معادلة السعادة

Book-Cover

مقدمة

تحكي أسطورة يونانية مشهورة اسمها أسطورة سيزيف، أن "سيزيف" كان رجلًا ذكيًّا جدًّا، لكنه لئيم مكروه من الآخرين في المجتمع، خصوصًا أنه هرب من حُكم بالموت! لذا حُكِمَ عليه أن يقضي حياته كلها يدحرج صخرة عملاقة من بداية جبل كبير حتى قمته، وبمجرد أن يصل إلى القمة تقع الصخرة ويضطر إلى أن يدحرجها مرة أخرى وهكذا!

وهذه الأسطورة لها تحليلات كثيرة جدًّا ومختلفة، فبعضها يرى "سيزيف" مثالًا للروتينية وبعضها يراه مثالًا للعبثية وعدم الجدوى، لكن الحقيقة أن حالة "سيزيف" هي الأقرب لتعامل أغلبنا مع السعادة!

لماذا؟

سأشرح لك، الواحد منا يقول لنفسه: "لو ترقيت للمنصب الفلاني، أو لو وصل راتبي إلى الرقم الفلاني، فسأصل إلى السعادة"، ويظل يجري ويدفع الصخر مثل "سيزيف" حتى يصل إلى ما أراد، وبمجرد أن يصل يقول: "لا لا، المنصب القادم هو ما سيسعدني فعلًا"، ويبدأ من جديد وهكذا!

هل تعرف أين المشكلة؟ المشكلة أن السعادة ليست نتيجة لأي شيء تصل إليه، ولن أقول لك إن المتعة في الطريق، لا تقلق، لكن سأقول لك إنك تحتاج إلى أن تكون سعيدًا أولًا ثم تجري وتفعل ما شئت.

أصلًا؟

أصلًا..
حسنًا.. ولكن كيف سأصبح سعيدًا أصلًا؟

 

لا تقلق يا صديقي، الحل في "معادلة السعادة" وهذا هو عنوان كتاب حلقتنا اليوم لـ"نيل باسريشا".. 

لكن قبل أن نبدأ في كتابنا وعلى سيرة السعادة، فالسعادة الحقيقية وصلت :D وأخضر سيكون موجودًا في معرض القاهرة للكتاب من يوم 24 يناير وحتى يوم 6 فبراير، وتوجد مفاجآت وعروض كثيرة جدًّا، وننتظر أن نراكم وترونا على أرض الواقع بفارغ الصبر! 😉 

 

معادلة السعادة

نرجع الآن إلى معادلة السعادة التي تقول بكل بساطة إن: القناعة + الحرية = امتلاك الدنيا.

والقناعة هنا مقصود بها ألا تريد أي شيء، والحرية مقصود بها أن تعمل ما تريد، ونتيجة القناعة والحرية هي الشعور بامتلاك الدنيا وما فيها، وهذه هي السعادة. 

 

نحن الآن أمام معادلة من 3 أجزاء غامضة، لذا فلنرَ ماذا تقول الأسرار التسعة لهذه المعادلة..

أول سر من أسرار القناعة يقول إن السعادة سبب وليست نتيجة.. 

 

1-السر الأول: السعادة أولًا 

كما قلنا يا صديقي، لو تخيلت أن الترقيات والمال هي ما سيوصلك إلى السعادة، فاسمح لي أقل لك إنك مخطئ، طبعًا ستقول لي "هاتهم ولا تحمل همًّا"، وبصراحة عندك حق!

 

لكن تذكر كم مرة سمعت أحدًا يقول إن تخرجتُ، أو إن توظفتُ في المكان الفلاني، أو لو تزوجتُ، فلن أشكو مرة أخرى، وبعدها يشتكي، إذًا أين المشكلة؟ في السعادة نفسها؟

المشكلة هنا يا صديقي أننا نرهن سعادتنا بأشياء متغيرة، في حين أن هذه الأشياء تحتاج إلى أن تكون أنت سعيدًا وراضيًا أولًا، وساعتها ستكون مقبلًا على الحياة وستسعد بزواجك وعملك وتنجح فيهما أيضًا وليس العكس! 

والمفتاح هنا في الدراسة التي اتنشرت في مجلة The How of Happiness (كيفية السعادة)، التي تقول إن النسبة الحقيقية لاعتماد سعادتنا على ما يحدث لنا لا تتجاوز 10%، بمعنى أن 90% من سعادتنا قائم علينا نحن، وعلى نظرتنا إلى الأمور التي تحدث لنا، وكما يقول شكسبير: "ليس هناك ما هو جيد أو سيئ، بل التفكير هو ما يجعله كذلك." 

 

وعمومًا توجد بعض الطرائق لتدريب العقل على أن يبقى سعيدًا في أي وقت، وكلها متعلقة بك أنت لا الأحداث: 

  1. أن تمارس رياضة المشي، وهذا لأن الدراسات تقول إنه كلما زاد النشاط الجسدي عند الشخص زادت عنده مشاعر الحماس والإثارة، وكان أقدر على الشفاء من الاكتئاب!
  2. أن تكتب الأحداث الإيجابية، فهذا سيجعل عقلك يعيشك هذه التجارب اللطيفة مرة أخرى بكتابتها وطبعًا عندما تقرؤها في ما بعد.
  3. أن تتصرف تصرفات لطيفة عشوائية مع الناس المحيطين بك، مما سيزيد من سعادتك ورضاك عن نفسك.
  4. أن تخلص لإجازتك، ولا تفكر في العمل ولا تفتح الهاتف أصلًا. 
  5. أن تكتب كل يوم 5 أشياء تمتن لوجودها.

وهكذا انتهى السر الأول للقناعة، أما السر الثاني فيقول لك اجعل ما تفعله لنفسك فقط وليس للناس! 

 

2- السر الثاني: اجعل ما تفعله لنفسك فقط 

يحكي الكاتب عن مدونته التي كان يسجل فيها كل شيء جميل في الحياة، وكانت مشاهداتها قليلة، فوضع لنفسه هدفًا أن تصل المدونة إلى خمسين ألف مشاهدة، وحققه فعلًا، ثم جعل الهدف أن تصل إلى مليون، ووصلت فعلًا.

 

وصل هدفه إلى عشرة ملايين مشاهدة، وبعد 9 شهور حققه بالفعل، وتواصلت معه وكالات أدبية ليحولوا المدونة إلى كتاب، وبدأ يستفسر عن الموضوع واكتشف أن آلاف الكتب تنشر في أمريكا كل سنة، وأكثر من مليون كتاب يُنشر عالميًّا، فشعر أن نشر كتاب ليس شيئًا مميزًا جدًّا.

فماذا قرر؟ قرر أنه يريد أن يصبح كتابه من الكتب الأكثر مبيعًا، وحقق ما أراد فعلًا، تظن أنه انتهى؟ لا.. ظل هكذا حتى لاحظ أن كل هذه الأهداف كانت أهدافًا خارجية وأنه لم يحقق هدفًا من هذه الأهداف لنفسه، مما جعله يستمد قيمته وثقته من تعليقات الناس، وكان ينهار عندما يسمع أي نقد سلبي، وبدأ يفقد ثقته بنفسه، ووجد أن كل هذه الأهداف لم يكن لها أي تأثير مفيد في شخصه.

ومن هنا وجد أن الطريقة الصحية والمفيدة لتحديد أي هدف هي أن تحققه لنفسك، ولأنك تحبه فعلًا وتستمتع به ويكون تأثيره فيك كشخص إيجابيًّا، وألا تجري وراء أشياء ليقول الناس إنك فعلت كذا وحققت كذا.

وهذا هو السر الوحيد الذي يحصنك أكثر من الانتقادات السلبية التي يمكن أن تسمعها، أن تحقق أهدافك لنفسك ولا تنتظر رضا الناس.

 

 3- السر الثالث: ثقافة الاكتفاء

وهذا يأخذنا إلى السر الثالث الخطير جدًّا الذي يقول لك لا تتطلع إلى ما مع غيرك، واعلم أن ما عندك كفاية، قديمًا كان الناس راضين على الرغم من أن ما كان عندهم مقارنةً بنا الآن قليل جدًّا، لكن الآن أصبح هدف المسوقين والإعلانات أن يجعلوا الناس دائمًا بحاجة إلى أشياء جديدة لا فائدة لها، وانتقلنا من ثقافة الاكتفاء إلى ثقافة المزيد، وأصبحنا نتعامل مع الرفاهيات على أنها احتياجات أساسية لا نستطيع العيش من دونها، لكن بمجرد أن تُدرك أن ما عندك كفاية وتكف عن التطلع إلى ما مع غيرك، سترضى وتحمد الله على النعم التي تحيطك.

 

هكذا نكون قد انتهينا من الجزء الأول الخاص بالقناعة من المعادلة، وسنتطرق إلى أسرار الجزء الثاني الخاص بالحرية، وأول سر فيه عن السبب الذي تستيقظ من أجله كل يوم..

 

4- السر الرابع: السبب الذي تستيقظ من أجله كل يوم 

الواحد منا عندما يكون في مرحلة المدرسة يُقال له احصل على مجموع لترتاح، بعدها تخرجْ في الكلية لترتاح، وبعد أول أسبوع في الحياة الوظيفية بِمَ سيحلم؟ بالمعاش!

وهذا لأننا نتخيله النموذج المثالي للراحة، لكن الحقيقة أن المعاش مفهوم من أسوأ المفاهيم التي ظهرت في العالم، وليس شيئًا جميلًا كما نتخيل، على العكس، ربما يجعل الشخص يفقد رغبته في الحياة.

لأن سعادة الإنسان الحقيقية يستمدها من الحركة والسعي، وأن تكون عنده أشياء يفعلها، ويحس أنه مُنتِج وله هدف، لذا على الرغم من أن العمل متعب ولا يخلو من مشكلات، فإن وجوده نعمة أحيانًا لا نقدّرها.

 

سأحكي  لك قصة جزيرة أوكيناوا في اليابان، اكتُشِف أن عددًا كبيرًا من سكان هذه الجزيرة قد تجاوزا المئة سنة، أكثر من أي مكان آخر، وطبعًا افتُتِن الباحثون بهذه الجزيرة وقرروا أن يعرفوا سرها، فاكتشفوا أن أهل الجزيرة لا يعرفون شيئًا اسمه "تقاعد"، حرفيًّا ليس لديهم كلمة بهذا المعنى. 

 

ولكن عندهم ما يسمى بالـ"إيكيجاي" ومعناها "سبب استيقاظك صباحًا"، أي ما يحفزك لتقوم من نومك، كل واحد منهم له سبب يدفعه إلى أن يقوم ويتحرك، ليس شرطًا أن يكون سببًا مهنيًّا، فلما سُئلَت سيدة عندها 102 سنة عن الإيكيجاي الخاص بها، قالت إنه يكمن في أن تحمل حفيدة حفيدة حفيدة حفيدتها! 

 

فاسأل نفسك ما الإيكيجاي الخاص بك..

 

الآن ننتقل إلى السر الثاني من أسرار الحرية والخامس من أسرار السعادة المتعلق بقيمة عملك المادية.. 

 

5- السر الخامس: ارفع قيمة ساعة عملك 

إن أردت أن تعرف القيمة الحقيقية لعملك فلا تحسب مكسبك في السنة أو في الشهر، بل قِس مقدار الوقت الذي يسمح لك به العمل لنفسك، أي بقية حياتك، لأن القيمة تقاس بالوقت لا بالمال، ولو اكتشفت أن مقدار دخلك مقارنةً بساعات العمل قليل، فاعمل على زيادة الدخل وليس عدد الساعات.

 

ذلك غير أن تأثير وظيفتك في سعادتك مهم جدًّا، لذا حاول أن تختار الوظيفة التي تحب أن تندمج فيها، لا التي تلعنها يا حبيبي يا أخضر. 💚

 

6- السر السادس: اصنع مساحتك الخاصة

السر السادس الذي يرتبط أيضًا بالعمل يقول لك أرح عقلك قليلًا، لقد وصلنا إلى أن كثيرًا من الشباب يصابون بسكتات قلبية من ضغط العمل، وحتى لا تصل إلى هذا الوضع، اعلم أن السر في التوازن! 

يجب أن تصنع لنفسك مساحة خاصة، ليس فيها عمل ولا تفكير، تدخلها لترتاح وتشعر أن مخك قاعد أمام البحر يشرب فخفخينا، وعندما ترتاح ستزداد إنتاجيتك.

كيف؟

سأقول لك.. وجد الباحثون أن أكثر أماكن تظهر فيها الأفكار المبدَعة هي السرير والحمّام والمواصلات، وهذا لأنها أماكن بعيدة عن روتين العمل.

 فمثلًا عندما تعطلت مرآة تلسكوب هابل الفضائي الذي كلف ناسا ملايين الدولارات، واستمرت تمويلات وتدريبات أفضل رواد الفضاء سنة لحل هذه المشكلة، لم يصلوا إلى حل في اجتماعاتهم، ولكن اكتشف الحل واحد من المهندسين وهو يستحم!

لاحظ الرجل في دش الفندق أن رؤوس الصنابير معتمدة على قضبان معدنية قابلة للتعديل، ففكر ساعتها أن يستخدموا التقنية نفسها في تركيب المرآة داخل التليسكوب وأصلحوه فعلًا بهذه الطريقة.

 

حمستني يا أخضر! كيف أصنع هذه المساحة؟

لتوفر هذه المساحة يا صديقي ستحتاج إلى حذف 3 أشياء: 

  • أول شيء ستحذفه هو كمية القرارات الصغيرة التي تأخذها كل يوم، مثل: ماذا سأرتدي اليوم؟ أو ماذا سأطبخ؟ حاول أن تقلل الخيارات المتاحة، أو أن تحددها من أول الأسبوع، وعندك مارك زوكربيرج مثلًا، اشترى 20 قميصًا نفس الشكل واللون ليوفر طاقته العقلية لأشياء أهم.
  • ثاني شيء تحتاج إلى أن تحذفه هو الوقت! إي نعم، لا تحدد لنفسك 3 أسابيع لتنفيذ مهمة مثلًا، وأنت أصلًا ستقضي أسبوعين ونصف تلعب، ثم تنجزها في بضع ساعات قبل ميعاد التسليم، حدد من البداية موعدًا قريبًا واستخدمه كله.
  • آخر شيء هو إشعارات الهاتف، إن كنت تنجز عملًا فأغلق الهاتف أصلًا لكيلا تتشتت.

 

هكذا انتهينا من الجزء الثاني من المعادلة ووصلنا إلى الجزء الثالث، ونريد أن نشعر أننا نمتلك الدنيا وما فيها.. 

 

7- السر السابع: فقط افعلها

لكن قبل أن نخبرك بأسرار امتلاك كل شيء، أخبرنا أولًا بالأعذار التي تقولها لنفسك لتبرر رفضك لفعل شيء ما؟ لا تستطيع أن تفعله أم لا تريد؟

نحن نتخيل أن المسار الطبيعي لفعل أي شيء مسار طولي، بدايته أن نعتقد أننا قادرون على فعل هذا الشيء ← ثم نشعر أننا نريد أن نفعله ← ثم نفعله.

لكن الحقيقة أن هذا المسار دائري بهذا الشكل:

 

ليس له نقطة بداية ونقطة نهاية، بل هو علاقة مستمرة، ليس شرطًا أن تكون البداية أن تريد فعل الشيء أو حتى تعرف كيف تفعله، لا، فقط افعل وجرب، ولا تقل أنا أنتظر الدافع لأجرب، فالفعل هو الذي ينشئ الدافع وليس العكس.

ركز وخذ جملة Just Do It شعارًا لحياتك!

 

8- السر الثامن: كن نفسك 

يجب أن تكون أفعالك وكلامك وأفكارك متوافقين معًا، لأن أهم علاقة في حياتك هي علاقتك بنفسك، لا تهتم بنظرة الناس من حولك، واعمل عملًا تحبه والبس وكُل ما يعجبك.

في السبعينيات، كان يوجد لاعب كرة قدم أمريكي مشهور جدًّا اسمه "روزفلت جْرير"، وكان الناس يُشيدُون بلعبه وقوته الجسدية، لكنه ترك الكرة واشتغل بهوايته التي هي التطريز، ونشر أيضًا كتاب التطريز للرجال، وقال إنه لم يكن سعيدًا بقدر ما كان سعيدًا في هذا الوقت!

 

9- السر التاسع: لا تتقبل أي نصيحة 

وأخيرًا السر التاسع والأخير يا صديقي يقول لك إن أفضل نصيحة يمكن أن تُقال لك هي ألا تقبل أي نصيحة عشوائية!

فكل واحد ينصحك يرى الأمر من وجهة نظره هو، ويمكن أن تسمع النصيحة وعكسها، فمثلًا إذا احترت في أن ترد على العميل بسرعة أم تنتظر بعض الوقت، فسيقول لك أحدهم: «حلاوتها في حموتها»، والآخر سيقول لك: «اتقل ع الرز لما يستوي»، ماذا أفعل؟

وهنا يا صديقي أنت الفيصل، يجب أن تملك الوعي لتنقّي به النصائح وتختار الأصلح منها، أو لا تختار منها أصلًا على حسب الموقف، لأنك أدرى بأبعاده كلها وبالقرار الذي يجب أن تأخذه.

 

وهكذا يا صديقي نكون قد انتهينا من معادلة السعادة، عدم الرغبة في أي شيء بالإضافة إلى أن تفعل أي شيء، والنتيجة أن تملك كل شيء، وهذه هي معادلة السعادة التي أنت يا صديقي أساسها ومفتاحها، فلا تبحث عنها بعيدًا.

يمكنك فقط أن تبحث عنها في معرض الكتاب. 😉