كتاب التجربة الفكرية لروح أمُه

Book-Cover

كتاب التجربة الفكرية لروح أمُه (المؤلف: كيرلس بهجت)

قامت عالمةُ نفسٍ بتجربة مثيرة؛ جمعت مجموعة من الناس وقسمتهم إلى جزءين.

الصورة الوردية

القسم الأول روت له حكاية عن رجل وامرأة، وفي نهاية الحكاية، الرجل تزوج المرأة، أما القسم الآخر فروت له الحكاية نفسها أيضًا، ولكن غيرت النهاية، بدلًا من الزواج قالت إن الرجل قام باغتصاب المرأة! 

المجموعة التي سمعت النهاية الأولى استنتجت أن ما حدث أمر طبيعي ومتوقع، أي قصة مشابهة كانت ستنتهي بالزواج.

ما يعدُّ غريبًا، أن المجموعة الثانية كان لها الرأي نفسه عن نهاية القصة الثانية، واستنتجت بأن أية قصة مشابهة ستنتهي بالاغتصاب.

كلتا المجموعتين انتهى بهما الحال بنفس الاستنتاج بالرغم من أن النهاية مختلفة.. لكن لماذا؟

نحن بغض النظر عن الأمور التي تحدث سنرى أن أحداث الحياة منطقية وعادلة، وأن المصير الذي يصيب أي إنسان هو المصير الذي يستحقه، ولكن لماذا؟ 

تخيل لو أننا نرى الأمور عكس ذلك، أي:

  • إن الناس من الممكن أن يتأذوا بدون سبب!
  • أو إن هناك أشخاصًا يمكن أن يخطئوا ويؤذوا، ويعيشوا حياتهم بدون أي منغصات، بعبارة أخرى أن يهرب المذنب بفعلته! 

تخيل تلك الفكرة وتخيل كمية التوتر والقلق التي من ممكن أن نعيش بها، والخوف وعدم الأمان الذي سيتملكنا بكل خطوة نخطوها (نعرف أننا يمكن أن نتعرض للأذى بدون أي مبرر أو سبب!). 

حتى لا نشعر بالتوتر والقلق نحتاج أن نوهم أنفسنا بأننا في أمان، ونرسم لأنفسنا صورة وردية عن الحياة،

وبسبب هذا الوهم قد نقف في وجه المظلوم لو حاول بدون قصده تشويه الصورة التي رسمناها، لذلك لا تستغرب عندما تجد شخصًا يفسر أن الفتاة التي تعرضت للتحرش هي المذنبة، وهي تستحق ذلك بسبب ملابسها، لأن عكس ذلك معناه أن ابنته أو أخته يمكن أن تتعرض في أي لحظة للتحرش بدون أي سبب، وهذه معلومة هذا الشخص لا يريد التفكير بها.

الذكورة المهددة

كان هناك رجل يمشي في الشارع مع زوجته، وقام بعض الشبان بمضايقته، ولكنه لم يأخذ رد فعل وبقي صامتًا، وانتهى الموقف. بعد مرور عشر دقائق ستجده بدأ الحديث مع زوجته محاولًا افتعال المشكلات بدون مبرر.

شخص آخر يتناول طعام العشاء مع زوجته، رنَّ هاتفه وإذا بمديره في العمل يصرخ فيه ويهدده أنه سيطرده من العمل، وعندما انتهت المكالمة، سيبدأ هذا الشخص باختلاق المشكلات.

قبل أن نشرح المثالين السابقين دعونا نتحدث عن تجربة مثيرة قام بها باحثون، لقد أحضروا عددًا من الرجال وقسموهم إلى مجموعتين وطلبوا من المجموعة الأولى أن تقوم بضفر حبل، وطلبوا من المجموعة الأخرى ضفر شعر فتاة.

عندما انتهوا من ذلك عرض عليهم الاختيار بين لعبة البازل وبين الملاكمة.

المجموعة التي قامت بضفر شعر الفتاة اختاروا الملاكمة وكانوا يضربون كيس الرمل بعنف وبشدة، على عكس المجموعة الأخرى.

وذلك لأن نسبة كبيرة من الرجال عندما يشعرون بأن ذكوريتهم تحت التهديد تزداد درجة العنف لديهم.

إن الرجال الذين ضفروا شعر الفتاة وهذا نشاط مسجل في أدمغتهم بأنه خاص بالإناث، شعروا بتهديد ذكوريتهم.

وفي المثال الذي بدأنا به شعر الشخص الأول بالإهانة أمام زوجته، وفي المثال الآخر صُرِخ في وجهه أمام زوجته… الرجلان شعرا بالعجز عند الحفاظ على رجولتيهما، لذلك حاولا استرجاع المكانة التي كانا فيها بأن يبرهنا للشخص الذي رآهما في وضع عجز على أنهما ما زالا يمتلكان تلك المكانة، وهذا ما يفسر ردهما العنيف.

انتبه.. أنت في مجتمع يمارس الضغط عليك. ضغط يمكن أن يهدد ذكوريتك؛ لذلك يجب أن تظل واعيًا لإظهار رجولتك -كرد فعل- بصوة ملائمة.

مشكلة الدب الأبيض

هل حدث قبل ذلك ووجدت عقلك يفكر في سؤال معين، مثلًا يقول لك: هل قمت بغلق باب الشقة أم لا؟

وبدأ هذا الموضوع يتكرر في ذهنك كل بضع دقائق، وبالرغم من محاولتك طرد تلك الأفكار بدون جدوى! 

أحيانًا تشعر بأن عقلك يعمل ضدك.. أنت تحاول إخراج أفكار معينة منه، ولكنه يثبتها ويجعلك تفكر فيها كل بضع دقائق.

 السبب هو تأثير الدب الأبيض (سبب التسمية: حاول أن تعطي نفسك مهمة، وهي ألا تفكر في صورة دب أبيض، ستجد نفسك كل بضع ثوانٍ تفكر في دب أبيض). 

الإنسان عندما يعطي عقله أمرًا أن ينسى فكرة محددة، العقل ينفذ ذلك بالفعل، ولكن المشكلة تكمن في أنه سيرجع للتفكير فيها بعد فترة قصيرة ليتأكد بأنه قام فعلًا بحذف هذه المعلومة التي تريد نسيانها، فتعود المعلومة مرة ثانية للوعي وتتذكرها مرة أخرى، وعندها يقرر العقل أن ينساها بصورة أشد، وبعد قليل يعود يسترجعها كي يتأكد بأنه تم حذفها وتعود من جديد للوعي وهكذا…

الحل في المواقف المشابهة هو ألا تجبر عقلك على نسيان شيء، ولا تقلق لأنه سينسى الأمور من تلقاء نفسه. 

وبالمناسبة مشكلة الدب الأبيض لا تطبق فقط على الأفكار بل على المشاعر أيضًا.

بمعنى آخر لو حدث موقف محرج وحاولت طرده بشكل أقوى ستشعر به بشكل أكبر، الحل هو ألا تحاول إجبار عقلك.

الهدف الآمن

لنفترض بأنك أنت وشخص غريب تسببتما في مشكلة لصديقك الذي تربطك به علاقة قوية. 

وعلاقة صديقك مع الشخص الآخر ضعيفة، عندما يعلم صديقك بالأمر ستجده يثور عليك غاضبًا ويوبخك بشكل قاسٍ، على الرغم من رد فعله الهادئ تجاه الشخص الآخر.

الإنسان يمكن أن يغضب خلال يومه لأكثر من سبب وبأكثر من شكل ما بين غضب مباشر صريح وغضب غير مباشر. ما يعدُّ نوعًا ما ضد المنطق. إن الإنسان يغضب من الأشخاص الذين يحبهم أكثر من الناس العاديين لو تساوا في الفعل.

السبب هو أنهم أهداف آمنة.

في حياة كل شخص أهداف آمنة.. الأشخاص الذين يحبوننا لدرجة أننا واثقون بأنهم سيحبوننا بنفس القدر مهما فعلنا لهم، كالأخ، الأخت، الأب، الأم، الزوجة، الزوج ، الأبناء وهكذا..

الأهداف الآمنة نتعامل معها ونحن متأكدون بأنهم سيتحملونا وسيقدِّروا أي حالة نمر بها، وذلك سيكون مبرر ًاكافيًا لنا حتى نتعامل معهم بدون إنصاف، ونظهر كل الغضب والاستياء اتجاههم ومعهم.

انتبه من هذا الجانب فيك وحاول أن تتعامل بنوع من النبل والشهامة مع الأهداف الآمنة الخاصة بك احترمهم وقدّر علاقتك بهم.

انتبه أيضًا من الأشخاص الذين يعتبرونك هدفًا آمنًا، وبين الحين والآخر لو شعرت بأنهم نسوا الأساس الذي بُنيت عليه علاقتكم ذكّرهم ووضّح لهم ما يقومون به.

تأثير النتائج العكسية

ولنفترض أنه حدثت مشكلة وصديقك قرأ في الصحيفة أن الإرهابيين هم من افتعلوا هذه المشكلة، ولكن في اليوم التالي صدر تصحيح للخبر بأن المشكلة كانت أسبابها طبيعية ولا علاقة لها بالإرهابيين.

الطبيعي أن يغير صديقك رأيه أو على الأقل يتشكك فيه، ولكنك ستجده مقتنعًا باستنتاجه الأول ولن يصدق التصحيح.

لماذا يحدث هذا!

بسبب تأثير النتائج العكسية. 

تأثير النتائج العكسية هو تثبيت المعلومات المغلوطة في عقل الإنسان بالرغم من وجود دليل وبرهان على عدم صحتها.. ما السر خلف ذلك؟

حتى نفهم السر علينا أول أن نفهم كيف يفكر عقل الإنسان وكيف يكتسب المعلومات الجديدة، مثلًا أنا سمعت معلومة جديدة، (أول مرة اسمعها بحياتي) هذه المعلومة سأراها بإمكانياتي الإدراكية وسأحاول موازنتها في عقلي، وسأرى هل هي متماشية مع ثقافتي، وتناسب بيئتي أم لا! إن كان الأمر مناسبًا ستضاف لسجل المعلومات الموجودة في دماغي، لأن مكانها متاح، ستجد مكانًا وتُحزن، ولكن ماذا سيحدث لو أن هناك معلومة مختلفة عن هذه المعلومة، معلومة ضد المعلومة مخزنة سابقًا؟! 

المعلومة الجديدة ستحاول الدخول وإيجاد مكان تستقر فيه، ستجد المعلومة القديمة تقف مثل صاحبة البيت تدافع عن نفسها، ولن تسمح لأحد بطردها أو الاستيلاء على مكانها.

ستدافع عن وجودها بشراسة، ولو تطورت الأمور ستكون غير منطقية غير عقلانية! المهم ألا تخرج من دماغك.

عليك أن تكون حذرًا من وجود هذا التأثير بالناس الذين تتعامل معهم وفي نفسك أيضًا.

لا يوجد شخص حيادي ولا منصف مثلما يعتقد. الإنسان بطبعه متحيز ومتعصب لقناعاته التي دخلت أولًا.

تأثير دانينغ-كروجر

هناك قصة حدثت منذ عشرين سنة.. شخص حاول أن يسطو على بنك بعد أن دهن على وجهه بعصير ليمون، وكان مقتنعًا بأنه بذلك سيصبح غير مرئي، وكما هو متوقع تم إلقاء القبض عليه. 

من أين جاء الرجل بكل هذه الثقة؟ وكيف أنه لم يشك للحظة واحدة في غباء فكرة قناع الليمون ولم يتردد بأخذ القرار؟ 

هناك تأثير اسمه دانينغ -كروجر!

تأثير دانينغ -كروجر ينص على أن الإنسان الجاهل بصورة عامة يكون أشد ثقة بنفسه وآرائه وأفكاره ويأخذ قراراته بشكل أكثر غرورًا مقارنة بالإنسان صاحب المعرفة.

وذلك لأن الجهل الموجود عند الإنسان الجاهل يتضمن جهله بالمعرفة وجهله بضعفه أيضًا! فهو ببساطة لا يعرف أن هناك أفكارًا أخرى أقوى من أفكاره الجاهلة.

هو يعيش في جزيرة بمفرده غير متخيل لاحتمالية وجود جزر أخرى مطلوب منه أن يزورها.

وبذلك يكون الجهل حاجزًا يحجب الإنسان عن الاختيارات، فهو معفى من معضلة الاختيار أصلًا!

وبالتالي هو محمي من التفكير والشك، هو لا يرى سوى خيار واحد وقد اختاره وانتهى الأمر. 

صاحب العقلية المتحجرة

هل تحدثت مع شخص في السابق وفي أثناء حديثك معه شعرت بأنه شخص ذو عقلية متحجرة. العقلية المتحجرة مصطلح نستخدمه كي نعبر عن الصلابة في تفكير شخص ما، شخص يكون مصممًا على رأيه بشكل مستمر. 

تلك الحالة يمكن أن نفسرها باستخدام الهرمونات.

عندما يشعر الشخص بأنه يخسر الجدال، يبدأ بإفراز هرمون الكورتيزول وهو هرمون ينتجه الجسم بشكل طبيعي عند حالات التعرض للأخطار. 

هذا الهرمون يتسبب بالتوتر والضغط، والجسم يستفيد منه لأنه يجعله متنبهًا ومستيقظًا فيتمكن من التعامل مع حالات الأخطار المختلفة.

المشكلة أن هذا الشخص بعد مدة لن يتمكن من تحمل مقدار التوتر والضغط الذي يشعر به داخله بسبب هذا الهرمون؛ فيخرج عن شعوره وينفجر في وجه أي شخص يعانده أو يخالفه في الرأي، لأن ذلك يجعله مستمرًا في الجدال وبالتالي يزيد الضغط داخله.

هذا هو تفسير العقلية المتحجرة، ولكن لماذا هي موجودة أساسًا؟

يمكن أن نفسر السبب في وجودها باستخدام الهرمونات أيضًا!

الشخص يريد أن يكون دائمًا على صواب. الجسم يترجم الصواب على شكل هرمونات، بمعنى الإنسان عندما ينتصر في الجدال يفرز هرمون الدوبامين، وهو ما يجعله يشعر بالمتعة واللذة. وكأنه جائزة يكتسبها المنتصر. هذا الشخص يكون متعطشًا للوصول لتلك الجوائز مثله مثل المدمن يريد الهرمون بأي طريقة. 

يرى الأطباء النفسيون أن هذا الوضع يمكن أن يحل باستخدام الهرمونات، أيضًا.

عن طريق أن يستبدل الإنسان شعور المتعة واللذة الناتجة من الدوبامين، بشعور التعاطف والتشارك الناتجين من هرمون آخر وهو الأكسيتوسين (هرمون يفرزه الجسم عندما يبدأ باكتساب مشاعر إيجابية تجاه من حوله ويشعر بالأمان بشكل أكبر ناحيتهم)، بذلك سيدخل حوارات مع الناس كي يستمع للرأي المختلف ويرى وجهات النظر الأخرى؛ فيستفيد ويُفيد.