم بها ونسأله عنها، ونتذكر الأحداث المهمة في حياته، والناس عمومًا يحبون أن يتكلموا عن أنفسهم، فأعطهم فرصة ليتكلموا واسمع أكثر مما تتكلم.
وهذه المهارة ليست مهمة فقط في العلاقات الشخصية، بل مهمة للنجاح في العمل، لذا بدأت الشركات تهتم مؤخرًا بتنمية مهارات العاملين في التعامل مع الناس، كما فعلت شركة أمريكان إكسبريس التي استعانت بمستشارين مدربين على الذكاء العاطفي ليدربوا مندوبي مبيعات وثائق التأمين على الحياة، لأن بيع هذه الوثائق يتعدى الحقائق والسعر، فساعتها يفكر الشخص في الموت وفي الناس الذين سيتركهم، ويضم هذا الأمر مشاعر كثيرة يجب أن تكون لدى المندوبين حساسية وفهم لها ويجب أن يظهروا هذا للعميل، ولا يكون دورهم أن يقنعوه ليشتري فقط.

3- المسؤولية الاجتماعية

تخيل أن كل شخص في العالم يبحث عن مصلحته فقط، ولا أحد يهتم فيه بأي شيء غير نفسه، هذه الفكرة أو مجرد تخيلها مرعب جدًّا، وعكسها تمامًا المسؤولية الاجتماعية التي تدعو الأفراد والشركات إلى أن يشعروا بالمسؤولية ناحية مجتمعهم ويحاولوا أن يحسّنوه، كأن تتطوع في جمعية خيرية لتساعد المحتاجين سواء بمالك أو بمجهودك فقط.

وهكذا يا صديقي نكون انتهينا من مهارات الذكاء العاطفي، ودورك الآن أن تحدد المهارة التي تفتقر إليها لتطورها، وتذكر أن المهارة لا تتكون في يوم وليلة، ولكن بالتكرار والالتزام ولو بخطوة صغيرة كل يوم، وعلى المدى البعيد سترى الفرق.^^
ننتظرك في المعرض فلا تنسَنا!