كتاب سرعة الثقة

ملخص كتاب سرعة الثقة ( المؤلف: ستيفن كوفي)
هذه فتاة مستنزفة الطاقة، لا تدري أبإمكانها الوثوق في أي شخص للحد الذي يخولها الدخول في علاقات حقيقية؟
وهذا مهندس يقول أنه يعمل في شركة تملؤها الصراعات، كل من فيها يتسم بالأنانية وحب المصلحة الشخصية وعلى أتم استعداد لتدمير غيره!
حتى تلك الأم تقول أنه بتقدم العمر يزداد إحساسها بجفاء أولادها، فتفتقد إنصاتهم لها كما كانوا من قبل.
في حلقة اليوم سنتعرض للمشكلة المشتركة بين جميع النماذج السابقة، ألا وهي فقدان الثقة، وكيف يمكننا اكتساب الثقة باعتبارها وصفة سحرية لنجاح علاقاتنا وأشغالنا..
لذا دعني أوضح لك:
لما الثقة في الآخرين مهمة؟
- تخيل أنك في علاقة تملؤها الثقة، ففي حال قلت كلاما خاطئا لن يُساء فهمك، مما سيعطيك مساحة آمنة للحديث بأريحية دونما خوف من سوء الفهم أو الغلط، لكن إن جالست شخصاً لا وجود للثقة بينكما، فستتكلف عناء الحرص على كل كلمة تتفوهها، ورغم ذلك الحذر سيساء فهمك لا محالة!
- تعزز الثقة من سرعة تحقيق النجاح، فمثلا لو أنجزت مهمتك على أتم وجه وحزت ثقة العميل فستضمن حديثه الجيد عنك وترشيحك لمعارفه وأصدقائه، بما يعد كدعاية وتسويق يسهمان في نجاحك.
- وعلى النقيض إن لم تكن موثوقا من المحيطين بك في العمل أو الفريق أو حتى العلاقات، هل سيتأخر نجاحك أم لا؟
ولأهمية الثقة سنتبع معها مبدأ استهداف الجذور، بمعنى منع الجريمة قبل وقوعها عوضا عن تطبيق العقاب في النهاية، أو كالحرص على الوقاية من الأمراض بدلا من الجلوس وانتظار الإصابة ثم نعالجها، والأصح أن تبني الثقة في نفسك أولا، لا أن تعالج الآثار المترتبة على قلة الثقة فقط، فالأفضل أن تطمح لنفع مستقبلي دائم، لذا سنتعرف على كيفية حدوث فقدان الثقة.
معوقات تكوين الثقة وعلامات غيابها:
توجد بعض السلوكيات والأنماط الفكرية عند الناس تمنعهم من الثقة في أنفسهم أو المحيطين بهم، مثل:
- قاعدة "كل" أو التعميم: بمعنى أن تفكر في سوء تصرفات كل الناس واضطهادهم لك، مع استخدام عبارات سلبية كأنا طول الوقت حزين، أو أنا كل أفكاري غبية.
- المعوق الثاني هو نمط التفكير المثالي: ويعني عدم القدرة على قبول الخطأ، كقول أنا فاشل لأني أخطأت في الاختبار، أو كاعتبار فلان ليس بصديق ولا يحبك لمجرد أنه أخطأ في حقك.
- ثالث معوق هو الانتقاء السلبي: ويتمثل بالنظر إلى كل ما يُفسد الفرحة بالبحث عن مسببات الحزن فقط، ويقابله بالإنجليزية مصلح "drama queen"، كأن تكون في حفل يوم ميلادك والجميع من حولك يحتفلون بسعادة بينما أنت تبكي عدم وجود شخص واحد لم يحضر، متغافلا كم الأشياء التامة بصورة جيدة ومبهجة، لكنك تقرر البحث عن شيء واحد سيئ توجه إليه أفكارك ومشاعرك.
- أما المعوق الرابع فهو الشكوك في دوافع من حولك، فمثلا لو صدمك شخص ما ستقول أنه يقصد الفعل لإيقاعك، ولا تفكر نهائيا في التماس العذر للآخرين.
- ونأتي للمعوق الأخير وهو الكيل بمكيالين: أي أننا نحكم على الناس بأفعالهم، أما على أنفسنا فنحكم بالنويا ونوجد الأعذار.
ولكي نكتسب الثقة ونعالج تلك المشاكل فعلينا البدء بما يأتي:
الثقة بالذات
انعدام الثقة بالذات هو أساس كل المشاكل؛ لأنك لن تستطيع الثقة في الآخرين وبالتالي لن تنال ثقتهم، ولمحاولة اكتساب تلك الصفة دعنا نتخيل الثقة كشجرة مكوناتها النزاهة والنية والإمكانيات والنتائج، وسنتحدث عنهم تفصيلا:
- أولا النزاهة: وهي الجزء المخفي تحت الأرض من الشجرة والمسؤول الأساسي عن تغذيتها وقوتها واستقرارها، ومثال عليها لو نلت درجة اختبار لا تخصك فعليك أن تعترف، أو لو شكرك شخص على شيء لم تفعله فعليك توضيح ذلك رغم ما فيه من تضييع لمتعة النجاح أو الثناء، لكن ما شعورك لو أخذت شيئا لا تستحقه؟
إن لم تشعر بالضيق من هذا الشعور فأنت إذا لا تمتلك صفة النزاهة.
النزاهة خيار مكلف لما تطلبه من تضحيات عظيمة في سبيل إراحة الضمير، على ذلك فهي تثبت جدارتك بالثقة في نفسك، وتؤكد استحقاقك لثقة الآخرين.
- الجزء الثاني هو النية، وهي خطتك أو غايتك، ورغم بقائها في داخلك لكنها تظهر في أفعالك، فكر في الضريبة التي يتحملها فريق لا يتبادل أفراده الثقة ويشككون في نية بعضهم، أنت ذاتك فكر في ما ستتكبده من ضرائب إن شك الناس في نيتك.
وعلى النقيض لو ظهر حسن نيتك للناس فسوف تبني ثقة كبيرة، وهذا ما تستغله أي شركة أو علامة تجارية بهدف التسويق لنفسها، كقولهم: "إننا مهتمون بك" أو "هدفنا صنع فرق إيجابي"، هذه الجمل تسهم في طمأنة الناس وتشعرهم بالقرب والثقة، مما يعني أن إظهار نيتك للآخرين عامل مهم لتكوين الثقة بينكم.
*لو لم تملك سوى النزاهة والنية الطيبة فأنت مجرد شخص لطيف محبوب فقط وهنا تكمن المشكلة؛ لأني لن أتمكن من منحك الثقة الكاملة في أمر ما دون امتلاكك باقي مكونات الشجرة من إمكانات ونتائج...إلخ
- ثالث جزء من شجرة الثقة هو الإمكانيات، وتعني أأنت مناسب للأمر؟ لو أننا صديقين وأنت شخص نزيه ولطيف وحسن النية هل يكفيني ذلك لأجعلك تجري لي عملية جراحية حين أتعب؟ أم يلزم الأمر أن تكون طبيبا متمكنا ولك من المعرفة ما يعينك على القيام بالعملية؟ أو لو توافرت وظيفة في شركة هل أوظفك لأنك صاحبي الطيب؟ أم سأنظر إن كنت كفئا لذلك؟
لتطوير إمكانياتك يجب إدراك أمر هام، وهو أن رضاك عن مهاراتك وقدراتك الحالية يجعلك كالميت لن تحرز أي تقدم، لذا تذكر دائما أن هناك الأفضل!
- الجزء الرابع من الشجرة هو النتائج أي ثمار الشجرة، تخيل مثلا شجرة كل أساسها صحيح لكنها عقيمة غير مثمرة، ما دليل مصداقيتك إن لم توجد نتائج ظاهرة؟ وارد أن تمتلك أعذاراً لكن في نهاية اليوم إن لم تقدم المطلوب وإن لم تحقق أي نتائج فأنت إذا غير جدير بالثقة، حقيقة بسيطة وقاسية في آن واحد.
- لو امتلكت الإمكانيات والنتائج من غير النزاهة والأمانة ستتحول لشخص يسوغ لنفسه عمل أي شيء مؤذي أو سيء ليحقق النجاح، أو كمن يستخدم ذكاءه وشخصيته في أمور بلا قيمة لمجرد تحقيق أي نفع، متبعا بذلك مقولة "الغاية تبرر الوسيلة".
- أما في حال تمكنك من الجمع بين الصفات الأربع السابقة فستكتسب ثقة في نفسك وسيثق بك الناس تباعا، مما يؤهلنا للانتقال إلى الثقة في الناس أو كما ندعوها:
الثقة في العلاقات
تعتمد هذه الثقة على سلوكك مع الناس، لو قلت أنك تحب والدتك، لكنك دائما ما تعصي كلامها وتتسبب في إغضابها، فهذا يعني أن سلوكك ينافي ما تقوله، وبالتالي تنعدم الثقة في العلاقة.
ويمكننا تلخيص النقطة السابقة في بعض السلوكيات وهي:
- النقطة الأولى: تكلم بصراحة، أي لا تزيف الحقائق ولا تخفي جزءا منها؛ لأن الكذب والخداع يقابل الكلام الصريح، وهو ما يكلف العلاقات ضريبة كبيرة، وسيُعتاد النفاق بمرور الوقت، كقصة الملك الذي جاءه شخص يقول له: "سأخيط لك ملابس سحرية، يعجز عن رؤيتها الغبي والأحمق"، والحقيقة أن الرجل لم يصمم أي ملابس أصلا، لكن الملك ورعاياه تظاهروا برؤية رداء مذهل كي لا يُقال عنهم حمقى وأغبياء.
- السلوك الثاني هو إظهار الاحترام: كن صادقا في اهتمامك بالناس، واحترم كرامة كل شخص وكل دور، أظهر اللطف في أبسط الأمور، وقدر كل خدمة مهما صغر حجمها، ثم راقب كم النفع العائد عليك، ونظرية النادل خير مثال على ذلك، لأنها توصيك بمعاملة الناس على أساس إنسانيتهم لا على أساس وظائفهم، فلا تقل هذا عامل وهذا عضو في فريق، أو ذلك نادل في مطعم؛ لأنه إنسان قبل كل اعتبار، فعامله كما تحب أن تُعامل وليس بإهمال متعمد.
- السلوك الثالث لاكتساب ثقة الناس هو التحلي بالشفافية: فلو كنت رئيسا في عمل ما واحتفظت بأسرار عن مستقبل المكان، ستفقد بذلك ثقة الناس فيك، لذا تأكد من إيصال فكرة أن "ما تراه هو ما تحصل عليه" سواء في البيت أو في العمل أو في أي مكان،؛ لأن الشفافية تشعر من أمامك بعدم وجود ما يستحق القلق وتنفي وجود أجندات خفية.
- السلوك الرابع هو تصحيح الأخطاء: ويعني أن تتحلى بشجاعة الاعتراف بالخطأ وتصويبه؛ لأن هكذا هروب هو الجبن عينه، ويكبر معه اعتزازك "بالأنا"، يخفف الاعتذار الصادق من غضب الطرف الثاني، حتى لو كنت الضحية فبإمكانك تصحيح الأخطاء بتسامحك وتقبلك لضعف غيرك، مما يقودهم للاعتذار وتقديم تعويض لك.
- وبالنسبة للسلوك الخامس فهو إظهار الولاء، كأن تتكلم بالحسنى عن زميلك الغائب، وتظهر فضل الناس دون مقابل وتشكرهم على إسهاماتهم.
- أما السلوك السادس لاكتساب الثقة فهو تحقيق النتائج: اصنع سجلا لمتابعة أدائك، وراقب هل تنجز المطلوب منك أم لا، وتجنب الإكثار من الوعود، فقد تتعرض لأي ظرف يتسبب في تقصيرك، بينما لو فاجأت الناس بإنجازك فستزداد ثقتهم بك.
- سابع سلوك هو تحمل المسؤولية: ويعني تحملك لعواقب ونتائج أي فعل تقوم به، ولا تلقي اللوم على غيرك حال حدوث التقصير، بل انظر لما قدمته أولا.
- والآن نأتي لآخر سلوك يساعدك على كسب ثقة من حولك وهو: أن تُكثر الاستماع، جدير أن توجه هذه النصيحة للنساء بشكل أخص لأنهم أكثر تسرعا في إطلاق الأحكام، متخذات بذلك وضعا دفاعيا دون التأكد مما سمعنه أو عرفنه، فلا تفترضي فهما لمن أمامك دونما الاستماع إليه، اسمعي الأعذار قبل تكلمك، اسمعي بأذنيك وعينيك وقلبك، اكتشفي أهم سلوكيات من تتعاملين معهم، ولا تفترضي معرفتك بكل الإجابات وكل الأسئلة.
------------------------------------------------
بعد تحدثنا عن السلوكيات نأتي لسؤال مهم: لو كنت في مناقشة أو تفاوض مع شخص أو فريق ثاني هل تتمنى الحصول على مكسب لكل منكما؟ هل تتمنى أن تعود المنفعة على الجميع؟ أم ستختار نفسك وفقط؟ لو اخترت نفسك فوق كل شيء فاعلم حاجتك لمراجعة ذاتك وتحسين نيتك، وتيقن وجود مشكلة في ثقة الآخرين بك.
* بكل تأكيد هناك أنواع أخرى للثقة، مثل الثقة في المؤسسات والثقة في السوق وفي المجتمع، تحتاج تلك الأمثلة حلقة كاملة منفردة، لكننا سنشير لهم في مثال بسيط هنا:
مبدأ المساهمة
تندرج تحته نظرية "سلة الفكة"، أو "سلة الباقي"، وهي سلة تحوي نقودا معدنية تمكنك من دفع حسابك وأخذ المتبقي من السلة دون مساعدة أصحاب المكان، وتلك وسيلة تستخدمها بعض المطاعم والمحلات لكي تقول للعميل أن هذا المكان هو بيتك الثاني ونحن على ثقة بك، مما يخلق علاقات طيبة بين الأشخاص والمكان، وقد لاحظ المُلاك وجود نقود زائدة عن المتوقع مع نسب قليلة جدا للسرقة أو السهو.
وفي النهاية...
يحتمل تعرضك للخذلان كثيرا في حياتك مما أفقدك القدرة على الثقة بالآخرين، ومن الممكن أنك لم تتلق الثقة بشكل هادف، بل نشأت في بيئة محبطة تقلل منك، لذلك أتفهم عدم إدراكك لأهمية الثقة لك ولمن حولك، لكن تذكر دائما أنك مساهم بشكل أو آخر عن نجاح حياتك ودعم الآخرين أو خذلاذنهم، وهذا بالتأكيد يتطلب وجود الثقة، لذا لزم التركيز على مبدأين مهمين جدا وهما:
- افحص دوافعك ونقها باستمرار.
- أعلن نيتك للناس، وذلك كفيل بطمأنتهم وبناء الثقة بينكم.
فقط هكذا، سلام.