طريقة ثورية للتأثير والإقناع

Book-Cover

مقدمة

صديقي المستمع، اسمح لي أن اسألك سؤالًا شخصيًّا: "هل أنت شخص حزين؟"

أراهنك أن عقلك تذكر الآن كل الجوانب السلبية من حياتك، وستميل إلى أن تقول لي: "أنا بتقطع من جوايا ونسيت طعم الفرح".

لكن إن سألتك: "أنت شخص حزين أم سعيد؟"، كنت ستوازن بين الاختيارين وتفكر فعلًا وتجيب إجابة موضوعية.

إذًا ما الفرق بين السؤالين؟ 

الفرق يا صديقي أن أول سؤال كان بصيغة تفرض إجابته وتوجه عقلك إلى أن يفكر في الجانب الحزين فقط، وهذا ما كان مطلوبًا.

وهذه أيضًا هي الطريقة التي تُستخدم في قراءة الكف التي يقولون فيها كلامًا عامًّا جدًّا، وعقلك يملأ الفراغات ويجعل ما قيل، أيًّا كان، شيئًا منطقيًّا وله علاقة بك فعلًا، مع أن القارئ في الحقيقة لا يعرفك ولا يرى شيئًا في يدك!

إذًا ما هذا الموضوع؟ هذا ما يسمى بالإقناع المسبق وهو أسلوب له ممارسات كثيرة جدًّا ومنها طريقة الأسئلة التي اختبرناها معًا منذ قليل، وهذه الممارسات تجعلك تتجاوب وتتعاطف مع أي رسالة أو عرض قبل أن يُقال، ويمكن أن تجعلك تدفع مالًا أكثر بحيل بسيطة جدًّا، إذ وجد الباحثون أن الناس كانوا مستعدين أن يدفعوا مالًا أكثر ثمنًا لوجبة عشاء عندما كان اسم المطعم استوديو ٩٧، مقارنة باسم استوديو ١٧! 

واضح أن الكلام والممارسات التي تكون قبل عملية الإقناع الفعلي هي السر الحقيقي في أي عملية إقناع!

لنبدأ بأول ما يجب أن تفعله قبل أن تحاول إقناع أي أحد بأي فكرة، وهو أن تجذب انتباهه. 

1- أهمية جذب الانتباه 

قيل إنك إن أردت تغيير سلوك شخص معين يجب أن تغير صفة أو فكرة موجودة عنده ليتبنّى السلوك الذي تريده، فإن أردت أن تقنع والدتك بأن تشتري دراجة نارية، يجب أولًا أن تجعلها تتقبل أن ليست هذه الدراجة النارية هي التي ستنهي حياتك، وهذا موضوع طويل ونادرًا ما ينجح، لكن -الحمد لله- اكتُشِفَ الآن عامل أهم وتأثيره أسرع وهو جذب الانتباه. 

ولنعرف السر وراء أهمية جذب الانتباه، فهناك 3 نظريات تفسر لنا هذا الموضوع: 

النظرية الأولى تقول إن الإنسان لا يستطيع أن يركز إلا على شيء واحد فقط، وإن التأثير الأكبر في موافقته أو رفضه لفكرتك ليس قائمًا على حججك أو أسبابك، ولكنه قائم على ما يركز هو عليه في لحظة الإقناع، لذا دورك أن تجعله يركز على فكرة تخدم عرضك قبل محاولة إقناعه مباشرة. 
وهذا ما فعله العالمان سان بولكان وبيتر أندرسن اللذان وقفا في الشارع يطلبان من الناس المساعدة في دراسة معينة، وافق 29% فقط من الناس، فجربا أن يسألا أولًا: "هل تظنون أنفسكم أشخاصًا متعاونين؟"، فرد الجميع بالإثبات، وحينها طلب الباحثون المساعدة منهم، فزادت نسبة المشاركين في الدراسة إلى 77%.:D 

 النظرية الثانية تقول إن أي شيء يلفت نظرنا نعتبره مهمًّا، لذا إن أردت أن تجذب الجمهور إلى عنصر معين في عرضك يجب أن تميز هذا العنصر وتضعه في برواز، كما فعل اثنان من أساتذة التسويق هما نعومي مندل وإريك جونسون، اللذان غيرا في خلفيات موقع إلكتروني يبيع الأثاث بهدف تغيير المميزات التي سيهتم بها الزوار، في المرة الأولى ركزا على الراحة بأن وضعا صورة سحب بيضاء في الخلفية، وبالفعل عندما دخل الزوار كان اهتمامهم الأكبر هو البحث عن الأثاث الأكثر راحة، ثم وضعا في الخلفية الثانية صور عملات معدنية فاهتم الزوار بالسعر وكان أكثر بحثهم عن المعلومات الخاصة بالتكلفة!
 ثالث وآخر نظرية تثبت أهمية جذب الانتباه وهي أن أي شيء نركز عليه نميل إلى أن نعتبره السبب، وظهر هذا في دراسة طُلِبَ فيها من أشخاص يتابعون مناقشة بين شخصين أن يحددوا مَن كان يتكلم أكثر، وكانت هذه المناقشة مكتوبة بدقة شديدة، إذ تكلم الاثنان بنفس القدر، ولكن كان المتابعون يجلسون في مكان معين يجعلهم يرون طرفًا واحدًا فقط وهو يتكلم، واكتُشِفَ أن كل واحد اعتبر الطرف الذي يراه هو الذي تكلم أكثر!
حسنًا، بعدما عرفنا أهمية الانتباه، ماذا نفعل إذًا؟ هل أفجر بالونة في وجه من أحاول إقناعه؟

بالتأكيد لا، الحقيقة أن بعض العوامل تحديدًا هي التي تجذب الانتباه عادة.

2- العوامل الجاذبة للانتباه

لنقسم هذه العوامل نوعين، نوعًا سنسميه الجاذبات، ونوعًا آخر سنسميه المستقطبات.

ولنبدأ بالجاذبات، وهي تحدث بشكل طبيعي لأنها مرتبطة بغريزة البقاء عند الإنسان ولها 3 أنواع: 

النوع الأول هو الجاذب الجنسي، وهذا سهل جدًّا ويستخدم بكثرة في الإعلانات بهدف وبلا هدف، فإن افترضنا أنه يمكن أن ينفع مع منتجات مثل مستحضرات التجميل والملابس، فهو لن يكون نافعًا مع المشروبات الغازية مثلًا، وهذه رسالة أحب أن أوجهها إلى كل أصحاب الإعلانات. 
النوع الثاني هو التهديد، لأن أي شيء يمكن أن يهدد شعورنا بالأمان سيكون لافتًا جدًّا للنظر، مثل الصور الموجودة على علب السجائر مثلًا. 
النوع الثالث والأخير في الجاذبات الطبيعية هو الاختلاف، نحن البشر عندنا قدرة رهيبة على ملاحظة أي تغيير يحدث حولنا والتركيز عليه، ويحدث هذا أيضًا مع الحيوانات.
طبعًا كلنا يعرف تجربة كلاب بافلوف التي كان لعابها يسيل عندما تسمع صوت الجرس لأنها تعرف أنه ميعاد الأكل، لكن ما لا تعرفه يا صديقي أن القصة لها تكملة، لأن العالِم بعدما تأكد من اكتشافه استضاف زوارًا ليراقبوا التجربة، لكن مع الأسف فشلت التجربة ولم يهتم الكلب بصوت الجرس، لأنه ركز على الأشخاص الجدد الذين يحيطون به.

هكذا نكون قد انتهينا من الجاذبات وسننتقل إلى المستقطبات.

والفرق بينهما أن المستقطبات تستطيع أن تجمع بين قوة الجذب المفاجئة وبين القدرة على أن تعلق بأذهاننا لفترة، وهي أيضًا 3 أنواع:

النوع الأول هو المستقطب المتعلق بالذات، نحن البشر نحب أنفسنا، وأي شيء نشعر أنه موجه إلينا تحديدًا سنركز عليه، فإن بدأ أحدهم منشوره بـ"أنت أيها العشريني التائه في معركة الحياة"، فستجد أنك ركزت معه وقلت لنفسك: "نعم، هذا أنا، إنه يكلمني فعلًا!".
 النوع الثاني هو المهمة غير المنتهية، يحكي عالم النفس كيرت ليفين أنه كان مع طلابه في مطعم ولاحظوا أن النادل قادر على حفظ الطلبات دون كتابتها، فقرروا أن يكتشفوا حدود ذاكرته، وبعدما قدم أطباقهم، غطوها وسألوه عن طلب كل واحد منهم، لكنه كان قد نسي بالفعل، واستنتج ليفن أنه بمجرد وضع آخر طبق على الطاولة، تحولت هذه المهمة من غير منتهية إلى منتهية وتوقف عن التفكير فيها. لذا ما ينغص علينا نومنا هي الأشياء التي لم ننهِها مثل الفيلم الذي قطعته في المنتصف، أو "سكريبت" أخضر الذي لم تكمله ولن ترتاح إلا عندما تكمله. :D
أما النوع الثالث يا صديقي فهو الغموض، وهذا ما اعتمده الكاتب في محاضراته؛ كان يبدأ بحكاية غامضة تشد انتباه طلابه وبين الحين والآخر يكشف لهم معلومة مفاجئة فيركزوا أكثر حتى يعرفوا الحكاية كاملة.


حسنًا لنفترض أننا هكذا جذبنا انتباه من نناقشه إلى الفكرة التي نريدها، ما الذي يجعل هذه الفكرة تحديدًا تغير قراره؟

الحقيقة أن هذه الفكرة يجب أن تثير ارتباطات معينة في ذهنه تكون نتيجتها في صالحك. 

 3- الارتباطات الذهنية 

أي فكرة في ذهن أي شخص ترتبط بأشياء كثيرة، مشاعر وصور وأماكن، ولو استطعنا أن نستخدم الكلمات والتشبيهات الصحيحة سنكون قادرين على أن نجعلهم يركزون على الأفكار والمشاعر التي ستشكل السلوك الذي نريده.

دعنا نتكلم عن نوعين من الارتباطات وهما اللغة والجغرافيا -هذه ليست أسماء المواد الدراسية لا تقلق- ولنبدأ باللغة:

اللغة أو المفردات ليست مجرد وسيلة لنقل المعلومات والأفكار، لكن هي نفسها وسيلة إقناع، وظهر هذا عندما نشر باحثون في جامعة ستانفورد نسختين من تقرير عن معدلات الجريمة وغيروا فيه كلمة واحدة فقط، في أول نسخة وصفوا الجريمة بأنها "وحش هائج"، وفي النسخة الثانية قالوا إنها "فيروس مدمر"، وعندما سألوا الذين رأوا النسخة الأولى عن أفضل حل للتعامل مع الجريمة، قالوا الحل هو القبض على المجرمين وحبسهم، وهي نفس طريقة التعامل مع الوحش الهائج!
 أما الذين رأوا النسخة الثانية قالوا إن الحل هو التخلص من أسباب الجريمة نفسها مثل البطالة والفقر، والمفاجأة أن هذه أيضًا هي طريقة التعامل مع الفيروس، وهي معرفة أسبابه واقتلاعه من الجذور. هل لاحظت فرق تأثير الكلمة الواحدة؟  

النوع الثاني من الارتباطات متعلق بجغرافيا التأثير، يحكي روبرت المؤلف أن في أثناء تأليف أحد كتبه، كتب جزءًا منه وهو في مكتبه في الجامعة، وجزءًا آخر وهو في البيت، وعندما جمع الكتاب تفاجأ بالاختلاف الكبير بين أسلوب الأجزاء التي كتبها في الجامعة والبيت، مع أنه نفس الشخص ونفس الأفكار!
وهنا استنتج أن وجوده في الجامعة وسط أكاديمين وكتب ومكتبات جعل أسلوبه أكاديميًّا جدًّا من دون وعي منه، لكن عندما كان في البيت وشباكه مطل على الشارع والناس ما بين ذاهب وآيب، كتب بأسلوب بسيط قريب إلى الناس المحيطين به، ومن هنا نفهم التأثير الكبير للبيئة المحيطة بنا في تفكيرنا وقراراتنا.

 

بالوصول إلى هنا نكون قد جذبنا انتباه الشخص وكونّا ارتباطًا في ذهنه بكلامنا وراعينا المكان الذي سنكلمه فيه، هل انتهينا؟

في الحقيقة لا، تحتاج إلى خطوة أخرى تؤثر فيه أكثر، وهذه هي الخطوة القادمة.  

4- مبادئ التأثير الستة 

حسنًا كيف أؤثر فيه أكثر؟

الحقيقة أن أكثر ما يؤثر في كل الناس متعلق برغبتهم الطبيعية في القبول الاجتماعي، لذا يخبرنا روبرت بـ6 مبادئ نحقق بها التأثير الذي نريده:

تبادل المنفعة، ويقول هذا المبدأ إن الشخص يستجيب لمن يحس أنه يحتاج إلى أن يرد إليه الجميل، فمحل الحلويات الذي يقدم شوكولاتة هدية بمجرد دخول الزبائن، تزيد عنده نسبة الشراء عن المحلات التي لا تفعل مثله. 
الإعجاب، يقال دائمًا في برامج التدريب إنك إن أردت أن تبيع شيئًا لعميل يجب أن تجعله يعجب بك أولًا.
الدليل أو البرهان الجمعي، ويعتمد على أننا نثق بما يثق به أغلب الناس، لذا يستخدم المسوقون عبارات مثل "الأكثر طلبًا" أو "الأكثر مبيعًا". 
السُّلطة، ويعتمد على إسناد المعلومة إلى الخبراء والمتحدثين الرسميين، مثل إعلان معجون الأسنان الذي يخبرك بأن 99% من أطباء الأسنان يستخدمون هذا النوع.
الندرة، وهذا لأننا نميل أكثر إلى الأشياء المميزة التي لا توجد بكثرة، لذا تطرح كثير من الشركات منتجات لفترة محدودة، أو عروض "آخر قطعة". 
الاتساق مع كلامنا وقناعاتنا، فإن نجحت في أنك تجعل شخصًا يخطو خطوة، ولو كانت صغيرة، تجاه فكرة أو منتج قبل أن تعرضه عليه، فستقدر على جعله يخطو خطوة أكبر، لأنه لن يحب أن يظهر متناقضًا، وهذا ما حدث في تجربة "هل أنت شخص متعاون؟" التي ذكرناها منذ قليل.

وهكذا نكون قد أنهينا مبادئ التأثير الستة التي كتبها روبرت في كتابه الأشهر (التأثير: علم نفس الإقناع) قبل أن ينشر كتابنا هذا بـ32 سنة، لكنه بعد كل هذه السنين قرر أن يضيف إليها مبدأً سابعًا وهو الاتحاد أو الانسجام.

5-الاتحاد: المبدأ السابع للتأثير

ومبدأ الاتحاد هذا قائم على الروابط الاجتماعية، ويقسمه الكاتب نوعين، اتحادًا طبيعيًّا لا يد لك فيه مثل العائلة والمكان الذي وُلِدت فيه، واتحادًا آخر تساهم فيه بتصرفاتك.

النوع الأول يقول إن أقصى صورة للاتحاد هي العائلة.  
كيف أستخدم مفهوم العائلة هذا في الإقناع؟

يمكن أن تستحضر مفاهيم القرابة كما يحدث في الدعاية السياسية التي تستخدم ألفاظًا مثل الآباء المؤسسين والوطن الأم لتؤثر في المتلقي.

ويمكن أن يحدث هذا النوع من الاتحاد بسبب القرب المكاني والانتماء إلى مكان معين مثل الحي أو المدينة أو الدولة.

النوع الثاني من الاتحاد ينشأ من عمل بعضنا مع بعض بشكل متناغم، ويمكن أن يكون تأثيره أقوى من العائلة. 
والتناغم هنا مرتبط بنوع من الطقوس الجماعية المتزامنة مثل الأغاني والمسيرات أو حتى الشعائر، وينتج عن هذه الممارسات مشاعر لطيفة مثل الإعجاب والشعور بالدعم، وهذه هي المشاعر التي ستعتمد عليها في الإقناع المسبق، ولها غيرُ طريقةٍ وتأثيرها سريع.  

أجرى مجموعة من الباحثين دراسة على هذا الموضوع بأن كوّنوا مجموعتين، وطلبوا من أفراد المجموعة الأولى أن يمشي بعضهم مع بعض بنفس الخطوات كأنهم في كتيبة عسكرية، وطلبوا من المجموعة الثانية أن يمشي بعضهم مع بعض كل واحد بطريقته. 

وبعدها لعبوا لعبة فيها مكافآت مادية، وعندما جاء الاختيار بين أن يضاعفوا المكافأة وأن يكتفوا بما حصلوا عليه، كان أفراد المجموعة الأولى الذين مشوا بتناغم مع بعض متعاونين ومستعدين أن يضحوا بالمال من أجل مصلحة الفريق، على عكس الفريق الثاني، وهذا بسبب التناغم الذي شعروا به في البداية ورسخ عندهم الشعور بالاتحاد. 

وهكذا انتهى كتاب حلقتنا، وتستطيع الآن أن تستعين بهذه الطرائق في عملك أو في علاقاتك، أو حتى في تفسير لماذا اشتريت هذا الشيء الغالي وأنت أصلًا لم تكن تحتاج إليه؟