الوسواس والهواجس النفسيّة

Book-Cover

 

المقدمة


هل صادفت من قبل شخصًا يتصرّف تصرفات غير مألوفة ويُصِرُّ على تكرارها، كأنْ يستأذن كل عشر دقائق مثلًا في أثناء عمله ليغسل يديه؟ أو يكرر كلمات معيّنة لا أساس لها؟ تخيّل أن تعيش مع شخص يكرر تصرفات تهدر وقته وطاقته وليست في صالحه أبدًا، وهو يعرف ذلك جيدًا! 

ستقول: "ليس شأني.. هذا شخص يتعبه دماغه"، والحقيقة أن هذا الشخص بالفعل يتعبه دماغه ويعيش في قلق رهيب، لأنه مريض وسواس قهريّ، فسيكون من الأفضل أن تساعده وتوعّيه، لأنه غالبًا شخص متألم جدًّا يحتاج إلى أن يشعر بالقبول والمساندة، وربما تكون مكانه في يوم من الأيام، نحن لا نحاول إخافتك إطلاقًا، ولكن يهمّنا أن تفهم طبيعة المرض لتستطيع أن تنجو بنفسك وقتها.

مبدئيًّا يجب أن تعرف أنّ مريض الوسواس القهريّ بطبيعته شخص يعاني الخوف العميق المتجذّر في أصوله، ودائمًا ما يضطر إلى اتباع وسواسه ليهرب من شعوره الدائم بالقلق والتوتر.

الوسواس القهريّ 

المنتشر جدًّا في كلّ المجتمعات على الرغم من اختلافها.

يعتبر علماء اللغة الوسواس القهريّ حديث نفس يصاحب قوّة وهمية تأمر الإنسان وتنهاه وتجبره على تصرفات قهريّة! أمّا معناه عند علماء النفس، فهو عبارة عن اختلال شديد وحادّ يسلب الإنسان توازنه بل ويكوّن عائقًا بين الإنسان وانسجامه مع محيطه، لذا ستلاحظ أن الشخص المُصاب بالوسواس دائمًا متوتر وقلق بسبب صراعه النفسي الداخلي، وستكون مضطرًّا دائمًا إلى أن تقول له: "لا تخف..كل ما في دماغك أوهام".

ويذكر لنا الكاتب في بداية كلامه الفرق بين الخوف والوسواس، لأن الأمر يختلط على كثير من الناس.

يقول إنّ الخوف يكون من شيء واضح ومحدد، أمَّا الوسواس فالخوف فيه يكون من عدة أشياء مختلطة، ومن ثم فالخوف الطبيعي أو المرضي يحدث نتيجة لحدوث الشيء المخيف، لكن الوسواس يحدث دون وقوع أي شيء أصلًا! لأنه عبارة عن أفكار ومخاوف غير منطقية ليس لها أي مبرر أو أساس! 

وقال علماء النفس إن الوسواس يمكن أن يظهر على الشخص في عدة صور، فلو أن ثلاثة أشخاص يعانونه (سارة وطارق ونادين):

صور الوسواس

سنجد أن سارة عندها وسواس الاجتناب الذي يجعلها تتجنب أي شيء يمكن أن يكون غير نظيف بشكل جنوني، وتعقم كلّ شيء حولها دون أي داعٍ، وليتها ترتاح بعد كلّ هذا، ولكنها ربما تقول: "أشعر أنّ ثَمَّ خطأ!"

أمّا طارق، فهو شخص يعاني من تكرار بعض التصرفات، خصوصًا في أمور العبادة نتيجةً لتفاقم الشكّ بداخله، فستجده يتوضأ مرة واثنتين وثلاثة وعشرة، وكلما صلى سيسأل نفسه: "هل صليت؟ هل سجدت؟ هل ركعت؟" ويؤنب ضميره، ويسأل نفسه: "هل أنا أعبد الله بالشكل الصحيح أم لا؟"

أما نادين، فعندها هوس بالعدّ والحساب، بمعنى أنها يمكن أن تحسب عدد السنتيمترات بين كلّ عمارة والأخرى، تخيّل يا إنسان! دقة فظيعة مفرطة في كل شيء، ذلك غير أن جميع المستلزمات من حولها يجب أن تكون مرصوصة بشكل معيّن.

لكن كل ما سبق لا يعني أبدًا أن مريض الوسواس عنده اختلال عقلي، بالعكس! 

كثير من مرضى الوسواس على مستوى مقبول بل عالٍ من الذكاء.

يمكن أن يكون الوسواس خفيًّا، أي إن معاناة المريض تظل في نفسه فقط دون أن يشعر به أي شخص حوله، بل إنه يؤدي أنشطته وفاعلياته بالشكل الطبيعي.

انواع الوسواس

وذكر الكاتب لنا أنواع الوسواس وهي الوسواس الفكري والوسواس العملي ووسواس الخوف. 

سأشرح لك أكثر: الوسواس الفكري هو وسواس الشخص الذي يشغل نفسه طوال الوقت بالتفكير في أمور عقائدية ويخاف أن يخرج من الملّة! ويبحث دائمًا عن الخير والشر والموت والحياة، لكن قبل أن تحكم على أي شخص بأنه يعاني هذا النوع، تحتاج أولًا إلى أن تعرف أن حالة مريض الوسواس واضحة، بمعنى أن أفكاره هي التي تقوده وتلح عليه، وأن لديه صوتًا بداخله يطارده ليثبت له أنه إن لم يبحث عن معلومة معينة في وقت معين أو إن غفل لحظة عن أن يردد دعاءً معيّنًا، فسيكون شخصًا عاصيًا وسيئًا وغير منتمٍ إلى الدين، بالإضافة إلى أنه يمكن أن يبحث مئات المرّات عن أشياء بدهية في الدين وهو أصلًا يعرفها جيدًا، وهذا هو الفرق بين من يعاني الوسواس والطبيعي الذي يبحث للمعرفة، لأن الشخص الطبيعي هو الذي يسيطر على أفكاره، ويبحث ليستفيد لا ليريح الصوت الذي بداخله دون أي استفادة!

أما النوع الثاني فهو الوسواس العملي الذي يتمثل في الشخص المهووس بمسائل العد والحساب ويغسل أي شيء ١٠٠ مرة، وعنده دقة مفرطة في الترتيب.

انتظر ولا تقلق.. ليس هذا ما يعانيه أخوك عامر المهتم بالنظافة!

أذكرك مرة أخرى بأن حالة مريض الوسواس واضحة، بمعنى أن يغسل يديه وهو يعدّ من واحد إلى خمسين، ولو أخطأ في العد سيبدأ العدّ من جديد ولا يستطيع أن يقاوم، بالإضافة إلى أنه يركز طوال الوقت على ملابسه ويقلق من أن يصيبها أي شيء!

أمَّا وسواس الخوف فهو عبارة عن مخاوف وهميّة داخل الشخص، فستجد الشخص الموسوس يخاف عمل شيء معيّن ويتجنبه مهما كان ضروريًّا، كأن يخاف الأكل من طعام معين لاعتقاده بأنه مسموم، وينتج هذا عن خوف أعمق وهو خوف الموت! لذا سيظل قَلِقًا ويظن أن أي شيء حوله ربما يكون سببًا في موته.

 احساس الشخص المصاب بالوسواس

يعاني مريض الوسواس توترًا حادًّا جدًّا، ويحتاج إلى الرحمة من كل إنسان حوله، لأنه للأسف إن لم يجد القبول بين الناس فسينتقل إلى العزلة والصمت، بالإضافة إلى أن مشاعره تكون مشتتة جدًّا ويعاني فقدان الأمان والطمأنينة، ويلازمه شعور رهيب بالذنب وعدم الكفاءة، وإن أدى ما عليه بشكل جيد فإنه لن يكون مقتنعًا بإنتاجه.

فيوسف مثلًا شخص إن رأيته ظاهريًّا فستقول: "ما هذا الإبداع؟!" 

لأنه شخص مثالي وملتزم ومنجز جدًّا مما يجعل مديره يكافئه باستمرار، لأن من الجوانب الإيجابية للوسواس القهري أنه يجعل الشخص مبدعًا ودقيقًا وعنده طابع جمالي ملحوظ، ستقول: "حسنًا، أريد هذا"، لكن لا ياعزيزي، فالأمر أكبر مما تتصوّر، تحمّل مريض الوسواس القهريّ تحمّل مرضي ممزوج بالتوترات والصراعات والألم! بمعنى أن الشخص أساسًا متألم جدًّا من كثرة الدقّة.

 "احسدونا على المرض!🙂"

ذلك غير أنّ مريض الوسواس يغضب كثيرًا جدًّا ممن حوله لأنه يريد أن يسيطر على نفسه وعلى كل شيء، وهذا مستحيل طبعًا! ومع الأسف هو دائمًا ما ينظر إلى المنغصات والنواقص! 

كما أنه يقاوم أعراضًا أخرى يوميًّا مثل انعدام الشهية والأرق والقلق والآلام الجسدية المختلفة.

حسنًا.. هل ما زلت ترى أنّ الوسواس مرض حلو بالمكسرات؟ بالتأكيد غيّرت رأيك. 

 هل يزداد الوسواس القهري عند الرجال ام النساء؟

أما هذه النقطة فربما تغضب البعض، في ظنك، يزداد الوسواس القهريّ عند الرجال أم النساء؟

يقول الكاتب إن نسبة النساء في الإصابة بمرض الوسواس القهريّ أعلى من نسبة إصابة الرجال، ويرجّح هذا لسبب بدهي وهو أنّ النساء غالبًا ما يقضون أوقتاهم في البيت منعزلين مما يزيد حدّة المرض، في حين أن الرجال يختلطون بالعالم الخارجي أكثر ويحتكون بالبيئة احتكاكًا ملحوظًا، وهذا في حدّ ذاته من أسباب التخفيف من المرض أو حتى القضاء عليه.

الغريب أنك ستجده مسيطرًا على أشخاص عكس بعضهم تمامًا 

فلا تستغرب إن عرفت أن صديقك عبد الرحمن الملتزم الخلوق المتعلق بدينه وعباداته مصاب بالوسواس القهريّ، وفي نفس الوقت، زميل آخر لك في العمل مصاب به أيضًا على الرغم من أنه شخص مستخف بالشعائر والأحكام وإيمانه ضعيف.

هذا سيجعلك تدرك أن أسباب ظهور الاضطراب تختلف من شخص لآخر، فكثير من العلماء مثلًا يرون أن الشعور بالذنب من أساسات نشوء المرض، لأن المريض يعيش في ندم شديد ويقرر أن يعاقب نفسه بطريقة غير واعية منه وذلك بسبب شدة شعوره بأنه شخص سيئ وواقع في الإثم. 

لكن هذا لن يلغي بقية الأسباب التي تتمثل في عدة عوامل منها العامل الوراثي، فذكر الكاتب لنا أنّ 40% من الأشخاص ورثوه من آبائهم، بالإضافة إلى عوامل أساليب التربية الجافة وطرق التعنيف والإهمال وظروف الحياة الصعبة.

ويمكن أن نستبعد الأسباب السابقة ويكون سبب نشأة الاضطراب عند الشخص داخليًّا في نفسه، مثل حبّه واهتمامه المفرط بذاته، أو نشاطه الذهني الحاد، أو الصدمات التي أدّت إلى انعدام شعوره بالأمان.

ألم يَحِنْ وقت طلب المساعدة؟ صديقي الشخص المصاب، هذا المحتوى توعوي ويوضح الكاتب لك فيه أبعاد المرض، ويقول لك إنه من المهم جدًّا أن تتخلص من هذا الداء لتنعم بالهدوء والاستقرار في حياتك، وإن كثيرًا من المرضى يتعافون منه نهائيًّا، فلا تقلق، هذه ليست النهاية! 

اطلب المساعدة من أي شخص حولك، ولا تنس أبدًا أن تقوّي الجانب الإيماني عندك وتداوم على الأذكار والدعاء، وعندما تلجأ إلى طبيب مختص تأكد من أنك ستلجأ إلى شخص ذي أخلاق كريمة وأسلوب جيد ليكسب ثقتك ويشجعك على أن تتكلّم وتشرح شعورك أيًّا كان، لأن الوسواس يظهر في صور وأشكال وأفكار متعددة جدًّا.

وأنت بمجرد أن تفهم وضعك سترتاح، "فمعرفة المشكلة هي نصف الحلّ"، ودعني أنبهك إلى أنك ستحتاج إلى التدخل الكيميائي ومضادات الاكتئاب في بعض الأحيان -وهذه الأدوية ليست إدمانًا أو شيئًا مرعبًا ما دمت تأخذها تحت إشراف الطبيب و بالجرعة المناسبة- لذا فأنت تحتاج إلى المقاومة وعدم الاستسلام.

أمّا أهل المريض، فالكاتب يرشدهم إلى أن التحلّي بالصبر ضروريّ جدًّا، وليس طبيعيًّا أن يتحسن المريض في ما بين يوم وليلة، بل يلزمه الوقت الكافي للتعافي، لذلك يجب ألا نحبطه لأنه أساسًا يحتاج إلى جوّ أسري هادئ وروح معنوية مرتفعة.

انتظر لحظة..

أنا أشعر بأنك، كشخص طبيعي، بدأت تظن أنك مصاب بالوسواس! 

لا يا صديقي، راجع الحلقة مرة أخرى على تطبيق أخضر ولا تقلق.