كتاب قاعدة الخمس ثواني

Book-Cover

المقدمة 

 أريد منك أن تركز معي في السيناريو التالي وتخبرني هل هو مألوف بالنسبة إليك أم لا.. لدى خالد امتحان يوم الخميس، صحيح أن المادة صعبة.. لكن خالد مطمئن لأن اليوم هو السبت وما زال أمامه خمسة أيام.. على الرغم من ذلك فهو يفكر أن يذاكر مبكرًا ويحصل على تقدير امتياز ليعوض تقدير العام الماضي الذي خسفت به الأرض لأن الامتحانات كانت في وقت مباريات كأس العالم.. يحضر خالد أدواته وكتبه وكل أشيائه، ويجلس على الكتاب يوم السبت وهو سعيد بأنه أخيرًا "سيلعب الزهر معه وستتبدل الأحوال.. (مع صورة شيبة) وسيكون من أوائل الكلية.. يبدأ في قراءة أول سطر ويكتشف فجأة اكتشافًا وجوديًّا مهمًّا، وهو أنه نسي كوب الشاي، وبالطبع لا يمكن المذاكرة من دون شاي، ولن يستغرق الأمر سوى ربع ساعة، بعدها كوب شاي وساعة جد وتكون المادة في جيبه.. وفي أثناء تحضير الشاي ظهر أمام خالد إعلان أن "Mbc2" ستعرض فيلمه المفضل بعد ساعة، صحيح أنه شاهد الفيلم 100 مرة، لكنه فيلمه المفضل ولو ذاكر في هذا الوقت سيكون مُشتتًا لأنه يعرف أن الفيلم يعرض الآن.. يضيع صاحبنا الساعة المتبقية على الفيسبوك، ثم ساعتين ونصف على الفيلم.. ثم يجد الغداء جاهزًا، ثم يتصل به صديقه ليخبره بأن هناك حجز كرة والشلة كلها في انتظاره، وفي النهاية نجد اليوم كله قد ضاع ولا توجد دقيقة واحدة بها إنجاز.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ يستيقظ خالد وشعوره بالذنب يسيطر عليه لتضييعه يوم السبت، ثم تتراكم المشاعر السلبية ويشعر صاحبنا أن اليوم انتهى قبل أن يبدأ، ثم يتذكر أن المادة تحتاج إلى يومين، ويأتي اليومان ولا يذاكر ويتكرر سيناريو يوم السبت في يوم الأحد وفي باقي الأسبوع، ثم يكتشف خالد أن يوم الخميس غدًا وأن يوم الأربعاء أوشك على الانتهاء.. وفجأة يظهر المجتهد الذي بداخله، ويجد أنه يأكل الكتاب، وأصبحت قدرة استيعابه أعلى، ويمكن أن ينهي المادة كلها، لكن يضيع منه نصفها قبل الامتحان بسبب الاستعجال في المذاكرة.. وفي النهاية يحصل على تقدير جيد مرة أخرى، مع أنه واثق من قدرته على الحصول على امتياز... ها؟!.. بماذا تذكرك هذه القصة؟

في هذه الحلقة سنعرف كيف كان بإمكان خالد أن يذاكر من يوم السبت وكيف يحل مشكلات التسويف التي تقابله في حياته كلها، وكيف يمكن في خمس ثوانٍ فقط أن تتغير حياته كلها، ويتحول من شخص مؤجل ولا ينجز شيئًا إلى شخص آخر إنتاجيته عالية.. 

ميل روبنز واكتشاف قاعدة الخمس ثواني

ميل روبنز، لم تكن حياتها تختلف عن حياة صاحبنا خالد، بدأت فجأة تهمل حياتها، وعلاقتها بزوجها أصبحت لا تُطاق لدرجة أن ميل روبنز قالت إنهما كانا سينفصلا، غير أنه قد حصل انحدار لم يحدث من قبل في عملها ولم تعد تستطيع تقديم شيء حقيقي فيه أو تعطيه حقه، وبمرور الوقت بدأت التشققات تكبر، والخسائر تزيد، وفسدت العلاقة العاطفية، ولم تعد تركز مع أولادها.. والعمل؟ ربك هو الرزاق، جلست في البيت.

وهنا الشخصية الناجحة والمرأة المُجتهدة تفشل بشكل كامل، وطاقتها تنتهي، وأصبحت تجد نفسها جالسة طوال اليوم تنتظر مرور الوقت.. وفي وقت النوم كانت تتمنى لو أنها لا تستيقظ في الصباح حتى لا تواجه هذه الحياة، ميل روبنز تقول إن هذه المشكلات ظلت مُستمرة 19 سنة، قبلها كانت ميل ناجحة في حياتها وعملها وكانت شخصًا آخر تقريبًا.

 وفي يوم من الأيام كانت ميل جالسة على الأريكة كالعادة، وتريد أن تقوم لتطفئ التلفاز، لكنها كانت كسولة في إحضار جهاز التحكم، ويشاء ربك أن تنظر إلى التلفاز في هذا الوقت، ويكون فيه مشهد إطلاق صاروخ، تركز ميل روبنز مع المشهد وتشاهد التفاصيل بدقة.. صاروخ ثابت في الأرض، ثم يبدأ العد التنازلي.. 5،4،3،2،1.. وينطلق الصاروخ بسرعة إلى هدفه.. تقف ميل قليلًا أمام التلفاز وتتذكر حياتها وتقرر أن تبدأ تجريب هذه القاعدة، ستبدأ العد تنازليًّا من خمسة إلى واحد ثم تنطلق لهدفها أيًّا كانت الظروف والمعوقات.

وبالفعل تتذكر ميل روبنز القاعدة في اليوم التالي عند استيقاظها وتعد من خمسة إلى واحد، وتنهض بسرعة من على السرير، وكانت أول مرة تفعل ذلك منذ سنوات.. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تبدأ هذه القاعدة السحرية في تغيير حياة ميل روبنز، فقد كانت ميل مثلًا تخاف أن تتصل بأقاربها لتسألهم عن عمل، لكنها الآن وجدت نفسها فجأة تعد من 5 إلى 1، وتتصل وليحدث ما يحدث.. ومع الوقت استطاعت ميل حل مشكلاتها كلها من خلال هذا الاكتشاف.. وعادت شخصية منتجة، ووجدت عملًا، وتحسنت علاقتها العاطفية، وبدأت تكتب عن رحلتها، وتعتبر الآن من أشهر النساء في العالم.. لكن دعني أخبرك أن قاعدة الخمس ثواني ليست بالبساطة التي تظهر عليها، لأن وراء هذه القاعدة علمًا وأبحاثًا وتفاصيل كثيرة، ميل روبنز نفسها لم تكن تعرفها وقت تطبيقها القاعدة للمرة الأولى، دعني أقول لك هذه التفاصيل، وكيف يمكنك أن تجعل هذه القاعدة من العادات الإيجابية التي تبنيها في حياتك، وسوف تلمس سحر هذه القاعدة بنفسك.\

أضرار ربط الإنتاجية بالمشاعر والحالة المزاجية

من المشكلات الرئيسة التي نجدها في قصة ميل روبنز، أو قصة خالد أو قصصنا نحن، هي الحالة المزاجية التي تؤثر في الأمور المهمة التي علينا إنجازها، فمثلًا كانت روبنز تستيقظ كل يوم في حالة خمول وغضب ولا تريد أن تفعل شيئًا جديدًا، وظلت على هذا الحال لسنوات، وكانت خجلة من الحديث مع أي شخص عن عمل، وكذلك خالد، الذي شعر بالذنب على الوقت الذي ضاع وبعد ذلك ازدادت مشاعره السلبية وفي النهاية لم يفعل شيئًا، وبالطبع كثير منا يمرون بنفس الحالة، إذ يكون عليهم إنجاز الكثير من الأمور، لكنهم يجلسون على السرير طوال اليوم وليسوا في مزاج العمل.. وفي النهاية مع بدء العمل نكتشف أن الأمر أسهل مما كنا نظن، ونقول لو أننا بدأنا الأمر مبكرًا كنا سنقدمه بصورة أفضل كثيرًا.

لذا يمكننا اعتبار قاعدة الخمس ثواني هي الحل المناسب للحالة المزاجية، لأنك بكل بساطة تجهز عقلك لأن يعمل بشكل معين، فالعقل يكون تائهًا ومشتتًا ولا يدري ماذا يفعل، والعد يوجهه ويقول له "اعمل الصح".. (مع صورة غسان مطر)، وبمجرد البدء في الأمر الذي علينا إنجازه يبدأ الدخول في الحالة وننسى أنفسنا فيها، ولكي نلخص الموضوع ولا نتوه، يمكننا أن نقول إن هذه القاعدة تجعلنا نتجنب حالتنا المزاجية، التي تعتبر العائق الأساسي في إنتاجيتنا، أمر أشبه بلعبة أو خدعة، نخدع بها عقولنا ونروضها لكي تفعل ما نريد.. وهذا لأن من المُهم أن نفهم أن حالتنا المزاجية في الغالب تكون خدعًا وردات فعل تخدعنا بها عقولنا أو تهرب بها من فعل معين أو ذكرى معينة.. لنوضح هذا الأمر بقصة عماد..

 يريد عماد أن يصبح لاعب كرة كبيرًا، وعلى الرغم من أنه مُشترك في نادٍ ويتمرن، فإنه في أيام أخرى يجد أنه لا يريد أن يخرج من المنزل ولا يريد أن يرى الملعب، وعلى الرغم من أن عماد لو فكر مهما فكر في سبب حدوث ذلك لن يجد حلًّا منطقيًّا، لكنه لو عاد بذاكرته إلى الخلف قليلًا، سيتذكر المباراة التي لعبها وهو صغير وكسب فيها 7/2 .. وسيتذكر كيف كان عائدًا إلى البيت وهو مُتحمس وفرح، ولكنه لم يجد ردة الفعل التي كان يريدها من أبيه وأمه، وهو ما جعله يحزن ويندم على إخباره لهم، وعلى الرغم من أن الأيام ستمر وسيظن عماد أنه نسي كل ذلك، فإن عقله ما زال يذكر القصة ويذكر مشاعرها،  كما أنه ربطها بتمرين الكرة، وأصبح خائفًا من أن يذهب عماد ليتمرن، كي لا يتعرض للموقف نفسه مرة أخرى ويعيش المشاعر السلبية نفسها من جديد.. توقف من فضلك ما هذا؟! مشاعر مدفونة وطفولة وأهل غير مهتمين بأبنائهم، لماذا تعقد الأمور؟

سأقول لك لا.. هذا ليس تعقيدًا، لأن عماد نفسه يمكن أن تكون علاقته بأهله جيدة، ويمكن أن يكونوا يشجعونه الآن، لكن دماغه هو ما يبالغ في الأمر، وعلى الرغم من أن حياته جيدةة فإن اللا وعي الخاص بعماد يحب أن يشرب سيجارة ويشغل "كتاب حياتي يا عين ما شفت زيه كتاب"، لذا من المُهم أن نفهم كل هذه الخدع وكيف نخلق لها خدعًا مضادة.. الأمر في الأساس هو اكتشاف اللعبة المناسبة التي ستعرف كيف تتعامل بها مع عقلك، وهذا هو الجيد في قاعدة الخمس ثواني، أن عماد سيستطيع أن يعد إلى خمسة ويجري على التمرين بعيدًا عن كل شيء، وبعيدًا عن كل الأفكار والوساوس، وشعور الإنجاز الذي سيشعر به بعد التمرين سيجعل عقله يفكر بشكل مُختلف.

استعمال قاعدة الخمس ثواني مع الأشياء غير المادية

من الأمور المُدهشة في قاعدة الخمس ثواني أنه يمكننا أن نستعملها مع مشاعرنا أيضًا.. ستقول معنى هذا أنني لو كنت حزينًا وعددت من خمسة إلى واحد سأكون سعيدًا؟ ليس لهذه الدرجة.. الفكرة كلها أننا نحاول أن نوجه عقولنا في أماكن مُعينة، نحاول أن نجعله يركز في أشياء بعينها، وينسى أشياء أخرى.. وليس هذا ما يحدث في العادي.. ما يحدث في العادي هو أننا نسحب أيدينا من كل شيء.. ونترك دماغنا ومشاعرنا وليحدث ما يحدث، نفرح أوقات ونحزن أوقات، ونصف ما يحدث لنا ونشعر به لا ندري لماذا يحدث في الأساس، تعد قاعدة الخمس ثوان هي الجرس الذي يذكرنا، والذي يجعلنا ننتبه، ونرى ما تفعله عقولنا، وما المشاعر التي نمر بها ولماذا نمر بها.

الكاتبة تقول إن من أكبر المشكلات التي كانت تواجهها في حياتها هي مشاعر الخوف، لأنه من الصعب التحكم في الخوف أو السيطرة عليه، وهو ما جعل المؤلفة تقرأ وتبحث أكثر وراء الخوف، وفي النهاية وجدت أن الخوف قريب جدًّا من مشاعر الإثارة والحماس، ليس هذا فقط، بل إن عقولنا تخلط بينها بشكل غير مقصود.. فلو كنت ستلقي كلمة أمام عدد كبير من الناس وتشعر بالحماس، وهذه خطوة كبيرة وستغير حياتك، تجد نفسك خائفًا فجأة، مع أن المشاعر التي يفترض أن تشعر بها تجاه هذا الموقف هي الإثارة والحماس.. وهكذا لو كانت أمامك فرصة عمل جيدة وكنت تنتظرها منذ زمن، ستجد حماسك واندفاعك يتحولان بالتدريج إلى خوف يفسد عليك التجربة كلها.. وهنا بدأت المؤلفة في استعمال نفس القاعدة ولكن بطريقة مختلفة.. أولًا تذكر نفسها بالمكسب الحقيقي وراء الخطوة الكبيرة التي ستحدث، سواء كان نجاحًا وظيفيًّا، أو رياضيًّا، أو كانت ستقابل شخصًا قريبًا منها، وثانيًا بأن تعد من خمسة إلى واحد، لكنها في هذه المرة تذكر نفسها بأنها متحمسة وعلى وشك أن تخطو خطوة كبيرة.. وتزرع بداخلها أنها ليست خائفة من هذه الخطوة.. كانت الكاتبة تفعل هاتين الخطوتين في أثناء صعودها على المسرح والحديث أمام آلاف البشر، وفي عز توترها وخوفها، كانت تذكر نفسها بالمكسب الذي سيحدث، وهو الناس الذين ستساعدهم عندما يعرفون تجربتها وقصتها.. وبالفعل كانت تستخدم القاعدة وتصعد على المسرح ناسية كل المشاعر السلبية.

بالرغم من أن الكاتبة قد تكلمت عن الخوف والحماس بشكل خاص، فإن القاعدة يمكن أن تساعد على التحكم في مشاعرنا بشكل عام، مديرك في العمل الذي تتردد في أن تكلمه، أو صديقك الذي استعار منك كتابًا منذ سنتين وتشعر بالإحراج من طلبه منه، واللغة التي تحاول أن تتعلمها لكن تخاف أن يكون مستواك فيها سيئًا وأنت تمارسها أمام الناس، كل هذا تستطيع فعله بعد أن تعد من خمسة إلى واحد وتنفذ الأمر فورًا.

الخاتمة

في النهاية دعني أقول لك إن قاعدة الخمس ثوان ليست مصباح علاء الدين الذي يخرج منه جني ينفذ لك أوامرك، هي مجرد خدعة وطريقة نحاول بها أن نساعد أنفسنا ونضحك بها على عقولنا حتى ننجز ما علينا، ولكي تتوقف عن الحجج والأعذار التي نعرف أنها غير حقيقية، والتي تكون بسبب أننا كسالى فقط.. كما يمكننا أن تستعملها لكي تضبط مشاعرك وحالتك الشعورية، وذلك عن طريق التركيز على ما تشعر به ومحاولة فهمه، وتغييره باستخدام هذه القاعدة البسيطة.. والأهم من كل ذلك دعني أوضح لك أن أهم عامل سيسهم في نجاح هذه القاعدة أو أي قاعدة غيرها هو إيمانك بها، ومحاولتك الصادقة أن تتغير، وهذا على العكس عندما تقلل منها وتراها بسيطة وغير فعالة، لأن الفكرة بالفعل غيرت حياة الملايين من وقت صدور الكتاب إلى الآن.. بهذا أكون قد اطمأننت عليك، وأعطيتك العلم الذي يمكنك أن تنتفع به في الحياة .. (مع صورة اللمبي فيلم الناظر)