انشر فنك

Book-Cover

المقدمة

تستيقظ من نومك وتصنع كوبًا من القهوة، وتمسك بهاتفك لتتصفح فيسبوك، فيظهر أمامك مقطع فيديو لشاعر تراه للمرة الأولى، ثم تلاحظ أن المقطع حصد مليوني مشاهدة، وأن كل المعلقين يقولون له: "أحسنت يا فنان"، وقتها تقرر أن تسمع القصيدة، وبعدما تشغل المقطع يدور في دماغك شيء واحد فقط، هو أن شِعر صديقك عماد جميل أيضًا، وربما يكون أجمل، لكنه لم يجد من يقول له "أحسنت يا فنان"، ولا  يسمعه سوى ثلاثة أو أربعة في القهوة. 

كل هذا يجعلك تفكر، هل توجد أسباب معينة لم تمكن عمادًا من إيصال صوته الجريح إلا إلى ثلاثة من أصدقائه لا يريدون أن يجرحوه؟ وما الفرق بين عماد والشخص المشهور على مواقع التواصل الاجتماعي؟

 تسامح مع كونك هاويًا

المثالية من أول الأشياء التي يتكلم عنها الكاتب والتي تعتبر الحفرة التي يقع فيها كثير من المبتدئين والمتوسطين، وهذا لأنك تنتظر طوال الوقت أن تقدم أفضل شيء، وتسعى إلى مثالية دون أي أخطاء، ومع الأسف هذا لا يسمح لك بأن تُخرج أحسن ما عندك، على العكس، ربما لا تستطيع أن تقدم شيئًا أصلًا، أو تنتهي حياتك كلها دون أن تُخرج المنتج الفني المثالي الذي تريده.

هنا نريد أن نبتعد عن تصورنا عن الفنان المثالي الذي يقدم لنا أعمالًا كاملة، ونركز على كلمة "هاوٍ"، الكلمة التي نخاف أن نوصف بها، بمعنى أنك إن كنت كاتبًا فبالتأكيد ستحب أن يقول عنك القارئ كاتب أو فنان، أما كلمة هاوٍ فإننا نخافها.

يرى الكاتب أن تعاملك بعقلية الهاوي مُهم وذلك لأن الهاوي مُندفع لا يخاف وليس لديه ما يخسره، هو ليس فنانًا كبيرًا ولا يتربص به أحد.

 بالإضافة إلى أن كونك هاويًا يمنحك فرصة لتجرب كل شيء وتسرح بخيالك وأنت لست مثقلًا بالتزامات الفنان الكبير، أما المعادلة الأصعب فهي أن تكون فنانًا كبيرًا يتعامل بروح هاوٍ، يجرب وينتج منتجات جديدة لم يتخيل أنه سيصل إليها يومًا ما، ولتنطلق روح الهاوي التي بداخلك، يجب أن تُعنَى بشيء مؤثر آخر، وهو التعامل مع آراء الناس والنقاد.

التعامل مع النقد

يشبّه الكاتب عمليات النقد والهجوم على عملك بحلبة ملاكمة، يجب أن تدرب نفسك جيدًا وأن تكون سريعًا خفيفًا في الحلبة، وتعرف كيفية تفادي الضربات، وهذا لا يمنع أن في بعض الأوقات يكون الملاكم الخصم مميزًا، وقتها يجب أن تستفيد منه ليقويك. 

 أي إن المعادلة كالتالي: يجب ألا تعطل نفسك أو توقف إنتاجك لأنك تخاف الآراء السلبية، وفي الوقت نفسه يجب ألا تتجاهل كل الآراء لأن بعض الآراء بالتأكيد ستكون مُهمة وستساعدك على التطور.

ومع الوقت ستعرف كيف تعطي لكل واحد قدره، وستميز الناقد الذي سيساعدك من الناقد السلبي المحبط.

ومن أهم النصائح في التعامل مع النقد أن تفصل بين شخصك وما تقدمه، "عملك هو ما تفعله لا ما تكونه"، ومن ثم لا تتعامل مع النقد بشكل شخصي.

ينصح الكاتب أيضًا بأهمية أن تحمي نفسك من المساحات التي ربما تحتوي على نقد غير بنّاء، فمثلًا عندما كنت تدخل إلى معرض لوحات، هل كنت تجد مكانًا للناس يكتبون فيه آراءهم؟

لا، بل يصل إليهم النقد من دائرة أصغر مهتمة أكثر، لكن كل هذا تغير بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح كل من هبّ ودبّ قادرًا على قول رأيه، وربما ينتقد كتابًا لم يقرأه، أو حتى يعلق على شيء لم يفهمه أصلًا، ومن هنا يرى الكاتب أنه يجب ألا تترك هذه المساحة لكل الناس، لذا يلجأ إلى نشر أعماله على مواقع التواصل الاجتماعي مع إغلاق خاصية التعليقات، أو يتعامل معها بذكاء ولا يدعها تؤثر فيه سلبيًّا.

أهمية المشاركة

ربما تفكر الآن في الانعزال وعدم النشر على مواقع التواصل الاجتماعي، والرجوع إلى نموذج الفنان القديم، الشخص الغامض الذي لا نعرف عنه شيئًا، يخرج من كهفه بعد فترة، يقدم لنا كتابًا أو لوحة أو فيلمًا ويختفي، وقليلًا ما كان يظهر في لقاء صحفي أو لقاء تلفزيوني، لا شك أن هذه الصورة حالمة ولها جمالها، لكن الوضع حاليًّا لا يسمح بأن نتعامل معه بهذه الطريقة نهائيًّا.

 حاليًّا إن قرر الفنان أن ينعزل عن الساحة العامة، ويقدم عملًا جديدًا كل بضع سنوات، فسيأخذ "التريند" مكانه، وسيهتم الناس بما يتفاعلون وينفعلون معه كل يوم. 

غيرت مواقع التواصل الاجتماعي في عصرنا الحالي قوانين اللعبة، إذ لم يعد الجمهور مهتمًّا بالشخص الغامض الذي لا يعرف عنه شيئًا، ولكنه يختار من بين كثيرين متاحين أمامه، والشخص الغامض أصبح مُطالبًا بأن يكون موجودًا باستمرار.

هذا يجعل فنَّك وحده غير كافٍ!

ينقسم العمل الفني قسمين مُهمين:

- الرحلة التي يُصنَع خلالها العمل.

- المنتج النهائي.

 على مدار التاريخ كنا نرى المنتج النهائي فقط، لكن الآن أصبح من السهل أن نتابع رحلة الفنان نفسها، كما أصبح بإمكاننا أن نعرف أنه بدأ تصوير مسلسل أو فيديو يوتيوب، أو بدأ في رسم لوحة، ويؤكد الكاتب هنا على أهمية المشاركة لأنها تخلق جمهورًا ينتمي إلى الفنان وفنه.

حسنًا سأشارك، لكن ماذا أشارك وكيف؟

شارك من متحفك الخاص

يقول الكاتب إن من المهم أن تشارك شيئًا صغيرًا مع الناس كل يوم، ليس مهمًّا أن يكون إنجازًا ضخمًا، شارك شيئًا يضمن أن تكون موجودًا باستمرار، ربما يستخدم بعض الناس هذه النصيحة بطريقة خطأ، لذا يؤكد الكاتب أن الشيء الذي ستنشره يجب أن يكون مُهمًّا مفيدًا ليس تافهًا، وذلك لأن معظم الأشياء الموجودة على الساحة حاليًًّا عبارة عن "هُراء" (واسمح لي أن أقول هراءً لأنها أقرب ترجمة لكلمة كلنا يعرفها)، والهراء سهل جدًّا تمييزه من الأعمال الجيدة، وستكون مشكلة إن صُنِّف ما تقدمه هراءً. 🤷🏻‍♂️

انتشرت قديمًا عادة بين الأغنياء وهي أن يقتني كل منهم أشياء نادرة غريبة في غرفة لديه، وكانت هذه الغرفة مزارًا للضيوف المحبين لهذه المقتنيات.

هذا ما يجب أن تفعله في مواقع التواصل الخاصة بك، اجعلها غرفة مليئة بأشياء نادرة عجيبة، بأن تشارك أشياء خاصة بفنِّك، فمثلًا إن كنت كاتبًا فبالتأكيد ستكون قارئًا، وستجد ما تشاركه مع الناس يوميًّا من الكتب التي تقرؤها، كما يمكن أن تنشر اسم الكتاب الذي تقرؤه، أو تحكي القصة التي جعلتك تشتري هذا الكتاب تحديدًا، أو القصة التي حدثت معك وأنت في طريقك لشرائه أو في طريق عودتك، وهكذا الأمر مع أي شيء آخر، إن كنت تعمل في التطريز أو الخياطة يمكنك مشاركة بعض التصميمات مع الناس، ويمكن أن تطلب منهم أن يرجحوا تصميمًا لتنفذه، أو تشاركهم الفنانين الذين تأثرت بهم وأعمال هؤلاء الفنانين، وهكذا.

يقول أوستن إن رحلتك ليست الشيء الوحيد الذي يمكنك أن تشاركه مع الناس، بل يمكنك أن تعلمهم طريقة عملك، والأسرار التي تساعدك فيه.

علّم الناس 

هذا لا يعني إطلاقًا أنك ستستيقظ في اليوم التالي لتجد كل الناس يقدمون ما تقدمه.

فمثًلا صاحب مطعم "فرانكلين باربيكيو" -واحد من أشهر مطاعم المشويات في أمريكا- كان يظهر في لقاءات تلفزيونية ويشرح للناس عمله بالكامل، كان يشرح كيفية اختيار قطعة لحم معينة، واختيار البهارات المناسبة، ودرجة الحرارة المناسبة لتسوية اللحم، ومع ذلك زادت مبيعات المطعم وأحبه الناس أكثر، وحتى اليوم يمكنك أن تسأل صاحب المطعم عن تفاصيل عمله. 

طبعًا لا يلزمك أن تعمل بنفس طريقة صاحب المطعم، لأن الذكاء هنا في معرفة ما ستشاركه وما ستخفيه، وما ستخفيه يمكنك أن تقوله لدوائرك المقربة، لأنك ربما تجد عندهم شيئًا يساعدك وتعديلات لم تخطر ببالك.

شبكة العلاقات الحقيقية

بعدما أوضحنا أهمية مواقع التواصل الاجتماعي وأهمية وجودك عليها، وأن هذا سيساعد فنك على الانتشار، فأيضًا من المهم أن تختار الدائرة المحيطة بك، هنا أنا لا أقصد الجمهور، وإنما أقصد أصدقاءك ودائرتك الحقيقية، التي ستساعدك على تطوير فنك، وذلك لأن الفن يتطور ويتأثر بالبيئة المحيطة بك. 

قديمًا كان من الصعب أن تجد أشخاصًا لديهم نفس اهتماماتك، أو أشخاصًا تشاركهم فنك، لكن الآن أصبح الأمر أسهل، كل المطلوب منك نشر فنك واهتماماتك على المنصة المناسبة لها، فإن كنت مُصمم صور انشر تصميماتك على إنستجرام، وإن كنت صانع مقاطع فيديو وأفلام فيوتيوب أقرب لك وهكذا، وعلى هذه المنصات ستجد أشخاصًا يشبهونك ويجتمعون حولك، وستجد آخرين تحب أن تتعرف بهم، ونصيحة الكاتب هنا، هي أن تحول العلاقات الافتراضية إلى علاقات حقيقية وأن تقابلهم، ويقول إننا لن نخسر شيئًا إذا دعا أحدنا الآخر لشرب فنجان قهوة، وأيًّا كان ما تقدمه ستعرف مع الوقت أن لا شيء أهم عندك من شبكة العلاقات التي ستكونها.

وإقامة الحفلات أو الندوات التي تجمع الناس حول اهتمامات مشتركة من ضمن الأشياء التي ينصح الكاتب بها لتقوية العلاقات الاجتماعية، فيمكن أن تجمع الناس لمناقشة كتاب معين، أو ليتكلموا عن كاتب، أو ليتبادلوا الآراء حول فيلم ما، وفي هذه التجمعات يتعرف الناس وتقوى والصلة بينهم.

بِع أعمالك

طرائق كسب الفنان للمال أيضًا من ضمن الأشياء التي تغيرت، ربما تنشر فنك بطريقة مُعينة على منصة مُعينة، وهذه الطريقة لا تجلب إليك الربح نهائيًّا، فهل الحل هنا أن تتحمل وتعيش حياة صعبة من أجل فنك وتنتظر أن يكتشفك أحدهم؟

بشكل عام، الكاتب لا يشجع على صورة الفنان الذي لا يجد قوت يومه، لذا فالحل أن تجد طريقة تمكنك من بيع أعمالك، وأسهل طريقة أن تفعّل حسابًا على أي موقع من المواقع التي تمكنك من استقبال المال عن طريقها وتضع رابط الحساب مع عملك، ومن يحب محتواك ويريد أن يدعمك سيرسل إليك المال.

 كما أن في أمريكا يستخدمون طريقة أفضل، وهي "اشترِ لي كوبًا من القهوة" والطريقة ببساطة أن يضع الفنان رابط "اشترِ لي كوبًا من القهوة"، وعن طريق هذا الرابط تستطيع أن ترسل إليه ثمن كوب من القهوة، يمكن أن نقول إنك تشتري كوبًا من القهوة لفنانك المفضل، وكلما زاد الجمهور جمع الفنان مالًا أكثر وفي الوقت نفسه لم يدفع الجمهور كثيرًا.

وإن كنت تظن أن هذه الطريقة لا تنجح، فدعني أقول لك إنها من أشهر الطرق التي تغير حياة النجوم حاليًّا، على سبيل المثال، المغنية "أماندا بالمر" التي قالت لجمهورها إنها تحتاج إلى 100 ألف دولار لتسجل ألبومًا جديدًا، ونشرت الرابط ليرسل إليها الناس المال، وفي النهاية جمعت ما يزيد على مليون دولار.

المال الذي ستجمعه من فنك، بأي طريقة مُهم لفنك نفسه، وسيساعدك على أن تتطور، وتعمل بشكل أفضل، وسيرفع عنك ضغوطات كثيرة، خصوصًا إن كان عملك معتمدًا على المال، وتحتاج دائمًا إلى أدوات ومعدات جديدة

في النهاية، الذكاء لا يكمن في أن تعاند قوانين عالمنا الحالي، قديمًا كان العالم يسير في اتجاه معين لذا كان الفنانون يظهرون بشكل معين أمام الناس، لكن الآن لم يعد هذا الشكل نافعًا، حاليًّا عندما يعجبنا فنان أو حتى صاحب قناة على يوتيوب نبحث عنه على مواقع التواصل الاجتماعي ونتابعه، بالتأكيد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالهُراء، لكن هذا ليس دليلًا على أن كل الموجود هراء، بل على العكس تمامًا، إن قدّم كل مَن يستطيع محتوًى مهمًّا وشاركه مع الناس، وغيّر فكرته عن مواقع التواصل الاجتماعي، فسنجد أن المحتوى المفيد بدأ يزاحم هذا الهراء، وحينها سيطرأ تغير حقيقي. 

الخاتمة

قبل أن ننهي الحلقة سأختم معك بفكرة غريبة قالها الكاتب، وهي أهمية قراءة صفحة النعي في الجرائد، نعم بالضبط كما سمعت، لكن لمَ هذا الفأل السيئ؟ لأن من المهم في حياتك كشخص مُهتم بالنجاح أن تضع الموت نصب عينيك، ليس لأن الموت حدث سوداوي نخافه، بل لأن الموت سيحررك من كل شيء.

الموت هو أكثر الأشياء يقينيةً في حياتنا كبشر، وعندما تكون واعيًا دائمًا بأن النهاية قادمة، ستستصغر أشياء كثيرة تراها الآن بحجم أكبر من حجمها، الموت سيجعلك أكثر شجاعة، كما أنه سيجعلك غير قلق من التجارب الجديدة لأنك تعرف أن كل شيء ذاهب لا محالة وأننا لسنا مخلدين، وأن آراءنا ومشكلاتنا والناس الذين نتحرّج منهم والمدير الذي ندمر حياتنا من أجله هم كذلك غير مخلدين. 

ومن هنا تتضح أهمية قراءة النعي، ليس لأنه فقط سيذكرك بالموت، بل لأنه سيطلعك على قصة الشخص المتوفى وسيكلمك عن حياته، مما سيجعل ذهنك يستحضر كيف كان من الممكن أن تختلف أشياء كثيرة في حياة هذا الشخص إن وضع هذا اليوم في حسبانه، يوم لا شيء مُهمًّا سوى الأثر الطيب.