كتاب الذكاء العاطفي 2.0

Book-Cover

كتاب الذكاء العاطفي 2.0 (المؤلف: ترافيس برادبيري)

تخيل أن هناك شخصًا حياته كلها صراعات! كلما قابل شخصًا يفتعل معه المشكلات ويضربه!

 في طريقه للجامعة يقابل أحدهما فيضربه في وجهه، يجلس بالمنزل فيجد نفسه طرفًا في خناقة ومشادة بدون أي مقدمات، هو دائمًا يضرب الناس، ويتلقى الضربات؛ لذا فهو غير قادر على التعامل مع الحياة، لأن طاقته كلها موجَّهة للصراعات.

هنا يبدو واضحًا حجم مشكلة الشخص لأنها مادية وواضحة، ولكن لو تأملنا قليلًا سنجد أن حياتنا لا تختلف كثيرًا عن حياة صديقنا هذا! الاختلاف فقط أن صراعاتنا غير ملموسة، عوضًا عن الشجار بالأيدي، نتشاجر بالكلام، تلك الصراعات تأخذ كل تركيزنا، ومن ثَم لا يكون لدينا تركيز كافٍ للتعامل مع الحياة.

حتى نحمي أنفسنا من صراعات الحياة من المهم أن ننمي مهارة الذكاء العاطفي.

الذكاء العاطفي هو قدرتك على إدراك وفهم مشاعرك ومشاعر الآخرين، ومن ثم الاعتماد على هذا الإدراك والفهم لإدراك سلوكك وعلاقاتك.

لو شبهنا التفاعل البشري بجسر، بينك وبين الطرف الآخر، فالذكاء العاطفي هو الهيئة الهندسية الخاصة بهذا الجسر.

دور هذه الهيئة هو كشف نقاط الضعف في الجسر والتي قد تؤدي إلى انهياره، والسعي دائمًا لجعله أقوى.

للهيئة الهندسية ثلاث مهام:

  • مهارات الوعي الذاتي.
  • إدارة الذات.
  • مهارات الوعي الاجتماعي.

الوعي الذاتي

تخيل بأنك تسبح في البحر، وفجأة شعرت بشيء ما يلامس قدميك.

لنراقب رحلة الإحساس تلك منذ أن حدثت للحظة وصولها إلى دماغك. 

أي إحساس مشابه (تراه أو تسمعه أو تتذوقه أو تشمُّه أو تلمسه) يمر بجسمك على شكل إشارات كهربائية تصل من مصدر الإحساس إلى دماغك، ولكنها حتى تصل إلى دماغك ستمر عبر الجهاز الحوفي (وهو مصدر المشاعر)، ثم إلى الفص الأمامي (الذي سيفسرها ويدفعك للتصرف بشكل عقلاني).

بمعنى آخر نحن (بسبب رحلة الإحساس تلك) مجبرون على تجربة الأمور بشكل عاطفي أولًا قبل أن نفكر فيها بشكل عقلاني.

لذلك يقع البشر تحت سطوة مشاعرهم، أو بمعنى آخر يقعون تحت فخ الاختطاف العاطفي. 

الوعي الذاتي هو أن يكون لديك القدرة على إدراك ذلك، أن تدرك مشاعرك بشكل صحيح، وتتفهم ميولك في المواقف –بمعنى آخر– أن تعرف بأنه يمكن أن يتم اختطافك عاطفيًّا وأن تحاول مقاومة ذلك.

توقف عن تصنيف مشاعرك إلى جيدة أو سيئة

كي تكتسب الوعي الذاتي، أول أمر عليك فعله هو التقبل! أي أن تتوقف عن تصنيف مشاعرك إلى جيدة أو سيئة.

مشكلة تصنيف المشاعر أنها تعيق فهم ما تشعر به وستؤدي إلى التجنب، فتصبح تجربتك الواعية في المشاعر الإيجابية فقط! وهذا حل مؤقت لمشكلات تعاملاتك.

ذلك يشبه إخفاء التراب تحت السجادة، أنت فعلت ذلك قد تظن أنك تخلصت من المشكلة، ولكن كل ما فعلته هو فقط تأجيلها، بدلًا من أن تخفي مشاعرك السلبية تحت السجادة عليك إظهارها والاعتراف بها والتعامل معها لأنك إن لم تفعل ذلك ستظهر بأشكال مختلفة لاحقًا، وبشكل أنت شخصيًّا لا تتوقعه.

اعرف ما يغضبك

متى تشعر بالضيق؟ اسأل نفسك واجمع المواقف التي تقوم فيها عواطفك بالتشويش على عقلك.

 حدد مثلًا: ما المواقف والأشخاص الذين يسببون لك الضيق والغضب، قد يكونون أشخاصًا محددين كفنان الدراما، أو مواقف بعينها مثل الأحداث المفاجئة أو الضوضاء في العمل.

بمجرد أن تحدد تلك المواقف وتواجه ما يثير غضبك ذلك سيخفف سطوتها عليك لأنك معترف بها، وعند حدوثها مرة أخرى لن يكون الأمر مفاجئًا.

يمكن أيضًا أن تأخذ خطوة كبيرة في وعيك الذاتي، وتتساءل وتفكر في مصدر تلك المشاعر. ما الأسباب التي جعلت تلك المواقف تسبب لك الضيق الشديد، بداياتها مثلًا!

 قد يكون من يتصرف بشكل يغضبك يستخدم نفس أسلوب أخيك عندما كان صغيرًا، وهكذا. كلما فهمت أكثر أصبحت أكثر قوةً.

إدارة الذات

المهمة الثانية من مهام الهيئة الهندسية التي تحدثنا عنها هي إدارة الذات.

النقطة السابقة (الوعي الذاتي) قائمة على الملاحظة، أما إدارة الذات فتقوم على استخدام وعيك بمشاعرك الذي تعرفت عليه كي تختار بشكل فعَّال ما الذي ستقوله أو تفعله.

لو تفهمت مشاعرك واخترت الأسلوب المناسب للاستجابة لها بذلك سيكون بين يديك سطوة التحكم في المواقف مهما كانت. 

الكوابح

يمكنك إدارة ذاتك بشكل فعَّال إن تمكنت من استخدام الكوابح.

الكوابح ستوقف التيار المتدفق من الإحباط والغضب الذي تشعر به في أثناء اللحظة.

يمكنك أن تستخدم العدّ مثلًا كوسيلة لفعل ذلك، في كل مرة تشعر فيها بالإحباط أو الغضب لا تتصرف.. عدَّ من الواحد للعشرة.

وإن كنت بين الناس ولا ترغب في العدِّ هناك العديد من الحيل الذي يمكنك استخدامها، مثلًا بعض الناس عندما يعلمون بأنهم ذاهبون لمكان يمكن أن يشعروا فيه بالضيق (اجتماع مثلًا) يأخذون معهم مشروبًا وعندما يشعرون بأنهم على وشك فقدان السيطرة يشربون القليل منه.

هم بذلك يشتتون تركيزهم عن الغضب ويخففون الضغط الاجتماعي عليهم. لا أحد يتوقع من أحد أن يتحدث أو يرد في أثناء شربه.

والنتيجة النهائية؛ أصبح لديهم الوقت اللازم لتهدئة أنفسهم والتفكير بشكل منطقي فيما عليهم فعله.

 أيضًا يمكنك أن تعادل أحساسيك حتى لا تقع فريسة للمشاعر المفاجئة.

مثلًا عندما تنتابك فكرة محبطة أو مقلقة، عليك أن تجبر نفسك على الابتسام، ذلك سيساعد أن يُبطل من أثر الحالة النسبية السلبية، ومن ثم ستتمكن من كبح نفسك، وتوفر المزيد من الوقت كي تفكر بمنطقية أكبر.

الوعي الاجتماعي

المهمة الثالثة من مهام الهيئة الهندسية هي الوعي الاجتماعي.

الوعي الاجتماعي هو قدرتك على ملاحظة وفهم مشاعر الآخرين، أن تتمكن من قراءة ما يدور بأذهان الآخرين وأحاسيسهم.

حتى تتمكن من فعل ذلك، هناك بعض الاستراتيجيات التي يمكنك تطبيقها، وهي كالآتي:

تخلص من الركام

النقطة الأولى هي أن تتخلص من الركام، جميعنا لدينا أحاديث تدور برأسنا، نحدث أنفسنا بصورة مستمرة عن الناس ونقيمهم.

(ذلك الشخص، لماذا فعل ذلك؟ ما غايته؟ هل أنا المقصود؟ وما إلى ذلك من التخمينات التي تعرفها بكل تأكيد).

تلك الأحاديث الداخلية تعدُّ عائقًا كبيرًا في طريق الوصول للوعي الاجتماعي، لأنها غالبًا ما تدفعنا لتقييم الناس بشكل سلبي، وحتى إن لم يكن سلبيًّا ففكرة التقييم نفسها خاطئة لأن التقييم جامد، مبني على زمن توقف في مواقف محددة.

 من المفترض أن تنتبه للصوت الداخلي الموجود بداخلك كي تتمكن من التعامل مع الناس بشكل مناسب.

راعِ كل ظروف الحدث

لننتقل للنقطة الآتية: الظروف.

نحن معتادون على أن ننتبه لظروفنا ونراعي إطارنا العقلي فقط في المحادثة، ولكن أي محادثة لها طرفان، ولذلك يجب ألا نتجاهل الشخص الآخر وظروفه وإطاره العقلي.

فكما أنت مثلًا لا يمكنك الرد بشكل مناسب في ظروف معينة، كذلك، صديقك أو زميلك قد يرد عليك بشكل جاف لو أن لديه مشكلات في زواجه مثلًا.

لا تأخذ الأمور بشكل شخصي ولا تخرج باستنتاجات، متجاهلًا بقية الأبعاد الخاصة بظروف الشخص المقابل.

افهم قواعد اللعبة

أيضًا عليك أن تفهم قواعد اللعبة، لو أنه مثلًا تم تعيينك في مكان ما، وزملاؤك الجدد من بلد مختلف وثقافة مختلفة. كيف ستحدثهم؟ وكيف ستفهم ردود أفعالهم؟ هل من خلال ثقافتك أنت أم من خلال ثقافتهم؟ 

الأصح والأقوى تأثيرًا هو ألا تتعامل معهم من ثقافتك (لكن من خلال ثقافتهم).

سر النجاح في لعبة العلاقات يكمن في معاملة الآخرين بالطريقة التي يرغبون هم في التعامل بها، بالطريقة التي يفهمونها هم.

تعرف على القواعد الخاصة بالآخرين من خلال الاستنتاجات وتخيل نفسك مكانهم.

تقبل مشاعر الآخر

أيضًا من المهم أن تتقبل مشاعر الطرف الآخر، وتظهر له هذا التقبل أو بمعنى آخر أن تجامل مشاعر الشخص المقابل لك؛ ذلك سيجعل التعامل فيما بينكما يتم بشكل أفضل، خذ مثلًا دقيقة كي تعرف فيها مشاعر الشخص المقابل لك وبعد ذلك أخبره عنها.

على سبيل المثال، فتاة منزعجة من موضوع معين يمكنك أن تقولي لها أنا حزينة بسبب انزعاجك. 

أنتِ بذلك تكونين أظهرتِ لها تعاطفك، وسينتهي بكما الحال بتواصل فعَّال بشكل أكبر.

عندما تهتم أظهر اهتمامك

بصورة عامة أظهر اهتمامك.. الناس تهتم ولكن لا تُظهر الاهتمام، لأن معظمنا يتخيل بأن الآخرين سيشعرون وسيتفهمون بدون أن نقول أو نوضح هذا الاهتمام بشكل صريح، ولكن هذا خطأ، عليك أن تظهر اهتمامك بشكل مادي.

تخيل موظفة سهرت طوال الليل لإنجاز مهمة في العمل، وعندما أتت في اليوم التالي وجدت مديرتها قد وضعت لها قطعة من الحلوى على مكتبها وورقة مكتوبًا عليها: شكرًا لقد تعبتِ جدًّا معنا!

هي عندما تشعر باهتمام مديرتها وترى بأنها فكرت فيها وفي تعبها، ولو كان التعبير عن ذلك وهو هدية صغيرة جدًّا، سيترك ذلك انطباعًا قويًّا لديها وسيقوي علاقتهما.

لذلك دائمًا أظهر اهتمامك!

لا تتخذ القرارات فحسب.. بل اشرحها

الأمر الأخير هو ألا تُجلس الناس في الظلام. الناس تخاف من الظلام وتقاومه.

بمعنى آخر لا تأخذ القرارات بشكل ديكتاتوري بدون أن تخبر الآخرين عن أبعاد القرار كلها.

لو أنك مثلًا اتخذت قرارًا، وذلك القرار أثر في شخص ما، عليك أن تشرح له وتوضح كيف توصلت إلى هذا القرار. خذ وقتك حتى توضح له البدائل، ولماذا تراه أكثر الخيارات عقلانية.

لا تتوقع من الناس قبول قراراتك بشكل منفرد، الناس تقدِّر الشفافية والصراحة، كما أنها فرصة جيدة لبناء الثقة والاحترام.