كتاب العادات الذرية

المقدمة
استيقظت من النوم أمس أريد تغيير حياتي كلها، أريد النوم باكرًا، وأستيقظ باكرًا، وأمارس تمارين رياضية وآكل طعامًا صحيًّا!
وبدأت في تخيل نفسي بعد إنهاء مذاكرتي وأحصل جائزة نوبل في الانضباط!
وفي اليوم استيقظت الساعة 4………عصرًا!
تضايقت قليلًا لأن اليوم ضاع ولكني قررت قتها أن أفهم كيف نجح الأشخاص الناجحون؟ كيف يفعلون كل ما يفعلون من أشياء صحيحة دون ملل؟
إلى أن وقع في يدي كتاب "العادات الذرية"، وفهمت منه أن الحماس ليس كافيًا لتغيير أي عادات سيئة في حياتنا وبناء عادات أخرى جيدة مكانها! فهناك أمور مهمة في تكوين العادات أو التخلص منها لا بد من السير عليها.. ولكن ما هذه الأمور؟
حلقة اليوم مبنية على كتاب (العادات الذرية) لـ James Clear وسنعرف فيها كيف يمكن للتغييرات البسيطة المنتظمة التي لن تستغرق منك أي وقت، أن تكون هي السبب في النجاحات العظيمة التي ستحققها! تستطيع سماع الحلقة على تطبيق أخضر من هاتفك وستجد فيه ملخصات للكتب العالمية والعربية في 16 قسم مختلف وفي أقل من 15 دقيقة.
ولكن قبل أن نبدأ نود أن نعرف:
1- ما معنى عادة أصلًا؟
العادة هي السلوكيات أو الأفعال التي نفعلها بشكل مستمر سواء بوعي منا أو من دون وعي، إلى أن تكون جزءًا من حياتنا ولا نكون سعداء من دونها!
فقد كنت معتادًا مثلًا كلما شعرت بالضغط أو الضيق أن أمارس تمرينًا معينًا يجعلني أشعر أنني أجدد طاقتي وأشعر بالارتياح بعده!
ووالدي مثلًا عنده عادة عند شعوره بالضيق أو الضغط فلا بد أن يقرأ إلى أن يهدأ، فلا أحد يخطط لهذه الأفعال ولكننا نفعلها تلقائيًّا دون وعي! وإن لم نفعلها فإننا لن نشعر بالارتياح.
2- كيف تتكون هذه العادات؟
- بالتأكيد سأستمر في فعل نفس الشيء لمدة 21 يوم وسيتحول إلى عادة لدي، كم هذا سهل!
للأسف هذا الكلام ليس له أساس من الصحة، وآخرون قالوا إن العادة تحتاج إلى 66 يوم، وحتى لو كان هذا الكلام فيه بعض الصواب، لكن لا بد أن تعرف أن البشر مختلفون في طرق استجابتاهم للعادات وللأفعال عامة، وأن هناك عوامل كثيرة تؤثر في تكوين العادت:
- مثل قدرتك على التحمل وإرادتك.
- والظروف المحيطة بيك وأنت تمارس هذه العادة.
- وطباعك الشخصية، فهل يحدث بينك وبين العادة ألفة واعتياد أم تستغرق فيها وقتًا وتعاند؟
ومن ثم لا تضع أي أرقام، لأن هذا يمكن أن يحبطك لو شعرت بأن الوقت قد مر دون أن تكتسب هذه العادة.
لكن من المهم أن تعرف أنه لكي تكوّن عادة فإنك ستمر بمراحل يمكن أن تكون صعبة أو غير محببه إلى النفس البشرية التي تميل إلى العجلة والتسرع، وبحب أن ترى نتائج فورية، فأنت ستحتاج إلى أن تجاهد نفسك لأنه من الطبيعي ألا تكون مرتاحًا لهذه العادة الجديدة من اليوم الأول، وستدخل مرحلة من المقاومة وعدم الراحة إلى أن تصل إلى فعل هذه العادة بكل تلقائية وبسهولة.. كالهواء الذي تتنفسه، فأنت لا تشعر بمجهود أو صعوبة لكي تستنشقه.
الغريب ياصاحبي أن معظم أفعال البشر عادات، بداية من تعلم المشي، لو تذكر عندما كنا صغارًا كنا نستمر في السقوط والنهوض إلى أن أصبح المخ يؤدي هذا النشاط بسرعة ومن دون تفكير، زي مثلما تستيقظ كل يوم من النوم جائعًا تريد أن تفطر أو تشرب القهوة لكي تنتبه، فالدماغ لا يستغرق وقتًا في الأمور التي اعتاد عملها بشكل متكرر.
معظم الأمور التي نفعلها في حياتنا نفعلها بحكم العادة، فوالدتي مثلًا لكي تجعلني ألتزم بالنوم المبكر، كانت عندما تدق الساعة 11 مساءً تدخل إلى غرفتها وتستعد للنوم، فارتبط الأمر معي بأنه كلما أتى نفس الوقت أستعد للنوم.
ولكي نستطيع تكوين عادات صحيحة في حياتنا نحتاج إلى أن نتبع أربع خطوات:
الإشارة _ والرغبة _ والاستجابة _ والمكافأة
وسنتكلم عن كل واحدة بشكل مبسط:
مكونات العادة:
لو أكلت برجر اليوم قبل النوم، فغالبًا لن تشعر بشيء عندما تستيقظ، لكنك لو أكلته كل يوم ستلاحظ بعد شهر ظهور كرش ولن تفرح بمستوى جسمك الذي وصلت إليه إطلاقًا. :)
كما أنك إن أديت بعض التمرينات اليوم ليلًا، فغالبًا لن تشعر غدًا بأك أصبحت "بيج رامي"، لكنك بعد شهر من التمرين المنتظم وبأقل مجهود ستلاحظ أنك أصبحت نشيطًا ولا تعاني من أي هبوط وبدأ جسمك في أن يكون صحيًّا!
ألا تلاحظ شيئًا؟ تمرينك القليل مجرد شيء "ذري"، وأكل البرجر كل يوم عادة ذرية أيضًا..كلمة ذرية معناها أنها عادات صغيرة جدًّا جدًّا، وهذا هو ما نريد أن نركز عليه، كيف يمكن لهذه العادات الصغيرة أن تتحكم في مصير حياتك؟ وكيف تجعلها تتحكم بشكل إيجابي لا سلبي؟
في الأساس ما الذي يجعلني أفعل أي شيء وأكرره وأجعله عادة دائمة؟
سأقول لك يا صاحبي.. هناك شيء اسمه trigger أو محفز، وهو ما يجعلك تدخل في هذه العادة، وتفعلها بفعل الروتين، حتى تحصل على المكافأة في النهاية.
مثل عادة التدخين أو شرب القهوة:
- المحفز أن تكون مضغوطًا أو غير يقظ.
- والروتين أن تكرر شرب القهوة أو التدخين كلما تضايقت أو شعرت بالنعاس.
- والمكافأة شعورك بالراحة بعدها.
عندما نكرر هذا الأمر لأكثر من مرة تتكون عندنا العادة.
فكيف أستغل هذا الأمر إذًا وأكوّن عادات جديدة؟
سؤال جيد.. أحضر ورقة وقلمًا وتعال معي كي لا تنسى:
1- أولًا: لا بد أن تهتم بالمحفزات: فلو كنت مثلًا تريد أن تذاكر، ضع الكتب أمامك في أكثر مكان تجلس فيه، تريد أن تعمل دون مماطلة، ضع منبهًا على هاتفك كل نصف ساعة، حتى يفزعك ويذكرك بما تفعل، تريد ممارسة الرياضة، ضع إشارات لنفسك كأن تجهز ملابس الرياضة أمامك، أو أن تحول غرفتك إلى بيئة مشابهة للجيم.. فضع ملصقات وصورًا رياضية وأشياء من هذا القبيل.
2- لا بد أن تكون لديك أسباب لفعل هذه العادة، أسباب واضحة وأن تكون مقتنعًا بها من داخلك، فلو كنت أريد مثلًا إنجاز عملي كله والانتظام فيه، فالسبب أني أحتاج إلى المال حتى أتزوج، أو أحتاج إلى شراء بعض الأشياء،
أو كما حكى الكاتب عن زوجين كانا ينفقان أموالهما في أمور تافهة، وقررا أنهما لكي يكتسبا عادة المحافظة على المال أن يضعا هدفًا واضحًا كجمع الأموال للذهاب في رحلة إلى أوروبا! ومن ثم كلما كانت الأهداف واضحة فإن هذا سيسهل تكوين العادات.
3- ثالثًا: التحديد الدقيق ويعني ألا تجعل أسبابك هلامية وغير واضحة، ولكن يمكن بدلًا من أن تضع لنفسك هدفًا عائمًا كتعلم أمور جديدة مثلًا، يمكن أن تكون دقيقًا وتقول أنا اليوم سأذاكر فيزياء من الساعة كذا إلى كذا، وسأذاكر الوحدة الثانية وأراجع على الأولى، وهكذا.
4- بعد التحديد ابحث عن المكافأة أو اربط الفعل بمكافأة معينة بحيث يحبه دماغك ولا يهرب، فيمكن مثلًا بعد أن تقرأ كتابًا معينًا أن تكافيء نفسك بكوب شاي أو طبخة لذيذة أو ساعتين استراحة تفعل فيهما ما تشاء.. وهكذا.
وهذه يمكن أن تكون أهم نقطة على الإطلاق، لأن المكافأة هي التي تجعل العادات السيئة سهلة في اكتسابها، وتكون العادات الجيدة صعبة لأنك لا تكافيء نفسك عليها. فأنت مثلًا كل 3 ثواني تجد يدك تمسك بالهاتف وتفتح الفيسبوك لأن عقلك يرى أنه الوسيلة الوحيدة لكسر الملل، ومن ثم أنت تمارس عادة التصفح للمكافأة وهي عدم الإحساس بالملل، وعلى الجانب الآخر: العادات الجيدة كاكتساب صحة أو جسم جيد لا يظهر أثرها إلا بعد فترة طويلة، ومن ثم فإنك لن تحصل المكافأة فورًا!
لذا فالعادات السيئة دائمًا أسهل، لأن متعتها فورية، فلو استطعت فعل ذلك مع كل فعل جيد بحيث تضعي مكافأة فورية لأي شيء إيجابي تفعلينه، فستكوّنين عادات جيدة وستشعرين بأثرها الآن وفي ما بعد أيضًا.
- فأنا مثلًا أحب الجلوس في كافيه أو مقهى لوقت طويل، وهذا شيء يشعرني بالسعادة، لكني كنت أشعر أنني أضيع وقتًا كبيرًا أحب أن أستفيد به، فقررت أن أربط وقت الجلوس في الكافية بالمذاكرة أو القراءة، إلى أن أصبحت تلقائيًّا عندما أدخل كافيه لا أرتاح إلا وأنا أذاكر!
والكاتب هنا يحكي لنا عن شخص كان مغرمًا بأفلام نتفليكس ويريد مشاهدتها ليل نهار، وكان هذا أكثر شيء يجعل الدوبامين يزيد عنده، أي أنها كانت أكثر ما يشعره بالسعادة، لكنه كان يريد أن يغير نظام حياته، ويجعله نظامًا صحيًّا، وساعتها قرر أن يربط العادات الصحية بالأفلام التي يحبها، ففي كل يوم يلتزم بالعادات الصحيحة يكافيء نفسه بفيلم لطيف.
لكن انتظر.. هل الأمر بهذه السهولة؟ أن أقول سأكوّن عادة فتتكوّن؟
- سأقول لك هو سهل لكنه ليس بالكلام وحسب، أنت تحتاج إلى أن تتخلى عن العادات السيئة عندك وتفرغ نفسك لعادات إيجابية تكتسبها، فعندما تحب أن تتخلى عن أي عادة ستصنع معها عكس ما نفعله مع العادات الجيدة تمامًا.
فالتدخين مثلًا التدخين لكي نفعله لا بد أن نجعله صعبًا، الزم نفسك بأنك لن تدخن إلا تحت البيت، عندها ستضطر لكي تدخن أن تبذل مجهودًا، والزم نفسك بأنه لا تدخين أمام أولادك أو إخوانك الصغار حتى لا تضرهم، وعندها لا بد أن تبحث عن مكان فارغ، ومثلما نربط العادة الكجيدة بالمكافآت، سنربط العادة السيئة بالعقاب، أو نحاول شغل مكانها بعادة مفيدة مثل الجري أو الرياضة حتى ننسى.
أو لو كنت مدمنًا على مواقع التواصل الاجتماعي وتعرف أنها تأكل يومك، يمكنك تحميل تطبيق يغلق الهاتف أو يغلق هذه البرامج ولا يفتحها إلا وقتًا قليلًا في اليوم، أو لو كنت تضيع يومك على التليفزيون يمكن أن تجعل أحدًا يخفي الريموت، أو أن تضيع بطارياته بحيث تجعل تشغيله صعبًا ويحتاج إلى مجهود.
ومن ثم كلما صعبت الخطوات على العادات السيئة فإنك ستقلع عنها، وكلما سهلت الأمور على العادات الجيدة ستكتسبها.
وهنا نصل إلى محطتنا الأخيرة في تكوين العادات، ألا وهي: خير الأمور أدومها وإن قل.
فلا تقل سأضع هدفًا أن أقرأ كتابًا كاملًا كل يوم، فهذا ليس هدفًا صحيحًا لشخص يبدأ، وسيضيع كل الحماس عندك وستهبط من أول يوم، فما الصحيح؟
الصحيح أن تضع هدفًا سهلًا جدًّا، هدفًا يستحيل عدم تحقيقه، فتقول مثلًا سأقرأ كل يوم صفحتين، أو سأسمع ملخصًا في 10 دقائق على تطبيق أخضر، وعندما تنجح في ذلك لفترة معينة تبدأ في الصعود بالهدف وتجعلها 4 صفحات وهكذا..
أو جرب عمل أي عادة صغيرة لمدة دقائق فقط في اليوم، فليس شرطًا أن تبدأ الرياضة بأن تحاول حمل أثقال بأوزان كبيرة، في حين أنك يمكن أن تحافظ فقط على 5 دقائق جري كل يوم، أو 5 دقائق تمارين بسيطة إلى أن تعتاد الأمر ثم تبدأ في الزيادة بالعقل ودون أن تفقد حماسك أو تشعر بالفشل.
- وضع في اعتبارك ان الأهداف الصغيرة السهلة التحقيق تعطيك رسالة أنك ناجح وأنك تستطيع، أما لو بدأت بشيء كبير ستشعر بإحباط.
أود تذكيرك أننا جميعًا بشخصياتنا وطباعنا ونجاحاتنا وفشلنا مكونين من عادات، لو كانت عادات صحيحو فعلى الأغلب ستنظر إلى نفسك بعد بضع سنوات وتكون فخورًا بإنجازاتك، ولو كانت عاداتك كلها سيئة فستندم كثيرًا.. كثيرًا جدًّا يا صاحبي.
سلام.