فن التركيز والإنجاز

Book-Cover

مقدمة

محمد وأحمد صديقان، قررا أن ينجحا في الامتحان هذه المرة، ذاكرا نفس المادة في نفس المكان ونفس الوقت،  وبعد انتهاء الوقت، كان أحمد قد انتهى من الجزء الذي قرر أن يذاكره في حين أن محمدًا لم يُنهِ ربعه حتى، وهكذا في كل مرة تقريبًا، فما سبب هذا في ظنك؟ 

بالطبع كان تركيز أحمد عاليًا على عكس محمد الذي لم يركز في أثناء المذاكرة.

جميل، ما الذي جعل أحمد قادرًا على التركيز ومحمدًا غير قادر على التركيز؟ أحزانه؟ لا.  آلامه؟ لا، كلاهما تافه أصلًا يا صديقي. ربما فرق الذكاء أو الجينات، هكذا خلقه الله.

😒لا، الحقيقة ليست إلا أن الفرق الوحيد هو أن أحمد يدرب نفسه على التركيز، وهذا لأن التركيز صفة مكتسبة بنسبة كبيرة جدًّا، ما دمت لا تعاني أي مشكلات أخرى صحية تؤثر في تركيزك، فهذا ليس موضوعنا.

 عندما يرتفع تركيزك فهذا لا يزيد إنجازك وإنتاجيتك فحسب، وإنما يحسن علاقاتك، لأن طاقة نسختك المشتتة مستهلكة دائمًا ووقتها ضائع، فالتركيز يحافظ على طاقتك ووقتك، ومن ثَمَّ تقضي وقتًا فعالًا مع المقربين إليك، كما أن التركيز ينمي تفكيرك النقدي، ويزيد من عزيمتك وإصرارك، وهذا كله يزيد ثقتك بنفسك، لذا علينا ألا نضيع الوقت ونبدأ.

 التركيز 

دعني أولًا أسألك سؤالًا، ما التركيز أصلًا؟

ستجيبني بأن التركيز هو الانتباه إلى هدف معين وتجاهل أي شيء آخر. جميل، لكن هل تعرف أن الانتباه أصلًا أنواع وليس نوعًا واحدًا؟

ستسألني كيف، وسأجيبك بأن الانتباه نوعان: انتباه إرادي، وانتباه لا إرادي.

الانتباه الإرادي هو كل ما تفعله بشكل واعٍ لتركز على شيء معين وتتجاهل غيره، كأن تركز في مذاكرتك وتتجاهل، بشكل واعٍ، صوت الموسيقى التي يستمع إليها أخوك في الخلفية، والانتباه الإرادي مثل العضلة إن لم تمرّنها  ضمرت وإن مرّنتها قَوِيَت.

أما الانتباه غير الإرادي فهو خارج تحكمك، فإن سمعت صوت صراخ من بعيد ستنتبه له غصبًا عنك، وهذا مهم لحماية الإنسان من الخطر، وعلى مستوًى أصغر فأنت تنتبه أيضًا بشكل لا إرادي إلى رنة هاتفك أو صوت فتح الباب، وهذا يقطع تركيزك فورًا وإن تجاهلته بعدها، أنت لا تستطيع التحكم فيه، لكن بالتدريب يمكنك أن تقلل من تأثيره.

طيب، ما الذي يجعلنا -نحن البشر- نفقد تركيزنا أصلًا؟ 

الأسباب كثيرة مثل: (الأرقام هنا لن تنطق)

1-أن الموضوع نفسه غير مثير للاهتمام.

2-أن تمر بمشاعر سلبية، مثل: الضيق أو الحزن أو الوحدة.

3- ضعف التنظيم، كأن يكون يومك عشوائيًّا وفوضويًّا.

4-ضعف مستوى طاقتك، وهذا السبب لا ينتبه إليه كثيرون، فإن لم تنم جيدًا أو كنت مجهدًا أو كان طعامك غير صحي، فكل ذلك يؤثر في طاقتك وتركيزك.

5-المقاطعات، كمقاطعة زملائك لك باستمرار مثلًا وهكذا، وهذا لأن ذهنك يحتاج إلى 20 دقيقة لينتقل من مَهمة إلى مَهمة، لذا فالمقاطعة تدمر تركيزك.

 

ومما يعوق استمرار حالة التركيز أيضًا:

6-الإرهاق الذهني والضغوط.

 7-التخطيط السيئ وعدم وضوح الفكرة في ذهنك. 

8-القضايا غير المحسومة كفتح حوار وعدم إكماله.

9- الفوضى وعدم ترتيب المكان.

10- مواقع التواصل الاجتماعي طبعًا، وضع تحتها 100 خط، أو في الحقيقة الهاتف نفسه.

وبالطبع لو استسلمنا لهذه الأسباب لن نركز أبدًا، لذا علينا أن نعرف كيف نتعامل مع هذه المعوقات، وسنقسم هذه النقطة إلى شقين أساسيين: أولًا البيئة نفسها، وثانيًا طرائق وسلوكيات لزيادة التركيز.

وسنبدأ بالبيئة لأن ضبط العمل أهم من العمل نفسه، والسؤال كيف تخلق بيئة تساعدك على التركيز؟

 

1- الإضاءة

الإضاءة الضعيفة تؤثر بصورة سلبية في الحالة المزاجية والتركيز والإنجاز، وتتسبب في النعاس وألم العينين والإجهاد عند القراءة، فاحرص على أن تكون الإضاءة جيدة، ولو أتيحت لك إضاءة طبيعية فهذا أفضل.

2- الضوضاء

الأصوات تؤثر جدًّا في التركيز، لكن بالمناسبة تأثيرها ليس سلبيًّا دائمًا، وتختلف من شخص لآخر، فمثًلا بعض الأشخاص لا يستطيعون المذاكرة إلا في هدوء تام، وبعض الأشخاص لا يستطيعون المذاكرة إلا في الصالة وصوت التليفزيون في الخلفية، فحدد في أي وضع يكون تركيزك أعلى واحرص على أن توفره، إن لم تستطع التحديد جرب أن تعمل مرة في صمت تام، ومرة وأنت تستمع إلى شيء عبر سماعات الأذن، ومرة وأنت محاط بأشخاص وهكذا.

3- الراحة

الكرسي ووضعية جلوسك وارتفاع المكتب ومكان الشاشة والملابس التي ترتديها، وحتى مع جلوسك بشكل صحِّي عليك أن تقوم لفرد عضلاتك مرة كل 30 دقيقة.

4- درجة الحرارة

يفضل أن تكون حرارة المكان معتدلة قدر الإمكان، فلا يكون المكان حارًّا ولا باردًا.

5- جودة الهواء 

خصوصًا في المكاتب المغلقة مع وجود أجهزة وماكينات تصوير وطباعة، فكل هذا يجعل الهواء غير صحي، ويسبب الصداع والإرهاق والغثيان وأحيانًا الحساسية دون وعي منك، لذا من المهم أن تكون تهوية المكان طبيعية، وإن لم يتوافر هذا فيمكنك الخروج إلى مكان مفتوح في فترات الراحة.

6- الروائح

تؤثر الروائح جدًّا في التركيز والحالة المزاجية، فيمكنك أن تستخدم بخورًا أو زيوتًا عطرية مثل زيت النعناع والريحان والليمون هذه الزيوت تقلل الإجهاد وتزيد الانتباه وتصفي الذهن.

ربما تشعر أن هذه رفاهية مفرطة، لكن لنقرأ إلى النهاية، سيذكر الكاتب معلومات مفيدة.^^

7- وجود الآخرين

إن لم تستطع التحكم في وجود أشخاص حولك جرب تغيير مكانك، أو أدر لهم ظهرك، أو ضع سماعات كاتمة للصوت الخارجي في أذنك، أو شَغِّل موسيقى هادئة تعزلك عن المحيطين بك. 

8- التنظيم

الفوضى تشتت انتباهك لأنك تتفاعل بشكل لا إرادي مع الأشياء التي أمامك حتى لو كانت مجلات على المكتب، ومن ثَمَّ عليك أن تتخلص من أي شيء لا تحتاج إليه في مكان العمل، وأن ترتب المكتب والأدراج وتضع أدواتك في أماكنها.

9- مؤشر الوقت

ضع أمامك ساعة حائط أو ارتدِ ساعة يد، لكن لا تعتمد على الهاتف لأنه يُعد مصدر تشتيت لك.

10- سبورة أو لوح كتابة أبيض أو أوراق ملاحظات

لتكتب عليها المهام وتسجل الأفكار التي تخطر ببالك.

طرائق زيادة التركيز

بعد اتباع الخطوات السابقة تكون قد هيأت مكان عملك، والحمد لله وصلنا إلى طرائق زيادة التركيز، وهي بعون الله ثلاث وعشرون طريقة، فأحضري ورقة وقلمًا واكتبي ما أقوله يا ست الكل. 😄

1- استخدم جهاز ضبط الوقت (timer)

حدّد وقتًا لكل مَهمة، وهذا لأن تحديد موعد للانتهاء (الديدلاين) يحفزنا على العمل، واجعل الوقت واقعيًّا بحيث لا يكون قصيرًا جدًّا ولا طويلًا جدًّا، وقسم وقتك فترات صغيرة، فبدلًا من أن تحدد ثلاث ساعات لمهمة معينة، اجعلها نصف ساعة للعمل وخمس دقائق للراحة وهكذا، واستخدم جهاز ضبط الوقت الخاص بجوجل، أو الخاص بالمطبخ، وتجنب الهاتف نهائيًّا.

2- حدد خمس مهام رئيسة فقط في اليوم

لأنك إن حددت مهامًا كثيرة ستتراكم عليك وستشعر بضغط، فحاول ألا تَزيد المهامُ عن خمسة.

3- اجعل هدفك ورؤيتك حاضرَين في ذهنك

إن لم تحدد هدفك مما تفعله ستكون عرضة للتشتت، فلو كنت تذاكر تذكّر أنك تفعل هذا لتلتحق بكلية معينة مثلًا، أو تعمل لأنك تحتاج إلى المال، عامةً يجب أن يكون هدفك الكبير أمامك. 

4- ابدأ يومك بممارسة الرياضة

هذا يقلل من مخاطر بعض الأمراض كالزهايمر ويحسن المهارات العقلية والذاكرة، ولا تحتاج إلى الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية بل يمكنك عمل تمارين في البيت، مثل: الضغط والسكوات ونط الحبل، مارسها لدقائق فقط ويمكنك تكرارها في أثناء اليوم.

5- اصطد الأفكار بسرعة

عندما تخطر ببالك فكرة غير متوقعة سجلها فورًا، لكيلا تنساها، وفي الوقت نفسه تكون قد احتفظت بها بعيدًا عن دماغك حتى لا تشغلك وتستطيع أن تكمل ما تفعله ثم تعود إليها في وقت لاحق.

6- اعرف مسببات التشتت الخاصة بك

بعض المثيرات الداخلية تكسر التركيز، مثل: الجوع والعطش والألم.

وكذلك بعض المثيرات الخارجية، مثل: الرسائل والاتصالات والأخبار وزملاء العمل.

حدد المثير لتضع حلولًا لتجنبه من البداية، كأن تجهز عصيرًا ومشروبات بجانبك وتبعد هاتفك إن كان يشتتك وهكذا.

7- استخدم قائمة مهام يومية to do list 

سجل المهام التي تريد تنفيذها في فترة زمنية معينة واكتب تفاصيل كل مهمة تحتها.

8- اسمع موسيقى أو أي شيء يساعدك على الانسجام في العمل.

9- احصل على فترات راحة متقطعة

فترات الراحة القصيرة تساعدك على تجديد تركيزك، لأن كفاءة المخ تقل بعد فترة معينة، ومن ثَمَّ يضعف تركيزك، فيقل إنجازك، فلو ارتحت ستعود بتركيز أعلى ولن يكون الوقت ضائعًا.

يمكنك أن تخصص بعد كل نصف ساعة خمسَ دقائق للراحة، أو بعد كل ساعة إلا ربع ربعَ ساعة للراحة، وفي هذا الوقت يمكنك أن تكلم أحد أصدقائك، أو تلعب لعبة، أو تؤدي بعض التمارين لتنعش جسمك ومخك، أو تتمشى في مكان مفتوح، أو حتى تأخذ غفوة صغيرة من 10 إلى 30 دقيقة، لا تنم فقط أرِح مخك.

 

11- التزم بمهمة واحد في المرة

لأنك إن حاولت إنهاء أكثر من مهمة معًا ستجعل مخك ينتقل من مهمة إلى أخرى بسرعة تقلل من الكفاءة في المهمتين، فركز على مهمة واحدة وأنهِها ثم انتقل إلى أخرى، ستجد أن إنجازك الكلي أعلى.

12-صنف المهام المتشابهة مع بعضها

مثلًا الرد على الإيميلات يكون في وقت واحد، وكذلك المكالمات وهكذا، فالمهام المتشابهة تأخذ مجهودًا أقل لأن ذهنك وجسمك يكونان مهيآن لها، فتستطيع إنجازها أسرع من أن تنتقل من حالة إلى حالة بشكل متكرر، هذا لا ينطبق طبعًا على المهام التي تحتاج إلى مجهود ذهني كبير والتي تحتاج إلى أن ترتاح منها ثم تعود إليها مرة أخرى.

13- رتب اليوم في صورة فترات زمنية

هذا الوقت لهذه المهمة، وتذكر أن العمل يتمدد حتى يملأ الوقت المخصص للانتهاء منه، لذا لا تحدد وقتًا أطول من اللازم.

14- أغلق الإنترنت

والإنترنت بالمناسبة أكبر تهديد للتركيز في عصرنا، ولا تظن أنك ستتركه مفتوحًا ولن تنشغل به، فبمجرد سماعك لصوت رسالة مثلًا سيتشتت تركيزك وإن لم تقرأها.

طيب، أنا أحتاج إلى البحث عن بعض المعلومات في أثناء العمل!

اكتبها في ورقة وأنهِ كل ما يمكنك إنهاؤه ثم ابحث عنها في النهاية.

15- قلل وقت الاجتماعات لأقصى حد ممكن.

16- ضع حدودًا لتوقعات الآخرين..

كلام الزملاء والزيارات إن كنت تعمل من المنزل والاتصالات، لن يهتم غيرك بوقتك وتركيزك، لذا عليك وضع آليات لتقليل تأثيرهم، ويمكن أن تطلب من الشخص بأدب أن يؤجل الكلام إلى وقت آخر أنسب لتكون قادرًا على التركيز معه.

17- أغلق هاتفك

نعم، أغلقه تمامًا ما دمت تعمل، وإن سألك أحد فأخبره بالوقت الذي تكون متاحًا فيه، سيساعدك هذا على ضبط توقعات الآخرين، ولو كنت مدمنًا للهاتف حمِّل تطبيقات قفل المواقع في أوقات محددة، ستساعدك على التخلص منه.

18- تحكّم في مستويات الطاقة

تختلف طاقتنا على مدار اليوم وبعد أنشطة معينة، فتابع نفسك وسجل على مدار فترات اليوم الوقت الذي تستطيع التركيز فيه ويكون إنتاجك جيدًا، والوقت الذي تكون خاملًا فيه، وعلى هذا الأساس قسم مهامك، مثلًا اجعل الأعمال الصعبة في فترة الصباح وأنت في أعلى تركيزك، والرد على الإيميل في فترة الظهر حين تكون طاقتك قليلة، ستلاحظ أيضًا أنك إن أكلت طعامًا دسمًا أو سكريات عالية لن تكون مرتاحًا وسيقل تركيزك، وحين تؤدي تمرينات رياضية سيرتفع تركيزك، فاستغل هذه التفاصيل لزيادة فترات الطاقة العالية.

19- امنح نفسك وقتًا للهدوء والتأمل وتمارين التنفس.

20- تجنب متابعة البريد الإلكتروني..

وثبت وقتًا محددًا في اليوم لفتحه وليكن مرتين في اليوم على الأكثر، وأعلِم من يسألك بالمواعيد التي تفتحه فيها ليرسل الإيميل قبلها.

21- الروتين اليومي 

حدد روتينًا لنفسك ولا تَحِد عنه، أراك تنظر إليَّ نظرة ريبة، وأعلم أن هذا الكلام عكس نغمة العفوية الشائعة وأن تقضي يومًا بيوم وأن الروتين ملل، لكن الحقيقة أن الحياة العشوائية لا تؤدي إلى إنجاز كبير، وهذه طبيعة عقلنا البشري الذي يفضل النظام وأن يكون مهيأً لما سيقبل عليه، فنظم حياتك مع قدر من المرونة لكن إياك والعشوائية.

22- حجّم سعيك للكمال

أحيانًا يكون العائق الذي يشتت تركيزك هو حرصك على الكمال، فمثلًا إن كتبت مقالًا تجد نفسك تعدل كل جملة أكثر من مرة لتصبح في أعلى درجات الصحة قبل أن تنتقل إلى الجملة التالية فتتعطل، فيمكنك أن تقسم العمل فترات، مثلًا عشر دقائق دون أي تعديلات ثم تراجع وهكذا، وإن أردت البحث عن تفصيلة فاكتب ملاحظة عنها وارجع إليها في النهاية.

23- قلل الكافيين

قليل من الكافيين مفيد، وكثير منه مضر ويسبب الأرق والاضطرابات وارتفاع ضغط الدم، ميّز بين كونك مستيقظًا وكونك مُنتجًا، فإن أجبرك الكافيين على الاستيقاظ وأنت تحتاج جدًّا إلى النوم سيكون إنتاجك قليلًا أيضًا.

وهنا أكون قد انتهيت، وآخر وأهم ما أريدك أن تدركه أنك أنت المتحكم في الأمر، والآن أنت تملك الأدوات لا ينقصك إلا