فقط اسأل الأسئلة المناسبة لتحصل على ما تريد

مقدمة
في مثل هذا اليوم من أسبوع، تقدم لـ (أزهار) شاب لطيف لخطبتها، ومن المفترض أنها ستحاول أن تسأله كي تستكشف شخصيته، لكنها لم تكن تعرف عمَّ تسأل بالتحديد، وما الذي يفترض أن يقال في موقف كهذا! في هذه اللحظة شعرت أزهار بالعجز وقلة الحيلة، وللأسف ليست أزهار وحدها من تخسر مواقف حياتية مهمة بسبب عدم قدرتها على السؤال، لكن كثيرين من الشباب والبنات يكونون في نفس موقفها، وبالصدفة بعد يومين ذهبت (أزهار) إلى مكتبة عامة كي تستعير كتابًا، وكانت هناك ندوة منعقدة لشخص مرموق، والحضور متاح للجميع. المُحاضر طرح سؤالًا وكان يريد أن يشاركه الجمهور فقال: "كيف نسأل بطريقة صحيحة؟"، كانت معظم الإجابات تدور حول السؤال بشكل مهذب واستخدام نبرة توحي بأن هذا سؤال وهكذا، لكن ما لفت انتباه (أزهار) أن كل مداخلات الحضور لم تكن مُرضية بشكل كافٍ لمُحاضر الندوة، فبدأت روح "عبد الغفور البُرعي" في التساؤل تطغى على (أزهار)،
هل في سؤاله لغز؟ أم إن السؤال بسيط ولا يحتاج إلى إجابات عميقة من الأساس؟ ألم أكن أسأل بطريقة صحيحة في الخطبة؟ وهل السؤال الذي في غير محله يؤثر فينا؟ لو كان ذلك فعلًا والسؤال يؤثر فينا، إذًا فالسؤال أهم من الإجابة أم الإجابة أهم من السؤال؟!
- فهيا بنا نرى ما حدث في قاعة المكتبة وكيف استطاعت أزهار أن تتغلب على مشكلتها في النهاية.
أهمية طرح الأسئلة
- بعد الجدل الكبير لسؤال بسيط مثل هذا السؤال، وضح المُحاضر أن السؤال هو الذي يشّكل الموقف والحدث نفسه سواء كنت في محاضرة وتريد أن تستفسر بشكل أفضل عن شيء ما، أو في جلسة للخطبة أو عند طلب شيء من أحد.
- وقال لهم "هل تعرفون أن حياتنا كلها مبنية على السؤال؟ نستيقظ من النوم فنسأل أنفسنا ماذا سنفعل اليوم، من الذين يمكن أن يكونوا أصدقاء حقيقيين ومن لا يصلحون، أستعير هذا الكتاب أم لا، ما معتقداتي وقيمي ومبادئي في الحياة، وغيرها الكثيــــــــــر من الأسئلة. ففي ظنكم، ما أهمية السؤال في حياتنا؟
- (أزهار) انتهزت الفرصة وقالت إنها قرأت أن نجيب محفوظ قال: "يمكنك أن تعرف ما إذا كان الشخص ذكيًّا أم لا من خلال إجابته، ويمكنك أن تعرف ما إذا كان الشخص حكيمًا أم لا من خلال أسئلته". وقالت أيضًا إنه عند طرح السؤال الصحيح تكون عندي فرصة أكبر للتحكم في مسار الإجابة وفي القرارات التي سوف تترتب على السؤال، وفي النهاية هتؤثر في النتيجة.
- المحاضر وافقها على ما قالته وأكد أنه كلما طرح الإنسان أسئلة أفضل، فإن النتيجة ستكون أفضل، ولو كان السؤال غير دقيق فإن الإجابة ستكون مختلفة ولن يكون القرار صحيحًا. وبالتالي فإن طريقة تفكيرنا في طرح السؤال هي الأهم وأي شيء بعد ذلك فهو مبنٍ على نجاحنا في السؤال.
-------
لذا فلا بد قبل أن أعرف كيف أسأل أن أعرف كيف أفكر في السؤال، لذا سنبدأ ببعض القواعد التي من المهم اتباعها، وتكون هذه هي الصياغة العقلية للسؤال ثم ننظر في أساليب طرح السؤال.
القواعد الذهبية للتفكير عند طرح السؤال
1- أول قاعدة هي الصراحة والحرية في السؤال.
اسأل ولا تخف وكن صريحًا مع نفسك ومع الآخرين طالما تحتاج إلى أن تسأل فعلًا، فلا تخجل من من السؤال طالما سؤالك بطريقة مهذبة، لا تجعل التفكير في طريقة السؤال أو كون بعض الناس يخافون أن يسألون أسئلتك، يحرمونك من حقك في السؤال.
وبناء عليه:
- لا تخفِ جوانب من سؤالك واطرح سؤالك كاملًا وبطريقة مباشرةً دون تلميحات.
- لو أن شيئًا لا يمكن فعلًا التصريح به على الملأ فاستخدم أقرب تلميح ممكن.
- كذلك ابحث عن وسيلة مريحة لك تساعدك على طرح سؤالك على الشخص، فلو كنت تشعر أن نظرات الشخص ستسبب لك الإحراج فمن الممكن أن تستخدم منصات التواصل الاجتماعي أو حتى تكلف غيرك بهذا السؤال.
2- ثاني قاعدة هي أنه من المهم أن يكون سؤالك يـقدم شيئًا مختلفًا ويتوجه إلى المختص
كن استثنائيًّا دائمًا ولا تكن نسخة مكررة من أحد، لا تحاول النظر إلى المسار الذي سلكه الآخرون وتسلك نفس المسار، ليس ضروريًّا أن يكون مسارهم صحيح، وحتى لو كان صحيحًا فتأكد أن لديك أشياء فريدة تستطيع تقديمها لم تخطر على بال سواك. وهنا طبيعة الموقف وطبيعة الشخص الذي توجه له السؤال هما المتحكمان في سؤالك، فعندما تذهبين إلى الطبيبة تشتكين لها من أعراض معينة فالطبيبة تعرّفك بالمرض، لكن عندما تسألين عن طريقة استعمال الدواء الذي كتبته لك، فسوف تسألين الصيدلي لا الطبيبة، ولو شعرت بيأس من الشفاء أو كنت تريدين شيئًا يواسيك في مرضك ويصبّرك، فسوف تذهبين إلى شخص تثقين في حكمته أو إلى عالم دين، لن تطلبي ذلك من الطبيبة أو من الصيدلي.
وبالتالي:
- لا تسأل أحدًا عن شيءٍ ليس في إيده ولا من اختصاصه لأنه من الطبيعي أن يرفض.
- وحاول أن تبحث دائمًا عن الجانب الناقص الذي لم يسأل عنه أحد قبلك واستفد من أسئلة الآخرين وابنِ عليها.
3- القاعدة رقم 3: لا تفترض الرفض دائمًا.
فلا تخف عند كل سؤال من أن تكون الإجابة "لا" أو بالرفض، فهذه مجرد حيلة لا ننتبه لها، وتمنعنا أننا نسأل، فتضيع علينا فرص نجاح كثيرة. فمهما ظهر لك أن احتمالات الرفض واقعية، هذا لا يمنع أن تجرب السؤال، فهذا أفضل من عدم السؤال.
4- القاعدة الرابعة: الموازنة بين إيجابيات القبول ومساوئ الرفض.
ويتم ذلك من خلال 3 أسئلة تسألهم لنفسك:
- ما أسوأ ما يمكن أن يحدث لو أجيب على سؤالي بالرفض؟
- وما أجمل ما يمكن أن يحدث لو كانت النتيجة هي الموافقة؟
- وهل إيجابيات القبول أكثر من سلبيات الرفض؟
أجب عن هذه الاسئلة حتى تستطيع تحديد موقفك من السؤال الذي تريد أن تسأله، وهل ستسأله فعلًا أم لا.
5- أما خامس قاعدة تنظم لك تفكيرك عند السؤال فهي أن تتمسك بما تستحقه.
بينما هذا الميكانيكي راجع إلى بيته، لاحظ أن شخصًا يحاول أن يشغل سيارته كي يلحق ميعاده، لكن من الواضح أن فيها عطل، عرض عليه الميكانيكي المساعدة بأجر ووافق الشخص، وما حدث أن الميكانيكي بعد الفحص لم يجد مشكلة، لكنه ضغط على غطاء المحرك بيده فاشتغلت السيارة، ولما طلب منه 25 جنيهًا مقابل عمله، استنكر الراجل السعر ورأى أن مجرد ضغطة باليد لا تستحق 25 جنيهًا، فكان رد الميكانيكي الواثق من نفسه وعمله أنه قاله "أنا لا أتقاضي إلا جنيهًا واحدًا نظير الضغطة على المحرك، ولكن معرفة المكان الذي أضغط عليه هو ما يستحق 24 جنيهًا!".
المغزى من القصة كلها أن تكون واثقًا من نفسك وعندما تسأل وعندما تطلب شيئًا، طالما أنك تستحق ذلك فلا تقلل من حجم حقك ولا تفرط فيه.
6- ستة: الإصرار!
لو سألت سؤالًا أو طلبت شيئًا وكان الجواب بالرفض = فلا بد أن تُصر عليه إلى أن تحصل على الموافقة، وبعيدًا عن قصص التحفيز المعتادة، فإن (والت ديزني) كرر طلب قرض يساعده في عمله 100 مرة، وإن الناس لم تعجبهم وجبات مؤسس كنتاكي (الكولونيل ساندرز) في البداية آلاف المرات. كل هذا جميل لكن المقصود بالإصرار ليس أن تكرر نفس سؤالك أو طلبك نفسه أكثر من مرة دون فائدة! المقصود أن تسأل نفسك بعد الرفض سؤالين:
أ- ما أسباب عدم القبول؟ كي أبدأ في إصلاح الخلل.
ب - وكيف أعيد سؤالي بطريقة أفضل؟ وهذا سنعرفه عندما نصل إلى أساليب الأسئلة.
7- القاعدة السابعة: لا تستأذن إن كنت ستفعل ما تريد
إذا كان الأمرتحت يدك وفي سلطتك وفي كل الأحوال ستفعله سواء أخذت موافقة أو أخذت الرفض = فالأفضل ألا تسأل. السؤال سيجر عليك مشكلات أكثر طالما ترى أنه سيرفض وأنت مصمم على فعله فلا تسأل إذا كنت ستفعل الأمر أو لا، تحلَّ بالحدس الذي تميز به في مواقف مثل هذه، لكن انتبه، إنها ليست دعوة لخرق القوانين أو العناد والتمسك بالخطأ.
8- وثامن قاعدة -التي مع الأسف- نُحرج من تطبيقها رغم أننا نحتاج إليها في حياتنا باستمرار، هي أن لا تخجل من السؤال عن ما لا تفهمه! لو أن أحدهم يناقشك في أمر ما، أو يطلب منك فعل شيء ولا تفهم فعلًا قصده أو لا تعرف الكثير عن ما يتكلم عنه، فاسأله التوضيح أكثر ومساعدتك على فهم مراده، فليس من الصحيح أن توافق أو ترفض شيئًا لا تستوعبه.
9- القاعدة التاسعة هي تحديد حيز السؤال
الأسئلة المفتوحة مُربكة وفي الغالب لن تؤدي إلى إجابة مفيدة، فعندما تسأل أحدًا فجأة "ماذا تحب أن تأتيك هدية؟" هو نفسه يمكن أن يقول لك لا أدري أو لا شيء محدد أو يقول أكثر من شيء ويشتتك، لكن لو ضيقت السؤال أكثر فتقول له "ما أكثر لون تحبه في القمصان" أو "ما البراند المفضل لك؟" فسوف يجيب بأشياء محددة.
10- القاعدة العاشرة: فكر في الكيفية بدلًا من إبداء عدم الاستطاعة.
لو عرض عليك أن تجمع تبرعات لجمعية خيرية، وكنت متحمسًا فعلًا للفكرة لكنك وجدت نفسك تريد أن تقول إنك لا تستطيع فعل ذلك = فالأفضل أن تطرح عليه سؤالًا عن كيف يمكن أن يحدث هذا بكفاءة، وهذا سيساعدك على إلغاء فكرة أنك لا تستطيع، فيعطيك بصيص أمل زائد ويحفزك أن تفكر في الطرق التي من الممكن أن تحقق بها هذا الشيء وتتغلب على عقباته، وقس على ذلك باقي طموحاتك التي تشعر أنك لن تحققها.
وهنا (أزهار) شكرت المُحاضر وسألته عن كيف يمكن أن نطرح سؤالًا أو نطلب شيئًا في ضوء هذه القواعد ويوافق الطرف الثاني؟
أساليب طرح الأسئلة بذكاء
المُحاضر قال إن هناك أساليب كثيرة لطرح الأسئلة، لكن لا يوجد أسلوب مثالي جاهز للاستخدام في كل المواقف، ودورك أن تنتقي أنسب طريقة توصل بها ما تريد إيصاله إلى الآخرين، حسب طبيعته وحسب الموقف نفسه، ومن هذه الأساليب:
- الإغراء بالقبول: أن أقدم في سؤالي شيئًا يشعر الآخر بأن القبول به فرصة لا يمكن أن تعوض، وهذا ما يفعله شخص يريد أن يبيع لك منتجات أكثر مما اشتريت فيقول لك "اشتري قطعتين وخذي الثالثة هدية؟ فتشعر أن رفض شيء كهذا سيكون فرصة وضاعت منك.
- وهناك أسلوب الاختيار بين السيئ والجيد
أن تخير الطرف الثاني بين أمرين، أمر جيد وأمر غير مُرضٍ بحيث يكون الاختيار الأفضل هو الذي تريد الآخر أن يقبل به فتقول له مثلًا: "لو كنت تريد سحب اشتراك عضوية النادي فمن الممكن أن تحضر عضوًا للاشتراك مكانك، أو ستستلم الاشتراك ناقصًا لأنه قد مر عليه أيام" وبنسبة كبيرة سيستصعب أن يحضر أحدًا.
- سأخبرك بأسلوب تستخدمه لو وجدت الشخص الذي أمامك يرفض لوجود عرض آخر أفضل أو لأن كلامك غير مُرضٍ له، وهو أن تزرع بذور الشك داخله، فتجعله يفكر أكثر في سؤالك وأن ما تعرضه عليه أفضل من أي شيء آخر، سواء من حيث الجودة أو العائد أو غيرهما.
- ومن الأساليب أيضًا التفويض: فلا يجب أن تسأل بنفسك، لو أن هناك أحد عنده القدرة على السؤال والطلب أفضل منك، فمن الممكن أن تفوضه بالسؤال بدلًا منك، أو لأن له سمعة طيبة وثقل ومركز سيؤثر في جدية الموقف.
هذه الأساليب وغيرها يمكن أن تعطي لك إيحاء بأن الغرض هو فرض السيطرة على الآخرين، والحصول على كل شيء ما دام الشخص يريد ذلك، وبغض النظر عن أي شيء آخر، لكن هذا غير صحيح.
نحن نحاول تقديم السؤال أو الطلب بأفضل صورة ممكنة وهذا سيساعد الآخر أيضًا على أن يعطي إجابة واضحة، وتأكد أنه لو كان رافضًا تمامًا للفكرة، فلن يقبل فقط بسبب أسلوبك في السؤال، وستجد أنه على الرغم من كل ما تفعله في طرح السؤال، ما زالت هناك أسئلة نتيجتها غير مُرضية لك، لكن مع إجادة فن السؤال وتحسينه سيبدأ معدل المرفوض يقل وستسير الأمور بشكل أفضل.
كما أن الهدف من تحسين الأسئلة ليس فقط الأسئلة الموجهة للآخرين، فأسئلتك إلى نفسك هي أول ما يحتاج إلى ذلك، فتتجد أن الضغوط التي عليك أو طموحاتك على المستوى الشخصي ستتخذ مسارًا أفضل عندما تطرح على نفسك الأسئلة بالشكل الصحيح. على سبيل المثال، ستجد أن الأشياء التي تريد عملها كثيرة، وليكن السفر مثلًا هدفك، طرحت على نفسك أسئلة من نوعية أين أسافر؟ ولماذا؟ ومتى أستطيع أن أسافر؟ وكم تكلفة ذلك؟ وكيف أغطي هذه التكلفة؟ وماذا سيعود عليك من السفر؟ وهلم جرا.. هذا سيحيله من مجرد رغبة أو حلم إلى واقع تخطط له وتعمل على تحقيقه.
انتهى.