كيف تتوقف عن الألعاب الإلكترونية للأبد؟

Book-Cover

المقدمة

قرر مجموعة من اللاعبين في سنة 2017 تنظيم ماراثون ليروا أيّهم أكثر قدرة على اللعب لأطول فترة ممكنة، بعد بدء الماراثون، بدأ اللاعبون يلعبون لساعات، منهم مَن تجاوز العشر والخمس عشرة ساعة مِن اللعب، ولكنهم كانوا يستسلمون في النهاية.

كان براين فينولت ضمن الذين استمروا في اللعب لما يزيد على العشرين ساعة، وهو شاب سنه 35 سنة، استمر في اللعب لمدة 23 ساعة، لم يكن جهازه العصبي يحتمل ذلك، ولكنه قرر أن يضغط على نفسه ويكمل، ثم قرر أن يأخذ استراحة ليدخن، وفي هذا الوقت وأمام آلاف من البشر في بث مباشر على اليوتيوب يموت الشاب براين من كثرة اللعب.

على الرغم من بشاعة النهاية التي وصل إليها براين بسبب الألعاب، فهو ليس أول ولا آخر شخص يحدث له ما حدث، والحقيقة أن عشرات البشر حول العالم يموتون وهم يلعبون غير قادرين على ترك أجهزتهم، مثل هسيه، وهو شاب تايواني سنه 23 سنة، دخل إلى سايبر وبدأ يلعب لساعات، وفي النهاية مات أمام جهاز الكمبيوتر، واكتشفوا جثته بعد ساعات من الموت.

لدينا قصة ثالثة مشابهة لشاب اسمه توتاي كان يلعب في سايبر، وبعد 19 ساعة من اللعب المتواصل، دخل في نوبة تشنجات مات بعدها، ومقطع موته منشور على اليوتيوب إلى الآن.

وهذه القصص الحزينة مع الأسف لا تقف هنا، فكثير من الشباب بدؤوا الألعاب ولم يظنوا أنها أكثر من مُتعة لحظية، لكن سُرعان ما يتحول الأمر إلى مُخدِّر، وفي كل مرة نحتاج إلى جُرعة أكبر من الجرعة السابقة، وفي النهاية نرى الشاب الذي دخل ليلعب بعض الوقت قد مات بجرعة زائدة من اللعب. 

سنعرف في هذه الحلقة كيف يمكن أن توقف الألعاب الإلكترونية إن وصلت إلى مرحلة الإدمان، وسنعرف أيضًا لماذا توصلك الألعاب إلى مرحلة الإدمان،

إدمان الألعاب الإلكترونية

دعنا في البداية نعرف القصة وراء الكتاب الذي سنتكلم عنه، مؤلف الكتاب شاب كندي مجهول كان مُدمنًا للألعاب الإلكترونية، وكان يلعب في اليوم الواحد نحو 16 ساعة يقضيها كلها في لعبة "Starcraft"، ثم "Counter Strike 1.6"، وفي النهاية يلعب لعبة " Modern Warfare 2".

لك أن تتخيل أن شابًّا يضيع كل يوم ثلاثة أرباع يومه وهو يلعب، كيف ستكون حياته؟!

ظلّ الشاب مستمرًّا على هذا الروتين لسنين، وعندما اضطُرَّ إلى العمل، كان يذهب إلى عمله دون تركيز، وبمجرد عودته يلعب حتى ينام في مكانه، ثم يستيقظ متأخرًا يهرع إلى العمل وهكذا.

وصولًا إلى هنا يجب أن نتعامل مع الألعاب الإلكترونية على أنها إدمان كأي إدمان آخر، وهذا جعل الدكتور محمد عبد الجواد مؤسس فريق "واعي" يترجم لنا هذا الكتاب. 

عندما قرر الشاب الكندي أن يكتب هذا الكتاب، كان يفكر في أن معظم النصائح والبرامج الموجودة على الإنترنت للتعافي من إدمان الألعاب غير واقعية، وأن كاتبها لم يجرب ولا يعرف شيئًا عن هذا العالم، كما أن معظم النصائح بَدَهِيّة وتفشل في النهاية، مثل تقليل اللعب تدريجيًّا، لكن ما يحدث في النهاية أن الشخص ينتكس ويعود إلى اللعب.

يرى الكاتب أن هذه النصائح أشبه بالنصائح التي نقدمها إلى مريض السمنة؛ نحدثه عن الأكل الصحي والرياضة والنوم، مع أن هذه النصائح كلها بَدَهِيّة، ربما لا يريد الشخص الذي نقدمها إليه أن يسمعها أصلًا، وربما بعض المشكلات أهم وأعمق ويجب التركيز عليها مثل الكسل وعدم احترام الذات وتقديرها المتدني، ومن خلال علاج هذه النقاط ومناقشتها يستطيع المريض التواصل مع نفسه بطريقة أفضل، وقتها ربما يأكل أكلًا صحيًّا ويمارس الرياضة لأننا عالجنا المشكلات الرئيسة.

لكن قبل أن نستطرد في الموضوع، دعنا نعرف أولًا ما إدمان الألعاب.

حصر مؤلف الكتاب إدمان الألعاب في ست نقاط:

- التفكير في الألعاب بشكل مستمر، حتى في أثناء عمل أي نشاط في حياتك تأخذ الألعاب جزءًا من تفكيرك.

- الإصابة بأعراض الانسحاب وعدم التحسن إلا بعد الرجوع إلى اللعب.

- فشلك التام عن التوقف ومن ثم لا تصل حتى إلى مرحلة أعراض الانسحاب.

- زيادة الوقت الذي تقضيه في اللعب بشكل ملحوظ.

- تأثير الألعاب في بقية أنشطتك المختلفة، فتجد نفسك تهرب من كل شيء إلى اللعب، تهرب من الدراسة والعمل والعلاقات، وتهرب أيضًا من هواياتك والأشياء التي كنت تحبها.

- اللعب كلما شعرت شعورًا سيئًا، بمعنى أنه بإمكاننا القول إنك تهرب إلى الألعاب من أي شيء بدلًا من أن تواجهه.

كيف تتخلص من إدمان الألعاب؟

- طيب، ماذا أفعل إذًا؟ :(

حسنًا، لتستطيع التخلص من إدمانك للألعاب بشكل فعّال، تحتاج أولًا إلى معرفة الاحتياجات التي تسدها الألعاب، وذلك لتعويضها بأنشطة أخرى، والألعاب في الأساس تسد أربعة احتياجات أساسية كلنا يحتاج إليها.

- الهروب المؤقت، فعند حدوث أي مشكلة في الدراسة أو العمل أو عندما تدخل نقاشًا في البيت ولا يعجبك، تنتظر انتهاء الموقف لتبدأ في اللعب وتنسى ما حدث.

- وأخطر ما يسبب إدمان الألعاب هو أن الألعاب مصدر للنمو الثابت القابل للقياس، ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أن الألعاب دائمًا تحتوي على مستويات أعلى تريد الوصول إليها، وبعد كل مستوًى تلعبه تقول لك إنك تحسنت قليلًا وتعطيك رقمًا لتَحَسُّنِك، ومن ثم يفهم دماغك أنك تتحسن وتستطيع قياس هذا التحسن بالأرقام، لذا يُفرَز الدوبامين بكميات كبيرة في المخ، ثم تدخل في دائرة إدمانية دون أن تشعر.

- دائمًا ما تمثل الألعاب تحديًا معيَّنًا، فأنت لست مجرد شخص يجلس أمام الكمبيوتر أو في البلايستيشن ليلعب، لا، أنت تفكر ودماغك مشغول، تحل ألغازًا وتضع خططًا، لذا أنت لا تشعر بأنك تضيع وقتك أو أن هناك أشياء مهمة أخرى يجب أن تفعلها، بل تقتنع بأنك تنجز مهامًّا طوال الوقت، وتُصَمم الألعاب بشكل دقيق لتناسب هذه الاحتياجات ولتجعلك تشعر بالإنجاز وتتطلع إلى المزيد، فتظل في هذا العالم لا تستطيع الخروج منه.

- توفر هذه الألعاب بيئة اجتماعية، طبعًا ستخبرني بوجود الألعاب الـ Offline، هذا حقيقي، ولكن غالب الألعاب التي تسبب الإدمان هي الألعاب الـ Online التي تلعبها مع أشخاص آخرين، ومعظم الألعاب الـ Offline وقتها محدودة وتنتهي بعد أيام معدودة، لذا فالألعاب الـ Online هي الإدمانية. نعود إلى موضوعنا، توفر الألعاب في وقتنا الحالي بيئة اجتماعية ضخمة جدًّا، سواء من خلال اللعبة نفسها والمحادثات والكلام مع بقية اللاعبين، أو حتى من خلال المنصات المختلفة التي يجتمع فيها اللاعبون مثل "Steam" أو "Twich"  أو "Discord"، بالإضافة إلى اليوتيوب الذي يتيح للناس فتح بث مباشر لهم وهم يلعبون ويستمرون في اللعب ليل نهار، فكل هذه الأشياء خلقت عالمًا موازيًا لعالمنا، ولم يعد أحد يشعر بأنه يريد التحدث مع أحد خارج الألعاب، لأنه أصلًا يتحدث مع أشخاص طوال الوقت.

من هنا نستطيع أن نختار أنشطة معينة لحياتنا بدلًا من الألعاب، فقط يجب أن تراعي اختيار نشاط يتضمن النقاط الأربعة السابقة.

فلنفترض أنك تريد تعلم الرسم أو تعلم لغة جديدة أو تعلم البرمجة، هذه الأنشطة يمكنك أن تهرب إليها ويمكن أن تمثل لك تحديًا، بالإضافة إلى أنك تستطيع أن تقيس تقدمك فيها، لكن المشكلة أنها ليست اجتماعية، لذا يمكنك أن ترسم مع أصدقائك مرتين في الأسبوع، أو تشاركهم تقدمك في تعلم شيء معين.

لكن احذر، فأصدقاؤك وقت إدمانك للألعاب غالبًا سيكونون من المهتمين بالألعاب طوال الوقت، لذا حاول أن تتجنبهم بالشكل الذي لا يسبب لك ضررًا، وابدأ في البحث عن أصدقاء آخرين، واحضر الفاعليات المختلفة مثل العزف في الأوبرا أو معارض الكتب أو نشاط ثقافي معين أو عرض فِلم قديم وهكذا، فكل هذه الأنشطة ستبعدك عن البيت أو المكان الذي تلعب فيه خصوصًا في البداية، كما ستوفر لك مساحة جديدة تعرف من خلالها أناسًا مختلفين.

ملء الفراغ أو تجنب حدوث الملل

إن لم تعرف نوع الأنشطة التي يمكن أن تملأ وقتك بدلًا من الألعاب، فتعالَ أقل لك 3 نقاط رئيسة ستسهل عليك معرفة النشاط.

- أن تختار نشاطًا عقليًّا، وكلما مَثَّلَ هذا النشاط تحديًا أكبر كان أفضل، لأن هذا هو السبب الذي يجعل الألعاب تستهلك وقتك دون أن تشعر، إذ إنها دائمًا ما تحتوي على مشكلات تحتاج إلى حلول وخطط، وبعيدًا عن الألعاب أريدك أن تتخيل معي شخصًا قرر أن يبدأ عملًا خاصًّا به، سيقابل هذا الشخص مشكلات وعقبات، وسيبدأ في التفكير في كيفية الحصول على المال وإقناع شخص بالبدء معه، أو لنتخيل شخصًا يريد السفر للدراسة، ستجد هذا الشخص أيضًا يتعلم لغة البلد التي سيسافر إليها، ويذاكر للاختبارات وهكذا، ما أريد أن أقوله إنك دائمًا تستطيع أن تختار نشاطًا عقليًّا، إذًا ماذا ستختار؟ هل ستلعب طوال السنتين القادمتين؟ أم ستبدأ عملك الخاص؟ أم ستتطور في مجال دراستك؟ أم ستشتري كاميرا وتتعلم التصوير؟

- أن تختار أنشطة الراحة، ففي بعض الأيام يكون يومك مليئًا بالمهام، أو ربما تعود من عملك متعبًا، وهنا تلقائيًا كنت تجلس للعب على الكمبيوتر، في هذا الوقت تحتاج إلى أن تختار أنشطة سهلة تتناسب مع حالتك المزاجية والجسدية، فيمكنك أن تسمتع إلى كتاب صوتي أو بودكاست أو تشاهد فِلمًا أو وثائقيًّا، أو تستطيع أن ترسم أو تلون أو تتعلم الطبخ، وستكون قد حققت أكبر إنجاز إن قرأت جزءًا من كتاب في هذا الوقت، وإن لم تستطع التركيز في القراءة فاسمع ملخصًا في 15 دقيقة على تطبيق أخضر😊، وبالمناسبة، التصفح العشوائي للإنترنت والفيسبوك لا يعتبر نشاط راحة، فهو مجرد عادة ضارة أخرى، وهذا من باب العلم بالشيء. D: 

- أن تختار نشاطًا اجتماعيًّا، وهنا تستطيع أن تطبق ما قلناه سابقًا، كأن تمارس العادات التي اخترتها مع أصدقائك، أو تحضر فاعليات لتتعرف على أشخاص، المهم هنا أن تحاول الابتعاد عن البيت قدر المستطاع، وكاقتراح لبعض الأنشطة، يمكنك أن تختار رياضة قتالية جماعية، أو أن تشترك في ماراثون للدراجات أو الجري، وطبعًا يمكنك دائمًا أن تتطوع في مؤسسات خيرية وتتعرف على أناس جُدُد.

ما النشاط المناسب تحديدًا؟

- هل أتوقف عن الألعاب وأقللها تدريجيًّا؟ 

لا، يقول الكاتب إن التوقف التدريجي عن الألعاب ليس حلًّا جيدًا، وإن أفضل ما يمكن أن تفعله هو أن تتخلص من الألعاب كلها بشكل مباشر، تفتح جهازك وتمسح كل الألعاب، وكذلك المنصات الخاصة بالألعاب، كما يجب أن تلغي متابعة قنوات الألعاب التي تتابعها على اليوتيوب، وحاول أن تبتعد عن المكان الذي اعتدت اللعب فيه ومتاجر الألعاب، وتذكر أن أصعب وقت في تغير أي عادة هو أول 90 يومًا.

ستسألني: "بعدما أفعل كل هذا، ما النشاط المناسب لي من كل ما سبق؟"، سأقول لك: "لماذا تختار نشاطًا واحدًا؟ اجعلها ثلاثة، نشاطًا عقليًّا ونشاطًا للراحة ونشاطًا اجتماعيًّا، ولماذا ثلاثة؟ اجعلها ستة!".

نحن بشر، والحياة لا تسير دائمًا بالورقة والقلم، ففي بعض الأوقات تكون منتبهًا وعقلك يقظ، في هذا الوقت مارس نشاطًا عقليًّا، وفي بعض الأوقات ستكون متعبًا، وفي أوقات أخرى ستحب أن تتكلم وتجلس مع بعض الأشخاص وهكذا، ومع تكرار النشاط الواحد ستشعر بالملل، فستجد نفسك تعود إلى الألعاب، لذا سنختار نشاطين من كل نوع لنبدل بينهما.

وحتى تسير الأمور على ما يرام ولا تنتكس، تحتاج إلى متابعة وقتك على تقويم جوجل، ومعرفة وقت فراغك قبل أن يأتي لتحدد نشاطًا تؤديه وبدائل له حتى لا تحدث مفاجآت.

طاقة على مدار اليوم

لتستطيع تأدية كل هذه الأنشطة، تحتاج إلى طاقة وذهن يقظ طوال الوقت، وهنا ينصحنا الكاتب بعض النصائح التي ستساعدنا على أن تستمر طاقتنا طوال الوقت، أول نصيحة أن تشرب على الأقل لترين من الماء في اليوم، النصيحة الثانية أن تؤدي تمرينات رياضية لا تقل عن نصف ساعة يوميًّا، مثل الجري أو الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، أو حتى لعب الكارديو في البيت، والثالثة هي التأمل في ما لا يقل عن 10 دقائق في اليوم، والأخيرة نصيحة معروفة مكررة وذلك لأهميتها، وهي كتابة يومياتك لتركز على ما يحدث في يومك وتراقب تطوراتك.

الخاتمة

الإدمان هو الشيء الذي يعطلك عن الأنشطة الرئيسة في حياتك، فإن كنت تلعب "بابجي" نصف ساعة، فلا تجعل هذه الحلقة تُقلِقكَ، لكن حاول ألا تنجرف مع الألعاب بمرور الوقت، لأن في النهاية يدخل بعض الأشخاص في دائرة مغلقة لا يستطيعون الخروج منها، وأحيانًا تكون سببًا في موتهم وتدهور صحتهم.

وأخيرًا، يمكنك أن تجرب كل العادات والنصائح والأنشطة التي ذُكِرَت في الحلقة إن أردت أن تطور حياتك عمومًا، أو أن تتخلص من أي نشاط سلبي تفعله ولو كان تصفح الفيسبوك، وهذا يعني أن الكلام ليس عن الألعاب فقط.