العيال كبرت.. التربية الجنسية للأبناء

Book-Cover

تتحدث سعاد مع جارتها وتقول لها: تخيلي أن الاختصاصية في مدرسة أبنائي تطلب منا أن نثقف أبناءنا عن الجنس، ماذا يحدث في الدنيا؟ لقد أصبحنا في آخر الزمان!

 

كثيرًا ما يكون هذا هو رد فعل الأهالي عندما يطلب المتخصصون منهم تربية أولادهم وتثقيفهم جنسيًّا، ويحدث هذا غالبًا لأنهم يعتقدون أن معنى ذلك تعليم الأولاد ممارسته، وهذا غير صحيح. 


الصحيح أن الثقافة الجنسية هي توعية الطفل بمفاهيم الرجولة والأنوثة، وضبط تصوراته عن جنسه، وعن الجنس الآخر، وعن الزواج، وأن يُمنح معلومات علمية وطبية عن جسمه ووظائف أعضائه التناسلية، وتعليمه مفاهيم مثل الخصوصية، لتكوين توجه سليم عند الطفل عن الجنس، وتعليمه كيف يحمي نفسه من التحرش، ولحمايته من الانحرافات عندما يكبر، ويكون التأكيد على الجانب الأخلاقي والنفسي أكبر في جميع الأحوال، كما تكون مهمة الوالدين هي معرفة كيف يجيبون على الأسئلة المحرجة لأبنائهم، وتهيئتهم لفترة المراهقة.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بادئ ذي بدء، دعونا نرى من أين يأتي الأطفال بتصوراتهم

أولًا: تصوُّرات الأطفال

يكون الأطفال تصوراتهم من كل شيء يرونه يحدث حولهم، فإذا رأوا الأب يقبل الأم على خدها، أو يربت على كتفها، فإنهم يفهمون أنها تعبيرات طبيعية عن الحب بين المتزوجين، وإذا رأوا إهانة بينهما يتصورون أن هذا هو الطبيعي، كذلك إذا كان المنزل يفرق بين الصبي والفتاة، فإن هذا يؤثر في تصورهم عن جنسهم، كذلك ردود أفعالنا، لو فرضنا أن طفلة قالت لأمها: أنا أريد أن أكون حاملًا، فإن رد فعل الأم وقتها إن كان النهر سيكوّن عند الطفلة غالبًا مفهومًا مشوهًا ومعيبًا عن الزواج أو الحمل وهكذا، بالإضافة إلى تأثير المواد التي يشاهدونها ويتعرضون إليها.

 

هذا بالطبع يأخدنا إلى سؤال مهم جدًّا، ما حدود ما يمكن أن يشاهده الطفل في علاقة الراجل بالمرأة، سواء في البيت أو في التلفاز واليوتيوب؟

الطفل من سن 6 سنوات إلى سن 12 سنة تقريبًا، يكون النشاط الجنسي لديه خاملًا، وبالتالي فإن التربية لا بد أن تسير مع نفس خط فطرته، بمعنى أنه لا يتعرض إلى أي شيء يحمل بُعدًا جنسيًّا محركًا للشهوة، يمكن أن يتعرض إلى بُعد عاطفي محدود كما في المثالين المذكورين في الأعلى، لكن ليس جنسيًّا، وبالتالي لا يصح أن يشاهد الأطفال معنا فيلمًا أو مسلسلًا، حتى الرسوم المتحركة لا بد للوالدين أن يروه قبل الطفل ويتأكدوا من أنه مناسب، ولو كان الطفل أكبر سنًّا وبستخدم الإنترنت وحده، فعليهم استخدام مواقع تصفح آمنة للأطفال مثل kidrex.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حسنًا، هل تصور الطفل عن نفسه كرجل أو كفتاة شيء فطري أم يتشكل؟

ثانيًا: الهوية الجنسية 

نرمين كانت حاملًا وكانت تتمنى أن ترزق ببنت، لكنها رزقت بمصطفى، فكانت تعامله على أنه فتاة، وتزينه وتحدثه بصيغة التأنيث، أما عماد الذي يكره إنجاب البنات، رزقه الله منة، ومن يومها وهو يعاملها كصبي، ويقول لها إنه يكره إنجاب البنات، مصطفى ومنة يحدث لهم ارتباك في هويتهم الجنسية، ولا يكونون متسقين نفسيًّا مع جنسهم، وإن تطور الأمر إلى اضطراب حقيقي، فمع نمو الصبي أو الفتاة يمكن أن يصبحوا مخنثين، أو شاذين جنسيًّا.

 

هوية الطفل الجنسيىة وإن كان الجزء الأكبر منها فطريًّا، فإن جزءًا منها مكتسب أو يحتاج إلى أن يتعزز سلوكيًّا  كي يستقر لدى الطفل، وهنا دور الوالدين أن يربوا أولادهم على قيم الرجولة والأنوثة، وهذا ما يفعله أغلبنا بشكل عفوي بتربية الصبي على التحمل والمسؤولية، والبنت على الرقة والحياء، والكلام والجلوس بشكل مناسب، لكن من المهم أن نفعل ذلك بشكل واعٍ ومقصود، كي لا نغرس في الطفل شيئًا يؤذيه وليس من الرجولة ولا من الأنوثة في شيء، مثل جملة الرجل لا يبكي.
هل بكاء الرجل عادي إذًا؟! 

نعم عادي جدًّا، وليس عدم بكائه هو ما سيجعله رجلًا، لكن ما يجعله رجلًا أن يكبّره أبوه ويقدره، ويأخد رأيه ويسمعه، ويحمله مسؤوليات مناسبة لسنه، ويعطيه المساحة لأن يجرب ويخطئ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهنا نقطه ثانية وهي فضول الأطفال وحب الاكتشاف

ثالثًا: الاكتشاف

تدخل سمر على أولادها وهم يلعبون مع أصدقائهم فتفاجأ بأنهم يكشفون ملابسهم أمام بعضهم، طبعًا تصرخ فيهم، وربما تضربهم وتعاقبهم، والأطفال لا يفهمون ما بها، لقد كانوا يستكشفون فقط. ^^

مهم أن نعرف أن الأطفال من سن سنتين إلى خمس سنوات يكون نموهم الجنسي ما يزال يكتمل، ويكونون في هذه الفترة لديهم فضول كبير جدًّا لاستكشاف أجسادهم وأجساد الآخرين، وهذه هي السن التي لا بد أن نعلم فيها أولادنا أسماء أعضائهم ووظائفها، ونعلمهم الخصوصية _وسنتكلم فيها بالتفصيل بعد قليل_.


ماذا إذًا كان على سمر أن تفعل عندما رأت هذا المنظر؟

عليها أن تتصرف بحسم لكن بهدوء، فتقول لهم بصوت فيه حزم "اللعب يكون في أثناء ارتداء الملابس، ارتدوا ثيابكم حالًا"، وتساعدهم في ارتدائها بسرعة، وتشغلهم بلعبة أخرى، ولكن من المهم جدًّا أن تميز الأم بين لعب الفضول، وبين اللعب الذي به ممارسة لسلوك جنسي، لأنه في هذا الوقت غالبًا سيكون طفل قد تعرض لمحتوى أو اعتداء جنسي، ويكرره مع باقي الأطفال، مثل التقبيل من الفم أو غيره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وطبعا لأن فضولهم لا ينتهي، فنجد أحمد يذهب إلى أمه الحامل ويقول لها:

ماما كيف أتيت؟ وجدناك أمام باب الجامع يا حبيبي ^^
ماما كيف دخل أخي بطنك؟ أكلته يا حبيبي ^^

رابعًا: من أين جئت؟

طبعا لا توجد أم لم تسأل مثل هذه الأسئلة المحرجة من أولادها، والأكيد أن الإجابات التي في الأعلى غير تربوية، والحقيقة أن هذه الأسئلة من أولادنا كنز لا بد أن نستغلها في توجيههم بشكل تربوي، لا أن نتهرب منها.


وعمومًا فمن الطرق التي تساعد على التمهيد للطفل عن التزاوج والإنجاب، أن نحضر له عصفورين ليربيهم، فالحياة البرية توصل إلى الطفل معلومات كثيرة بشكل سلس.

 

كما يمكن للأم أن تحكي لابنها قصة سيدنا آدم، وأن الله خلق منه حواء لتؤنسه وتشاركه، وأن الله خلق أجهزة في جسميهما تساعدهما على البقاء، ولكي يتمكنا من الصيد والغذاء، لكن كي يتكاثرا كان لا بد أن يحدث ذلك من خلالهما كليهما، لأن الجهاز المسؤول عن التكاثر نصفه في جسم الرجل ونصفه الثاني في جسم الأنثى.

 

ونفهم الطفل الاختلافات في جسمه عن الجنس الآخر، ونقول له إن الله خلق مكانًا أسفل بطن الأم يكون بيتًا للطفل الجديد، وإن الأب يقدم خلية صغيرة منه تمتزج مع خلية صغيرة في جسم الأم، ويكبر في بطنها إلى أن يخرج.

طبعا من المهم أن نتدرج في الكلام حسب عمر الطفل، ففي سن 3 سنوات نكتفي بأن نعلمه الفرق بين جسم الرجل والمرأة، ومن سن ست سنوات يبدأ عنده الفضول وتزيد الأسئلة، لكننا نكتفي أن نقول له إنه هدية من الله، وإنه يكبر في بطن الأم، ونأخذ منه الكلام ونكمل عليه، فعدما يقول كيف أتيت؟ قل له: تعتقد كيف أتيت؟ واسمع منه وصحح تصوره بشكل مبسط، بعد ذلك من سن 9 سنوات نبدأ في إعداد الطفل للبلوغ _وهذا سنفصله بعد قليل_.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

نأتي الآن لموضوع مهم وخطير ويشكل كابوسًا للآباء والأمهات وهو التحرش

خامسًا: التحرش 

من أكبر أسباب التحرش عدم معرفة الطفل أن ما يتعرض له يعد تحرشًا، لذا فمن أهم أسباب الوقاية أن نوعي الطفل ونعلمه الخصوصية، من خلال الاتي:

  •  تعليمه أن بعض الأجزاء في أجسامنا غير مسموح لأي أحد أن يراها أو يلمسها، وكذلك نحن لا يجوز أن نرى أو نلمس هذه الأجزاء في أجسام الآخرين، ومهم أن نمنع استحمام الأطفال مع بعضهم.
  • تعليم الطفل الاستئذان قبل الدخول على الوالدين. 
  • تعليمه الفرق بين اللمسة المقبولة واللمسة غير المقبولة من سن سنتين إلى خمس سنوات. 
  • تعليمه أنه من غير المسموح لأي شخص أن يقبله من الفم، وأنه من الممنوع أن يجلس على حجر أحد، ولا بين رجليه من سن 6 سنوات. 
  • لا تجعل الطفل ينام مع أحد في سرير واحد أبدًا ولا حتى إخوانه. 
  • ألا يدخل الطفل غرفة الخادمة أو السائق ولا المصعد ولا الحمامات العامة وحده. 

ومهم أن نعلم الطفل كيف يدافع عن نفسه، وطبعًا لا بد للوالدين أن يقربوا من أبنائهم وأن يسمعوهم يوميًّا، ويعودوهم قول لا والرفض دون خوف من العقاب، وأن يطمنئوهم أنهم دائمًا في صفهم. 

 

وإليك مهارات تساعد كل أب وأم على وقاية أبنائهم من التحرش: 

 

  • أول مهارة هي تحديد منطقة العورة، وتعليمهم وظائف أعضائهم بالاستعانة بالرسوم والصور والدمى.
  • وثاني مهارة هي التعرف على المتحرش، فنعلم الطفل أن المتحرش هو أي شخص يحاول لمس هذا الجزء الخاص عنده أو رؤيته، أو يجعله تلمس أو تنظر إلى هذا الجزء عنده، أو يريه صورًا فيها عري، وأنه لو فعل أي شخص معه شيئًا من هذه الأشياء، فعليه أن يفعل 3 أشياء، أولها أن يعلن رفضه ويصرخ بصوت عالٍ "لا تلمسني"، والشيء الثاني أن يهرب بسرعة إلى أي مكان آمن، والثالث أن يبلغ أهله أو مدرسه فورًا.

 

  • ثالث مهارة هي سرعة البديهة وحسن التصرف، وهذا يحدث من خلال التدريب على أكثر من لعبة منها مثلا لعبة "ماذا تفعل لو؟"، وتخيل موقف معين مثل ماذا لو حاول العامل أن يدخل معك إلى الحمام، ونسمع من الطفل ونوجهه، أو لعبة "الأعلام"، ونحكي من خلالها تصرفًا، ولو كان التصرف مقبولًا يرفع الطفل العلم الأخضر، ولو كان مرفوضًا يرفع العلم الأحمر، واللعبة الثالثة وهي أهمهم لعبة "تمثيل الأدوار"، وهنا يمثل الأب دور رجل غريب يحاول أن يضايق الطفل، والطفل يمثل التصرف الذي يفترض أن يفعله في الحقيقة فعلًا.

 

 حسنًا، هل يمكن أن يكون ابني قد تعرض للتحرش وأنا لا أعرف؟ ممكن، وتوجد علامات تساعدك على أن تكتشف هذا، مثل حدوث تغير مفاجئ في سلوكه، كأن يكون عدوانيًّا، أو عصبيًّا، أو انطوائيًّا ومنعزلًا، أو أن ينتكس سلوكيًّا فيرجع لمص أصابعه أو التبول اللا إرادي، أو أن يكون خائفًا في وقت تغيير ملابسه، أو يعاني ألمًا في أثناء قضاء حاجته. 

 

والتصرف السليم إن عرفت أن ابنك قد تعرض لتحرش، أن تتعامل معه بهدوء تام دون تعنيف أو توبيخ، وتخبره أن ما حدث له شيء عابر وليس له ذنب فيه، وتراقب سلوكياته باستمرار وتعالج الأعراض التي تظهر، مثل الخوف واضطراب النوم، ولو استدعى الأمر اعرضه على طبيب نفسي، ووفر له الحماية، واتخذ إجراءات ضد المتحرش كي ينال جزاءه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

آخر نقطة سنتكلم فيها هي التهيئة للبلوغ

سادسًا: التهيئة للبلوغ 

مهم جدًّا أنن نهيئ أبناءنا نفسيًّا لمرحلة البلوغ من قبلها بفترة كافية، وغالبًا يبدأ التمهيد من سن 9 سنوات وبالتدريج.

 فتبدأ الأم تفهيم ابنتها أن البلوغ ليس أمرًا تخجل منه، بالعكس هي من خلاله تدخل عالم الكبار، كما تكون على قدر حمل رسالة الله، وأن تكون مكلفة، وبشرح لها تكوين جسمها كأنثى، وعلامات البلوغ، ولماذا تحدث الدورة الشهرية، ومهم في هذه الفترة أن تقترب الأم من ابنتها وتصاحبها، وتعلمها كيف تهتم بنظافتها وبجمالها وتعزز أنوثتها، وتحدثها عن الفروق بين الأفراد وأن لكل بنت جمال خاص بها، وتبدأ في تعليمها الضوابط الشرعية والحجاب، وتشبع حاجتها للحب والعاطفة وللأحضان والتقبيل، كما أن دور الأب مهم جدًّا في نضج البنت، وعندما يشبعها عاطفيًّا ويعزز فيها أنوثتها، تنشأ مستقرة عاطفيًّا، وأقل عرضة لأن تدخل في علاقات عاطفية سيئة.

 

ونفس الخطوات للصبي بما يناسب كونه صبيًّا، ويكون الكلام معه من الأب، الذي من المهم أن يصاحبه ويعزز رجولته، ومهم أيضًا إشراكه في ألعاب رياضية تفرغ طاقته وتصرفه عن شهوته.

 

ومهم تأمين الإنترنت، وأن نغرس في المراهقين أن ما لا تستطيع عمله وجهًا لوجه فلا تفعله وراء الشاشة، وأن نزرع فيهم الوازع الديني ومراقبة الله عز وجل، ولا بد أن يتعلموا الأحكام الشرعية مثل الغسل وغيره، وان يعرفوا ان كل تشريعات ديننا من غض البصر، والحجاب، وعدم الخضوع في القول، والاستئذان، والستر، كلها من أجل أن تنمي العفة في نفوسنا، ومهم أن نربط كلامنا معهم بقيمة مشاعر الحب، ورابطة الزواج، وقيمة تكوين الأسرة، حتى يكون تصورهم سويًّا وطبيعيًّا عن الزواج والجنس، وطمنئوهم أنهم يستطيعون أن يتكلموا معكم في أي موضوع في أي وقت، وأخيرًا الدعاء أن يربيهم الله لنا.

انتهى.