كتاب مركب النقص والعقد النفسية

ملخص كتاب مركب النقص والعقد النفسية (المؤلف: و. ج. ماكبرايد)
في الحياة أشياء كثيرة مختلفة وبينها تضاد، ففيها السالب والموجب، الليل والنهار، الشمس والقمر، حتى الشخصيات يوجد بينها اختلاف.
فهناك أشخاص مثلًا يتأثرون بالحياة دون أن يكون لهم رد على ما تفعله بهم، وهؤلاء يقال إنهم (سلبيون)، وهناك أشخاص يحاولون التأثير في الحياة بقدر تأثيرها فيهم، ويقال عنهم (إيجابيون)، هؤلاء الأشخاص السلبيون يقال- بحسب البعض- إن لديهم (مركب نقص) أو (عقدة النقص)، لأنهم تعرضوا لموقف أو مواقف سلبية نتج عنها (نقص) في الشخصية، فقد فاتتهم فرص اكتمال الشخصية بسبب نقص هذه الحاجة، وهذا هو سبب الإحساس بالنقص، والتعبير الدارج عن (النقص) معبر جدًّا عن الحقيقة، لأن هذه الشخصية وهؤلاء الأشخاص لديهم فعلًا تلك الأعراض التي تدل على زعزعة الثقة بالنفس أو انخفاض الهمة لديهم.
تاريخ المصطلح وتعريفه
ظهر مصطلح (عقدة النقص) على يد فرويد، ووضعه للدلالة على كل انفعال سلبي ناجم عن خوف القصور الجنسي أو عن إحساس فعلي بهذا القصور، وهكذا فإنه حصر المصطلح على جزء محدد، لكن عالم النفس النمساوي ألفرد أدلر طوَّر هذا المفهوم، وقال إن عقدة النقص عامل فعال جدًّا في ظروف نشأة الإنسان ونموه، وأسباب هذه العقدة كثيرة جدًّا لدرجة أنه لا يمكن حصرها في الجانب الجنسي فقط.
أسباب حدوث هذا النقص
هناك حالات معينة يشعر فيها الشخص بالنقص، عندك مثلًا النقص العضوي في مرحلة الطفولة، فقد لاحظ العلماء أن اختلاف الشكل عن (المألوف) مثل وجود عيب جسماني أو حيوي عند الطفل يجعله يظهر على نحو مخالف أو بسلوك جسماني غريب عن السلوك المألوف للأطفال في بيئته، وهذا الأمر يمكن أن يسبب الإحساس بالنقص، وهذا ليس شرطًا فقد يكون النقص العضوي ناتجًا عن مشكلة عضوية كبيرة أو مشكلة موجودة أساسًا مثل (وحمة) مثلًا في الخد قد تتسبب في تكوين (عقدة نقص)؛ بسبب المضايقات من زملاء المدرسة، وقد يصحبه شعور بالانطواء يظل مع الشخص حتى يكبر ويقرر ألا يختلط بالناس، لأنه لا يثق بنفسه كثيرًا أو أنه لا يثق بها من الأساس وهكذا.
عمومًا؛ أي تجربة يمر بها الشخص وتجرح كبرياءه أمام نفسه خصوصًا وهو طفل وتسلبه جانبًا من تقديره لذاته واحترامه لشخصيته فإنها تجعله عندما (يكبر) في (ظل) هذا الجرح، ولا سيما إذا تكرر يشعر بالخزي، ويقرر الابتعاد عن الناس، وحينها تستأثر به هذه المشاعر، وتسيطر عليه وتتحكم فيه، وتجعله يخبئ هذا الأمر، وكأنه (عاهة) لا بدَّ من سترها، أو سر لا بدَّ أن يقبع في بئر النسيان.
دور الأحلام في مركب النقص
الأحلام أيضًا إلى جانب هذه العوامل، لها جانب مهم في تشكيل عقدة النقص، فأحلام الشخص نفسه، أو المثال الذي يرغب أن يكون مثله كلها أمور تؤدي دورًا كبيرًا جدًّا في شعور شخص ما بالنقص، خذ مثلًا، كل شخص منا عنده حلم ذهبي، أو مثل أعلى يتمنى ويرغب أن يكون مثله على حسب مقاييس كل منا وتقديراته ونظرته، فمثلًا ممكن المال (الكثير جدًّا) الذي يحقق الأمان يكون الشيء الذي افتقده في الطفولة، أو يكون جمال عارضات الأزياء في الأفلام، أو ثقافة كبيرة أو علمًا واسعًا، وكلما ارتفع سقف الأحلام عن (المقدار الواقعي) زاد جوع الشخص له ورغبته في تحقيقها، وشعوره بعدم الكفاية تجاهه، أو تجاه من يمثله، وهذا الشعور بعدم الكفاية يجعل الشخص مجروحًا نفسيًّا، ويصله بسهولة إلى عقدة النقص.
الشخص المصاب
تختلف حدة (مركب النقص) من شخص إلى آخر باختلاف (عمق الإصابة) بالجرح النفسي، وباختلاف زمنها، ودرجة تعفنها، فهناك عقد جديدة، وأخرى مزمنة.. وهكذا.
ردات الفعل الناشئة
تختلف ردات الفعل تجاه العقد في كثير من الأحيان، وربما يكون الاختلاف من النقيض للنقيض، فهناك أشخاص يستولي عليهم الشعور بالعجز، وتقل ثقتهم بأنفسهم تمامًا، فيهربون إلى الخمر أو القمار أو المخدرات، وكلها أمور وسلوكيات سلبية.
وهناك أشخاص يتسمون بالعنف والتحدي، ولهم سلوك آخر يعبر عن عقدة النقص لكنه مضاد للسلوك السابق، هذا السلوك يتسم بـ (الاقتحام والتبجح وفرض الذات)، وهذه الفئة تنتسب للبلطجية والمجرمين.
الفرق بين شعور النقص ومركب النقص
بقيت هناك نقطة مهمة لا بدَّ من الإشارة إليها تتلخص في أن كل شخص منا لا بدَّ أن يشعر بالنقص في جانب ما: المال، الأهل، الشكل، المكانة الاجتماعية، هذا النقص إذا كان ناتجًا عن التفاوت في الملكات والظروف والحظوظ فهو طبيعي، لأن ذلك من طبيعة الدنيا وطبيعة البشر.
أما إذا كان هذا النقص ناتجًا عن سلوك الشخص وتصرفاته، فهذا الأمر مرض فردي، وربما يكون شائعًا في العصر الحديث أن هذا الشعور بالنقص يدفع الشخص لتجنب أخطائه، ويحثه على الأمل والارتقاء والتفوق، ولا يتحول إلى نقمة إلا عندما يجعل الشخص منطويًا ومنعزلًا ويتوقف عن العمل، وحينها يتحول إلى مركب.
أعراض مركب النقص
ما دمنا نتكلم عن الانطواء والانعزال فلا بدَّ أيضًا قبل أن نتحدث عن التعامل مع مشكلة (مركب النقص) أن نوضح أنه يتمثل في مجموعة أعراض منها:
خجل من المجتمعات وتحاشي الناس
وهذا من أوضح أعراض الشعور بالنقص، وسببه في الغالب شعور الشخص بالنبذ والكراهية في الطفولة، وبالتالي عند الكبر فإن الشخص يتجنب الناس؛ نتيجة لما حدث وتكرر معه في الماضي.
تقليل الشخص من قيمة نفسه
هذا الشعور يحدث غالبًا بسبب مواقف قديمة أيضًا تم التقليل فيها من الشخص والتحقير من شأنه، وعندما يكبر الشخص يتطور معه هذا الأمر، ويشعره بأنه قليل في عين نفسه، وأن الناس لديهم الحق في الاستهانة به.
السطحية وفرط الرضا عن النفس
الشخص السطحي غير مهتم إلا بحاجته ومطالبه الخاصة ومسراته، ولا يفكر في الآخرين، وهذه العلامة من علامات السطحية.
حب النقد الهدام
هناك أشخاص يحقرون من شأن أي شيء مهما كان جيدًا أو جميلًا، وينتقدون كل شيء ليس لهدف سوى المسخ والهدم.
فترات متناقضة من المرح والانقباض
وهذا بسبب عدم الاتزان الوجداني، ووجود (فقاعات) تسبب القلق وعدم الاستقرار.
التعامل مع عقدة النقص
أهم جزء في هذا الكتاب هو التعامل، التعامل مع عقدة النقص، لذلك فلا بدَّ لنا من القول إن عقدة النقص هي شعور سطحي بالنقص تكرر كثيرًا وتم التهرب منه وكبت مشاعرنا تجاهه فتحول إلى عقدة، خلقت بداخلنا الخوف من فتح هذا الموضوع حتى لا يتجدد الجرح النفسي الذي كنا نشعر به قديمًا، وأصبح سلوكنا سلبيًّا تجاهه.
ومن هنا يمكن تقسيم العقدة إلى حاجتين مهمتين: الإحساس بالنقص وكبت المشاعر تجاه هذا النقص، ونستطيع حل هذا الأمر بالتعويض والتنفيس، فالتعويض يعالج شعورنا بالنقص والتنفيش يجعلنا نتعامل مع إحساسنا بالنقص على نحو سلس.
التنفيس
يبدأ التنفيس من معرفة المشاعر والتعامل معها على نحو صحيح عن طريق إخراجها من دون خزي أو إحراج، وهذا الأمر ممكن يكون لشخص نثق به ونحكي له ما حدث معنا بصراحة، أو عن طريق كتابة ما حدث، أو قوله بصوت عالٍ، وهذه الأمور تقلل شعور الخزي، ولا يكون هناك كبت للمشاعر، ومن ثَمَّ فإن هذه الأمور كفيلة بمنع كبت المشاعر، وتحويل الإحساس البسيط إلى عقدة.
التعويض
التعويض هو أن يحاول الشخص الذي يشعر بالنقص الحصول على مزايا وفضائل حقيقية تجلب له التقدير والاحترام من الداخل والخارج، ومن ثَمَّ يزول الشعور بالنقص، وبدلًا من أن يبحث الشخص على تعويض خطأ لإحساسه بالنقص يبحث على تعويض صحيح؛ ينمي موهبة مثلًا عنده، تشعره بقدر نفسه أو تجعل الناس تقدره بناء على أفعال حقيقية يقوم بها.
لكن لو كانت عقدة النقص بسبب عاهة ظاهرة مثلًا، فلا بدَّ من (قبول) الواقع كما هو، ورؤية جانب الحكمة والخير فيه، وفي هذه الحالة يجب أن يواجه الواحد الواقع بشجاعة، مع عدم الشعور بالخزي والتضاؤل أمام النفس وأمام الناس، بل على النقيض ربما تكون هذه العاهة سببًا لأن يبذل الشخص قصارى جهده للتفوق والتميز، ولولا هذه الظروف لما تقدم خطوة للأمام.
ويجب أن نؤمن أنه لا يوجد شيء كامل، وأن النقص مكتوب علينا، وأن الحياة ليست حلبة سباق، كل واحد منا ينافس غيره ليثبت تفوقه أو تقدمه عليه، بل إن الحياة للألفة والمودة والسلام والقبول، كما لا بدَّ أيضًا أن نؤمن أنه إلى جانب المميزات هناك عيوب لكل منا، وهذا الأمر سيساعدنا على تقدير أنفسنا على نحو صحي، وسيخلصنا من الإحساس بالنقص، ويساعدنا أيضًا على تحسين صورتنا الذاتية ومعالجتها من التشوهات التي أصابتها بمرور الأيام.