ابتعد عن المتذمّر المزمن

Book-Cover

 

مُقَدِّمة: 

تخيّل أنك ماشٍ في طريقك ووجدت شخصًا سقط في حفرة، وها هو يصرخ لينقذه أحد، فأسرعت لتمد إليه يدك وتنقذه، لكنه يتجاهلك تمامًا، وكل ما يفعله هو أنه يسبّ من ترك الحفرة مكشوفة، ويتحسر على حظه السيئ، ويتساءل لِمَ يحدث معه كل هذا، وفي نفس الوقت يتجاهلك ويطالب بأن ينقذه أحد!

- تقول له: أنا معك، فقط اهدأ وسأخرجك! 

- فيرد: أنا أعرف أن حظي سيئ، كل شيء ضدي، لم يبقَ في الناس خير!

- فتقول: يا بني أنا بالفعل أساعدك، اخرج!

بعدما يخرج -الحمد لله- يكمل ندب الناس المؤذين الذين لا خير فيهم والحياة غير العادلة التي تتربص به!

وطبعًا يصاب صاحبنا الذي أخرجه بالجنون، لكنه في النهاية يسير في طريقه وأمره إلى الله، والحقيقة أن من قابله هذا ليس شخصًا عاديًّا، بل "مصاص طاقة"، ليس مصاص دماء لا، بل مصاص طاقة!

وهذا الشخص المتذمر الذي لا يعجبه أي شيء، لو أعطيته "دونتس" سيشكو أنها مثقوبة!

والسؤال هنا: هل كل البشر، بعيدًا عن فئة مصاصي الطاقة، متشابهون؟

في الحقيقة لا، البشر أصلًا 4 أنواع، ومصاصو الطاقة نوع واحد فقط منهم، والثلاثة أنواع المتبقية هي النمل والألماس والنجوم!

- ماذا يعني هذا الكلام؟ ومن هؤلاء؟ وما موقعي بينهم؟

انتظر يا عزيزي، هل تعرف أن مصاصي الطاقة ليسوا من البشر فقط، وأن أشياء كثيرة أخرى تتغذى على طاقتك؟

- بالفعل، أنا أشعر بأن طاقتي قد نفدت، قل لي إذًا، ما الأشياء الأخرى؟

كل هذا يجيبك عنه توبياس بيك في كتابه "ابتعد عن المتذمر المزمن" الذي سينقل إليك فيه تجاربه وخبراته مع أنواع الناس، ويعرّفك كيفية التفريق بينهم، كما سيشرح لك كيفية الحفاظ على طاقتك، وخلق الحافز الذي يساعدك على تحقيق هدفك والوصول إلى النجاح الذي تتمناه، ويمكنك أن تسمع وتقرأ ملخص هذا الكتاب وآلاف الكتب التي ستساعدك على تنمية نفسك عندما تحمل تطبيق أخضر، وستسمعه في 15 دقيقة ومن دون إعلانات.

وقبل أن نبدأ، أحضر ورقة وقلمًا لنكتب معًا أشياء كثيرة.

أنواع الناس

لنبدأ بمعرفة مواصفات أنواع البشر الأربعة التي يتكلم الكتاب عنها، وهم: مصاصو الطاقة، والنمل، والألماس، والنجوم،

وركّز معي يا صديقي لتعرف أنت من أي نوع بالضبط. 

- مصاصو الطاقة: هم من يحضرون إلى أي مكان دون أن يساهموا بأي شيء إيجابي، بل وظيفتهم البحث عن النكد والمنغّصات! كما أنهم يضايقون الكل باحتياجاتهم ومشكلاتهم، فتجد الواحد منهم يقول لك: لن تصدق ما حدث أمس، لقد ارتطمت يدي بالباب وكان يومي سيئًا، لا أعرف ماذا يحدث لي!

فتبدأ تشك، هل ارتطمت يده بالباب أم وقع من فوق شجرة؟! 

في العموم هو نوع عجيب يتلذذ بشرح الألم والمعاناة ويعطي لها حجمًا أكبر من حجمها، وليت الشكوى والسلبية تقف عند هذا الحد، بل إنه يصدّرها إلى كل ما حوله، فلو كنت تضع طعامًا للعصافير ولمستها، فسيقول لك: ماذا تفعل؟ هذه العصافير ربما تنقل إليك فيروسات وتسبب لك مرضًا جلديًّا لا علاج له! 

فتتفاجأ أنت والعصافير وينظر كل منكما إلى الآخر باستغراب، هل تتسبب هذه الكائنات الضعيفة في كل هذا؟ 

 

الآن يا صديقي اكتب في الورقة التي معك أسماء 5 أشخاص يتسبب وجودهم حولك في نفاد طاقتك وتحويلها إلى مشاعر سلبية باستمرار، لم تجد أحدًا إيجابيًّا أصلًا؟ حسنًا أنا آسف!

أترى؟ هذه الدعابة جعلتني مصاص طاقة، لأنك بالتأكيد ستجد على الأقل شخصًا إيجابيًّا.

- النمل: هم النموذج النشيط الكثير الحركة، لكنه يعيش بحذر ويحب الحياة العادية، يسعى إلى ما يلبي احتياجاته فقط، ونظرته إلى الأشياء تقليدية، نعم يشعر هذا النوع بالاسترخاء أكثر من غيره، لكنّه لا يساعد نفسه على الإبداع والتميّز. 

- الألماس: من اسمه تعرف أنه نوع راقٍ جدًّا، ومن السهل أن تتعرف على أفراد هذا النوع من وجوههم الحيوية، لأنهم يملؤون أي مكان يدخلونه بالنشاط، ويحبون مساعدة الآخرين في تنمية مهاراتهم، وكلّ يوم عندهم هو فرصة للتقدّم، لأن الناس من هذا النوع يستغلون الفرص ويقدرونها جدًّا، ودائمًا ما يكونون مبدعين متحمّسين.

أريد منك أن تفكّر معي، هل ذات مرة عرّضك أحد لموقف أو قال لك كلمة غيّرت كل حياتك إلى الأفضل؟ وكما وضعت قائمة للسلبين ضع قائمة للماسات التي تعطيك طاقة إيجابية دائمًا أو حتى تحاول فعل ذلك.

- النجوم: وهم أبطال دائمًا ما يكونون وراء الكواليس، جودة حياة هؤلاء عالية وفرص نجاحاتهم كبيرة جدًّا، وشخصياتهم تتطوّر دائمًا بشكل ملحوظ، والفرق بين النجوم والماسات أنهم منيرون جاهزون لإضاءة من حولهم، منتعشون يعرفون كيف يوجّهون طاقاتهم بالشكل الصحيح، لكن الماسات يحتاجون إلى إرشاد ليوظّفوا طاقاتهم بشكل صحيح. 

عمومًا يا صديقي سأخبرك بسر مشترك بين الماسات والنجوم الناجحين، وهو أنهم كانوا بعيدين عن مصاصي الطاقة!

- ما معنى هذا الكلام؟ هل أبتعد عن صديقي الشكّاء؟

لا ليس لهذه الدرجة يا صديقي، نحن لسنا هنا لنفسد العلاقات، لكن ربما عليك أن تحجّم الوقت الذي تقضيه معه، أو ترسل إليه هذه الحلقة لتساعده على تغيير هذا الطبع، بالإضافة إلى أن هذه الصفة لا تجعل منه شخصًا سيئًا في المطلق، لأننا جميعًا بشكل أو بآخر نكون أحيانًا مصاصي طاقة دون أن نشعر، المهم أن نعي هذا ونتدارك الوضع ولا نتمادى فيه،

لأن الأشخاص الناجحين هم الذين يدركون مواطن ضعفهم ويحاولون تحسينها، ويتحركون إلى الأمام ولا يقفون مكانهم، لكن انتبه أيضًا، فإن قابلت مصاص الطاقة هذا بشكل عابر في سفر مثلًا فلا مانع من تجنبه فعلًا لتوفر طاقتك لأشياء أهم.

والآن سجّل 5 أسماء نوّرت حياتك، وكن نجمًا لنفسك وعلّق عباراتك التحفيزية المفضلة أمامك في كل مكان، على مكتبك مثلًا، أو فوق سريرك، وإن كنت تحب الأكل مثلي فعلّقها على الثلاجة.

مصادر تستنزف الطاقة

أما الآن فسنتطرق إلى أمر مهم، ماذا لو لم يكن مصاص الطاقة في حياتك إنسانًا أصلًا؟ ماذا لو كان التليفزيون الذي تشاهده، أو الأخبار التي تقرؤها، أو الفيديوهات التي تتابعها؟ أنت حرفيًّا رهين لكل هذه الوسائل، وعقلك يتأثر بكل شيء يدخل إليه، خصوصًا في وقت ما قبل النوم، فكيف تريد يا صديقي أن تكون مرتاحًا غير مشحون، وأنت تنام بعدما مررت بكل صفحات الحوداث، وتصحو من النوم تفتح عينيك على رسائل ومشكلات، أو تفتح الإنستاجرام لتبدأ في ندب حظّك وتقول: أين أنا من هذه الحياة المثالية؟ كيف يستيقظ كل هؤلاء الناس سعداء نشيطين وكل شيء متوفر لهم؟

كل هذا يا صديقي من الطبيعي أن يؤثر فيك ويستنزف مشاعرك من دون وعي منك، ويجعلك دائمًا ناقمًا على نفسك ومجتمعك، لذا أريد منك أن تكتب قائمة من 5 وسائل تستنزف تفاصيل يومك، وتستبدل بها أشياء إيجابية مفيدة، كأن تستمع إلى "بودكاست" مفيد، أو تقرأ سيرًا ذاتية محفّزة، أو تشاهد فيديوهات مُلهِمَة، وبالمناسبة، ومع كامل تواضعنا، كل هذا ستجده على تطبيق أخضر، إذًا الأمر بسيط فقط تابع أخضر، هل قصرنا معك في شيء؟ 

العيش في الماضي

أنا أعرف أن الحياة أصبحت صعبة، وكل الكلام عن أن نحافظ على طاقتنا تنفيذه ليس سهلًا، وأننا عندما كنا صغارًا كانت لدينا آمال وأحلام، قبل أن يفتك بنا الزمن. 

مات الشغف! هذه عبارة تروّجها لنا مواقع التواصل الاجتماعي حاليًّا.

ولكن صدّقني أنت لست وحدك، كلنا نحمل حقيبة من القلق والخوف والخذلان، لكن الأهم الآن أننا نحاول أن نتخلص منها بدلًا من أن نشتكي ثقلها، وأنا مدرك أن صوتك الداخلي ربما يكون أكبر عدوّ لك، يخيفك أي مغامرة حاليّة، لكن أنا هنا أذكرك أن الألماس لا يتكون إلا تحت الضغط، مثلك تمامًا يا صديقي البطل! 

الألم والرغبة

ولنبدأ رحلة التغيير حقًّا، يجب أن نعرف أهم عنصرين يدفعان الناس إلى التغيير في حياتهم، لكن قبل أن أخبرك بهما، أريد أن أسألك: كم مرة في حياتك قررت أن تبدأ حِميتك  الغذائية يوم السبت؟ ربما لا تستطيع أن تحصيها، وكم مرة قررت أن تتعلّم أن تقول "لا" وتتوقف عن استهلاك نفسك؟

لا تقلق أنت لست وحدك!

غالبًا السبب هو أن الدافع لم يكن قويًّا بما يكفي، وأقوى دافعين إلى التغيير عند أغلب الناس هما الألم والرغبة، والألم من أكثر الأشياء التي تغير الناس، فعندما يصاب مريض السمنة بالسكّري، يبدأ في ملاحظة طعامه وعاداته الخطأ، وعندما يتعرض مراهق للتنمر بسبب جسمه الهزيل يقرر أن يصبح رياضيًّا، وبالفعل يصبح ملاكمًا ناجحًا جدًّا، فهذا هو التغيير الناتج عن الألم.

أما الدافع الرئيس الثاني فهو الرغبة التي يجب أن تكون قوية مندفعة لتساعدك فعلًا على التغيير الإيجابي، فلو كنت في الأوقات الطبيعية تستحيي أن تقول كلمة "لا"، وتساعد الناس على حساب ظروفك ووقتك، وفي يوم من الأيام كنت ذاهبًا في رحلة ممتعة تتمنّاها منذ زمن، أراهنك إن طلب منك أحد أي شيء في هذا اليوم ستقول له "لا" بكل قوّة وبساطة، لأنك تملك دافعًا كبيرًا إلى هذه الرحلة.

لذا نقول إن الألم والرغبة أكبر محركين للتغيير، والحقيقة أننا لا يجب أن ننتظر حصول الألم لنتغير، لأن حينها ربما يكون قد فات الأوان، ولكننا نستطيع أن نخلق الرغبة! 

يحكي الكاتب عن شركة لصناعة قطع غيار السيارات، كان موظفو هذه الشركة سلبيين جدًّا، لذا تواصل المدير مع الكاتب ليساعده، وعندما ذهب الكاتب ليتكلم مع الموظفين، تنمروا عليه وقالوا إنه قادم إليهم ليثرثر ببعض العبارات التحفيزية، فخطرت بباله فكرة وهي أن يصطحبهم إلى مكان مخصص لسباق سيارات السرعة، وقضوا يومًا من المغامرة والحماس الرهيب بسرعة 200كم في الساعة، وعندما رجعوا كانت نفسياتهم مختلفة تمامًا وشعروا أنهم يساهمون في عمل مهم جدًّا في صناعة السيارات، و مع بعض التغييرات في بيئة العمل بدأت الإنتاجية تزداد مرة أخرى، وهذا نتيجة أنهم أعادوا خلق الرغبة من جديد.

والآن دورك يا صديقي، اكتب 5 أهداف لحياتك، واسأل نفسك: "لماذا أريد أن أحقق هذه الأهداف؟"، وحدد الدافع الذي سيحركك نحوها، الألم أم الرغبة؟

مقوّمات السعادة لتوازن الحياة

وآخر شيء سنتكلم عنه يا صديقي هو المقوّمات التي تحقق لك موازنة السعادة في نواحي الحياة 

وهي: 

- المغامرة. 

- الحب والعلاقات.

- الأمان. 

- الشعور بالمعنى. 

ولنبدأ بالمغامرة، اكتب 5 مغامرات تريد أن تعيشها، وإن كنت من النوع الألماس تحديدًا فستجد أنك تقدّر المغامرة وتحبّ التجديد والتجارب. 

أما الحب والعلاقات، فسنجد أن مصاص الطاقة يتّصف بالأنانية في الحبّ، والزوجان من هذا النوع يعامل كل منهما الآخر على أساس "أنا غبي وأنت الأغبى"، ويسألان نفسيهما كل يوم، لِمَ نحن معًا حتى الآن؟

وهذا عكس النوع الألماس، الذي لا يبحث عن شخص مثالي، ولكن عن شخص يشاركه متعة الرحلة، ويعتبر أن اختلافه مع الطرف الثاني مكمّل لمتعة الحياة.

وأما الأمان، فالألماس يحب أن ينطلق كلّ يوم بحيويّة ونشاط ليبدع، وهو شخص مثل العمل الحرّ لا يحب التقييد،

أما النمل، فيحب تخزين الأشياء الضرورية، ثم يسترخي فقط، وارتداء زيٍّ موحّد مع مجموعة من الناس ربما يشعره بالأمان، لكن هدف مصاص الطاقة من الأمان كلاسيكي، يريد أن يضمن وظيفة مدى الحياة، وهو مشغول بشكوى الضغط والتعب الذي يمر به، أما النّجم فحبيب قلوبنا كلنا، يقود المشاريع الاجتماعية ويحفّز أصدقاءه من الألماس، وعنده قدرة على الصعود والهبوط.

وقبل أن أكلمك عن المقوم القادم، أريدك أن تكتب 5 أشياء تشعرك بالأمان.

الآن يمكننا أن ننتقل إلى المقوم الأخير وهو الشعور بالمعنى، وهذا يختلف من شخص لآخر، فمصاص الطاقة مثلًا يشعر بالقيمة الذاتيّة والمعنى عندما يشجع في مباراة كرة قدم ويصرخ بقوّة، أما النمل فيكتفي بأن يكون جزءًا من جماعة لها هدف مشترك، بينما يقدّر الشخص الألماس معنى الوجود بمقاييس نمو مشتركة بينه هو والآخرين، ويحفّز نفسه وغيره لينطلق الجميع نحو شغفه، وأخيرًا النجم الذي يحب أن يرتب ويخطط الرحلات للآخرين، ويضعهم على بداية الطريق، ويستمتع بالنتيجة.

خاتمة

يمكننا أن نختم بقصة امرأة مسنّة من نوع النجوم المضيئة التي قابلها الكاتب في فترة تدريبه في المستشفى، ولاحظ أنها كانت دائمًا ما تزور المستشفى لغسيل الكلى، لكنها لم تكن متذمّرة، بل مبتسمة للممرضين والمرضى، ممتنة جدًّا لوجود شيء اسمه "غسيل الكلى" أصلًا، وزاد استغرابه أكثر أنها عاشت ماضيًا مؤلمًا، وفقدت زوجها وعيالها في حرب، وكافحت لتكسب رزقها وتعيش عيشة كريمة. 

هذه السيدة كانت سنها 89 سنة، وعلى الرغم من هذا فقد كانت تسقي الزرع وتقعد في الشرفة لتتأمل شمس النهار وتعيش تفاصيل يوم جديد، كانت إنسانة مضيئة حتى في وقت احتضارها، وفي عز مرضها كانت تحفز الآخرين ليعيشوا ويجرّبوا ويمتنوا لكلّ لحظة حالية! 

وهذا يؤكد لك أن بعض الناس يعطي أملًا لغيره وإن كان يحتضر، وبعضهم يعيش دور الضحية وإن كان بكامل عافيته وشبابه! 

كانت الكلمات الأخيرة لهذه المرأة رسالة إلى الكاتب، تقول فيها: "رحلتك في الحياة فريدة لأن كلّ لحظة لها قيمة، وأنا غنية لأني كنت دائمًا أفعل ما أود، وأتمنّى أن تحقق هذا على الرغم من الخوف الكبير الذي يسكن كلّ شخص منا"، وتسأل في النهاية: "إذا انتهى وقتك غدًا، فهل ستكون سعيدًا بما حققته؟". 

يهمّنا جدًّا أن تفكّر يا صديقي في هذا السؤال وتشاركنا إجابتك عنه.