التأثير المركب

Book-Cover

المقدمة

إن النجاح من أكثر الأمور التي تخدعنا في الحياة، لأننا دائمًا ننظر إلى النتيجة ونركز عليها، فننظر إلى رجل الأعمال الذي أتم صفقة كبيرة، أو الشخص الذي نشر أنه أنهى قراءة الكتاب رقم 3000 في حياته، بالإضافة إلى الصور والفيديوهات التي تقابلنا في كل مكان لأشخاص وصلوا إلى شكل الجسم المثالي من وجهة نظرنا، والخادع في هذا أننا لا نرى غيره، لا نرى سوى الصورة التي تظهر لنا، دائمًا نرى الشخص الذي وصل إلى شكل جسم مثالي أو الذي أصبح رجل أعمال ناجحًا، لكننا لا نرى محاولاته التي كلفته شهورًا وسنين من التعب والإرهاق، وعلى الرغم من أن هذه الحلقة ستنتقد الأفكار الرئيسة التي نعرفها عن النجاح، فسأقول لك كيف تصل إلى النجاح الذي تريده بشكل واقعي ومنطقي، بعيدًا عن الكلام التحفيزي الذي تنساه بعد سماعه مباشرة. كما تستطيع الآن أن تطور نفسك أكثر بملخصات كتب النمو الشخصي على تطبيق أخضر في 15 دقيقة من دون إعلانات.. وستجد عليه حلقة اليوم المبنية على كتاب (التأثير المُركب) لمؤلفه دارين هاردي، والذي يقول لك إن

عقلية الميكروويف

العصر الذي نعيش فيه عصر السرعة والسهولة، تتنافس كل الشركات ورجال الأعمال ليوفروا لنا ما نحتاج إليه بضغطة زر واحدة؛ إن أردت أن تأكل، فستجد عشرات التطبيقات الخاصة بالمطاعم وشركات التوصيل التي ستحضر إليك الطعام من أي مطعم تفكر فيه، بالإضافة إلى مئات العروض التي تحاول إغراءك لتطلبها، الآن الأمر مختلف عن السابق، لم يعد الإنسان محتاجًا إلى النزول مع قبيلته للصيد أو حصاد الأرض، ولا حتى يحتاج إلى شراء الطعام وطبخه، ولا الوضع كما كان عليه منذ سنوات قليلة عندما كان الأكل في البيت أو في المطاعم، الآن تستطيع الوصول إلى ما تحب بمجرد التفكير فيه، فمثلًا تستطيع البحث عن كل الكتب والأجهزة وكل ما تحتاج إليه ثم تشتريه من خلال هاتفك بكل سهولة، وبنفس البساطة أصبحنا قادرين على عمل أشياء مُعقدة أكثر مثل حجز رحلة إلى أي مكان في العالم، أو التكلم مع الأشخاص الذين نحبهم طوال الوقت بغض النظر عن المسافات بيننا، وعلى الرغم من فائدة هذا التقدم وتسهيله لحياتنا، فإنه ساعد على برمجة أدمغتنا بشكل معين، وهذا الشكل هو أننا أصبحنا نريد أن يحدث كل شيء بسرعة، فتوافر الرفاهيات حاليًّا بكثرة في العالم جعلنا نعتادها حتى في أحلامنا وفي الأمور الكبيرة التي نريد فعلها، فلا أحد يهتم الآن ببذل مجهود في شيء لسنوات ليرى نتيجته، بل يريد أن يرى النتيجة الآن، وهذا ما يسميه الكاتب عقلية الميكروويف، والميكروويف هنا يقصد به الوسيلة السريعة التي نجهز بها الطعام بدلًا من طبخه والاهتمام بتفاصيله.

التأثير المركب وسر الناجحين

يرى دارين هاردي أن أول ما يجب فعله لنصل إلى نجاح مقبول هو أن نبتعد عن عقلية الميكروويف، وأن نقتنع بأنه ليس كل الأشياء يمكن أن تحدث الآن، وعلى الرغم من بساطة هذه الفكرة فإن دارين هاردي وصل إليها بعد مئات من المقابلات مع رجال الأعمال الناجحين، لأنه كان يرأس مجلة "Success Magazine"، يعلم رجال الأعمال والرياضيون والناجحون في حياتهم أنه ليس مهمًّا ما سيفعلونه اليوم أو غدًا، كما يعلمون جيدًا أهمية ما ستبدأ فعله اليوم وتستمر فيه لمدة عشر سنوات، والنتيجة بعد عشر سنوات هي التي ستجعل منهم أشخاصًا ناجحين. يبسط الكاتب هذه الفكرة بمثال مشهور في عالم التنمية الذاتية وهو: هل تأخذ 3 ملايين دولار الآن أم تأخذ سنتًا واحدًا كل يوم لمدة شهر؟ ولكن ستتضاعف القيمة كل يوم، بمعنى أنك ستأخذ في أول يوم سنتًا واحدًا، ثم 2، ثم 4 وهكذا، معظم الناس لن يفكروا وسيأخذون الثلاثة ملايين الآن، خصوصًا أن السنت مبلغ قليل جدًّا، وحتى 21 يومًا سيكونون قد جمعوا نحو 5400 دولار فقط، لكن دارين هاردي يوضح أنه في اليوم الثلاثين، سيصل السنت إلى 10 ملايين و730 ألف دولار، الفكرة هنا أننا كل يوم نفعل شيئًا بسيطًا، واليوم التالي كذلك، ثم تتراكم هذه الأشياء البسيطة وتجتمع لتكون لنا النتيجة الكبيرة التي تجعلنا ناجحين.

الاختيارات

الاختيار هو العامل الأساسي الذي يتحكم في التأثير المركب ويجعله شيئًا مفيدًا في حياتنا، وهنا نتكلم عن الاختيارات الصغيرة التي نختارها طوال الوقت، أشياء تبدو لنا غير مهمة، ونأخذ فيها قرارات عشوائية لأننا نتكاسل عن التفكير فيها أو لأننا لا نهتم لأمرها، ثم نكتشف أن تراكم القرارات الصغيرة يتحول إلى مشكلة كبيرة، لذا نقول إن التأثير المركب له تأثير سلبي كما له تأثير إيجابي، وكلاهما بنفس القوة، فكما يمكن لتراكم الخطوات الصغيرة أن تصل بك إلى مكان تتمناه، يمكن لها أيضًا أن تصل بك إلى مكان لا تتمناه لألد أعدائك، وإن لم تستطع أن تتخيل كيف يمكن للقرارت الصغيرة أن تؤثر في حياتك، فسأحكي لك قصة مألوفة لكثير منا، بطل قصتنا اسمه عماد، وعماد طالب مجتهد في الصف الثاني الثانوي يذهب إلى دروسه كل يوم، ولكن أصدقاءه يطلبون منه الذهاب معهم إلى البلايستيشن بعد الدروس، ويرى عماد كل يوم الأمر بسيطًا، ولا ينتبه إلا وهو يدفع للعب 10 مباريات ثم يعود إلى منزله، وفجأة حان وقت الامتحانات، وجد عماد نفسه لا يتذكر معظم المنهج على الرغم من أنه كان يحضر كل الدروس، ولكنه نسي أن كثرة اللعب بعدها كانت تستنزف وقته وتنسيه ما تعلمه، بالإضافة إلى صرف الأموال كل يوم بانضباط والتزام مما أوصل شكل محفظته إلى حال جعلَته يحزن على نفسه، وفي النهاية، يذاكر عماد المنهج ليلة الامتحان ويحصل درجة كان بإمكانه أن يحصل على أعلى منها بكثير، وتمر السنة، وهذا ما يحدث في أشياء كثيرة مثل الشطيرة التي تقرر أن تشتريها مع أصدقائك كل مرة لأنك تظن أنه ليست هذه الشطيرة هي ما ستفسد حميتك الغذائية، وفي النهاية هذه الشطيرة هي التي تفسد الحمية بالفعل.

ملعقتان ونصف من السكر في سنتين ونصف

وبمناسبة الحمية الغذائية سأحكي لكم قصة اثنين من أصدقاء دارين هاردي قررا أن يجربا التأثير المركب، قرر واحد منهما أن يقلل من وجبته 125 سعرًا حراريًّا، وقرر الثاني عكس ذلك، وبعد نحو 6 أشهر لم يتغير وزنيهما، لكن بعد سنتين ونصف فقد صاحبه الأول 15 كيلوجرامًا من وزنه، وفي نفس الوقت، اكتسب صاحبه الثاني نحو 15 كيلو أيضًا، نعم ال 15 كيلو نستطيع أن نفقدهم في مدة أقل بكثير، لكن أريد منك أن تتخيل لو أن السنتين ونصف تحولت إلى 5 أو 10 سنوات، مع العلم أن ال125 سعرًا حراريًّا هي قدر ملعقتين ونصف من السكر، بمعنى أن سكر كوب من الشاي فقط ربما يكسبنا 60 كيلو في 10 سنوات، أو يتحول إلى سِمنة مفرطة ومشكلات أخرى في ما بعد، وطبعًا أنا لا أقول ذلك لتخاف كوب الشاي، فبعض العوامل الأخرى في يومنا تتحكم في أوزاننا مثل الأكل والحركة وغيرهما، ولكني أقول ذلك لتفهم أهمية التأثير المركب أو الاستمرار على شيء بسيط لمدة طويلة، وهذا نفسه ما كان يفعله السباح العالمي مايكل فيلبس الذي استطاع أن يجمع 28 ميدالية أوليمبية، قال مدربه إنه في خلال سنوات التدريب كلها التزم مايكل فيلبس بالوقت والتمرين دون أي حجج أو أعذار إلا مرة واحدة استأذن قبل ميعاده بربع ساعة وذلك لذهابه إلى تمرين آخر غير السباحة.

ماذا تفعل لتستفيد من التأثير المركب؟

من أهم ما يمكن أن تفعله لتستغل قانون التأثير المركب ليحسن حياتك هو أن تحدد أولًا ما تريده، بمعنى أن تكتب أهدافًا واضحة ومُحددة، وتحدد، بناءً على هذه الأهداف، تفاصيل صغيرة في يومك سيساعدك الاستمرار عليها على تحقيق هدفك، فلو أردت أن تفقد وزنك أو تصل إلى شكل جسم مثالي، يمكنك أن تقلل ملعقتين من السكر في يومك، أو تتوقف عن الأكل قبل النوم بساعتين، أو تتمرن 3 أيام في الأسبوع لمدة 20 دقيقة، ولو كان هدفك القراءة فيمكنك أن تقرأ خمس صفحات فقط أو عشرة كل يوم، نعم ستجد أن معدل القراءة قليل لكن بنهاية السنة ستجد أنك أنهيت قراءة عدد جيد من الكتب، بينما لو أحببت أن تطور نفسك في عمل معين أو لو أحببت أن تدخر من أموالك، فيجب أن تراقب مصروفاتك وتبحث عن شيء اعتدت شراءه ويمكنك الاستغناء عنه وادخار ثمنه، بهذه الطريقة ستكون في حياتك بعض التفاصيل الصغيرة القادرة على مساعدتك، وذلك دون أن تشعر أنك تبذل مجهودًا كبيرًا أو تفعل شيئًا يستنزف وقتك، هو مجرد فعل بسيط ولكنك تحصد نتائج كبيرة منه على مدار شهور، شيء يشبه الاستثمارات التي يضع فيها الناس مبلغًا صغيرًا وينسونها، ولكن لتنسى خطواتك الصغيرة تحتاج أولًا إلى أن تركز عليها، وتكررها حتى تتحول إلى عادة، مما سيجعلك تفعلها تلقائيًّا دون أن تكون مُضطرًّا إلى الانتباه لها طوال الوقت، وبناء هذه العادات الصغيرة سيكون أسهل كثيرًا من محاولة بناء عادات كبيرة، فكل ما ستحتاج إليه هنا هو نظام تتبع للعادات، ويمكنك أن تفعل هذا بورقة وقلم، عن طريق كتابة العادة التي تنميها، وكتابة تطورك فيها وإنجازك لها، وبعد وقت قصير ستكتشف أنك أصبحت تفعلها بشكل تلقائي، ساعتها يمكن أن تتوقف عن تسجيل تفاصيل هذه العادة وتتركها تحدث تلقائيًّا كما هي.

الفشل والمعوقات

أوضحنا أن التأثير المركب هو اختيارات وعادات صغيرة في حياتك تفعلها لمدة طويلة حتى تحصل على نتيجة كبيرة، ولكن لنفترض أنك بدأت تلاحظ أنه قد مرت مُدة كبيرة ولم تحدث نتائج مُرضية ملموسة، حينها ستأخذ خطوات صغيرة جديدة، وبدلًا من الاعتماد على تأثير مُركب واحد ستعتمد على اثنين، فلو عدنا إلى مثال أنك تريد أن تخسر وزنًا أو أن تصل إلى شكل جسم مثالي، يمكنك حينها أن تضيف طبقًا من السلطة في يومك، أو إن كنت تأكل رغيفًا اجعله نصف رغيف، وإن كنت تتوقف عن الأكل قبل النوم بساعتين اجعلهما ثلاثة، أو زد يومًا في الأسبوع للرياضة ودرب فيه الجسم كله، وهكذا ستجد أنك تختار عادة أخرى صغيرة وتضيفها إلى العادة الأولى، ويتراكم تأثير هذه العادة مع تأثير العادة الأولى، وفي النهاية تحصل على نتيجة الاثنين معًا، وبالمناسبة الأمر سيكون سهلًا أيضًا، وذلك لأن العادة الأولى أصبحت فعلًا روتينيًّا في حياتك، فستهتم بالعادة الجديدة فقط، ودعني أذكرك أننا نتكلم عن أشياء صغيرة، وليس أشياء تحمل همها أو تعطلك في يومك.

حتى الآن من المفترض أن كل شيء يسير على وتيرة واحدة، وهي تحديد هدف، واختيار خطوات صغيرة تساعد على تحقيق الهدف، ربما تسأل هل تظل الخطوات الصغيرة صغيرة دائمًا لا تتغير؟ قال الكاتب إننا نكبّر هذه الخطوات ونتعامل معها بجدية أكبر عندما تقابلنا معوقات وصعوبات، بمعنى أننا ننفذ خطتنا بشكل طبيعي حتى تحدث مُشكلة فتحركنا هذه المشكلة لنكبّر خطواتنا الصغيرة، فمثلًا لو أنك تقرأ كتابًا ووجدت أنه مُهم في حياتك وستستفيد منه أشياء ضرورية، فربما تصبح الخمس أوالعشر صفحات خمسين صفحة، أو إن حلّ فصل الشتاء أو شهر رمضان ووجدت أنك تأكل أكثر وملعقتي السكر فقط لن تؤثرا، فيمكنك أن تتمرن أكثر، أو تمارس رياضة الجري لتحافظ على تأثير خطواتك الصغيرة، ببساطة أنت تسير في طريق معروف محدد، لكن يجب أن تملك من المرونة ما يمكنك من التعامل مع أي مفاجآت، وبمناسبة المعوقات أريد أن أقول لك إن التأثير المركب لا يسير دائمًا كما نريد، فأحيانًا لا نستطيع الحفاظ عليه، وستمر بك أيام تشعر فيها أن قراءة الخمس صفحات فعل مُرهق، كل هذا طبيعي وعادي، أحيانًا لا نستطيع عمل الخطوات الصغيرة ولكن يحدث هذا لوقت قصير ثم نعود ونستمر على نفس الطريق الذي رسمناه.

 

هذا هو التأثير المُركب الذي يرى دارين هاردي أنه السبب السحري وراء كُل قصص النجاح التي رآها، ويرى أيضًا دارين أن النجاح ليس فعلًا بطوليًّا أو خارقًا، فالناجحون لا يملكون جناحات ولا يخرجون النار من أفواههم، الناجحون أناس قرروا أن يستمروا على روتين وأفعال مُملة لأنهم يعرفون أهمية ما يفعلونه، وبالمناسبة، الحياة الروتينية والخطوات الصغيرة هي التي جعلتنا نرى مايكل فيلبس وهاروكي موراكامي ونجيب محفوظ، وكثيرين غيرهم ممن كان لديهم روتين يومي مُحدد اتبعوه طوال حياتهم، ويا سيدي أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل.. أليس كذلك؟