كتاب كنت أظن أنني وحدي في هذا

Book-Cover

ملخص كتاب كنت أظن أنني وحدي في هذا (المؤلف: برينيه براون)

هل شعرت من قبل أن لديك عيبًا ما؟ أو أنك لا تستحق أن تحصل على الحب أو الاهتمام من أحد الأشخاص، وأنك حين تشعر بتقصير أحدهم نحوك لا تحسُّ أن لديك الحق في توجيه اللوم إليه!

ودائمًا ما تحاول أن تُظهر للناس ما يرغبون فيه، وكأنك في سجن، لكنه سجن جديرٌ بك تمامًا، لأن بداخلك مشكلة!

هل يرافقك هذا الشعور ولكنك لا تستطيع الإفصاح عنه لأنك لو تكلَّمت سيعرف الناس حينها سرك الصغير؟!

ما تشعر به ذا يُدعى "الخزي"!

فالخزي هو أن تشعر أنك مكشوف، وأن عيوبك التي تحاول إخفاءها عن الناس قد ظهرت، وكأنك تريد أن تختبئ أو تهرب أو تموت.

فالخزي مكون إنساني، نشترك جميعًا في وجوده، ولذلك حين نقوم باختباره غالبًا ما تكون استجابتنا جسدية، وتحمل كثيرًا من المشاعر القوية.

وبوجه عام نحن نشعر بالخزي حين نعتقد أن المشكلة لدينا نحن، وليس سلوك الآخرين هو الخطأ، (أنا الخطأ!)، فالخزي يدفعنا إلى كره أنفسنا، أو أجسادنا، أو نخشى الرفض أو المخاطرة، أو يجعلنا نخفي بعض خبراتنا أو أجزاء من حياتنا، خوفًا من حكم الآخرين علينا.

لا أحد يجاهر بالحديث عن الخزي مخافة أن يكون هو الشخص الوحيد الذي يتعرض له، أو يشعر به، فيظل الأمر سرًّا كلٌّ منا يخشى افتضاحه حين يشعر به.

الخزي وباء صامت

الخزي باختصار هو وباء صامت بداخلنا، ويتأثَّر بمدى الثقافة؛ فهو أولاً وباء، وهو صامت نتيجة عجزنا أمام الاعتراف به أو الحديث عنه بحرية، وصمتنا يجعله يتغلغل بداخلنا، بطرق مدمرة وخفية، بل إنه يستمد قوته من صمتنا، حتى إنه يجعلنا نشعر بالوحدة، وكأننا مختلفين عن كل البشر، وتلك السرية تسهم في تضخيمه، رغم أننا سنستريح لو أننا أدركنا أننا لسنا منفردين في ذلك الشعور، فالخزي يكشف خوفنا من نظرة الآخرين إلينا كأصحاب عاهة أو نقيصة، أو أننا لا نستحق القبول والانتماء، حتى إنه يمنعنا من البوح بقصصنا، كما يمنعنا من الاستماع لقصص الآخرين، نكمِّم أفواهنا ونخفي أسرارنا خوفًا من زهد الآخرين فينا، وحينما نستمع لمن يتحدث حول شعوره بالخزي نوجه إليه اللوم لنحمي أنفسنا من الشعور بعدم الارتياح، فالاستماع لمن يحكي تجاربه المخزية قد يكون له نفس مدى المعاناة التي نحياها بأنفسنا لو تعرَّضنا للشعور ذاته.

 الخزي كامن بداخلنا

النقطة الثانية هي الخزي الكامن بداخلنا، فهو يبدو وكأنه نتيجة خوف خارجي؛ خوفنا من حكم الآخرين، لكن الحقيقة أنه نابع من داخلنا، وليس من الخارج مثلما قد يبدو، فهذا الصراع المستمر لاكتساب القبول والجدارة هو شعور داخلي، فكم من وقت وجهد نبذلهما لننجح في الشعور بالقبول والجدارة، ولكي نتأكد أننا قد وصلنا إلى التوقعات المطلوبة منا، أو أننا صرنا مهتمين إلى هذا الحد بآراء الآخرين في سلوكنا، وهذا يجعلنا بوجه عام نشعر بالغضب والخوف، وحينئذٍ نسلك أحد طريقين: إما أن نختزن مشاعرنا بداخلنا، ونقنع أنفسنا بأننا أشخاص سيئون، وأننا السبب في رفض الآخرين الذي نحس به تجاهنا، وإما أن نندفع بالصراخ والهجوم في أبنائنا وأزواجنا بلا سبب مقنع، أو نعلِّق تعليقًا لاذعًا ردًّا على أحد الأصدقاء، وفي نهاية المطاف فإننا نشعر بالإنهاك والوحدة!

عندما نقاوم الخزي أو نفكر في علاجه فإننا نستغرق بعض وقتنا ونستهلك بعضًا من طاقتنا في معالجة مسائل ظاهرة عرضية، وفي نهاية المطاف لا نحصل على تغيير حقيقي.    

الخزي يتأثر بالثقافة

يتأثر الخزي بالثقافة؛ ولكي تفهم هذا التأثير فأنت بحاجة إلى التفكير على هذا النحو الذي تعلَّمت من خلاله مدى أهمية حب الناس لك، وكيف من المفترض أن تنسجم معهم وترضيهم.

نحن غالبًا ما نتعلم تلك الدروس التي نتعلمها في حياتنا عن طريق التعرض للشعور بالخزي، ودون النظر إلى الكيفية التي نتعلم بها فإن أينا قد يتذكر نجارب كثيرة مر بها في طفولته، شاعرًا فيها بالرفض والتهميش والسخف.

لقد تعلَّمنا في النهاية أن نخشى تلك المشاعر، وأن نغير سلوكياتنا وأفكارنا ومشاعرنا، لنتفادى الشعور بها.

ونستطيع القول في العموم إن الثقافة التي تملي علينا ما هو مقبول وما هو مرفوض هي ثقافة تعلِّمنا الخزي.

مصطلحات

إذن فكيف نستطيع التعامل مع الخزي؟ مبدئيًّا من المهم أن نستخدم المصطلح المناسب لوصف التجربة، أو الشعور لأن من أسباب صعوبة الكلام عن الخزي (المفردات) التي نستخدمها.

نحن نحتاج أن نفرِّق بين أربعة مصطلحات، أو مشاعر منفصلة ومختلفة، أولها الحرج؛ وهذا شيء عابر، وأقل قوة مما يليه، وعادةً يكون مضحكًا، وطبيعيًّا جدًّا، كالخطأ في الكلام، أو التعثُّر في المشي.

والمصطلح الثاني هو الإحساس بالذنب، وغالبًا ما نخلط بينه وبين الخزي، أو نستخدم الخزي بدلاً منه في بعض الأحيان، عندما نجعل شخصًا ما يغيِّر سلوكه، دون أن نفهم الفارق بينهما، فكل منهما شعور لتقييم الذات، لكن الذنب عادةً ما يكون محفِّزًا إيجابيًّا للتغيير، أما الخزي فيقود عادةً إلى تصرف أسوأ، وربما إلى العجز!

فحين أقول إنني ارتكبت فعلاً سيئًا، فهذا يندرج تحت الذنب، لكنني لو اعترفت بأنني أنا نفسي سيئ، فهذا خزي! فالخزي يتمحور حول من نكون، وأما الذنب فيختص بسلوكياتنا.

الذنب يقودنا إلى الاعتذار، وحينها نقوم بتعويض من حولنا عن الخطأ، أو نغير سلوكًا لا نشعر إثر ممارسته بالراحة، هذا لو أننا اقتنعنا أن الخطأ في السلوك، وليس في شخصياتنا.

لكننا لو شعرنا أن الخطأ فينا وليس في السلوك، فلن نعتذر، وسنقدم على ارتكاب سلوكيات تتسم بالتدمير الذاتي؛ كأن نهاجم من حولنا، أو نمعن في إذلالهم، أو نصمت.

وأما المصطلح الأخير فهو الإذلال، ونحن نخلط بينه وبين الخزي كذلك، فعلى سبيل المثال: لو أن مدرسًا أخبر تلميذة درجاتها ضعيفة بأنها غبية أمام باقي زملائها، فنحن هنا أمام أحد احتمالين؛ فإما أن تلك التلميذة ستشعر بالخزي، وإما أنها ستشعر بالإذلال.

فلو أنها رأت أن تلك الإهانة غير عادلة وغير مستحقة فإنها ستحس بالإذلال فقط، ولكنها لو صدَّقت الرسالة وتعاملت على أنها غبية وأنها تستحق هذا النوع من المعاملة أمام باقي التلاميذ، فهذا غالبًا سيجعلها تشعر بالخزي.

والخزي بشكل عام مؤذٍ أكثر من الإذلال لأن الخزي يجعل الشخص يعتقد أن المشكلة فيه هو، وليست فيمن أوصله إلى ذلك فيصمت، ويتضح ذلك في الاعتداء الجنسي على الأطفال، فلو أحس الطفل بالخزي لن يتكلَّم، بل إنه سيخاف أن ينطق لأنه يخشى أن تكون المشكلة فيه هو، أو أنه هو السبب الذي جعل الجاني عليه يفعل ذلك معه، لكنه لو أحس بالإذلال من هذه التجربة فسوف يتكلم ويشكو، ويمكن أن يحميه المسؤول عنه، وهذا لا يحدث في حالة الشعور بالخزي.

الحماية

بعد كل هذا هناك سؤال مهم: هل نستطيع أن نتخلَّص من الخزي بشكل نهائي؟

والجواب الحاسم: لا، نحن لا نستطيع التخلص منه، ولكننا نستطيع أن نكتسب ما يسمى "مرونة الخزي"، وهي باختصار: القدرة على إدراك الخزي عندما نختبره، ونتقدم من خلاله بطريقة تسمح لنا بالمحافظة على أصالتنا، وننمو من خلال تجاربنا.

وهي عملية واعية تمكِّننا من بناء صلات أقوى وذات معنى أعمق مع الأشخاص في حياتنا.

فلكي تكتسب مرونة الخزي فأنت محتاج إلى أربعة أشياء: قلب ولسان وأذن ويد؛ قلب تتعاطف به، ولسان لتكون شجاعًا ولا تخاف، وأذن تسمع بها، ويد تصافح بها.

التعاطف

دعنا نرَ أول مكونات مرونة الخزي، فالتعاطف أقوى ترياق للخزي، ومعناه قدرتنا على وضع أنفسنا مكان الآخرين كي نفهم ما مروا به، ونعكس هذا الفهم، وعندما يحكي لنا أحدهم تجربة مريرة نتواصل معه بعمق وانفتاح.

حين طُلِب من سيدات أن يشاركن بأمثلة عن كيفية تعافيهن من الخزي؛ فإن أغلبهنَّ قد وصفن مواقف تمكنَّ فيها من الكلام عن الخزي مع شخص شعرن أنه قد أظهر تعاطفًا، وفي مواقف اشتركن فيها كُنَّ قادرات أن يمنحن من خلالها التعاطف، ويتلقَّينه على حد سواء.

ومن هذه الكلمات:

*نعم.. أفهمك، مررت بهذا من قبل.

*لقد حدث لي ذلك من قبل.

*ليس هناك مشكلة، أنتِ طبيعية.

*أفهم هذا وكيف يكون.

مثل تلك العبارات لها تأثير السحر في التعامل مع الخزي.

ولكي نستطيع التعاطف مع الآخرين والتواصل مع ما يشعرون به من خزي فلا بد أن نتواصل مع الخزي الكائن بداخلنا أولاً، ويتطلَّب منا ذلك أن نكون على اتصال مباشر بمشاعرنا وأحاسيسنا الخاصة، لأننا لو لم نستطع  التمييز بين الخزي والغضب بداخلنا، فلن نستطيع أن نمارس هذا الفعل مع آخر، ولو لم يستطِع أحدنا تمييز الخوف بداخله فلن يتمكن من التعاطف مع آخر مهما كان يشعر به.

ولو أننا استطعنا التعرف على مشاعرنا واستطعنا أن نميزها، أو حتى نسميها، فسوف نتمكَّن من ممارسة ذلك مع الآخرين، وسنتمكَّن من التواصل معهم.

الشجاعة

هذا عن التعاطف، وأما اللسان، أو الشجاعة، فهي ما تمنحنا صوتًا لنحكي قصتنا ولنعبِّر بصراحة، ولنقبل مخاوفنا في سبيل التعلم.

دون شجاعة لن نستطيع أن نحكي قصصنا، وعندما نكف عن الحكي سنفقد الفرصة لاختبار التعاطف، والانتقال إلى المرونة، وسنظل أسرى لصمت الخزي.

الشفقة

المكون الثالث من مكونات مرونة الخزي هو الشفقة، وأحيانًا تكون الشفقة في الاستماع لقصة شخص ما، وأحيانًا أخرى في مجرد الجلوس معه واحترام مشاعره ومشاركته خوفه حول (عدم استعداده) لمشاركة قصته.

الشفقة هي الأذن التي نسمع بها الخزي، وهي شرط أساسي للتعاطف، وهي ليست فضيلة مثلما يظن البعض، وإنما هي التزام.

هي ليست شيئًا نختار امتلاكه، أو عدم امتلاكه، بل هي سلوك نختار ممارسته، مثلما يحدث عندما نتقبَّل عدم الارتياح الذي يحس به أحدهم وهو يحكي تجربته عن الخزي.

الاتصال

وآخر مكون من مكونات مرونة الخزي هو الاتصال أو اليد الممدودة، فالاتصال باختصار هو تبادل الدعم، وتشارك التجارب، والقبول والانتماء، ففي العلاقات يتم منحنا خيوطًا يمكن أن نستعملها لنسج شباك تحبس الآخرين، أو لصنع أغطية الدعم، فنحن من نختار.

والاتصال بشكل عام سيساعدنا على تحقيق هدفين:

*تنمية شبكات الدعم الاجتماعي.

*وخلق القوة من خلال التفاعل؛ القوة التي ستجعلنا نتغلب على صمت الخزي.

كما أن الاشتراك مع الآخرين في مواقف مشابهة يمنحنا وسيلة لتلقي وتقديم المساعدة المتبادلة، كما يمنحنا الفرصة لتعلُّم مهارات جديدة.

فعندما نكتسب التعاطف ونمارسه مع الشجاعة والشفقة؛ ننتقل من الانفصال إلى الاتصال، وهنا ينشأ التحرُّر الذي نحتاج إليه للاستمتاع بالأشياء التي نقدِّرها، بدلًا من تحجيمنا على توقعات الآخرين فقط.

والخلاصة أن كلًّا منا يشعر بالخزي، وكلما قلَّ فهمنا له وللكيفية التي يؤثِّر بها في مشاعرنا وأفكارنا وسلوكياتنا زاد مقدار تأثيره السلبي في حياتنا.

والعكس صحيح، فلو وجدنا الشجاعة للتحدُّث عن الخزي، والتعاطف اللازم للاستماع؛ فحينئذٍ سنتمكَّن من تغيير أسلوب حياتنا، وحبنا، وتربيتنا، والعلاقات بينا وبين الآخرين.