مُعجزة الصباح

Book-Cover

المُقدمة

على الرغم من أن مشاهير العالم والناجحين ينجحون في مجالات مختلفة فإنهم يشتركون دائمًا في بعض العادات، وتسهم هذه العادات بشكل كبير في نجاحهم جميعًا.

الكتاب الذي سنتكلم عنه اليوم يناقش واحدة من أهم هذه العادات وهي الاستيقاظ مُبكرًا والحفاظ على روتين ثابت، ولكن الكاتب هنا لا يقصد أن يكون لكل منّا روتين خاص به، بل يقصد أن نلتزم جميعًا بنفس الروتين الذي سنعرفه من خلال الكتاب، وهذا سيضمن لنا النجاح، وسيغير حياتنا كلها للأفضل.

يقول لنا الكاتب إنه استمد ثقته في هذا الروتين من قصة نجاحه ونجاح عشرات الآلاف من الناس حول العالم الذين يعتبرون دليلًا كافيًا على نجاح روتينه. وبالمناسبة.

أهمية اللحظة.. قوة الآن

يحكي لنا قصة شاب في العشرين من عمره، وفي يوم من الأيام كان راكبًا سيارته يسير بها على الطريق، ومن دون مقدمات، فوجئ بسيارته تصطدم اصطدامًا عنيفًا وكل شيء من حوله تحول إلى السواد، وبعد هذا المشهد بساعات، استفاق الشاب على سرير في المستشفى، وعرف بأمر الحادثة التي بسببها أصيب بتلف في الدماغ، و11 كسرًا مختلفًا في جسمه، وقال الأطباء إنه غالبًا لن يكون قادرًا على المشي مرة أخرى، وفجأة أصبح الشاب الذي كان يعيش حياته مرتاحًا لا يهمه شيء، مُعرضًا للعجز الدائم، وعندما يمر نصف يومه ينسى ما حدث في أوله، إن كنت تسأل عمّا حدث مع هذا الشاب في ما بعد فهو كالتالي:

استطاع الشاب أن يتخطى الاكتئاب الشديد الذي مرّ به، وعاد يمشي على قدميه مرة أخرى، أصبحت صحته أفضل من ذي قبل، بالإضافة إلى أنه أسس أعماله الخاصة وبدأ يكتب كتبًا، وكانت هي الأعلى مبيعًا في العالم، وأصبح يلقي خطابات في أكبر المسارح، وبالتأكيد كما بدأت تتضح لك الصورة هذا الشخص هو هال الرود، مؤلف الكتاب.

قال إن الحادثة التي تعرض إليها جعلته قادرًا على فهم قيمة اللحظة، وإدراك أنه ربما يموت في ثانية واحدة، وتجربة قربه من الموت جعلته يقرر أن يستغل كل لحظة في حياته بأحسن طريقة ممكنة، وفي هذا الوقت قرأ الكاتب جملة كانت تدور في دماغه باستمرار وهي: "مستوى نجاحك في الحياة لن يتجاوز مستوى تطورك الشخصي"، ومن هنا بدأ الكاتب يبحث عن عادات الناجحين ويعرف أهمية الاستيقاظ مبكرًا في حياتهم، بل ورأى كيف يتنافس الناجحون من منهم سيستيقظ مبكرًا أكثر، مثل بيل جيتس، ومارك زوكربيرج، والرياضيون مثل رونالدو، وبروس لي، والممثلون مثل ويل سميث ودوين جنسون وغيرهم.

ساعة مُبكرًا

يقول الكاتب إن معظمنا نظل مستيقظين طوال الليل، ثم ننام متأخرًا أمام الهاتف أو التلفاز، ويطلع الصبح، ويرن المنبه للعمل أو الدراسة، فنظل نضغط على الغفوة مرة ومرتين وثلاثة، ثم نستيقظ على مضض لنتصفح الهاتف ونهرع إلى العمل، وعلى الرغم من أن هذا روتين معظم الناس فإنه يوضح لنا أيضًا سبب عدم نجاح معظم الناس، فنحو 5% فقط هم من يعيشون بالطريقة التي يريدونها فعلًا.

يؤكد الكاتب هنا على فكرة وهي أن الساعة الأولى من يومنا هي التي تحدد كيف سيمر يومنا كله، وما نفعله قبل النوم يصنع فارقًا معنا عند الاستيقاظ، لذا ستجد غالبًا أنك عند الاستيقاظ تفكر في آخر شيء فكرت فيه ليلًا، مما يوضح لنا مدى أهمية ترك للهاتف قبل النوم وكتابة كل ما تريد عمله في اليوم المقبل لأن هذا يبرمج عقلك بشكل معين، فيجعلك تحتفظ بهذه الأفكار في دماغك وتتذكرها عند الاستيقاظ، وفي الوقت نفسه تحاول أن تستعد ذهنيًّا أنك ستستيقظ مبكرًا وإن كنت معتادًا النوم متأخرًا.

أدرك الكاتب من خلال تجارب المحيطين به أن سبع ساعات من النوم كافية وإن استيقظنا كسالى، فبعض الأشياء ربما تساعدنا لنستفيق، كما يمكننا أن ننام ساعتين أكثر من مرة على مدار اليوم، سيكون المجموع في النهاية 6 أو 8 ساعات، وهكذا سنحافظ على نشاطنا طوال اليوم.

إن لم تستطع تخيل أهمية الاستعداد الذهني للاستيقاظ مبكرًا فدعني أذكرك بمشهدين نعيشهما يوميًّا، أول مشهد هو سهرك ليلًا ونومك ممسكًا بالهاتف لا تشعر بالدنيا، ثم استيقاظك مصابًا بالصداع تريد النوم مرة أخرى. المشهد الثاني أيضًا هو يوم سهرت فيه ونمت ممسكًا هاتفك ومن المفترض أن تستيقظ مبكرًا، لكن هذه المرة ستذهب إلى المصيف في اليوم التالي أو إلى حفل زفاف شخص مهم في حياتك، أو ستسافر إلى بلد آخر أو لديك مقابلة عمل مهمة، هل ستستيقظ بنفس الكسل والخمول؟ الإجابة لا، تستيقظ مُتحفزًا نشيطًا متشوقًا لمعرفة ما سيجري، بالضبط هذا ما يريدنا الكاتب أن نصل إليه، أن نرتب أهدافنا قبل أن ننام بالشكل الذين يجعلنا متحمسين عند الاستيقاظ.

6 عادات لتغيِّر حياتك

كما قلنا في البداية، كتب المؤلف هذا الكتاب ليقول إننا يجب أن نتبع روتينًا مُعينًا لنغير حياتنا بأسرع طريقة مُمكنة، ينقسم هذا الروتين إلى 6 عادات يجب أن نواظب عليها في كل صباح، والسبب الذي جعل الكاتب يفكر في هذا الروتين أنه يرى أن معظم الناس يستيقظون في ميعاد العمل أو الدراسة، ولا يخصصون وقتًا لأنفسهم، فهم يهرعون إلى أعمالهم بمجرد أن يرن المنبه، ولكن هال يرى أنه من المهم جدًّا أن يكون لنا وقت خاص بنا نفعل فيه أشياء معينة، لذا بدأ ينصح الناس أن يستيقظوا مبكرًا عن ميعادهم ساعة واحدة ليتبعوا روتينه، تكاسل الناس في البداية ووجدوا صعوبة في فعل ذلك، ولكن مع الوقت ولما استشعروا بعض التغيرات جعلوا الساعة ساعتين وثلاثة.

الهدوء والصمت هما أول عنصرين في روتين هال، وهذه هي بداية اليوم المثالية عنده، أن نجلس في هدوء وصمت، ونعطي فُرصة لتدفق الأفكار والمشاعر، ونستوعب بشكل كامل أننا في يوم جديد، ولكن فترة الصمت هذه لن نقضيها على السرير، سنمارس في هذا الوقت أنشطة مُعينة توصلنا إلى الهدوء والراحة، فيمكننا أن نصلي أو نمارس اليوجا والتأمل أو حتى نؤدي تمارين التنفس، وتمارين التنفس تكون بالتركيز على تنفسنا، فيخرج النَّفَس من البطن ويعود إليها وليس من منطقة الصدر، سيؤدي بنا هذا التمرين إلى درجة كبيرة من الراحة، كما سيجعلنا نتواصل مع الأفكار العشوائية في دماغنا.

ثانيًا التوكيدات الإيجابية، أو زراعة الإيجابية، والكاتب هنا يقصد أن نؤكد لأنفسنا أننا أشخاص جيدون ونستحق الأفضل، ونستطيع أن نفعل ما نريد، هو لا يقصد تكرارات التنمية البشرية، ولكنه يقصد أن نذكر أنفسنا كي لا ننسى وكي تعتاد عقولنا مع الوقت على ما نقوله، والأمثلة من الناجحين الذين فعلوا هذا كثيرة مثل أوبرا وينفري، ومحمد علي كلاي، الذي اشتهر بجملته "i'm the greatest"، أو "أنا الأعظم"، وما قصده محمد علي هنا هو أن يذكر نفسه دائمًا أنه قادر على أن يكون أفضل ملاكم، وألا يسمح لليأس والشك بالتسلل إليه، والتوكيدات هنا تختلف من شخص لآخر، فكل منا يستعمل التوكيدات الإيجابية المناسبة لحياته وأهدافه، وبعض الأشياء تحسن مفعول التوكيدات،  كأن نكررها ونقولها بصوت مسموع أو نقولها أمام المرايا.

ثالث ما في الروتين الصباحي هو التخيل، والتخيل هنا ليس بعيدًا عن النقطة السابقة، وما يجب أن نفعله هو أن نتخيل أنفسنا نفعل أشياء وددنا لو فعلناها، بمعنى أن نتخيل أننا نترقّى في أعمالنا، أو أننا فزنا ببطولة أو نجحنا في الدراسة، والفكرة هنا أننا نؤكد لأنفسنا أننا سنصل، وأنه بقليل من الصبر والاجتهاد سنكون هناك، وهذا شبيه بما فعله المُمثل جيم كاري وهو شاب، حين رغب في أن يمثل مع ممثلين معروفين، وأن يكون اسمه كبيرًا في صناعة السينما، وليثبت لنفسه أنه قادر على ذلك، كتب إيصالًا ب 10 ملايين دولار، وكتب عليه تاريخ 1995، وبالفعل في هذا التاريخ كان جيم كاري بطل أفلام كبيرة، يمثل مع أشهر الأسماء في العالم، بل هو نفسه أصبح واحدًا من هذه الأسماء، وامتلك حينها أكثر من 10 ملايين دولار، هذا ما فعله أيضًا مؤلف الكتاب وقت الحادثة، مما ساعده على تحسين ذاكرته وصحته، واستطاع العودة إلى حياته الطبيعية، لأنه أكد لنفسه وتخيل نفسه وهو مُعافًى، باختصار، التخيل دليل على امتلاكك الإرادة.

رابعًا الرياضة، والرياضة تعتبر من أهم الأنشطة التي ستساعدنا على الاهتمام بباقي العادات بشكل سليم، كما ستحسن حياتنا كلها، والقاعدة هنا بسيطة، أعط الرياضة وقتها الآن أو انتظر المرض الذي سيأخذ منك هذا الوقت في سن أكبر، وعمومًا لست مضطرًّا إلى ممارسة الرياضة ساعة أو ساعتين، هي مجرد تمارين خفيفة من 10 إلى 20 دقيقة، يمكنك أن تجري أو تمشي بخطوات سريعة، أو تلعب الضغط والعقلة، أو تمارين الكارديو فذلك لن يحتل وقت يومك كله، وفي نفس الوقت له فوائد عظيمة على المدى الطويل.

العادة الخامسة هي القراءة، وطبعًا لا روتين يُتكل عليه دون أن يحتوي على قراءة، لأن القراءة من أهم العادات التي يجب أن يحافظ الإنسان عليها، غير أن تأثيرها على المدى الطويل كبير جدًّا، وهي كباقي العادات ليس مطلوبًا منك تقرأ كتابًا، فقط مجرد 10 دقائق أو ربع ساعة للقراءة يوميًّا، وحاول ألا ينقص وردك عن 10 صفحات، حتى في أسوأ الظروف، وهذه الصفحات العشرة ستنتج لك نحو 18 كتابًا في السنة، فلك أن تتخيل إن قرأت 18 كتابًا في مجال تهتم به أو تريد تطوير ذاتك فيه، أو حتى سمعت ملخصًا يوميًّا على تطبيق أخضر 😊.

آخر عادة معنا هي الكتابة، وهنا ستسمح لأفكارك بالتدفق على الورق وتفرّغ دماغك قدر الإمكان، ويقول الكاتب إنه اعتاد كتابة شيئين بشكل أساسي، أولهما التزاماته وواجباته، وثانيهما الدروس المستفادة وما تعلمه، والبعض يضيف الامتنان أو الأشياء التي يريدها أن تستمر في حياته، أو التي يريد أن يتخلص منها وهكذا، كلٌّ يكتب بالطريقة التي تناسبه، ويقول الكاتب إن هذه العادة لا تحتاج إلى أكثر من  10 دقائق في الغالب.

بعد اتباع كل هذه العادات ستجد أنها تستغرق من وقتك ما يقرب من ساعة، فالتوكيدات الإيجابية والتخيل مثلًا لن يستغرقا من وقتك سوى خمس دقائق، وهكذا الهدوء والصمت، وباقي العادات ستستغرق نحو ربع ساعة، ومع ذلك يقول هال إننا سنجد صعوبة في البداية أن نفعل كل هذا يوميًّا دفعة واحدة، فإن صعب عليك جرب نظام الــ6 دقائق، وهذا النظام ببساطة هو أن نعطي لكل عادة دقيقة واحدة، وبالطبع كل شخص وقدرته، فيمكن أن نجعل الدقيقة دقيقتين أو ثلاثة أوخمسة، حتى نعتاد الأمر ويتحول إلى روتين.

خمس عادات للاستيقاظ بنشاط

كما قلنا سابقًا، إن اتباع هذا الروتين الصباحي لن يكون سهلًا في بدايته، خصوصًا أنك لن تستيقظ بكامل تركيزك وتريد النوم مرة أخرى، وهنا يخبرك الكاتب ببعض الخطوات التي ستجعلك نشيطًا وإن كنت تريد النوم، أولًا ستكتب ما تريد الاستيقاظ من أجله قبل أن تنام لتتذكره عندما تستيقظ.

ثانيًا ستبعد المنبه عنك قدر الإمكان، حتى لا تضغط على الغفوة وتؤكد لنفسك أنك لا تريد الاستيقاظ، ذلك سيجعلك تقوم من السرير لإغلاق المنبه، وهذا وحده كاف لإفاقتك من النوم.

ثالثًا ستدخل إلى الحمام وتغسل وجهك بمياه باردة، ثم تغسل أسنانك، ستقضي في هذا النشاط دقيقة أو دقيقتين لتستفيق قليلًا.

رابعًا اشرب كوبًا كبيرًا من المياه.

وخامسًا غيّر ملابس النوم، وطبعًا يُفضل أن تغير مكان النوم كله وتذهب للجلوس في مكان يصل إليه نور الشمس ليربط دماغك الصباح به، وكل هذا بعيدًا عن الهاتف تمامًا.

 

في النهاية، دعني أقل لك إن هذا الروتين قد نجح مع آلاف البشر وغيّر حياتهم إلى الأفضل، ومع ذلك هو مجهود شخصي من الكاتب، يمكنك أن تعدل في بعض تفاصيله، أو تعدل في الوقت ليتماشى مع حياتك، أن لا تتخيل نفسك ناجحًا كل يوم، هذا لن يؤثر في الروتين، لكن ما سيؤثر هو أن تتوقف عن القراءة أو الرياضة أو حتى فترة الهدوء والصمت، خصوصًا بعد أن تعتادها، لا تقيد نفسك بهذا الروتين لكن اجعله يحسن حياتك قدر الإمكان.