الفخ القاتل

Book-Cover

المقدمة 

تصدر كل سنة إحصاءات بعدد البشر الذين لقوا حتفهم بسبب الحيوانات أو بسبب الجرائم  والحوادث المختلفة، بالإضافة إلى الأشخاص الذين يموتون متأثرين بالأمراض، ولا يخفى على أحد ما فعلته كورونا في سنة واحدة.

وعلى الرغم من محاولاتنا المستمرة للتقليل من مسببات الموت المعروفة لنا، فبعض الأشياء تقتل البشر بفارق كبير عن أي قاتل آخر، قاتل يقتل ببطء، يستمتع وهو يدمر ضحيته بالتدريج خلال سنوات، ولكن المختلف في هذا السيناريو أننا نذهب إلى القاتل بأنفسنا، بل وننتظره حتى يقضي علينا.

هذا القاتل هو التدخين، ومع أن خطر السجائر لا يخفى على أحد الآن، فإننا ما زلنا نشتريها بميزانيات كبيرة، بل إن بعض الناس يتخلون عن الطعام والشراب ولا يتخلون عن السجائر، وكل التحذيرات والصور المُفزعة الموجودة على العلب غالبًا لم يعد لها أي تأثير!

كثير منا يظن أن الشركات تضع هذه الصور المفزعة بسبب الملاحقات القانونية، أو بسبب القضايا التي ربما تُرفَع ضدهم لأن السجائر تضر الصحة، وقتها ستدافع الشركات عن نفسها بأنها حذرت من البداية والمدخنون مصرّون على شرائها، وهذا حقيقي فعلًا، ولكنه ليس بهذه البساطة.

ما يحدث ليس أن الشركات تقول لك إن السجائر سيئة وتنصحك بألا تشتريها وأنت الذي يصمم على الشراء.. بالعكس، دخلت الشركات لعبة لتجعلنا نشتري السجائر سواء بوعي منا، أو من دون وعي، وآخر مراحل هذه اللعبة هي الصور الموجودة على السجائر!  

إيمي.. المحبوب الذي أفسدته السجائر

يبدأ الكتاب بقصة إيمي وأهله الذين قرروا أن يسموه بهذا الاسم خصوصًا بسبب معناه المحبوب، وفعلًا نجد أن له نصيبًا كبيرًا من اسمه، ويصبح محبوبًا في عائلته، وعندما يلتحق بالمدرسة يصبح محبوبًا وسط التلاميذ ومن أفضل الطلاب، ذلك غير أنه يتمتع بشخصية قيادية تجعله دائمًا محور الحدث، كانت حياة إيمي تسير على ما يرام حتى بدأت السجائر تشكل هاجسًا في حياته.

 كان إيمي تائهًا في البداية ولا يستطيع تحديد موقفه من السجائر، هل هي مفيدة كما تروج لها الإعلانات وكما يدخنها أبوه وعمه؟ أم مضرة كما تقول بعض المنظمات وكما قالت مُعلمته إنها تصيب الإنسان بالسرطان وتقتله؟ في هذا الوقت تعرف إيمي إلى موريس، وكان الطالب غير المبالي في المدرسة، أبوه وأمه منفصلان، يرسب كثيرًا ولا يهتم لشيء، ويعتبر العضو الأساسي في أي جماعة سوء، كان موريس يعلم أنه ليس شخصًا مُقنعًا لذا كان يصطحب معه فيليب لأنه يقنع الطلاب بأي شيء، خصوصًا شُرب السجائر، وهذا ما حدث بعد تحدثه مع إيمي وقال له إن كل من يدخنون السجائر من حولك بالطبع لا يريدون قتل أنفسهم، بالإضافة إلى أن السجائر تعتبر تذكرة لدخول عالم الرجال، وإن لم تستطع أن تكون رجلًا بشكل كامل، فيمكنك تدخين السجائر الخفيفة، ويمكنك أن تبدأ بسجائر النعناع، وأهم ما في الموضوع أن السجائر ليست إدمانية، وبإمكانك أن تمنعها في أي وقت تريده.

من خلال موريس وفيليب ورجال العائلة، يسقط إيمي الطفل المحبوب، ويبدأ شرب السجائر وتسوء حياته بالتدريج.

أضرار السجائر

لتفهم لما ذا يمكن للسجائر أن تفسد حياة إيمي أو حياة من يدخنها تحتاج إلى أن نحكي الحكاية من البداية، أول شيء لدينا مركب البنزوبيرين، وهو واحد من 4000 مادة من المواد التي تدخل في صناعة السجائر، ويعتبر البنزوبيرين من أخطر المواد التي تسبب أورامًا سرطانية للإنسان. ولدينا أيضًا أول أُكسيد الكربون الذي ينضم إلى عائلة المواد المُسرطنة، ويستطيع أن يصل إلى الهيموجلوبين، ويدمر بنية الأوعية الدموية تمامًا، ويتسبب في التهابات في الأوردة ونزيف دماغي وأمراض الشرايين بشكل عام، ويؤدي إلى سكتة قلبية.

وأكسيد النيتروجين الذي يسبب التهابات في أغشية التنفس، وهو السبب الرئيس في حدوث التهاب في الملتحمة في العين، ذلك غير أن البشرة والأسنان يصبغون باللون الأصفر المألوف الذي يظهر مع التدخين.

يختلف الوضع قليلًا مع مُركب الأمونيا لأنه أحيانًا يُباع في شكل عقار طبي، لكن وإن حدث هذا، يُكتب تحذير محتواه أن دخوله الجسم ربما يسبب هيجانًا أو تورمات، وهذه التورمات هي التي نراها في الرئتين في أثناء شرب السجائر، كما أن المشكلات التي تسببها الأمونيا في الرئتين تساعد على انتشار النيكوتين في الجسم كله.

أما مادة البيريدين فهي من المواد المُضرة الموجودة في السجائر، ولكنها تؤثر فينا بشكل نفسي أكثر، وتعتبر من المواد الخطيرة التي تُدخِل الإنسان في نوبات من الغضب والأرق، وأحيانًا تؤثر فينا عضويًّا من خلال الدوار والغثيان.

تعالَ هنا.. هل تعبت؟ ما زلنا في البداية، السجائر مُضرة حقًّا أنا لا أخدعك! ^_^.

مادة النفتيلامين أيضًا تسبب السرطان كسابقاتها ولكنها مختصة بسرطان المسالك البولية والمثانة.

أما الهيدروكينون والجليكول والفرمول والفورمالدهيد والإيثان، فهم باقة من ألمع المُمْرِضات التي تسبب الحساسية وتغير حاسة التذوق، وتسبب إرهاقًا مستمرًّا.

وبعض المواد تسبب حساسية في الأنف والحلق والرئتين، مثل الأحماض، خصوصًا حمض الأستون، والبنزين.

سأزيدك من الشعر بيتًا وأقول لك إن بعض الشركات تستعمل نسبة من السيانيد، نعم المادة التي توقف إنزيمات التنفس وتسبب تقرحات بالرئتين، وهي المادة نفسها التي استخدمها هتلر في القتل في مخيمات السجون، متخيل؟!

لدينا مواد كثيرة إن تكلمنا عنها لن ننتهي، مواد تسهم في وصول السجائر إلى كل أنسجة الجسم، ومواد تدمر الحمض النووي وتسبب طفرات، ومواد تسبب أنواعًا معينة من السرطانات، ولكن قبل أن ننهي الكلام عن المواد السامة في السجائر يجب أن نتكلم عن بطل الفيلم.. النيكوتين.

النيكوتين يعتبر من أخطر المواد الموجودة في السجائر، بل يعتبر المادة الأساسية لأنه من أكثر المواد الخادعة التي تدخل في جسم الإنسان وتشعره بالتخدير والراحة والهدوء على التو، بعد  10 ثوانٍ فقط من دخولها الجسم تصل إلى الأعصاب التي ترسل الإشارات العصبية وتتحكم فيها، وتصل إلى المخ أيضًا، وتتمركز في العضلات والجهاز العصبي القلبي والأوعية الدموية والقصبات، وعلى الرغم من الشعور الجميل الذي نشعر به بسبب النيكوتين فإن 40 ملي جرام فقط قادرة على إنهاء حياتنا، لكن الشركات تستعمله بنسب أقل لأنها تعرف هذا جيدًا، وكل مدخن وحظه، فمن يدخن سيجارة ليس كمن يدخن عشر أو من يدخن علبة واثنين، دَخِّن وراكم السم في جسمك والباقي يعتمد على حظك.

بعد كل هذه المُخاطرة، يختفي النيكوتين من الجسم بعد ساعتين فقط، ووقتها تشعر أنك تريد أن تدخن مرة أخرى، ذلك غير أن النيكوتين يؤثر فينا نفسيًّا بشكل كبير، وهكذا ومن دون إحساس منا نجد أننا دخلنا في دائرة إدمانية يصعب علينا التخلص منها.

رجال على عرش إمبراطورية السجائر

السؤال المنطقي الذي يجب أن يُسأل بعد عرض كل هذه الأضرار، لماذا تُباع السجائر أصلًا؟ والإجابة بكل بساطة من أجل المال.

يحكي لنا الكتاب قصة باتريس الذي كان مسؤولًا عن شركة من أكبر شركات السجائر في العالم، كان باتريس يقضي مُعظم وقته في يخت تابع لشركة برومورتيم، وكان على هذا اليخت عرض كلفه فقط 70 مليون دولار، طول اليخت 75 مترًا، وعرضه 12 مترًا، وفيه 24 بحارًا مسؤولون عنه، وكان باتريس قادرًا على إدارة الشركة من عرض وتحقيق أرباح خيالية لأصحاب الأسهم في الشركة، وبسبب المليارات التي كان يحققها استطاع أن يطلب راتبًا أعلى دون أن يجد أي مُعارضة، فنجد أنه رفع راتبه السنوي إلى 10 مليون دولار، ثم إلى 20 مليون دولار، وكان هذا من أعلى الرواتب في العالم قبل عام 2000، لكن هذا الراتب لا يُذكر لأن أرباح الشركة سنويًّا كانت تصل إلى 120 مليار دولار، وهذه أرباح لا تحققها دُوَلٌ، وكان بالشركة 40 ألف عامل من 160 دولة مختلفة.

بعدما ازدهرت معيشة باتريس ووجد أنه إن أخذ ملعقة صغيرة من الكشري فلن يتأثر أصحاب الطبق، قرر أن يُطَلِّق زوجته ويعيش حياته كما يحب هو، أما المثير للسخرية هو أن باتريس نباتي، ويخاف التدخين، ويواظب على ممارسة الرياضة، نعم.. القائم على أكبر شركة للسجائر في العالم لا يدخن.

 ليس باتريس فقط هو الذي لا يدخن، بل إن معظم الرؤساء وأصحاب المصالح في مجال التدخين رياضيون، وبعيدون كل البُعد عن الحياة الضارة والسجائر، ويملكون ثروات بالمليارات، ويعيشون في يخوت وقصور مبنية على مساحات خرافية، وكما يدفعون الملايين على مُتَعِهم الشخصية، يدفعون الملايين من أجل استمرار تلك التجارة، وليظل الناس يدخنون ويضخّون الملايين إلى جيوبهم.

الدعاية الكاذبة التي ندفع ثمنها إلى الآن

على فكرة.. الدعاية هي البطل الأول في قصة السجائر، وهي السبب في كل التأثيرات السلبية التي نعيشها الآن، طبعًا ستفكر قليلًا وتقول لي: أي دعاية؟ إنهم يطبعون صورًا لأشخاص يموتون على علب السجائر، وصورًا مقززة جدًّا. سأقول لك إن هذا آخر فصل من القصة الكبيرة، السجائر عندما طُرِحَت لأول مرة لم تكن مُنتجًا ضارًّا، بل كان يُرَوّج لها على أنها منتج علاجي، وأنها المادة الأولى التي يحتاج إليها الرجال، وبدأت المجلات والصحف تلعب على دعاية تربط بين الرجولة وبين السجائر، على الرغم من أننا الآن نعرف أن 60% من الذين يدخنون السجائر يعانون مشكلات جنسية، كما أن السجائر كانت تتصدر المشهد في أي حدث رياضي، ففي سباق الفورميلا وَن، تجد المتسابقين يدخنون السجائر، وكذلك المتدربين في صالات الألعاب الرياضية والسباحين والأبطال العالميين ورعاة البقر وغيرهم، كل الرجال وكل الأشخاص الأقوياء الذين يحبهم الناس مدخنون، واستمر هذا الأمر طويلًا حتى أثبتت الجمعيات المسؤولة عن الحركات المُضادة للتدخين أن كل ما سبق غير حقيقي، وأن السجائر هي القاتل الأول في القرن العشرين، فبالتدريج بدأت الشركات تقلل من إعلاناتها، ووصلنا إلى مرحلة كانت تطبع فيها على علبة السجائر صورة من نصفين، نصف فيه صورة تشجع على التدخين، ونصف آخر يحذر من السجائر وذلك لإرضاء الطرفين، وظل الوضع هكذا حتى أصبح الوقوف أمام الأبحاث العلمية والمحاكم صعبًا، وحينها قررت الشركات أن تتبع طريقة ذكية وهي أن تهاجم السجائر وتنصح الناس بعدم التدخين، لكن في نفس الوقت هذا الكلام السلبي عنها يجعل المدخنين مستمرين في الشراء، ولكن كيف؟ سأحكي لك قصة قصيرة.

بدايةً هجوم شركات التدخين على التدخين قريب من الهجوم الذي يحدث الآن، وهو أنهم يقولون أن المنتج غير موجه إلى الأطفال بل إلى الكبار فقط. تكلم الكاتب عن إنتوكس وهو واحد من أشهر العقول التي روجت للسجائر، وفي مرة من المرات قرر إنتوكس أن يذيع خبرًا عن أم غضبت لأن ابنها ذهب ليبتاع السجائر لأبيه، ورأت أن ذلك سيشجعه على التدخين، وحينها تأثر إنتوكس وقال إنه من الواجب على أولياء الأمور أن يبعدوا أبناءهم عن التدخين، وعلى الرغم من صحة هذا فإن هدفه ثعباني، خصوصًا أن مبيعات الشركة زادت 11% بعد حملة الإعلانات السلبية.

أول شيء ثُعباني هو أن الأُم غضبت من إرسال الطفل لشراء السجائر ولم تغضب لأن الأب يدخن، كما أن الإعلان أكد على أن التدخين للكبار، وهكذا تكسب صف الكبار، وتشجع الأطفال والمراهقين على أن يقرروا تجربة التدخين ليدخلوا عالم الكبار، كما حدث مع إيمي.

وكما أن الشركات لم تعد تعمل على دعاية سلبية لأهداف خبيثة، بل بدأت تستغل السينما والدراما، فنجد بطل الفيلم عندما يتعرض إلى مشكلة، يبدأ في التدخين ويفكر، وأفلام الويسترن ورعاة البقر أصبحت مربوطة بالسجائر التي ربطوها بالطبقة الراقية والمرأة الجميلة، وهكذا على مدار سنين بدأت السجائر ترتبط في أدمغتنا بصور جيدة ولم نلاحظ ذلك، فمثلًا جيمس بوند حصل على 350 ألف دولار ليصدر صورة جيدة عن التدخين، كما حصل سيلفستر ستالون على 500 ألف دولار ليدخن في خمسة أفلام، وغيرهم مثل كلينت إيستوود وجون ترافولتا وكامرون دياز.

الخاتمة

حاليًّا قل الترويج للتدخين عن فترة التسعينيات وبداية الألفينات ورفضه معظم الممثلين، خصوصًا بعدما مات زملاؤهم بسببه.. وعلى الرغم من معرفتنا بأضراره الكثيرة، وآلاف الأبحاث العلمية التي تثبتها، فإن المستفيدين يدفعون المليارات لعمل دعاية بشكل غير مباشر، ولرشوة المسؤولين، ولتعطيل قوانين تجريم التدخين الذي قتل بمفرده 100 مليون إنسان في القرن الماضي، ويقتل كل سنة 700 ألف إنسان، وبداية الطريق إلى التدخين تكون بسيطة كما حدث مع إيمي، ولكن نهايته ليست كذلك، وفي النهاية كل شيء يصب في مصلحة أصحاب الشركات التي تحاول أن تخدعنا بكل طريقة مُمكنة.

وفي النهاية دعني أسألك سؤالًا، هل ترى أن السجائر يجب أن تُجَرّم كبقية المخدرات؟ خصوصًا أن المُدخن يضر المحيطين به أكثر ما يضر نفسه، أم يجب أن تبقى قانونية وكلٌّ ورغبته؟