كيف تقرأ شخصًا مثل الكتاب

Book-Cover

 المقدمة


من منا لم يتمنَّ امتلاك قدرة خارقة، حتى يقرأ أفكار الناس دون أن يتكلموا فيتمكن من كسبهم بسهولة؟

أمامك مجموعة من الأشخاص ربما تجد نفسك في أحدهم:
هذه سوسن، بنت جميلة في سن الزواج، لم تكتمل خطبة لها، يصعب عليها فهم الناس والتعامل معهم بشكل صحيح.
وهذا محمد، محامٍ.. لكن يظن الناس أنه ينشغل بالمال على حسابهم، وأحيانا أنه غير كفء، فيتركوه منصرفين حتى قبل أن يتفوه بكلمة!
وهذا حسن، موظف مبيعات يتمنى فهم دماغ عملائه ولو قليلًا حتى يسمعوه! لكنه يفشل.
وهذه سلوى، خريجة جديدة.. كلما ذهبت لمقابلة عمل لمسوا فيها عدم الثقة بالنفس ورُفِضت.
كل هؤلاء حل مشكلتهم واحد، يحتاجون إلى مهارة واحدة فقط، أن يفهموا كيف يفكر الطرف الآخر، حتى يتعاملوا معه بما يناسبه! أظنك أيضًا تريد نفس الشيء..


مسارات التواصل

في البداية.. نحن نأخذ معلومات كثيرة من الكتب، لكننا لن نستطيع فهم العالم دون أن نقرأ الناس ونفهمهم جيدًا.
والطريق لقراءة الناس والكشف عن حقيقتهم قد يحتاج إلى فراسة، لكنه في الوقت ذاته قد يفهم عن طريق علم مختص بقراءة وتحليل الإشارات التي يصدرها جسم الإنسان والتي تظهر في طريقتنا في التواصل، وتتنوع طرق التواصل بين: الكلمات التي نقولها، والطريقة التي تقال بها، والنبرة نفسها سواء كانت نبرة جد أو استهزاء أو حزن أو فرح.

لكن ماذا لو لم يتكلم الشخص مطلقًا وأردنا فهمه؟
حينها نلجأ إلى الطريقة الثالثة في التواصل وهي الإشارات غير اللفظية أو كما تعرف بـ "لغة الجسد".
هذه الإشارات تظهر تلقائيًّا على الإنسان كي تعبر عن شعوره، فمثلًا إذا غضب أحدهم سيظهر عليه انعقاد حاجبيه، وستلاحظ ضغطه على قبضة يده كي يكظم غيظه مثلًا، أو تجده فاتحًا عينيه رافعًا حاجبيه في حالة الصدمة أو الاندهاش، وغيرها كثير من العلامات التي سنتحدث عنها.
وفهم لغة الجسد يحتاج منك إلى صبر واستمرار في مراقبة إشارات الناس كي تستطيع فهمها بسهولة، تمامًا كتعلمك لغة أجنبية جديدة، والإشارات أو لغة الجسد تتعدد صورها، مثل:

أشكال لغة الجسد:

1- الاتصال البصري.

2- تعابير أو ملامح الوجه.

3- نمط أو شكل الحركة.

4- بالإضافة إلى طريقة الوقوف وهيئته.

5- وأيضًا المصافحة وطريقة اللمس.

سنشرح كل شيء بالتفصيل، لكني أريد منك أن تعرف أنه مهما كشفت لك لغة الجسد عن الشخص الذي تتعامل معه، فلن يغنيك هذا بالتأكيد عن التواصل اللفظي، أن تسمعه يتكلم ويبدي آراءه، فأنت تحتاج إلى أن ترى الصورة كاملة، وتراعي اختلاف البيئات والسن والمراحل التعليمية والحالة النفسية.

فتسألني ما معنى هذا؟ أليست كلها إشارات تدل على ما يريد الشخص قوله؟
أجيبك أن هناك إشارات مشتركة ومعروفة بين كل الناس، كالابتسامة أو علامات الخجل والتوتر والتفكير، وإشارات أخرى تختلف باختلاف البيئة، فمثلًا، إذا كنت في بلد مزدحم كالصين ستجد الجميع يمشون مسرعين وعابسين، قد تترجم هذا بأنك غير مرغوب فيك أو مرحب بك، لكن الحقيقة أن هذا غير مقصود، بل إنهم ودودون جدًّا، لكن طبيعة البيئة العملية السريعة فرضت عليهم نمطًا مشابهًا، سريعًا وجاف المشاعر، وعلى ذلك فقِس، فمثلًا، إذا كنت أعيش في قرية فبالطبع ستختلف بعض الإشارات عندي عن شخص يعيش في العاصمة!
وإذا عرفتني وأنا في حالة نفسية غير مستقرة فبالطبع قد تكون لغة جسدي سلبية وغير مشابهة لها وأنا في حال أفضل.

الاتصال البصري وتعابير الوجه:

قد تسأل، لغة جسد؟ هل يتكلم الجسد؟ "أقنعني!" 

أقول لك: نعم، هناك أشياء تصدر منا سواء من عقلنا الواعي أو اللا واعي، حركات تلقائية يصدرها جسمك وتكون لها دلالات على ما بداخلك، وربما تكشف لنا لغة الجسد هذه الحقيقة الخفية وراء الكلام، فلو أن شخصًا يغار منك لكنه يحاول التمثيل بأنه يحبك، فإن ذلك سيظهر على وجهه وطريقة كلامه، وحتى الابتسامة تبين الكثير عن ما بداخلنا، ملامح وجه الشخص الذي يقول لك مبارك وهو ملهوف وفرحان لك، لا تشبه ملامح من يقولها ويظهر أنه يرى النجاح كثيرًا عليك! لذا فنحن أحيانًا نقول "فلان هذا أنا لا أرتاح له على الرغم من أنه يقول لي كلامًا جميلًا" لأن عينك رأت إلى أي مدى يكذب وهو يتحدث.
  - وقد رأى العلماء أن الإشارات أو لغة الجسد تختلف باختلاف المواقف وتستطيع أن تكشف منها الحالة النفسية للشخص الذي أمامك، فمثًلا الابتسامة لها صور كثيرة: لو كنت تبتسم دون إظهار أسنانك فأنت غالبًا غير مرتاح وتشعر بنوع من التحفظ، أما لو أظهرت ابتسامتك أسنانك الأمامية، فأنت مرتاح وفي وسط أناس قريبين منك، وهناك ابتسامة جامدة تشعر أنها مستطيلة، تخرج تلقائيًّا إذا شعرت أن وضعًا معينًا مفروضًا عليك، أو أن عليك أن تلتزم بالآداب العامة لمكان أو مناسبة اجتماعية.

- ومن الإشارات أيضًا نظرة العين، فلو أن شخصًا عينه تهرب من عينك ويحاول ألا يجري اتصالًا مباشرًا بالعينين في أثناء الكلام فهو غالبًا  غير مهتم بكلامك أو يشعر بالملل أو يحاول إخفاء شيء، وهذا ستلاحظه كذلك لو أن بينك وبين هذا الشخص خلاف، وغالبًا الطرف الذي تهرب عينه من التواصل يكون الطرف الأضعف، أما لو كان ينظر في عينيك مباشرة فهو إما واثق من كلامه وإما مهتم بكلامك، وحتى النظرات الجانبية لها دلالات، وأريد منك أن تطبقها معي، لو كنت تتكلم مع شخص ثم نظرت بعينك ناحية اليسار، معنى هذا أنك تحاول تذكر أو استرجاع المعلومات؟ ولو اتجهت بعينك ناحية اليمين؟ هنا تعرف فورًا أنك تتخيل الكلام أو ترسم صورة في دماغك، لو نظرت إلى أعلى فغالبًا الكلام لا يعجبك، أو أنك تتحدث عن شيء تود أن يحدث في المستقبل، لو نظرت إلى أسفل فأنت غالبًا تشعر بالذنب أو بالحزن من الكلام، وبعض الناس بطبيعتهم لا ينظرون إلى أحد في عينه ونظرتهم دائمًا جانبية، وهي تميز الشخص الخجول الذي يريد أن ينظر إليك لكنه يشعر بالخجل، أو لا يريد أن يلاحظه أحد، وأود إخبارك أن هذه الإشارات تساعدك على تحليل شخصية من أمامك من جلسة واحدة، وأحيانًا كثيرة قبل أن يتكلم، وقد حدث ذلك مع أحد أصدقائي المتقدمين لوظيفة ما، وبمجرد جلوسه أمام المدير، قال له المدير إن لديك توتر وخجل كبيرين وقلة ثقة في نفسك وهذه الوظيفة لا تحتاج إلى هذه الصفات! اكتشف كل ذلك من طريقة الجلسة والنظرات وحركة اليدين فقط! فتخيل أن تقبل أو ترفض في مقابلة عمل أو مقابلة زواج قبل أن تتكلم أصلًا؟

طريقة الوقوف وشكل الحركة:

لم يتوقف الأمر عند هذا وحسب، بل إن طريقة المشية والوقفة لها دلالات تستطيع بها أن تفهم من أمامك، وتستطيع كذلك أن توصل بها صورة عن نفسك، فهناك وقفة معينة ستبين أنك واثق في نفسك، ووقفة أخرى ستبين أنك منهزم ومكسور، ووقفة تبين أنك مغرور.. وهكذا.
ستقول لي كف عن الفلسفة، طريقة المشي ما هي إلا عملية ميكانيكية يتشابه فيها كل البشر، ولو حدثت اختلافات فستكون ناتجة عن ممارسات غذائية أو صحية أو تمرينات رياضية، سأقول لك نعم بالفعل، لكن هناك علامات فردية تميز كل واحد عن الآخر وتكشف لك الحالة النفسية للشخص.
فمثلًا لو رأيت شخصًا ينظر في الأرض ويديه في جيبيه ويجر قدميه من على الأرض، بم ستشعر؟ بالتأكيد سترى أنه حزين ومكتئب.

ولو رأيت شخصًا ويديه خارج جيبيه ويمشي بسرعة غير منتظمة مع ابتسامة عريضة، ستشعر أنه سعيد.
ولو رأيت واحدة تضع يديها في خصرها وترفع حاجبيها، فغالبًا هي تقول في سرها إن كلامك لا يعجبها وإنها معترضة على كل شيء.    

حركة اليدين وطريقة اللمس:


حتى يا أخي حركات اليدين لها دلالات، وهذا الكتاب لم يترك حركة نفعلها إلا وقال إن لها معنى، فلو كنت تسلم علي ويدك متعرقة فمعنى هذا أنك شخصية عصبية، واليد الخشنة دليل على أن الشخص يمارس عملًا يدويًّا، واليد الناعمة دليل على رفاهية الشخص، أما المصافحة المرتخية فعادة تكون لشخص فنان أو مشهور أو شخص ليس بينكما علاقة قوية، والمصافحة الحارة تدل على الترحيب الكبير.
لكن لا بد أن تأخد اعتبار اختلاف الثقافات والبيئات، لأن بعض البيئات ترى السلام باليد شيئًا سيئًا، ومجتمعات أخرى تشعر أنها ترحيب كالفرنسيين الذين يسلمون في بداية ونهاية المقابلة، على عكس الألمان الذين يسلمون مرة واحدة، وبعيدًا عن الثقافات فإن طريقة حركة اليدين دائمًا ما تكشف الكثير عن الشخص، فلو وجدت من أمامك يداه مفتوحتان في أثناء الحديث فهو غالبًا يقول الحقيقة ويتكلم بكل شفافية، أما لو كان يحاول إخفاء يده فغالبًا هو يخفي جزءًا من الحقيقة، ولو كان يضع يده على فمه فمعنى ذلك عدم ثقته بالشخص الذي أمامه وعدم رغبته بالبوح بالكلام إليه، كأنه يقول اسكت يا لساني!
أما لو كان من أمامك يحاول إخفاء وجهه بيده وهو يتكلم، أو يضع يده على أنفه أو ذقنه فمعناه أنه يكذب غالبا أو يحاول إخفاء حقيقة ما.
ولو وضعت يديك الاثنتين وراء ظهرك فمعنى ذلك غالبًا أنك محبط.

فائدة تعلم لغة الجسد:


تقول لي ما الفائدة إذًا من فهم لغة الجسد أو الإشارات غير اللفظية ما دمنا نملك ألسنة ونستطيع قول ما نشعر به، أقول لك يا صاحبي ليس كل ما تفكر به تستطيع قوله، وهناك أمور تحتاج إلى أن يكون عندك فيها إحساس من دون كلام، مثل أن كل منا يحتاج إلى مساحة شخصية، فلو أن أخوين يجلسان إلى جانب بعضهما لن يكونا كزميلين في كلية واحدة، ولن يكونا كالمساحة التي تتركها بينك وبين شخص غريب.. فلو تعرفت للتو على شخص ما وذهبت للجلوس إلى جانبه، لا يجب بأي شكل من الأشكال أن تلتصق به أو تقرب وجهك من وجهه، لأنك بذلك ستتعدى على مساحته الشخصية وستشعر أنه ينفر منك، كذلك لو دخلت إلى مقابلة شخصية تحتاج إلى ترك مساحة بينك وبين الشخص الذي ستجلس أمامه، هناك علامات تظهر على الناس عندما نتعدى على مساحاتهم الشخصية، وفيشعرون بالضيق ولكنهم يخجلون من قول ذلك، وفهمك للإشارات التي تظهر على وجوههم أو أجسامهم سيرفع من عليك حرجًا كبيرًا!

الاستفادة العملية أو تطبيقات لغة الجسد:

تسألني وتقول لي.. كيف أوصل إلى الناس فكرة جيدة عني؟ أو كيف أستطيع جذب الناس دون أن أتكلم؟
أقول لك إن الأمر بسيط، وكل ما يتطلبه أن تكون واثقًا من نفسك، وهذه الثقة تظهر على إشارات جسمك، فلو كنت واثقًا من نفسك ستفعل عكس كل الإشارات السلبية السابقة، فصاحب الشخصية القوية لن يفعل حركات عشوائية مثل حك الأنف أو الأذن، ولا محاولة تغطية وجههه، وستجده يمشي بسرعة وخطواته واسعة دون أن ينظر في الأرض، ستلاحظ ابتسامة لطيفة وتواصلًا بصريًّا مع من أمامه، وظهره مفرود ويده لا تتحرك بشكل عشوائي، ولو كان شخصًا مغرورًا ستلاحظ في جلسته أنه يصنع بيده شكل برج.

 وستلاحظ على أساتذة الجامعة و المديرين والقادة أنهم يمشون وأيديهم وراء ظهورهم وكل يد تمسك الأخرى وراحة اليد ظاهره للخارج.
كيف نطبق لغة الجسد في حياتنا وعملنا؟

تطبيق لغة الجسد في الحياة اليومية

لو كنت محاميًا مثلًا أو شخصًا يقوم عملك على كسب ثقة من أمامك، أو حتى كنت ذاهبًا لخطبة إحداهن، أو موظف مبيعات وجاءك عميل يحتاج إلى كسب ثقته، ستحتاج إلى العمل على عوامل عدة، وهي أولًا: ألا يكون مكان الاستقبال كبيرًا جدًّا، لأن هذا يعطي انطباعًا بأنك مهتم بالمال أكثر من أي شيء فيخاف العميل، وكذلك لا تجعل مكتبك كبيرًا جدًّا لأن المسافة الكبيرة بينك وبين من أمامك تبين أنك خائف أو تختبئ أو تضع حدودًا كبيرة بينك وبين من أمامك، وحاول أن تحافظ على التواصل بالعينين لأنه يعني وجود تفاعل واهتمام بما يقوله، لو كان الشخص الذي أمامك يتكلم في تفاصيل كثيرة حاول أن تكتب هذه التفاصيل، وسيبين له ذلك كم أنك خبير وتفهم عملك وشخص ثقة.
حتى التدخين وطريقة إخراج الدخان نفسها لها دلالات على ثقتك في نفسك من عدمها، طبعا يا صاحبي أنت لا تحتاج إلى أن أخبرك أن التدخين سيئ وضار بالصحة، ولو كنت تعاني منه اقرأ مراجعة كتاب (لا تتوقف عن التدخين) على تطبيق أخضر، لكن الكتاب يخبرنا أن الشخص عندما ينفخ الدخان إلى أعلى فمعنى ذلك أنه واثق في نفسه، ولو كان يخرج الدخان وهو شارد فهو شخص يحمل الهم ويخرج ضغطه في السجائر وستجده يشرب كثيرًا.
وآخر شيء في حركات جذب الانتباه، ستلاحظ أن بعض الأشخاص يمسكون زوجاتهم في الشارع كأنه يقول إنها لي، أو تجده يمسك بهاتفه ومفاتيحه ونظاراته، في محاولة مستميتة لجذب النظر معناها: انظروا ماذا أملك؟

فلو أردت إظهار ثقتك في نفسك لا تفعل ذلك.

وهناك آخرون يريدون أن يظهروا لك أنهم أفضل منك، فيحاولون الحديث معك من مكان أعلى من مكانك، أو يجعلون أيديهم فوق يدك في المصافحة أو على كتفك، كل هذه محاولات للفت النظر لكنها توحي أن ثقة الشخص بنفسه منعدمة، فلو أردت كسب من أمامك لا تفعل ذلك.

وفي النهاية..
لا بد أن تنتبه لأنه حتى تكون صورةً كاملة عن شخص لا يجب أن تأخذ بالإشارات الكلامية فقط، لأن الكلام لا يخبر بكل ما بداخلنا، وحتى لغة الجسد وحدها ليست كافية، أنت تحتاج إلى أن تتحدث معه وتعرف عن بيئته وأسرته وماضيه وطريقة تعامله في المواقف، ويمكن أن تساعدك الإشارات الجسدية على إكمال الصورة، لكن لا يجب أن نحكم بها بشكل كامل إلا مع أناس علاقتنا بهم سطحية أو نتعامل معهم للمرة الأولى.
وأريد إخبارك أن دراستك للإشارات غير اللفظية ستساعدك على عدم الفهم بشكل خاطئ وأن يراك الناس بشكل جيد، وأن تكسب الناس وتحافظ على مساحتك ومساحاتهم الشخصية، فلا بد أن تتعلمها لتواصل أفضل.

 

سلام.