كتاب القلق قيود من الوهم

Book-Cover

ملخص كتاب القلق قيود من الوهم (المؤلف: عبد الستار إبراهيم)

هذه المرأة -مثل كثير من الناس-  تمر بلحظات كثيرة تشعر فيها بالاضطراب بما فيه من توتر شديد، وانفعالات قوية.

مما يجعلها غير قادرة على التحكم  في انفعالاتها أو التفكير بشكل جيد أو القيام بالتصرف الصحيح. 

هذه الاضطرابات عدة  أنواع لا نوع واحد.

منها الاستجابة الانفعالية الحادة، التي نسميها:

القلق.

والذي يظهر في أشكال مختلفة، مثل انشغال البال، والهم، والتوجس، والخوف، والتشاؤم.

القلق يشبه  جرس الإنذار، الذي يجعلك تستعد لمواجهة الخطر.

يخبرك أن شيئًا ما سيحدث، من شأنه تهديد أمنك، أو الإخلال بتوازنك وطمأنينتك. 

القلق: هو الاستجابة التي تغلب عليك عندما تنوي فعل شيء مهم أو خطير.

ولذلك يكون هو الاستجابة الطبيعية عندما تمر بأزمة صحية أو كارثة مادية أو عندما تكون تحت تأثير تهديد أو في موقف اجتماعي متأزم.

والأمر ليس كما تتخيل،  أن القلق أمر سيئ.

بل العكس، ثمة أبحاث تقول أنه مفيد، وأنك تحتاج ألا تجعله يؤثر عليك.

في ملخصنا ذا  سنتحدث عن أنواع القلق، وخصوصًا تلك التي يمكن أن تمنعك من الاستمرار في مهامك، وتؤثر عليك بلا أي فائدة.

أولًا دعونا نعرف: ما هو القلق؟

القلق هو انفعال يتصف بالخوف والتوجس، من أشياء منتظرة، يمكن أن تسبب تهديدًا حقيقيًا معلومًا أو مجهولًا.

= من المقبول أن نتحفز ونقلق عند مواجهة الخطر، لكن في كثير من المواقف التي تسبب القلق لا يكون  الخطر حقيقيًا، بل مُتوهمًا ومجهول المصدر.

  ببساطة: القلق ليس نوعًا واحدًا.

أنواع القلق

هناك القلق الدافع، أو الحميد.

ويتصف بأنه:

= قلق مؤقت.

= وقليل الحدة.

=  ومنشط للإمكانيات النفسية والعضوية.

مثل  ما يكون قبل امتحان، أو مقابلة عمل، فيدفعك للدارسة ووللاستعداد للمقابلة.

وعندما يمر الموقف، تشعر براحة، ويترك أثرًا طيب في نفسك، لأنك  أديت ما عليك.

وهنا تدفعك مشاعر القلق بشكل إيجابي للاجتهاد، وتساعدك على النمو وتطوير إمكانياتك.

ولولاها لم تكن لتدرس أو لتستعد.

وهذا بخلاف القلق الذي يكون أكثر حدة، والذي  يجعلك لا تذهب إلى الامتحان من الأساس!

وهو قلق مرضي.

وتكون درجة الانفعال فيه مبالغًا فيها، وتُعيق الفرد عن أداء مهامه اليومية.

وغالبًا ما يكون  بسبب أمور لا تسبب  الانزعاج أصلًا.

= ومشكلته أنه يفتقر إلى الخاصية الإيجابية للقلق، وهو الإعداد والتهيئة لمواجهة أزمات الحياة وتحدياتها.

فبدلًا أن  يسهل التعامل مع الأزمات والأخطار، يزيد  تعرض الشخص للموقف المهدِد، وهذا النوع  من القلق له أشكال متعددة، حسب شدته.

يمكن أن يكون حالة انفعالية شديدة، أو أن يتزايد حتى تجد عضلات الجسم تتوتر وتصيبه قشعريرة، وفي الحالات المتطرفة يصل إلى نوبة حادة من الذعر panic.

 متى يمكننا القول إن القلق الحميد أو المرضي سيتحول إلى طبيعة دائمة في الشخصية؟

يمكننا القول إن ذا سيحدث إذا  توافرت ثلاثة شروط:

  1. الاستعداد الطبيعي لدى الشخص، والتهيئة الوراثية للإصابة بالقلق.

كأن يولد الطفل مثلًا  باستعداد انفعالي للقلق، وحساسية زائدة واستثارة، يتحولون إلى طبيعة دائمة في الشخصية، إن كان الأب شخصًا متسلطًا مثلًا، أو كان أسلوبه في التعليم والتأديب شديدًا.

وهذا بخلاف من يتسم تعامله مع ابنه  بالدفء والتقبل والمنطقية.

  1. التعلم الاجتماعي.

لو وضع الآباء  متطلبات عالية  لشخصية الطفل، وتعاملوا معه بصرامة شديدة وعقاب، وسخروا من آلامه ومخاوفه، وعلموه ألا يعبر عن انفعالاته وقلقه وألا يطلب مساعدة أحد، ففي هذه الحالة من المرجح أن شخصية الطفل تتسم بالقلق المرضي.

والعكس، أي أن شخصيته ستكون متوازنة لو أن علاقته بأسرته تميزت بالتقبل والدفء.

  1. الصدمات، أو الهزات الانفعالية التي يمر بها  الشخص.

مثل وجوده في منطقة فيها حرب، أو تربيته في دار أيتام، أو تعرضه لاعتداء جسدي أو جنسي، أو وفاة أحد والديه.

لا تستطيع أن تحكم على الشخص من خلال عامل واحد فقط، بل الشخص نتاج كامل الظروف الاجتماعية والبيئية الأسرية والاستعداد الوراثي.

العوامل الثلاثة مهمة.

= لكن أهمها هي الأسرة.

ما الأخطاء التي ترتكبها الأسر، والتي يمكن أن تزيد القلق عند أطفالها؟

سواء كان ذا بشكل مقصود أو غير مقصود.

وما هو التصرف الصحيح في مكانها؟

  1. أول الأخطاء  هو: مقارنة الطفل دائمًا بالآخرين.

وبديله: التركيز على ما يملك الطفل من إمكانيات، وعلى قدراته الشخصية وعلى تنمية مواهبه. 

  1. الخطأ الثاني: تذكير الطفل دائمًا بأخطائه وبنقاط ضعفه وجوانب النقص فيه.

وبديله: التركيز على ما أنجزه الطفل، وما أحرزه من تغيير، وتشجيعه على الاستمرار.

  1. الخطأ الثالث: استخدام مشاعر الذنب والخزي لإجباره على إطاعة الأوامر.

"أنت أناني، كيف تفعل بنا هذا؟"

وبديله: التركيز على المشكلة وأسبابها وإيجاد الحل، لا على شخصية الطفل ودوافعه.

  1. الخطأ الرابع: التحقير منه ومن إمكانياته ومن قدرته على حل مشكلاته.

وبديله: إعطاؤه بعض الوقت ليُسمع رأيه، ولمناقشته دائمًا باحترام وموضوعية.

  1. الخطأ الخامس: إثارة أهداف غير واقعية، وإلزامه بتحقيقها.

كمثال: أب يقول لإبنه "ستكون الأول على الجمهورية في الثانوية العامة."، وهو ما زال في الصف الثاني   ابتدائي!

وبديله: إثارة أهداف واقعية، قصيرة المدى.

فمثلًا تقولين لابنتك: "إذا خصصتِ خمس عشرة دقيقة يوميًا لمذاكرة الحساب مستواك سيكون جيدًا.".

  1. الخطأ السادس: التخويف المستمر من العالم ومن الخارج.

وبديله: التشجيع على المجازفات المحسوبة، كأن تعلمه السباحة، بدلًا عن تخويفه من المياه.

  1. الخطأ السابع: التركيز المتعمد على القلق، وإثارة الانشغال.

تقول مثلًا: "هل تعرف كم تبقى من الوقت قبل الاختبار؟" 

وبديله: التركيز على إثارة الدافع للعمل وللإنجاز.

  1. الخطأ الثامن: التدخل المستمر، وعدم احترام خصوصية الطفل، من خلال مراقبة كل صغيرة وكبيرة.

وبديله: مراقبة ما يحصل عن بعد، والتدخل عند الضرورة.

لا تدع الطفل يشعر أنك خائف، أو أنك يمكن أن تدخل عليه في أي لحظة وهو جالسٌ وحده.

  1. آخر خطأ: التركيز على الكمال المطلق.

"لا بد أن تكون أكثر تفوقًا من الجميع، أكثر قوة، أو أجمل، وهكذا).

بديله: التركيز على أن يكون الطفل  مقتنعًا في داخله بما يملك من إمكانيات، وعلى مقدار ما يحصل عليه من رضا أو إشباع نتيجة النشاطات التي يقوم بها.

 

 ما هو علاج القلق؟

في البداية، دعونا نقول إن العلاج الذي بيهدف إلى إلغاء القلق تمامًا، أمر غير مرغوب فيه.

قلنا إن هنالك قلقًا محمودًا  يدفع للنمو الشخصي والاجتماعي.

ويجعلنا نستعد جيدًا لمواجهة التحديات أو المواقف الجديدة، وبالتالي تقليل المخاطر.

لكن العلاج ضروري، حين يعيق القلق  الشخص عن التفاعل السليم، وعن أداء مهماته بشكل فعال، وينبغي أن  يكون من شخص متخصص.

ويكون من خلال العمل على أربع محاور:

1.أولًا: تحديد الموقف: الذي يسبب القلق.

2.ثانيًا: التعرف على التغيرات الانفعالية غير السارة التي تصاحبه،

والتي تأخد شكل تغيرات داخلية وخارجية.

مثل صعوبة التنفس، وتوتر العضلات، وتسارع دقات القلب.

التعرف عليها سيجعلك تنتبه لها حين تحدث، وتفهم أنها بسبب القلق الذي تشعر به.

3.ثالثًا: الأفكار والحجج والمعتقدات التي تخاطب بها نفسك، خلال مرورك بالموقف، والتي غالبًا تكون مبالغًا فيها.

أي أنك تحتاج إلى القيام بعدة أمور، وهي:

  1. التفكير بواقعية في الموقف الذي يحدث، وفي نفسك، وفي إمكاناتك.

هل ذلك الخطر الذي يهددك  واقعي؟ وهل قلقك طبيعي، أم زائد عن الحد؟ 

  1. الانتباه للحوار الداخلي، (المونولوج) الذي تردده بينك وبين نفسك والذي يحدث  بغير أن تنتبه له.
  2.  إقناع نفسك أن الخوف والهلع اللذان يسيطران على مشاعرك عندما تفكر في إمكانية حدوث أمور سيئة: لن يجعلاك هادئًا.

بل على العكس، يمكن أن يزداد   الموقف سوءًا، بسبب تفكيرك المبالغ فيما يحدث، وبسبب تهويلاتك.

  1. إقناع نفسك بشتى الطرق الممكنة أن هذه المواقف التي تثير مخاوفك  ستمر.
  2. تقبل حقيقة أن التخلص من كل المشاعر التي تسبب الكدر، ومن التوتر المرتبط بالقلق أمر صعب، فلا بد من قبول بعض جوانب التوتر مؤقتًا.

 

  1. ثم نصل إلى المحور الرابع الذي من المهم أن تعمل عليه أيضًا، وهو: الجانب الاجتماعي، الذي يُعد تعبيرًا عن القلق في التفاعلات اليومية، ويظهر في أمور مثل: الخجل، والانزواء، والتردد، وتجنب الآخرين.

ثمة أدلة قوية تقول إن التعبير عن المشاعر في التفاعلات اليومية بحرية سيؤدي لتضاءل القلق بشكل ملحوظ.

ويمكنك فعل ذا  من خلال:

* التدريب مسبقًا على المواقف التي بتسبب قلق، ما الذي ستقوله فيها، ومن ستقابل.

وهذا من شأنه أن يجعلك أكثر هدوءًا وقدرة على التحكم في انفعالاتك.

* ومثله التعبير عن المشاعر بكلمات منطوقة.

أنا أشعر بالحزن، أشعر بالخوف، لشعر بالقلق، وهكذا.

=لكن هناك  أمر واحد مهم، ومن السهل أن تتعلمه، وهو:

(الاسترخاء).

الاضطرابات الانفعالية مثل القلق تُحدث تغيرات وزيادة في الأنشطة العضلية،

وتوترات في الرقبة، ومفاصل الذراعين، والركبتين، وهكذا،

وهذه التوترات العضلية تضعف قدرتك على التوافق، والنشاط البناء، والإنتاج، والكفاءة العقلية.

ومن هنا تأتي أهمية الاسترخاء، الذي يختلف عن الهدوء الظاهري، أو النوم،

من السهل جدًا أن تجلس على السرير، وألا تفعل شيئًا، لكن القلق والاضطراب لا يتركانك وشأنك.

تعالوا نتعرف على بعض خطوات التي  ستساعدنا في التدريب على الاسترخاء:

  1. الخطوة الأولى: تحديد مواقف التوتر والمواقف المثيرة للقلق.

أن تعرف ما هي المواقف التي تكون فيها في قمة توترك، والمواقف التي تشعر فيها بالهدوء والراحة،ثم تضع مقياسًا يحدد درجة شعورك بالتوتر والقلق المرتبطين بالمواقف الذي يتثير قلقك، والأوقات التي يحدث فيها ذا، ولنفرض أنه من صفر إلى عشرة كمثال، حيثتكون العشرة أعلى درجة من القلق والتوتر.

والصفر أقصى درجات الهدوء والاسترخاء.

  1. الخطوة الثانية: اتخاذ إجراء

ويكون كالتالي:

  1. اجلس في وضع مريح عند بداية التمرين،

في مكان مريح، ليس فيه ما يشعرك بعدم الراحة، وتأكد من خلو المكان من المشتتات.

ليس شرطًا أن تكون نائمًا، أو جالسًا، يمكن أن تبدأ وأنت جالس في وضع مريح، أو واقف في بعض الحالات.

  1. ابدأ بتدريب عضو واحد في البداية، ويفضل أن يكون الذراع،

* أغلق يدك اليسرى مثلًا بقوة.

* لاحظ عضلات يدك ومقدمة ذراعك، وهي تنقبض وتتوتر وتشتد.

* افتح يدك بعدها بثوان معدودة.

ودعها ترتح، وضعها في مكان مريح كمسند الكرسي مثلًا،

ولاحظ عضلاتك وهي تسترخي.

* كرر هذا التمرين حتى نشعر بالفرق بين التوتر والشد العضلي، وبين الاسترخاء الذي يحصل عندما تبسط يدك.

* كرر هذا التمرين (الشد والإرخاء)، مع بقية العضلات.

* بعد ذلك، عندما تشعر بالتوتر ستكون لديك القدرة على إبقاء بعض العضلات في حالة استرخاء.

إن كنت تقود سيارتك مثلًا، وتحتاج أن تكون عيناك وعضلات يديك ورجليك في حالة تأهب، يمكنك أن تدع العضلات الأخرى كالكتف والظهر والبطن والساقين في حالة استرخاء.

أي  يمكن أن تكون مسترخيًا، وأنت في قمة نشاطك.

* الهدف من تدريب الاسترخاء هو أن تدرب تفكيرك على التركيز على عملية الشد والاسترخاء، ومعرفة الفرق بين حالة جسمك المشدود والمسترخي، بحيث نستطيع أن تسترخي في لحظات قصيرة، أو تنتبه لجسمك وهو مشدود ومتوتر، وتستطيع أن تسترخي قبل أن يزيد الانفعال .

وإن لاحظت أن تركيزك يبتعد وأنت بتسترخي، أو أنك تشرد؛ ارجع بإحساسك مجددًا بهدوء لجسمك، أو للعضو الذي تحاول إرخاءه.

ولا تنسى أن التكرار هو سلاحك للإتقان.

 

والسَّلام!