مباريات سيكولوجية

Book-Cover

 ملخص كتاب مباريات سيكولوجية (المؤلف: عادل صادق)

أسوأ شيء أن تتلقى ضربات مباغتة على حين غفلة، أن تكون داخل حلبة المصارعة دون أن تعلم أنك أنت الخصم ودون أن تعرف قواعد اللعبة، ومهما كنت قويا لن تستطيع صد تلك الضربات ﻷنك غير مستعد لها ولا تعلم طبيعتها، والحياة مليئة بهذا النوع من المباريات، المباريات السيكولوجية.

المباراة السيكولوجية هي مباراة لها ظاهر اجتماعي بريء وطاهر ولكن جوهرها وحقيقتها من الداخل تشبه السم القاتل، وغالبا ما يكون المنتصر في هذا النوع من المباريات هو الطرف الذي يبدأ بتسديد اللكمات ويعرف قواعد اللعبة جيدا، ﻷنه يوجه ضرباته إلى طرف آخر لا يدرك أصلا أنه في مباراة، فهو يتلقى تلك الإساءات النفسية وهو في حالة من الدهشة والذهول.

هيكل الشخصية الإنسانية

كل إنسان منا بداخله ثلاث ذوات أو ثلاث شخصيات

الوالد

غالبا ما يكون للوالد أثره الطبيعي في شخصية كل إنسان، فكل التحذيرات والتوجيهات والقوانين وأنماط السلوك التي تم تسجيلها من شخصية الوالد تندمج داخل هيكل الإنسان بصورة يكون الخروج عنها في بعض الأحوال مستحيلا.

الطفل

بداخل كل منا طفل صغير، شخصية تملك الطريقة التي رأينا بها العالم ونحن صغار، وهذه الشخصية تنمو تدريجيا ولا تترك الإنسان أبدا في أي مرحلة من مراحل حياته.
البالغ

شخصية الإنسان البالغ تمثل الجانب الأكبر من شخصية الإنسان، فهي ترتبط بطريقة ما بالقدرة على التفكير الموضوعي وإدراك الحقائق، فالشخص البالغ يمكنه رصد الاحتمالات الممكنة والتفكير بتوازن قبل اتخاذ قرار معين، وهذه القدرة على التحكم بزمام الأمور غالبا ما تكون مشوشة بسبب شخصية الطفل أو شخصية الوالد.

بعض الناس استمرت معهم خيالات الطفولة حتى عمر متقدم بل وأصبحت جزءا من تفكيرهم وسلوكهم فتراهم مثلا مقتنعين بالتفكير السحري بل ويؤجلون أعمالهم منتظرين حدوث معجزة تغير كل شيء، تراهم يجادلون باستماتة، تراهم أحيانا عديمي الحيلة لا يتحملون مسؤولية أي شيء مهما كان سهلا.
وأحيانا يتأثر البعض بشخصية الوالد لدرجة أنه يكون مثله تماما في كل شيء، فلو كان أبوه كثير الانتقادات تجده ينتقد الآخرين باستمرار.

المباريات السيكولوجية

تبدو معرفة التقسيمات السابقة من الأهمية بمكان حين يحتاج الشخص البالغ بداخلك أن يفحص تاريخ الطفولة أو شخصية الوالد التي تأثرت بها، وهذا الاحتياج يظهر تحديدا في اللحظات التي تتحول فيها الذات إلى شخصية ما بشكل مباغت، وعلى قدر ما يستطيع الإنسان التحكم في لحظات الانتقال تلك تكون القدرة على التحكم بالعلاقات وردود الأفعال مع الآخرين أكبر.

هل سبق وأن حدثك أحد عن معاناته واستمعت له باهتمام وشعرت بالألم وتعاطفت معه؟ هذا التعاطف هو شخصية الوالد بداخلك، ﻷن الشخص الذي كان يشكو لك كان يتحدث بشخصية الطفل واستطاع تنشيط شخصية الوالد بداخلك.

التبادلات المتقاطعة

كما أن إدراك لحظات التحول والانتقال بين الذوات الثلاث بداخلك تعطيك قدرة أكبر على إقامة علاقات قوية مع الآخرين، فإنها أيضا تساعدك على رؤية التبادلات المتقاطعة عند حدوثها.

ولكن ما هي التبادلات المتقاطعة ومتى تحدث؟ تحدث التبادلات المتقاطعة عندما تخاطب إحدى الذوات الثلاث ثم تجد أن ذاتا أخرى هي التي ترد عليك، مثلا عندما تخاطب ذات الوالد فتجد أن ذات الطفل هي التي تجيبك، حينئذ تتقاطع الاستجابات المختلفة وتنهار عملية التواصل وربما تحدث المشاكل.

مثلا حين تسأل زوجتك عن مكان قميص ما، وأنت تتكلم بذات الشخص البالغ العاقل وبهدوء تام، وتنتظر أن تجيبك هي بنفس ذات الشخص البالغ العاقل وتخبرك بمكان القميص، ولكنها تفاجئك برد غير طبيعي ﻷنها مرت بيوم مشحون بالمشاعر السلبية، فتقول لك مثلا: هل تظر أن ذاكرتي خارقة ﻷتذكر كل شيء؟ هل تريد من الجميع أن يخدمك؟ فهي تجيبك الآن من ذات الوالد الموجودة بداخلها وتعاملك كأنك طفل لا يتحمل مسؤولية نفسه، فتبدأ المشكلة من لحظة التقاطع هذه.

الرسائل الخفية

بين طيات الكلام توجد عشرات الرسائل الخفية التي تؤثر علينا ويمكننا أن نفهمها جيدا حين نفهم لحظات التحول التي نمر بها، فتخيل مثلا أنك ذهبت إلى محل لشراء الملابس ثم وجدت البائع يقول لك هذا النوع جيد وبالرغم من أن عندي نوعا أفضل إلا أن سعره قد لا يكون مناسبا لك.
في هذا المثال يقوم البائع بمخاطبة ذات الطفل داخل شخصيتك، فكأنه يتحداك: دعنا نرى هل ستقدر على ثمنه أم لا؟ فاستطاع توريطك وتوجيهك من خلال رسالة خفية، وما كان منك إلا قبول التحدي والتورط في نوع غالٍ.

اللمسات السحرية

معرفة تلك التحولات يُمكِّنك من إضافة لمسات سحرية على تعاملاتك، فكل فرد منا يحتاج إلى قدر من الرعاية والاعتراف والشعور بالانتماء، وإظهار هذه الأمور في العلاقات البشرية أمر مهم جدا، ولكن طبيعة وطرق الاعتراف تختلف من إنسان لآخر، ومن ذات ﻷخرى.

وعندما تعرف الذات التي تتحدث إليها تعرف كيف تضيف اللمسة السحرية؟ فبعض الناس يبحث عن اعتراف الآخرين بتسريحة شعره ملابسه مثلا وهناك من يحتاج إلى الاعتراف بإنجازاته الأكاديمية ومواهبه وقدراته، فإذا عرفت الذات النشطة في الشخص الذي أمامك استطعت مخاطبتها بسهولة وبالتالي تحصل على استجابة ناجحة وعلاقة ناجحة.

فالمدير في العمل مثلا يتمتع بذات والدية نشطة في معظم الوقت، وأنت تحتاج أن تطلب منه إجازة، فإذا حدثته بذاتك الوالدية وطلبت منه إصدار الأمر بالإجازة سريعا سيكون رده أنه ليس متفرغا لمثل تلك الأمور، وإذا طلبت منه بشخصية البالغ الذي يرى قوانين العمل تسمح بإجازة له سيكون رده غالبا يوجهك إلى بحث هذا الأمر مع شئون العاملين، أما إذا طلبت منه الإجازة بشخصية الطفل الذي أحوجته الظروف الصعبة إلى الطمع في كرم المدير سيكون في غاية الترحيب، ﻷنك في تلك اللحظة خاطبته بشخصية الطفل التي توافق شخصية الوالد التي يتمتع بها.

افتراضات البشر

كل إنسان لديه ملامح نفسية تعبر عن شخصيته، وهذه الشخصية هي مجموع آراؤه وأفكاره وفلسفته وانطباعاته التي تظهر من خلال تفاعلاته مع الآخرين، ومن خلال هذه الملامح النفسية يمكنك بناء افتراض سيكولوجي سواء عن نفسك أو عن الآخرين.

وهناك أربعة افتراضات سيكولوجية ممكنة داخل المباريات السيكولوجية:

أنا بخير وأنت بخير: وهذا الافتراض لا مشكلة فيه.

أنا بخير وأنت لست بخير:

وهذا الافتراض له أكثر من شكل:
1. أن يطلب أحد اللاعبين من الآخرين مساعدته ويوهمهم أنه في ورطة، وعندما يبدأ الآخرون في عرض الحلول عليه يرفضها واحدا تلو الآخر حتى يترك الآخرين مستنزفين تماما وبالتالي يشعرون بالهزيمة والعجز عن حل المشكلة.

2. أن ينتظر أحد اللاعبين الآخر حتى يقع في مشكلة ما ثم يبدأ في الهجوم عليه ويتفنن في إشعاره بالذنب، وبالتالي يحصل على الإشباع الذي يريده وهو أن يثبت لنفسه أنه بخير وأن الآخرين ليسوا بخير.

3. أن يرتكب الأخطاء ويتهم الآخرين أنهم السبب في تلك المشكلات، ويحاول إثبات أنه بخير مادام بعيدا عن الناس، فهو يرفض أن يتحمل المسؤولية ويلقي بتقصيره على الآخرين.

أنا لست بخير وأنت بخير:

يمكن صياغة هذا الافتراض في السؤال اليائس "ما الذي تنتظره من إنسان مثلي؟" هذا الشخص في الغالب يواجه بعض العوائق البسيطة ولكنها يضخمها جدا حتى تصبح سدودا يخفي عجزه ورائها ويبدأ في استجلاب عطف الآخرين ومشاعر الشفقة التي تجعل الناس يتوقفون عن لومه، ﻷنهم بخير وهو ليس بخير.

أنا لست بخير وأنت لست بخير:

هذه المباراة يحاول كل طرف فيها إظهار أنه صاحب المصيبة الأكبر، فإذا قال أحدهم: لقد دفعت فاتورة كبيرة، يقول الآخر: لقد دفعت فاتورة أكبر.كأن الطرفين في مسابقة يتنافسان فيها على من يستحق عطفا وشفقة أكثر.