كسر الدائرة

Book-Cover

مقدمة

هل تعلم أنك إن أمسكت بهاتف ابنك أو أخيك الأصغر فربما ترى فيه ما يرعبك؟ هل تعلم أن ابنك أو أخاك يتعرض لكم كبير من المدخلات السيئة والمخيفة كل يوم أم لا؟
أعرف أمًّا قررت في يوم أن تفتح موقع الألعاب الإلكترونية الذي يحبه طفلها ويستخدمه يوميًّا، واكتشفت بالصدفة البحتة أن هذا الموقع مليء بإعلانات وألعاب تحتوي تلميحات جنسية كفيلة بتشويه فطرة وبراءة أي طفل وتشويه مخيلته الجنسية في المستقبل، فالموقع يجعل الطفل يرى أمورًا غير صحيحة وغير واقعية، كأن يقول "إذا استطعت أن تكسب سباق السيارات ستحصل على أكثر فتاة مثيرة وجميلة" فتبدأ فكرة أن الأنثى سلعة أو شيء يمكن الفوز به بعد لعبة بالرسوخ في ذهن الطفل! أو يقول جرب هذه اللعبة المضحكة بحيث تتحكم في هذا الرجل وتجعله يمسك أكبر عدد من الفتيات في وقت معين! لعبة ترسخ في ذهن الطفل الرابط بين الرجولة والعنف والتحرش! هذا طبعًا بخلاف ألعاب تلبيس البنات التي ترسخ في الطفل فكرة أن الولد بإمكانه أن يختار شكل وجسم الفتاة المناسبة له، وأن معايير الجمال لا بد أن تكون مثالية. كل هذا وأنت تجلس مطمئنًّا أن ابنك يلعب لعبة أطفال ولكنك لا تعلم كم المدخلات السيئة التي تدخل دماغ!

صديقي ولي الأمر المسكين.. إن المشكلة لا تقف عند هذا وحسب، فهذا الطفل عندما يكبر لن يُصدم إن رأى مشهدًا إباحيًّا صريحًا، فقد رأى المقدمات من قبل، وسيجعله فضوله يبحث أكثر وأكثر، وبعد أن كان شيئًا حدث بالصدفة فإنه سيبحث عنه عن عمد!

وحتى لو تعرف على هذا العالم في وقت المراهقة وكبر معه، فإنه سيتحول في النهاية إلى مدمن للإباحية، دخل كل بحور هذا العالم وتشوهت أفكاره ومشاعره.. هذا الطفل يمكن أن يكون أنت الآن، بدليل أنك لا تقدر على أن تتخلى عن الإباحية حتى بعد الزواج، يمكن أن يكون ابنك، أو أخاك، أو شخصًا عزيزًا عليك تريد إنقاذه. 

هل الإباحية إدمان؟

تسألني وتقول لي: هل الإباحية إدمان؟ كيف ذلك؟

إن الرغبة الجنسية حاجة فطرية في الكائنات الحية، مثل الطعام والشراب، وبتشعر فيها بمتعة كبيرة، فالمواقع الإباحية تعمل على هذا الأمر وتجعلك تعيش تجارب لم تعيشها في الحياة الواقعية، وتجعلك ترى أكثر من شريك، وتجعلك تستمتع بالمشاهد التي سترفضها فطرتك، وتقبل ما يستحيل تقبله في الواقع، وتجعل عندك جرأة للخطأ، مثل الأفلام الإباحية التي تجعلك تقبل التحرش والاغتصاب والعلاقات غير المقبولة بين أفراد الأسرة الواحدة، على الرغم من أنك شخص محترم ترفض هذه الأفعال في الحقيقة، لكن المشكلة أن المتعة تعميك وتمنع شعورك بالندم في أثناء المشاهدة وقبلها، ولكنك تشعر بعدها بالخزي الشديد وتقول لن أفعل هذا ثانيةً، ولكن تفوت الأيام وترجع إلى نفس النقطة كأنك تدور في دائرة مغلقة. 

كسر دائرة الإباحية

كيف نكسر هذه الدائرة؟

يقول الكتاب إنك لا بد أن تفهم في البداية أن الجنس الطبيعي له متعة معينة، بينما الأفلام الإباحية تمنحك متعة أكبر وتجعل الدوبامين الخاص بك يرتفع جدًّا، والدوبامين هو المسؤول عن إحساسك بالسعادة، فيبدأ مخك في تعود عدم الإحساس بالسعادة إلا بهذه الكميات الكثيرة من الدوبامين!

وحتى إن تزوجت ومارست العلاقة الطبيعية ستجد أن سقف طموحاتك أعلى من الواقع بكثير، وتجد أيضًا أنك لا تستطيع الإحساس بالسعادة الحقيقية إلا بالرجوع إلى الإباحية في السر!

دائرة من تدمير الذات وكرهها بالتدريج.. ستشعر ببؤس كبير في حياتك.

الفكرة أنك شخص جيد وعندك مبادئ وضمير، لكنك ضحية لسلوكك القهري، وأريد أن ألفت نظرك إلى أمر مهم، أن ضحايا السلوك القهري أو إدمان الإباحية ليسوا من الرجال فقط، لا إنهم رجال ونساء وتتنوع أنشطتهم ما بين المشاهدة السيئة أو غرف الدردشة الجنسية أو الدخول في علاقات محرمة، ومنهم من لديهم بعض السلوكيات كالرغبة في إغواء وإغراء الآخرين حتى لو كانوا غرباء!

والكاتب يحكي لنا أنه كان يعمل في وظيفة مرموقة ولكنه كان مدمنًا للإباحية، سواء أفلام أو مجلات أو سينما رديئة، إلى أن أصيب باكتئاب بسبب شعوره بالخزي، ولم يكن يفهم ماذا تعني العلاقة الزوجية الحقيقية المليئة بالعواطف والأفكار، وليست علاقة جسدية فقط، وهجرته زوجته، لكنه عندما ملَّ من حياته وقرر العلاج شعر بفرق رهيب، بعد قرار العلاج أصبح عنده الوقت والطاقة ويستطيع الاستمتاع بالهوايات وتكوين صداقات ويالإحساس بالحميمية تجاه شريكة حياته!

لذلك يؤكد الكاتب أن كل التعليمات المكتوبة في الكتاب ليست فقط مدروسة في كتب، بل إنها مجربة عليه هو نفسه عمليًّا وعلى أناس استطاع أن يساعدهم على مدار السنين!

وأول شيء لا بد أن تقتنع به قبل رحلة العلاج هو أنك لن تشبع بما لا يمكنه إشباعك، أي أنك ستظل ترغب في المزيد طوال الوقت، فعندما تتعامل مع الناس على أنهم أشياء وليسوا أشخاصًا، وتنظر إليهم من منظور جنسي فقط ستشعر بالإثارة لمدة دقائق فقط، وستشعر بالندم والخزي وعدم الثقة بالنفس ومحاكمة الذات لمدة ساعات وأيام وشهور.

فما الخطوات العملية للعلاج إذًا؟

خطوات قهر الإباحية

- أول خطوة أن تعترف لنفسك بأنك مدمن إباحية وأنك تستمد منها أكبر قدر من المتعة ونك تفعل ذلك وأنت خائف من أن يراك أحد أو يعرف ما تفعله.

- الخطوة الثانية أن تسأل نفسك "ماذا أنتظر حتى أتعالج؟" هل أنتظر أن يراني واحد من أهل بيتي وأنا أمارس شيئًا سيئًا؟ هل سأبدأ في التغيير إن رأتني زوجتي أو ابنتي وأنا أشاهد مواد سيئة؟ هل المساءلة القانونية هي ما يمكن أن يجعلني أبتعد عن العلاقات المحرمة؟ هل أنتظر حدوث مصيبة حتى أتوقف؟

 - واعلم أن الإباحية تجارة وأنت العميل المستهدف، وأنها تصنع بطرق غير آدمية إطلاقًا، فمعظم من تراهم في الأفلام يفعلون ذلك فهم يفعلونه بسبب أنهم منبوذون مجتمعيًّا أو يحتاجون إلى المال أو الشهرة، أو عانوا من اضطرابات في طفولتهم. وفي تجربة أجراها الكاتب بأن جعل واحدًا من الذين يتعالجون عنده يجلس مع إحدى الفتيات اللاتي يمارسن مهنة الجنس مقابل المال، وسألها بصراحة هل تحبين ما تفعلين؟ أو هل تحبين أن تكوني مع شخص مثل هذا؟ فردت بأنها تكره الرجال جميعًا وأنها ترغب في الخروج من هذا الوحل بأي طريقة، وتريد أن تعامل بوصفها شخصًا لا شيء، وهنا أدرك الرجل الذي كان يريد العلاج أنه غير مرغوب وأنه بالنسبة إلى هؤلاء الفتيات مجرد أموال تحتجن إليها فقط، فشعر باشمئزاز من الموضوع كله.

 - ذلك لا بد أن تعرف أن كل ما تراه تمثيل، فيه مخرج ومصور وشخص يعمل بالمونتاج وأشخاص يخضعون لعمليات تجميل كي يظهروا أفضل من الواقع، حتى تلك المشاهد التي نراها في ثوان تُصور في وقت طويل، حتى يظهر الممثلون لك أنهم مستمتعون، رغم أنهم في أوقات كثيرة يشعرون بالقرف والاشمئزاز أو حتى بالألم!

 - لكي تتخلص من الإباحية حاول أن تتذكر متى كانت أول مرة أقدمت فيها على هذا الفعل السيئ، وحاول أن تتصالح مع تجاربك الشعورية المكبوتة من طفولتك.

 - صحيح أنه لا أحد سيحب الاعتراف بأنه مدمن ولا حتى بينه وبين نفسه، ولكن مع الأسف لدينا جميعًا سلوكيات قهرية كنا نتمنى لو أنها غير موجودة عندنا، فالاعتراف أول سلم للعلاج.

 - من العادي أن تكون الإباحية سلوكًا قهريًّا عندك.. أنت نتاج بيئتك الأولية، فلو تربيت في بيت يعتاد شرب المخدرات أو الكحوليات، أو حتى فيه خلافات ومشاجرات كثيرة أو أهل غير مبالين بك أصلًا ويتركون لك مطلق الحرية في كل شيء دون توعية وإرشاد ومراقبة، أو حتى تتعرض للانتقاد الدائم والحكم عليك، فمن الطبيعي أن يقودك الفضول للبحث عن كل الممنوعات، في محاولة منك للتأقلم مع الواقع السيئ الخاص بك، شيء أشبه بالمسكنات، وأغلب الناس هنا يلجؤون للسلوك القهري الجنسي، ومعرفة سبب لجوئك لهذه السلوكيات سيجعلك تتقبل ذاتك وتعرف أنك لست شيطانًا، وإنما هي بعض الاختيارات الخطأ في حياتك وتستطيع إصلاحها.

 - في الغالب يلجأ الناس إلى السلوكيات الجنسية كمشاهدة العروض الرديئة في أوقات الضغط والتوتر في محاولة منهم للشعور بالمتعة، والحل هنا أنك تعود نفسك هواية معينة تمتص التوتر والضغط، فهناك من يفضّلون الجري أو الرياضة أو قراءة كتاب، فاستمر في التجربة حتى تجد الشيء الذي تريحك، وكرره تلقائيًّا في كل مرة تشعر بالتوتر بدلًا من اللجوء للإباحية أو لأي سلوك سيئ. 

 - ولكن انتبه إلى أن الإباحية سلوك قهري أنت تحاول التخلص منه، ولا تبرر هذا الفعل وتقول ماذا سأفعل! ولا تتباهَ به.. هل تعلم أن من يتباهون بعدد علاقاتهم وسلوكياتهم الإدمانية الخاطئة ويرون ذلك إثباتًا لذواتهم في الحقيقة شخصيات هشة وفارغة من الداخل ويحاولون التخلص من أي إحساس بالذنب يمكن أن يقابلهم، وبحاولون أن يجعلوك تتقبل الخطأ وتتصالح معه، وأنا لا أقول لك أصلحهم وفهمهم أنهم مخطئون، ولكن ابتعد عن هذه الدائرة تمامًا، كي لا يحدث انتكاس وترجع إلى الإباحية مرة أخرى، ابتعد وستلاحظ تغييرًا كبيرًا في حياتك ومبادئك.

 - ويقول الكاتب إن بداخل كل شخص منا شخصيات فرعية كثيرة تمثل المزاج الخاص به، وتكون صوته الداخلي الذي يقول لك مثلًا: أنت جائع قم وأحضر بيتزا، أو أنت تشعر بالوحدة افتح موقعك المفضل وشاهد شيئًا إباحيًّا وسوف تتسلى! والحل هنا هو الحوار الداخلي مع نفسك ومناقشة القرار وتبعاته، ومجرد التفكير المنطقي يضيع لذة هذا السعي ويجعلك تراه مبتذلًا.

 - وأمر آخر لكي تنتشل نفسك من الإباحية، لو كنت متزوجًا حاول وأنت مقبل على علاقتك الزوجية الحميمية أن تمارسها كأنك أول مرة تجرب هذه المتعة في حياتك، دون أن تقارنها بأي متعة أخرى أو أي تجربة مسبقة يحاول العقل أن يضعها لك، لأن هذا كفيل بأن يفقدك الشعور بالمتعة في زواجك، فعش اللحظة دون أي توقعات وصدقني ستتعود بالتدريج.

 - وصدقني.. لا بد أن تمنع نفسك بطريقة إجبارية في البداية، تسألني كيف؟ أقول بأن تصعب على نفسك الوصول لأي مادة إباحية، وهناك برامج تمنعك من البحث أصلًا، وبرامج أخرى تحجب هذه المواقع السيئة عنك، وهذا المنع سيجعلك تفكر كثيرًا حتى تمل من البحث فتصرف نظر عن المشاهدة.

 - وأخيرًا حاول أن تبني في نفسك وفي أطفالك احترامًا كبيرًا لذواتكم، لأن من يحترم ذاته ويعرف قدرها، من المستحيل أن يقدم على فعل يقلل من نفسه أو يهينها، ومن المستحيل كذلك أن يقلل من قدر الآخرين بمشاهدته للمقاطع الإباحية التي تعامل الإنسان على أنه مجرد آلة جنسية، وتتاجر بالعلاقة الجنسية وتغيرها من الشكل الإنساني السليم المحاط بالحب والمشاعر إلى شكل حيواني، ومقاطعتك لهذه المواد سيشجع على اندثار هذه التجارة ورفضها مجتمعيًّا حتى تختفي.

كيف تحمي أطفالك من الإباحية؟

في كل ما سبق نحن نتحدث عن أنفسنا.. أين حماية الأطفال من الإباحية؟ 

يتكون عند الأطفال سلوك إدمان الإباحية أصلًا من خلال تجارب سيئة تعرضوا لها: كأن يتعرض الطفل للتحرش من شخص مقرب له، أو أن يعاقب بعزله في غرفة وحده فيحاول البحث عن طريقة لتهدئة نفسه، وغالبًا يصل في النهاية إلى فكرة لمس أعضائه التناسلية، وعندما يشعر بالهدوء غير المفهوم فإنه يكرر الأمر كلما شعر بالحزن أو رغب في تهدئة نفسه، وهنا يجب أن تكون حريصًا على أن تملأ وقت ابنك بأشياء مفيدة، وألا تكون طفولته كلها انعزال وحزن، لأن ذلك من أهم الأسباب التي تنشئ مراهقًا تفكيره غير سوي.

إذًا، هل الحل بمنعه نهائيًّا من استخدام الإنترنت وقطع كل الوسائل اللي يمكن أن تضره؟ 


بالطبع لا، فالحماية المبالغ فيها لم تكن الحل قط، بل إن الممنوع مرغوب وسيبحث عن ألف طريقة وطريقة حتى يرى ما تمنعه منه!

الحل أن تعطيه مساحة أمان للبحث واللعب، ولكن تحت إشرافك ومراقبتك.

الحل في التوعية منذ صغر سنه، لأن الجهل التام يجعل الأطفال لا يدركون كثيرًا مما يرون، فلن يعرفوا أن بعض اللمسات والكلمات تحرش، ولن يعرفوا أن بعض المشاهد خطأ ويجب الابتعاد عنها، فلو تعرض الطفل لشيء معين كيف سيعرف الصحيح من الخطأ دون توجيه مسبق منك؟

فلو أردت الحفاظ على أبنائك من هذا الإدمان وجعلهم أشخاصًا أسوياء في كبر سنهم، لا بد أن توعيهم وتجعل الحرية مشروطة وتحت مراقبتك، ومن ثم نضمن جيلًا كارهًا ورافضًا للإباحية وأي شيء يهين الإنسان.

وفي النهاية..
أعرف أن رحلة التخلص من الإدمان الجنسي صعبة وتحتاج إلى مجهود، ولكن احمد الله أن ضميرك ما يزال يقظًا، وما زال لديك ما يجعلك ترى الخطأ خطأ والصواب صوابًا، فلا تبرر ولا تكابر.
احمد الله على الصدق الذي جعلك تسعى للعلاج وتبحث عن شيء يساعدك وتستمع إلى النهاية.

كل أمنياتنا لك ولكل المصابين بالوسواس القهري الجنسي، بالتعافي والتخلص من الخزي وكسر دائرة الإدمان.

ولو احتجت إلى أن تعرف أكثر عن التخلص من العادات السيئة، حمّل تطبيق أخضر واسمع ملخصات كتب النمو الشخصي. 

سلام.