كتاب نعمة عدم الكمال

ملخص كتاب نعمة عدم الكمال (المؤلف: برينيه براون)
مقدمة
هذه نهى، بنت جميلة في الثانية والثلاثين من عمرها، لكنها كالعادة في مشاكل دائمًا مع والدتها ومع الخالة التي تحمل أسئلتها دائمًا كناية عن تأخر زواج نهى: ألن نفرح بكِ قريبًا؟
يتقدم لها كثيرون لكنها ترفضهم، وعندما تسألها أمها عن سبب الرفض تقول إنها ما زالت تطور من نفسها وإنها أيضًا لم تجد بعد الإنسان الذي يحمل كل المواصفات التي تتمناها، العجيب أن نهى إنسانة مجتهدة وتعمل على تطوير نفسها منذ كانت في العشرين من عمرها، لكن تريد فعل ثلاثة أمور: أن تقضي على عيوبها كلها، وأن تتعلم كل مهارة تسمع عنها، وأن ترتبط بشخص مثها... أي تريد أن تكون امرأة خارقة وأن تتزوج رجلًا خارقًا، وأحلامها هذه ستجدها في كوكب زمردة غالبًا؛ فلا عيوبها ستنتهي ولا ستقدر على المشاركة في كل دورات الدنيا، ولا ستجد إنسان فيه كل المواصفات التي تتمناها.
السعي للكمال لم يكن أبدًا ممثلة؛ لأن الكمال لله وحده، لذا سنتكلم عن مشكلة المثالية وأسبابها، ولماذا لا نتسامح في المعايير التي لأنفسنا أو في علاقاتنا.
ما معنى المثالية؟
المثالية هي سعي الإنسأن إلى أن يكون الأفضل في كل شيء، وأن يكون كل ما يحيطه كاملًا، وألا يرضى بأقل من ذلك، أي أنك إذا ضبطت المنبه على ساعة معينة واستيقظت متأخرًا قليلًا شعرت أن اليوم كله ضاع، وإن أصاب قميصك نقطة مثلت صغيرة غير واضحة ترفض ارتداءه وتشعر بالغضب، أنك ترى نفسك مقصرًا دائمًا في العلاقات، لذا تحاول دائمًا أن ترضي الآخرين بكل الطرق الممكنة، أنك تتأخر في تسليم عملك بسبب عدم رضاك عن أي شيء تفعله وأنك ترى دايئمًا أن يمكن أن يكون أحسن وتخاف دائمًا من الفشل، وبمجرد أن تنجز شيئًا ما وتجده جيدًا، يبدأ دماغك في اختراع أمر تأخرت عنه أو قصرت فيه، كي تبدأ دوامة من جلد الذات وعدم شعور بالاستقرار الداخلي وعدم رضا.
كيف بدأت المثالية؟
نحن لم نستيقظ من النوم لنجد أنفسنا فجأة نريد كل شيء في حياتنا مثاليًا أو راضين عنه رضا تامًا، نحن في الأصل كنا نسعد بأبسط الأشياء، ولم نشك أبدًا في أنفسنا أو فكرنا في شكلنا وسألنا: هل نحن مقبولون أم لا؟ لم نفكر يومًا أننا سنضطر إلى ارتداء قناع كي نعجب الناس، نحن نؤمن أن لكل الناس عيوبًا وألا أحد معصوم، لكن ذا نظريًا، أما عمليًا فنحن نعامل أنفسنا على أننا ينبغي أن نكون معصومين، يمكن أن نسمح بيننا وبين أنفسنا ببعض الخطأ، لكننا أما الناس نضع قناع العصمة والمثالية ونمثل، هذا القناع يخنقنا ولا نستطيع أن نكون به على طبيعتنا ويجعلنا نحاسب الناس لو حاولوا أن يكونوا على طبيعتهم.
وللأسف أيضًا، أسوأ شيء يقع فيه الشخص المثالي هو الحساسية الزائدة من النقد، دائمًا يريد أن يظهر بمظهر مثالي ليس فيه نقص أو عيب، فلا هو مثالي كما يظن ويتعب نفسه، ولا هو يريح نفسه من تأنيب الضمير وجلد الذات.
وكي لا نقع في هذه المشاكل، نحتاج أن نعرف أكثر عن أسباب المثالية.
أسباب المثالية
الدوافع النفسية وراء ارتداء قناع العصمة أو المثالية ستجدها تتمحور حول سبب واحد فقط: الخوف!
- الخوف من فقد الناس
لو عرف الناس عيوبي سيبتعدون عني وتتخيل نفسك وأنت تغني أغنية (هما استغنوا عني).
- الخوف من الفشل
- الخوف من ألا أكون كافيًا
أي لا أستحق ما لدي، كالفتاة التي يمكن أن ترى خطيبها كثيرًا علها وأنه يستحق من هو أفضل منها، فدائمًا تخاف أن يحزن، وتوجّه أصابع اللوم لنفسها، لمَ؟ لأنها ترى أنها مقصرة وأنها ليست الشخصية الكاملة التي يستحقها خطيبها، فالمثالية هنا جعلتها تقلل من شأنها وتشعر أنها المخطئة دائمًا حتى لو كان خطيبها هو امخطئ.
- الخوف من الخيار الأفضل
أنا أريد أن أتزوج، هنالك أكثر من فتاة مناسبة، أيهن أختار؟ ذي أم ذي أم تلك؟
حسنًا سأختار هذه، لكني خائف ألا تكون مناسبة، ربما كانت الأخرى أفضل. ويظل متشتتًا حتى يُخطبن كلهن وتتبقى واحدة.
أتدري؟ أنا لن أتزوج الآن وسأمضي وقتي في دورات تدريبية إلى أن أستقر، بأي دورة أبدأ إذًا؟ دورة في الإنجليزية أم في البرمجة؟ أخاف أن أبدأ في دورة الإنجليمثلة ثم أجد فرصة عمل في البرمجة فتفوتني، أو أن أبدأ بالبرمجة وأجد فرصة عمل تحتاج إلى إنجليزية جيدة فلا أكون جاهزًا. حسنًا، دعوني على هذه الحال لبعض الوقت حتى أستقر.
الخوف له مصدر أساسي، وهي الذكريات القديمة التي تكون غالبًا متعلقة بأساليب التربية الخاطئة:
- مثل: مطالبة الأطفال أن يكونوا على غير شخصيتهم الحقيقية.
- ومثل: مقارنتهم بالآخرين، والمقارنة الأبدية التي بينك وبين ابن خالتك تشهد بهذا بالتأكيد.
- ومثل: تعرضهم للإحباط والسخرية والاحتقار.
- وأننا نعطي للأطفال انطباعًا أن وجهة نظرهم ليست مهمة.
- وكذلك إجبارهم على فعل شيء ما.
أخيرًا، دعونا نتكلم عن:
علاج المثالية
أولًا: الشجاعة
أول ما يقفز إلى ذهننا عندما نسمع كلمة (الشجاعة) هي البطولة، أو صورة رجل قوي في الحرب أو يخوض تجربة خطيرة في الحياة.
لكن هنالك شجاعة من نوع مختلف،
شجاعة أن تقول رأيك، خاصة إن كان مخالفًا لمن حولك،
وشجاعة أن تعبر عن مشاعرك واحتياجاتك،
وأهم شجاعة مطلوبة في حالة الشخص المثالي هي اعترافه بعيبه أمام نفسه وأمام الناس، ألا يخجل من قول لا أعلم، ألا يخجل من قول لا أقدر على فعل هذا الأمر،
أحدهم قال شيئًا مضحكًا أمامك؛ اضحك حتى لو لم يضحك بقية الناس، لا تشعر بالإحراج لأنك ضحكت وحدك، أو مثلاً إذا وقعت في الشارع، ما أول شيء يقفز إلى ذهنك؟ شكلك أمام الناس؟ تخاف أن ييضحك عليك أحد أو ألا يعجبه شكل ثيابك وهي متسخة؟
إذا غيرت نظرتك لمعنى كلمة الفشل أو الوقوع، ستشعر أن الموضوع عادي؛ لأن كل الناس تتعرض لهذا الموقف في حياتها، ثيابك ستعود نظيفة، والسخفاء الذين ضحكوا ستنساهم وسينسونك والموقف سيمر، فالشجاعة هنا ألا تكون محرجًا من وقوعك وأن تركز في أنك لم تُجرح وتقوم فتنفض ثيابك وتكمل طريقك من غير أن تنظر حتى في عيون من حولك كي تتأكد أن أحدًا لم يضحك أو يتضايق أو كيف يبدو شكلك، تماسك واثبت فالجبل لا تهزه ريح، يمكنك أن تقع كما تشاء وأن تقع كثيرًا، لأن كل من يحيطونك وقعوا لكن بشكل مختلف، ربما لم تفهم فقط وهم واقعون، المهم أن تقوم بسرعة لأجلك لا لأجلهم. لأن الطبيعي بالنسبة للشخص المثالي أن يقع غيره أما هو فلا.
لا تجبر ملامح وجهكك أن تكون عكس إحساسك، ابكِ، اضحك، احزن، وتجنن في أي وقت وأي مكان ، لا تخفي مشاعرك، دعها تظهر على وشك أمام أي حد، لا تمثل حالتك.
على عكس الكتمان والكبت…
عواقب الكتمان
هل تعرف الإسفنجة؟ أنت تكون مثلها عندما تستمر في كبت في مشاعرك واحتياجاتك، مشاعرك التي تشعر بها تجاه الآخرين أو تجاه أي موقف يحصل أمامك، واحتياجاتك من الآخرين.
تخيل أنك إسفنجة فعلا وأنك تمتص مشاعر من حولك لكنك لا تخرج شيئًا، لو غضبت من شخص لا تقول إنك غاضب، ولو أحببت شخصًا تخاف أن تفصح له عن حبك، إنك بالتأكيد غير مرتاح مع الضغط العصبي والتشتت بسبب كتمانك ذا.
هل الشجاعة في إظهار عيوبي أو التصالح معاها يدخل فيها فضح النفس؟
الإجابة: لا؛ الشجاعة التي نطالب بها هي في إطار العيوب والطباع وليس في فضح النفس ولا في المعاصي.
فلنفرض أن عيبك فعل محرم؟ هنا أيضًا يجب أن تمتلك الشجاعة لتتكلم عنه لكن لا يكون ذلك أمام الناس كلهم، بل نختار طبيبًا نفسيًا يساعدنا أو صديقًا واحدًا أمينًا.
الأمر الثاني الذي سيساعدنا في التغلب على المثالية هو: التواصل
الإنسان بفطرته يميل إلى إقامة علاقات مع الآخرين، فلا تدع أفكارك وخوفك من الظهور بشكل غير مثالي يمنعك من التواصل مع الناس، احضر المناسبات واخرج مع أصحابك، لأنك تحتاج أن تشعر أنك مقبول بعيوبك، وإذا بقيت منعزلًا وخائفًا من أن تجتمع بالناس ولا تملك الشجاعة التي تكلمنا عنها، فأنت بذا تسلم نفسك للشيطان وللأفكار السلبية، وأخطرها أنك سيء ولا تستحق الصداقة بسبب عيوبك.
الاستقلال النهائي عن كل الناس وادعاء أنك لا تحتاج أي شيء من أي أحد هي ردود أفعال لصدمات في الماضي ولأناس خذلوك ... لا مشكلة في أن تحتاج أو أن تطلب مساعدة لأنك تستحقها بدون حاجة لأن تثبت أي شيء لأي أحد وبدون أن يعاييروك بشيء.
ثم نأتي للأمر الثالث الذي سيبجعلنا نتغلب على المثالية وهو: شعور أنك كافٍ
الاحساس بالكفاءة لا مقدمات له، أي أنه ليس لزامًا أن ينقص وزني أو يزيد أو أن أغير لون بشرتي أو أن أكون حاملًا كي أعجب زوجي وأمه أو أُخطب مثل صديقاتي أو ألتحق بالكلية الفلانية كي أحس أنني أستحق أو أنني جدير بالتقدير والعلاقات الجيدة والنجاح في بقية مجالات الحياة.
أنك كافٍ أي مثلما نقول أنك تشعر أنك طائر وحر، أو ببساطة عندما تجيب على سؤال: متى تشعر أنك لا تريد أي شيء آخر؟ لأن الذي وصلت له والشعور الذي تشعر به كافٍ، اكتفاء ذاتي، أي احتياج بسيط مع قدرة على العطاء أيضًا، أي أن تكون راضيًا عن شكلك وشكل جسمك ولون بشرتك ومجهودك في الدراسة أو العمل، إذ بذلت أقصى مجهود أو إن أداءك في العلاقة كافٍ من غير شعور بالتقصير وأن هذا هو أنت، ومن الطبيعي ألا يكون كل الناس تكون قريبين منك بنفس الدرجة.
العلاج الرابع للمثالية هو: التراحم
والتراحم هو أهم علاج للشخص المثالي الذي ينتقد نفسه دائمًا وخاصة إن كان مصابًا بالاكتئاب أو القلق والتوتر، والتراحم له صفات:
أولها رعاية الذات، أي عندما تكون متعبًا استرح، وأن تهتم بصحتك وتأكل أكلًا صحيًا، وتمارس رياضة، وترتدي جميل الثياب وتعالج نفسك وقت المرض.
ثانيها الحساسية، أي أني أعرف مشاعري وأستطيع تسميتها، أنا غاضب أو فرح أو سعيد أو حزين.
ثالثها التعاطف، التعاطف مع نفسي ومع الآخرين وأن أشعر بآلامهم،
التعاطف مع الآخرين والرحمة بهم ستجعلك رحيمًا مع نفسك.
والرابعة تحمل الضغوط، أي ألا تهرب من الضغوط بالنوم أو بالعمل.
والخامسة عدم استخدام الأحكام أو الوصم، مثلًا لا أحكم على نفسي بالفشل لمجرد عدم نجاحي في أمر واحد في الحياة.
آخر علاج معنا للمثالية هو: قبول نفسك وقبول الواقع
والتقبل لا يعني الاستسلام، لأن الاستسلام معناه وجود حل لا تريد تنفيذه، لكن القبول مثلًا في حالة شخص فاقد للبصر، يقول أنا متضايق ولا أستطيع أن أرضى لكن سأصبر وأتعامل مع هذاالوضع حتى يظهر حل، الصبر واجب لكن الرضا مستحب.
والاعتراف بعيوبك، مع ضرورة السعي للتخلص منها، هو نوع من التصالح مع الذات، أما إنكارها ورفض القبول بوجودها فهو نوع من الضعف، وانعدام الثقة في النفس، وفقدان للسلام الداخلي، وبوابة لمعارك خفية لا تعد ولا تحصى. والندم ليس جلد الذات، الندم صحي ودليل على يقظة قلبك، والندم توبة، لكن جلد الذات يأس من رحمة الله، يأس من رحمته في أن يُصلحك، ويأس من رحمته في أن يغفر لك.
القبول مفيد أيضًا لأنك حين تتقبل وجود عيب في أحد الوالدين أو شريك حياتك، لا يكون ذا لمصلحتهم أو لأجلهم فقط، لكن تقبُّل عيوبهم في صالح سلامك النفسي كذلك.
كل إنسان له حظه من النقص والعيوب والذنوب، اقبل حظك ذا بكل ترحاب، اعتبره ضيفًا ثقيلًا، مهما يكن، اسمه ضيف وله حق الضيافة.
الحقيقة أنك لا بد أن تمارس القبول الجذري، أي أن تأخد قرارًا تقر فيه بعدم موافقتك مع اضطرارك للتقبل، أن تتقبل عيبك وتتقبل الظلم وتتقبل المرض وتتقبل فقد الأحبة، ما دام ليس بيدك شيء لفعله، والحكمة تقول: دعْ طَرْقَ هذا الجدار، إنه لن يتزحزح.
واخيرًا فـ «اللهمَّ امْنحني السكينةَ لأتقبَّلَ الأشياءَ التي لا أستطيعُ تغييرَها، والشجاعةَ لتغييرِ الأشياءِ التي أستطيعُ تغييرَها، والحكمةَ لمعرفةِ الفرقِ بينهما».
وسلامًا عليكم.