كتاب قوانين الطبيعة البشرية٢

Book-Cover

كتاب قوانين الطبيعة البشرية ج٢ (المؤلف: روبرت غرين)

العدوانية طبيعة بشرية.. دعونا نرى من أين تأتي!

قانون العدوانية

نحن كبشر نشعر بأن وضعنا في الحياة ليس آمنًا.

  • قد نفقد وظيفتنا وحياتنا في أي لحظة لأسباب خارجة عن إرادتنا.
  • لا يمكننا أن نتنبأ بالشخصيات المحيطة بنا، ولا يمكننا توقّع تصرفاتهم مئة بالمئة!
  • لدينا رغبات فطرية للحب والإثارة والتحفيز، تلك الرغبات يكون الآخرون طرفًا فيها، ولا يمكننا في كل الأوقات تحقيقها.

تلك الاحتياجات تجعلنا نشعر بالعجز بشكل دائم، مشاعر العجز تدفعنا إلى الرغبة بالحصول على السلطة، السلطة هي ما تجعلنا نتحكم في الظروف بشكل أكبر، وبالتالي ستخفف شعورنا بالعجز.

نحصل على تلك السلطة بأن نطوِّر مهاراتنا:

  • نطوّر مهارات في مجال العمل مثلًا، سيساعدنا ذلك على تأمين وضعنا الوظيفي. 
  • نطوّر مهارات اجتماعية تساعدنا على التعامل مع الناس كي نرضيهم ونكسبهم في صفنا.

وهكذا.

مشكلة تطوير المهارات أنها تحتاج إلى الصبر. على سبيل المثال، مهارات مجال العمل تحتاج إلى الوقت والصبر، وذلك يخلق نوعًا من أنواع الحدود.

في لحظة معينة قد نجد صعوبة في تقبُّل تلك الحدود.

فلا نتقدم في حياتنا المهنية بالسرعة التي نريدها، لا نتمكن من جعل الأشخاص الآخرين يحبونا بالشكل الذي نريده، فنشعر بالإحباط!

وبسبب هذا الإحباط تجد نفسك صرت أكثر حزمًا، فتجد نفسك مثلًا قمت بتصرف متطرف مع زميل لك في العمل، أو سرت في طريق مشكوك فيه، ولكنه سهل وسريع أو أصبحت شخصًا انتقاميًّا بشكل غريب وهاجمت أحدًا، أو بمعنى آخر أصبحت عدوانيًّا!

العدوانية طبيعة بشرية موجودة عندك وعند كل الناس؛ لذلك من المفترض أن تتفهمها في نفسك، بالتالي ستتمكن من ترويضها وتجعلها تحت السيطرة، وتوجِّه الطاقة نحو تطوير المهارات وأن تكون أكثر صبرًا. 

أيضًا من المفترض أن تتفهمها في الناس كي تتمكن من التعامل معهم بشكل مناسب. 

العدوانية المباشرة واضحة ولن نتحدث عنها، دعونا نتحدث عن العدوانية غير المباشرة. 

هناك خمس استراتيجيات يستخدمها المعتدون غير المباشرين، وهي كالآتي:

التفوق غير المباشر

الاستراتيجية الأولى هي إظهار التفوق بشكل غير مباشر، فتجد من يقوم به يتأخر بشكل مستمر، يتناسى الاجتماعات والمواعيد النهائية على سبيل المثال، ودائمًا لديه أعذار جاهزة للتأخير، ولو واجهته بما يفعل سيقوم بقلب المعادلة ليظهر أنك أنت المخطئ.

يوجد خلف التأخير رسالة- ليس شرطًا أن تكون موجَّهة لك- (موجَّهة لأنفسهم) كي يروا أنهم متفوقون عليك بطريقة ما.

بتأخرهم عليك بذلك يضعونك في موضع أدنى. أنت جالس منتظرًا قدومهم! وذلك يعدُّ شكلًا من أشكال التحكم. 

التعاطف

أيضًا، يمكن للشخص العدواني أن يقوم باستغلال التعاطف. فهو دائمًا ضحية عداء لأشخاص لم يؤذِهم أو ضحية ظروف غير عادلة، وأنت ستشعر تجاهه بالتعاطف، وبمجرد شعوره بتعاطفك سيطلب منك الرعاية والاهتمام.

هم يسيطرون عليك عن طريق الاهتمام، وما يريدونه هو الاهتمام فقط، جرب أن تنصحهم أو تلقي اللوم عليهم عندما يكون الخطأ من طرفهم ستجدهم يبتزونك باتهامك بأنك أصبحت من ظالميهم.

لو وقعت في قبضتهم فغالبًا أنت لديك شعور كبير بالذنب، الطريقة الوحيدة للهروب منهم هي أن تشعر بالغضب من الوقت والطاقة التي أهدرتها في محاولة مساعدتهم.

لا تشعر بالسوء لأنك توقفت عن مساعدتهم لأنهم ببساطة سيجدون هدفًا جديدًا غيرك بسهولة.

التبعية

هناك من يستخدم التبعية في عدوانيته، هو يهتم بك بشكل غير عادي، وكلامه مساند لك جدًّا ويحاول مساعدتك في أي أمر تحتاج إلى المساعدة فيه، إلى أن تصبح معتمدًا على مساعدته التي يقدمها، عندها ستجده فجأةً أصبح باردَ المشاعر تجاهك بدون أي سبب.

ستحاول أن تتفهم ما الذي حدث ولكنك لن تستطيع، وتبدأ بالظن بأنك قمت بتصرف أحزنه، فتحاول استمالته وكسب رضاه بأكثر من شكل، وبدون أن تلاحظ سينعكس الأمر. التعاطف والقلق تحوّل منهم إليك، وتلك هي طريقتهم في السيطرة والسلطة. 

التلميح

أيضًا هناك من يكون عدوانيته عبارة عن تلميحات، فيقول لك مثلًا تعليقات لا تعلم منه إن كان قصده مدحك أم إهانتك.

مثلًا سيقول لك: لقد قمت بعمل رائع بالنسبة لأحد من خلفيتك.

ذلك الكلام يحمل أكثر من معنًى، بحيث أنك لو اعترضت وجاوبته بحدَّة سيقول لك بأنه كان يقصد أمرًا آخر أو يقول لك هل صدقت ذلك كنت أمازحك!

تلك هي طريقته العدوانية. 

تحويل اللوم

أخيرًا العدوانية التي يقوم صاحبها بتحويل اللوم.

مثلًا أنت شعرت بالغضب أو الانزعاج من أمر ما قام به شخص ما، عندما تواجه بالأمر، سيرد عليك بأن يستحضر ما قلته أو فعلته في الماضي له وكان خطأ!

أو يجيبك بكلمات تدفعك للغضب، وعندما تغضب سيصبح من حقه أن يتّهمك بأنك عدواني، وبأنه هو الطرف الطيب.

وبدلًا من أن يشعر بالذنب تجاه ما قام به ينتهي بك الأمر بشعورك أنت بالذنب.

تحويل اللوم هو طريقتهم في العدوانية، ومن خلالها يكتسبون القوة عن طريق التلاعب بك وبعواطفك. 

قانون الموت

بفرض أنك ستسافر وترحل عن المكان الذي عشت فيه. قبل أن تودِّع حياتك القديمة، ستبدأ برؤية الأشياء والأشخاص بشكل مختلف.

فأنت سابقًا كنت تنظر إليهم بطريقة مسلَّم بها، أما الآن فستنتبه للتفاصيل الصغيرة، وستبدأ تهتم وتتفاعل مع كل ما يحيط بك بشكل مختلف. 

الشعور بأنك لن تتمكن من رؤيتهم ثانية سيجعل نظرك أكثر وعيًا بأهميتهم وأكثر عاطفية معهم (أصبحت أكثر انتباهًا). 

تخيل بأنك أصبحت بهذا الوعي مدى الحياة!

منتبه وتعيش حياتك بشكل واعٍ أكثر! يمكنك أن تصل إلى هذه المرحلة بأن تتخيل الموت.

نحن نتعامل مع الحياة على هذا الشكل السيئ لأننا ننكر الموت لا نفكر به أبدًا، ولكن عن طريق الاتصال بحقيقة الموت يمكننا أن نتواصل على نحو أعمق مع الحياة.

نحن نعيش حياتنا بتشتت، ولكننا عندما نقترب من الموت- فمثلًا لو بقي لدينا يوم وسنموت- فجأة سيشعر جسدنا وانتباهنا بالتهديد، فيبدأ بالتركيز على الأمور المهمة، (مستوى التركيز سيرتفع وسنلاحظ تفاصيل لم نكن مهتمين بها سابقًا، سنكتشف بأننا نرى نفس الحياة ولكن بشكل جديد).

يمكننا المحافظة على هذا المستوى من التركيز ونجعله دائمًا مفعّلًا إن بدأنا نتأمل في موتنا، ونجعل تلك الفكرة متجسدة أكثر أمامنا. 

فنفعّل خيالنا ونستخدمه دائمًا في تصور موتنا، نتخيل أننا نرى العالم للمرة الأخيرة، عندها ستظهر التفاصيل من حولك بشكل مختلف. 

يوجد بيننا وبين الوقت علاقة، أن لم نفعّل الوعي بالموت ستكون تلك العلاقة فضفاضة جدًّا، لدينا أهداف نريد تحقيقها، ولكننا سنواجه صعوبة في الالتزام بطاقة كبيرة لتحقيقها، ستقول لنفسك سأفعل ذلك غدًا، وسيتم إغراؤك وتشتيتك بكثير من الأمور، ولكن عندما تفعِّل الوعي بالموت على نحو دائم، سيكون الأمر أشبه بوضعك لموعد نهائي للتسليم!

ستتمكن من التركيز على نحو أفضل، وستجد أن الأمور التي كنت ستنجزها في شهور لم تتطلب منك سوى أيام.

بالوعي المستمر ستتمكن من رؤية الأشياء المهمة حقًّا، وسترى الآليات والمشكلات التي تحدث بحجمها الطبيعي، ومن ثَمَّ ستصبح مستقرًا أكثر في التعامل معها مهما كانت صعبة. 

قانون الجانب المظلم

أنت كطفل يكون لديك مجموعة من الصفات منها المقبول اجتماعيًّا ومنها غير المقبول، وشيئًا فشيئًا وحتى لا تتعرض لرفض المجتمع ستبدأ بإخفاء الصفات غير المقبولة.

ستصبح شخصيتك خالية من صفات كرغباتك السرية في إيذاء الآخرين، شكوكك حول نفسك وحول الناس، جوعك للمزيد من الاهتمام والقوة، أوهام الانتقام. 

ذلك هو جانبك المظلم- الذي نقوم أنا وأنت بإخفائه- واسمه في علم النفس الظل.

الظل موجود عند كل الناس ويكون عميقًا، لكن لا أحد في الأحوال الطبيعية يكون واعيًا بوجوده، لكنه يخرج في النوبات العاطفية وفي أوقات الانفعال الشديد، مثل لحظات التوتر والإجهاد.

أحيانًا قد نراه في شخصيات الآخرين وتتفاجأ بأنهم تصرفوا على غير طبيعتهم بشكل مُؤذٍ في لحظات شعروا فيها بالضيق!

هناك ٣ أمثلة منتشرة لهذا القانون.

ولكن دعونا أولًا نتحدث عن طريقة عامة لكشف الظل.

أسهل طريقة لكشف الظل هي السلوك المتناقض.

بعض الناس يكون لديهم سمات حاسمة للغاية بشكل مبالغ فيها، غالبًا ما يقع ظلهم على الناحية الأخرى، أي عكس الصفة الظاهرة.

مثلًا:

  • من يبالغ في الرجولة الشديدة يكون الخضوع مختبئًا في ظله.
  • من يبالغ في اللطف الشديد يختبئ في ظله العدوان. 

وهكذا.. 

دعونا نستعرض الأمثلة:

المُختال

المختال، متفوق ومختلف. عندما تستمع إليه سترى أن حياته مثيرة جدًّا، وهو ذو معرفة وصاحب معلومات كبيرة عن الفن والسينما والطعام وغيرها، ويركّز على إظهار هذه المعلومات. 

ولكن إن تعرفت عليه عن قرب ستكتشف بأنه كاذب وبأن كل هذه المعرفة ليس إلا قناعًا يستتر خلفه.

كلنا لدينا جوانب- كبيرة- متواضعة في حياتنا، وأغلب الناس يقضون حياتهم في مهام مملة ورتيبة. المختال لا يشعر بالأمان تجاه تلك الجوانب المتواضعة، فيحاول أن يصرف النظر عنها بالمظاهر ومعرفة معلومات سطحية عن أشياء مثيرة؛ فيحيط نفسه بالمعرفة الاستثنائية كي يظهر بأنه مختلف. 

بصورة عامة كن حذرًا من الشخص الذي يحاول إظهار اختلافه.

المختلفون الأصليون غيرُ تقليديين ولا يقدمون عروضًا رائعة عن اختلافهم، بل غالبًا هم يشعرون بالحرج من كونهم مختلفين، ويحاولون الظهور بشكل أكثر تواضعًا. 

القديس

الشخصية الثانية هي القديس، هو نموذج للخير والنقاء، وهو فوق الفساد ولديه رحمة بدون نهاية ومُضحٍ جدًّا.

القداسة تلك تطورت مبكرًا كوسيلة منه لإخفاء جوعه القوي للسلطة، وهو في الحقيقة منجذب سرًّا لكل ما ينادي بعكسه. 

كي تميز بين القديس الحقيقي والمزيف تجاهل الكلام والهالة المحيطة به، وانظر إلى أفعاله وتفاصيل حياته، مقدار الثروة والقوة التي جمعها (هي ما توضح ذلك).

الساحر

هناك أيضًا الشخصية الساحرة، هذا الرجل لطيف جدًّا وممتع ومتفائل ومستعد دائمًا للمساعدة، تجده يدخل حياتك بسرعة، ولكن بعد مرور بعض الوقت سيصدر منه أعمال تخريب وخيانة، ويمكن أن تسمع منه تعليق نقدي بدون أي مبرر أو تسمع من الأصدقاء أنه يتحدث عنك بالسوء في غيابك.

تلك الشخصية عرفت في وقت مبكر أن الميول العدوانية الموجودة لديهم ستجعل حياتهم صعبة، فتعلموا كيف يقومون بتمثيل الواجهة المعاكسة منها (اللطف المبالغ فيه)، بهذه الطريقة هم قادرون على كسب القوة الاجتماعية.

احذر من الأشخاص اللطفاء جدًّا، (اللطف الشديد أمر غير طبيعي)! وخصوصًا عندما يكون لطيفًا معك، وتجده ينغمس في سلوك عدواني تجاه شخص آخر، على سبيل المثال، يقول تعليقات سلبية عنه.

لو انغمسوا في القيل والقال تجاه شخص ما؛ فتأكد أن اللطف الذي تراه ليس حقيقيًّا، وأنك ستكون هدفًا له يومًا ما.