العناية بالذات

Book-Cover

مقدمة

هل تشعر بأنك تريد الانعزال عن الكوكب وضوضائه؟ هل تشعرين بأنكِ تريدين تحقيق تهديدك الشهير بترك البيت والاختفاء؟ هل تريد أن ترتاح وتصفي ذهنك وتستعيد طاقتك؟ أتحتاج إلى من يدللك؟ 🤔 أعرف وأشعر بك، لكنني لست بهاء سلطان يا عزيزي، لذا لن أستطيع أن أقول لك: "تعالَ ادلعك"، ولكن يمكنني إخبارك كيف تدلل نفسك بنفسك وتهتم بها.

لنكن واقعيين، ما أطول وأعمق علاقة في حياتك؟ بالضبط، علاقتك بنفسك، إذ إنها علاقة لا مفر منها، لذا فهي أكثر علاقة تستحق أن تستثمر فيها وتحافظ عليها لتكون علاقة صحية مريحة بنّاءة.
وذلك يستدعي أن تعتني بنفسك حق العناية يا عزيزي، والعناية بالذات التي نقصدها هنا هي أي فعل مُتعمّد تفعله في سبيل الحفاظ على سلامتك النفسية والذهنية والجسدية، أي فعل تحافظ به على مشاعرك وروحانياتك وأفكارك ووعيك، وهذا يشمل كل تفاصيل حياتك حرفيًّا، بداية من نومك وأكلك وشربك، وصولًا إلى عملك وأصحابك وأهلك، مرورًا بمُدخلاتك كلها، ما تشاهده وما تقرؤه وما تسمعه وهكذا.

الشعور بالذنب

حسنًا، ماذا يقول كتابنا؟

فلنبدأ بالعائق الذي يمنع كثيرًا من الناس من العناية بأنفسهم وهو الشعور بالذنب، يكون تفكيرهم عبارة عن: هل تريدني أن أصبح أنانيًّا؟ ماذا عن العيال والعائلة والعمل والبيت والأصدقاء والجيران الذين أتحمل مسؤوليتهم؟

الحقيقة أنه لا علاقة بين عنايتك بنفسك وتأديتك حقها، وكونك أنانيًّا، كلنا نتحمل مسؤوليات تجاه الآخرين، وأحيانًا نقدمهم على أنفسنا ويكون هذا شيئًا جميلًا، لكن ما دمت لا تخسر نفسك في المقابل، بل الحقيقة أنك عندما تؤدي إلى نفسك حقها ستكون أكثر قدرة على مساعدة الآخرين، مثل الأم التي تغضب طوال الوقت وتنهر أطفالها وتوتِّر البيت، مع أنها إن حصلت على فرصة كل أسبوع لتهدئ أعصابها، فسيكون مزاجها أهدأ وستقضي وقتًا ألطف وأكثر جودة مع أطفالها فعليًّا، وكذلك رفضك للنوم مبكرًا، فإنك إن نمت وارتحت ستنجز عندما تستيقظ مهامًا أكثر وفي وقت أقل، وذلك مقارنة بإنجازك وأنت مرهق.

لذا يا صديقي فإن أول خطوة وقرار سنأخذه معًا الآن هو أن تعطي لنفسك الإذن في أن تستقطع بعض الوقت لنفسك، وتعطيها الضوء الأخضر لفعل ذلك. 

الضوء الأخضر 

أعطيتها الضوء الأخضر؟

أحسنت، الخطوة التالية هي أن تضيف بند الوقت الخاص بك في جدولك اليومي والأسبوعي، طبعًا أنا افترضت أنك ترتب لأيامك بالفعل، فإن كنت لا تفعل فابدأ الآن لأن هذا من أساسيات العناية بالذات وسأخبرك بالسبب في ما بعد، المهم أنه في أثناء وضعك للخطة ستجد في بعض الأيام ساعة كاملة لنفسك، وفي أيام أخرى ستجد خمس دقائق بصعوبة، وأحيانًا ربما تجد يومًا كاملًا، هذا كله ربما يحدث، لكن المهم هو وجود وقت أيًّا كان.

ربما يكون مبكرًا قبل إيقاظ الأولاد، أو قبل الذهاب إلى العمل، أو قبل النوم، وربما في استراحات الغداء، أو في أوقات الانتظار أو المواصلات، كل ذلك فرصة لك لتشرب قهوتك وتقرأ كتابًا وتستمع إلى شيء أو تتأمل في اللا شيء.

 مهارة الرفض

إن كنت لا تجد ذلك الوقت الذي تحدثنا عنه فسأساعدك.

لتوفر وقتًا للعناية بنفسك تحتاج إلى أن تتعلم مهارات أخرى، أولها مهارة الرفض.

أن تكون قادرًا على أن تقول لا، حتى إن ستيف جوبز يقول لك: "فقط بقول لا يمكنك التركيز على ما يهم حقًّا"، ومن ثم لا يجب أن تكون متاحًا دائمًا سواء في العمل أو العلاقات، لأن ذلك يجعلك مستهلَكًا تمامًا طوال الوقت، ولا تقلق لن تكون قليل الذوق إن رفضت، اعتذر بذوق؛ "آسف.. لن أستطيع النزول معك اليوم"، وتذكر  أنك لا تحتاج إلى أن تبرر اعتذارك، ويمكنك أن تطلب وقتًا لتراجع خططك ثم ترد، أو تعطي اختيارًا بديلًا مثل: "لا يمكنني اليوم، ماذا عن يوم كذا مثلًا؟" وهكذا.

رتب حياتك

تحتاج أيضًا إلى تعلم مهارات إدارة الوقت وستجد على تطبيق أخضر كتبًا كثيرة تساعدك على ذلك.

إن كان دماغك يتشتت ويتوه من كثرة مهامك فالتزم بوجود قائمة للمهام، فقد نوّهنا سابقًا بوجوب التخطيط للوقت، والآن سأقول لك السبب، كتابة مهامك تساعدك على ترتيب أمورك، ومن ثم يصبح ذهنك منظمًا، ويكون مزاجك أهدأ خلال اليوم، وكلما شطبت مهمة ستشعر بإنجاز لطيف، وطبعًا هذا ليس الأكثر مرحًا في العناية بالذات، لكنه فعّال وسيقلل مستوى التوتر في يومك ويساعدك على الإنجاز.

كما يمكنك أن ترتب البيئة المحيطة بك؛ مكتبك أو مكان عملك أو البيت بشكل عام، وأن تتخلص من الأشياء المكدسة غير الضرورية، لأن للفوضى علاقة وثيقة بالتوتر، سواء الفوضى الشخصية أو فوضى المكان، فخصص ولو عشر دقائق كل يوم لترتب البيئة المحيطة بك، ولترتب ليومك.


تقبل بَشَرِيَّتَك

أن أقول لك رتب ليومك هذا لا يعني أن الأمور ستكون مثالية، لذا فالنصيحة القادمة هي أن تتقبل بشريتك وتتقبل أن لا شيء مثالي في الدنيا، وأنك لا يجب أن تسعى إلى الكمال لأن الكمال لله وحده، نحن نجتهد لنحقق أفضل ما في وسعنا، وبمجرد أن تبذل ما في وسعك ارضَ بمجهودك ونتيجتك أيًّا كانت.

تقول لوري ديشين: "الكمال ليس لمخلوق، لذلك لا تبخل على نفسك بالثناء في كل مرة تُبلي بلاءًً حسنًا، وتلطف في التعامل مع نفسك في حالات المعاناة".

أغلبنا يقول لنفسه كلامًا سلبيًّا طوال الوقت، لماذا فعلتُ كذا؟ أنا فاشل وبلا بلا، لكني أريد أن أسألك سؤالًا، هل تستطيع أن تقول لصاحبك ربع الكلام الذي تقوله لنفسك في كل موقف؟ لا. إذًا لماذا تفعل كل هذا بنفسك؟! جرب أن تكون أعز صديق لنفسك، وتلطف معها، وإن كنت مخطئًا، أنت في النهاية بشر وبالتأكيد ستخطئ، اعتبر أن صاحبك هو الذي أخطأ، ستوجهه وتساعده ليصلح ما حدث فقط.
فراقب كلامك لنفسك في كل يوم وكل موقف، وعندما تهاجمك أفكار سلبية استبدل بها أفكارًا إيجابية، وإن اضطُررت إلى أن تكلم نفسك بصوت مسموع لتشوش على أفكارك.

طبعًا هذا كله في حالة أنك كماليّ مع نفسك فقط، لكن في حالة أنك تفعل هذا مع الآخرين، زملائك أو زوجتك أو حتى أطفالك، وتنتظر منهم أشياء مثالية، فانتبه يا صديقي، هكذا لن ترضى أبدًا وستحمل من حولك فوق طاقتهم، كلنا بشر فخذ الأمور بمرونة وخفة.

اطلب الدعم

من تقبل بشريتك أن تتعلم طلب الدعم عندما تشعر أنك بحاجة إلى المساعدة.

سواء الدعم المعنوي، فيمكنك أن تتكلم مع صديق وتطلب منه الدعم إن كنت محبطًا أو حزينًا، وهذا يفرق كثيرًا في تحسين الحالة المعنوية.

أو الدعم المادي، وليس المال هو المقصود هنا، فربما تحتاج إلى مساعدة في بعض المهام، أو تحتاج إلى أحد يشتري معك شيئًا ما، أو يأخذ منك الأطفال بعض الوقت، باختصار إن شعرت بأنك مضغوط اطلب الدعم، ولا تستنفد كل طاقتك في عمل كل شيء وحدك.

وهذا سيحتاج منك 3 خطوات:

- الإقرار بأنك محتاج إلى دعم، والاعتراف وتقبل محدودية قدراتك وضعفك البشري.

- تحديد المساعدة التي تحتاج إليها لتحدد أفضل شخص تطلبها منه، سواء كان من المقربين أو من المتخصصين.

- التنفيذ وطلب المساعدة.

اغتنم المتع

من المهارات المهمة التي ستساعدك على العناية بنفسك أن تتعلم اغتنام المتع البسيطة، وأن تستمتع نفسُك بتفاصيل يومك العادية، جهّز قائمة بالأشياء التي تسعدك، مثل مشاهدة منظر الشروق أو حديقة معينة تمر بها في طريقك إلى الجامعة أو شرب عصير معين تحبه، وتعمّد أن تفعل هذه الأشياء في روتينك اليومي، وبعض الأشياء الأخرى كأن تتمشى مع صديق، أو تصنعي مخبوزات تحبينها، اجعل هذه الأشياء ضمن خططك، وأتح وقتًا بشكل دوري واستمتع بها.

وتعلم أن تمتن لكل النعم التي في حياتك، خصص دفترًا صغيرًا وسمِّه مذكرة الامتنان، واكتب فيه كل يوم 3 أشياء تمتن لها، بدايةً من الماء الدافئ في الصنبور، والسقف الذي يحميك، وصولًا إلى فطورك اللذيذ، أو ابتسامة من رجل كبير في الشارع، أو نسمة هواء طيبة، عمومًا من المهم أن تعرف أن الابتسام والضحك يجلبان السعادة وليست السعادة فقط هي التي تجلبهما.

الخلوة والصفاء الذهني

من المهم أن تختلي بنفسك في كل يوم ولو خمس دقائق كما قلنا في البداية.

حسنًا، ماذا يمكنني أن أفعل في هذا الوقت؟ افعل ما تحب، المهم هو أن تستمتع، لكن دعني أقل لك بعض النصائح:

 

- في أوقاتك الخاصة أغلق كل الأجهزة تمامًا التلفزيون والهاتف ومواقع التواصل، أوقف المدخلات التي يستقبلها مخك طوال الوقت، لا أخبار ولا منشورات ولا حديث مع الأصحاب ولا أي شيء، صفِّ ذهنك تمامًا من كل هذا. 

- استغل هذه الأوقات في التأمل وزيادة وعيك بنفسك وبمن حولك، وإدراك مشاعرك وأفكارك وحالة جسمك، إدراكًا وملاحظة دون إصدار أحكام، وسيساعدك التنفس العميق والاسترخاء، لأن التنفس العميق يقلل التوتر جدًّا خصوصًا في أوقات الاضطراب، لذا فهو تدريب مثالي للعناية بالذات.

- استغل هذا الوقت في تنمية الجانب الروحي في حياتك.

 

ومن أكثر الأشياء التي تساعد على تصفية الذهن، أن تكون متصلًا بالطبيعة، كأن تذهب إلى البحر أو إلى الحدائق المفتوحة، أو تتابع منظر الغروب على سطح منزلك، أو تزيّن شرفتك ببعض الأزهار، وخصص وقتًا في روتينك اليومي تتعرض فيه إلى الشمس، سيحسّن هذا نفسيتك وصحتك، فالاتصال بالطبيعة مفعوله أكبر بكثير مما تتصور، ويخفف من التوتر والاكتئاب، ويقلل الانفعال بشكل عام.

اعتنِ بصحتك

وعلى ذكر الصحة التي هي من أهم محاور العناية بالذات، دعنا نقسمها إلى 3 مواضيع: الرياضة والغذاء والنوم.

1. الرياضة: مارس رياضة تستمتع بها، مثل المشي السريع أو الجري أو ركوب الدراجات أو السباحة أو الآيروبكس أو اذهب إلى صالة الألعاب الرياضية بمعدل 150 دقيقة للرياضة في الأسبوع ، ستقلل من احتمالية إصابتك بأمراض كثيرة، وستتحسن لياقتك ووزنك وحالتك النفسية والمزاجية.

 2. الغذاء: مهم جدًّا أن يكون:

- أكلك صحيًّا متوازنًا، تؤثر السكريات والوجبات السريعة في صحتك الذهنية هذا فضلًا عن ارتباطها المباشر والسيئ بالسمنة والسكري، وقد قال العلماء إن زيادتها تزيد تقلبات المزاج والاكتئاب والخمول، فقللها تمامًا واستبدل بها أشياء صحية منعشة، مثل العصائر الطبيعية والفواكه والشوكولاتة الداكنة، وهكذا.

- وطبعًا يجب أن تشرب ماءً كافيًا، من 6 إلى 8 أكواب يوميًّا، ستجعلك منتعشًا وستقلل الشعور بالإعياء وستخلص جسمك من السموم.

- ولا مانع من الاستمتاع بكوب من الشاي، نصحت الكاتبة في عنوان منفصل بالشاي وقالت: "تلذذ بكوبٍ من الشاي"، وقالت إن له تأثيرات على الدماغ تعادل تأثير التأمل، وإنه يحفز موجات دماغية مرتبطة بالاسترخاء العميق وتعزيز الصفاء الذهني.

 3. النوم: عامل مهم جدًّا يغفل عنه كثير من الناس على الرغم من أن النوم غير الكافي يؤثر في التركيز والإنتاجية والحالة المزاجية طوال اليوم.

-  احرص على أن تنام عدد ساعات كافيًا وأن تحسن جودة نومك، و8 ساعات معدل جيد.

- خذ قيلولة في نصف اليوم، فهذا من أكثر الأشياء التي تجدد النشاط وتساعد على تهدئة وتيرة اليوم. 

-  ولتحسن جودة نومك ليلًا، مهم أن تعتمد روتينًا هادئًا ومُهيّئًا قبل وقت النوم بوقت كافٍ، فيمكنك مثلًا أن تستحم بماء دافئ في آخر اليوم لترخي عضلاتك، وجرب أن تملأ البانيو وتضع زيوتًا عطرية وتستجم، فهذه طريقة مثالية لتصفية الذهن.

- أغلق الأجهزة والهاتف قبل وقت النوم بساعة على الأقل، لأن إضاءتها تؤثر في إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تحفيز النوم، ويمكنك أن تستبدل بها قراءة كتاب مثلًا حتى تنام.

 طوّر نفسك

من المهم يا صديقي في عنايتك بنفسك أن تطورها باستمرار..

  •  فاهتم بالجانب المعرفي وطور فكرك ومهاراتك، وجرب أن تسترخي بصحبة كتاب، ستستفيد وستساعدك القراءة على تقليل التوتر وستوفر مهربًا من الواقع اليومي.
  • ونمِّ قدراتك الإبداعية، وعبر عن نفسك بالرسم أو الغناء أو الكتابة أو الخَبز أو الخياطة.
  • وضع لنفسك أهدافًا جديدة خارج نطاق راحتك، تجارب مختلفة، وتحديات مُحفزّة، اشترك في نادي كتاب، وتعلم التمثيل، افعل أي شيء بشرط أن يكون نابعًا من داخلك أنت لا بتأثير من أن الناس تفعل هذا.

وأخيرًا يا صديقي، دلل نفسك من وقت لآخر، احجز spa، أو احجز ليلة في فندق مع زوجتك أو خطط لرحلة قصيرة، وإن لم تملك المال فتنزه في مدينتك، كن سائحًا في مدينتك واعرف ما يميزها وإن كان مطعمًا شعبيًّا معروفًا مثلًا. 

عنايتك بنفسك ولو لدقائق فقط كل يوم ستنعكس عليك بشكل مباشر، وستجعلك أكثر سكينة وسعادة وثقة بالنفس، وتذكر أن هذا من حقوق نفسك عليك، من دون إفراط ولا تفريط.

نتمنى لكم حياة لطيفة!