كتاب القوة مقابل الإكراه

Book-Cover

كتاب القوة مقابل الإكراه (المؤلف: ديفيد هاوكينز)

يمكن تقسيم الوعي البشري إلى عدة مستويات بخريطة. الخريطة عبارة عن خط من ١ إلى ١٠٠٠، وتنقسم عند الدرجة ٢٠٠ (النقطة الحرجة).

أي شخص تحت ٢٠٠ (منطقة الضعف) سيشعر بالضعف، ويتحرك فقط كي ينجو بحياته، وستكون دوافعه أنانية.

ومن هو فوق ٢٠٠ (منطقة القوة) لن يخاف الآخرين، وسيكون أكثر سعادةً في حياته بصورة عامة.

مستويات الوعي الإنساني

دعونا نتعرَّف على تلك الدرجات بمزيد من التفاصيل:

  •  الدرجة 20 - العار

هي أقل مستوى بالوعي وتشكل خطرًا على صاحبها، لا أحد في هذا المستوى يمكنه العيش أو التقدم بحياته. فيها يكون الإنسان ميتًا وهو حي. فالعار مرتبط بالضعف والقسوة. ضعف الثقة بالنفس يجعل الشخص يهمل نفسه، ويصبح منعزلًا منطويًا وخجولًا، وأيضًا قاسيًا على نفسه وعلى الناس، فالأطفال الذين يشعرون بالعار يكونون أكثر عنفًا مع الأطفال الآخرين وحتى مع الحيوان.

  •  الدرجة 30 - الشعور بالذنب

من يشعر بالذنب ضميره يؤنبه، ويلوم نفسه دائمًا، ذلك سيشكل لديه آفات نفسية وجسدية وميولًا انتحارية.

قد يحاول الهروب من الذنب بالإنكار، ولكنك دائمًا ستجده يعاقب نفسه بسببه.

  • الدرجة 50 - اللامبالاة

اللامبالاة من أهم سماتها اليأس.

الشخص الذي يعيش في هذا المستوى من الوعي لا يعني العالم له أي شيء، ولا يمتلك طاقة لفعل أي شيء! فهو يتحرك في الحياة بدون أي يتأثر بأي محفز ولا يستجيب لأي بارقة أمل.

مستوى اللامبالاة هو مستوى المشردين في الشارع، معظم كبار السن وأصحاب الأمراض المستعصية، كل الأشخاص الذين لا يهتمون لتغيير حياتهم بصورة عامة.

  •  الدرجة 75 - الأسى

بعد ذلك يأتي مستوى الأسى- مستوى الحزن والخسارة- الناس هنا حياتهم يملؤهم الندم والحداد والحسرة على الماضي.

هذه درجة الفاشلين الذين اعتادوا على الانهزام كأسلوب حياة.

في هذا المستوى يرى الشخص بأن ما يخسره لن يتمكن من تعويضه، خسر شخصًا يحبه مثلًا فيعتبر بأنه خسر الحب كله.

  • الدرجة 100- الخوف 

يوجد في هذه المرحلة طاقة مقارنة بما قبلها من المستويات.

الخوف يعدُّ نوعًا ما دافعًا للفعل. فالمخاوف عامة محركة للحياة، وأغلب الشركات مثلًا تدفعنا لشراء منتجاتها لأنها تلعب على مخاوفنا.

ولكن مشكلة الخوف أنه يمكن أن يُوصل صاحبه لدرجة عالية من التوتر والتفكير المتوهم، وهذا سيكبح تطويره لذاته، لأنه سيدفعه ليخلق آليات دفاعية نفسية تمنعه من الحياة. 

  • الدرجة 125 - الرغبة 

الرغبة تحرك الإنسان وتقوده لبذل مجهود عظيم لتحقيق أهدافه. 

الرغبة في المال والمكانة والسلطة هي ما يدير حياة الكثير من الناس الذين استطاعوا تجاوز دافع الخوف بعد أن كان مقيدًا لحياتهم.

لكن المشكلة أن الرغبة يمكن:

  • أن تصبح إدمانًا، فتدمن مثلًا الرغبة لجذب الانتباه، مما يعطي للآخرين سلطة التحكم بك.
  •  كما أنها لا تشبع، لا يمكنك إشباع الرغبة وستستمر في استبدال الحصول على شيء تم تحقيقه بالحصول على شيء آخر لم يتم تحقيقه… إلى ما لا نهاية.
  • الدرجة 150 - الغضب 

الغضب له وجهان أحدهما مدمِّر والآخر معمِّر. 

ولكنه على الأقل يُخرِج الناس من مستوى اللامبالاة أو الأسى، ويجعلهم يتخطون حاجز الخوف، ويقومون بفعل ما.

أحيانًا يكون الغضب نقاط ارتكاز تُمكِّن المضطهدين من الانطلاق إلى الحرية؛ فالغضب من الظلم الاجتماعي والخداع واللامساواة أدى إلى تغييرات مفيدة لبني الإنسان. 

  • الدرجة 175 - الفخر 

هذا هو المستوى الشائع بين معظم البشر في الوقت الحالي.

هو يعتبر جيدًا مقارنة بما قبله (الذنب والخوف والعار مثلًا)، ولكن إن قارناه بالمستويات الأعلى فسيكون غير كافٍ.

مشكلة الفخر أنه موقف ضعيف، يمكن هدمه بسهولة، ويعتمد على عوامل خارجية إن لم تكن موجودة عندها سنسقط لدرجات أقل.

 قد ينهدم بك وتسقط مباشرة لمستوى العار أو حتى تظل بداخله، ولكن ستشعر بدرجة الخوف (الدرجة ١٠٠) تخاف مثلًا أن تفقد الشيء الذي تفتخر به.

لذلك من المهم أن تتخطى الفخر وتستبدله بالمكانة والسمو الحقيقيين في الدرجات المقبلة.

  • الدرجة 200 - الشجاعة 

الشجاعة هي المرحلة الفاصلة التي تفصل الإيجابي عن السلبي والإكراه عن القوة. 

في الدرجات الأقل منها ينظر الشخص للعالم على أنه مكان يأس وحزن ورعب، ولكن في المستويات التي تليها ينظر الشخص للعالم على أنه تحدٍ مثير ومحفز. 

الشجاعة تعني الاستعداد للخوض في غمار الجديد والرغبة في التعامل مع تقلبات الحياة وأزماتها. هذه المرحلة مليئة بالطاقة لتعلم مهارات جديدة، تجعل الشخص الذي وصل إليها يواجه الأمور ويتعامل معها بفعالية أكبر، ويواجه مخاوفه ويجد لها الحلول ويتقدم بحياته رغم التوتر. 

  • الدرجة 250 - الحياد 

في هذا المستوى يبدأ الإنسان بالتخلص من سمات المستويات السابقة المتعصبة التي ترى كل شيء إما أبيض أو أسود، مما يخلق التعددية ويؤدي إلى مزيد من التنوع والاختلاف. 

الحيادي يعني غير المرتبط بالنتائج، لا يهتم كثيرًا بالفشل أو الخوف أو التوتر لأنه غير مرتبط بالنتائج.

على سبيل المثال لن يشعر بالخوف ألا يحصل على الوظيفة التي تقدم لها لأنه سيحصل على غيرها.. ليست نهاية العالم!

في هذا المستوى تكون الثقة بالنفس بدأت بالتكوّن بشكل صلب، ويكون الشخص في هذا المستوى من الصعب تهديده بأي شيء، وهو شخصيًّا لن يكون مهتمًّا أن يثبت أي شيء لأي شخص. 

  • الدرجة 310 - الاستعداد 

الاستعداد يعني التغلب على المقاومة الداخلية للحياة. مستعد لمواجهة أي شيء.

 من فيها سمح برحيل الفخر والكبر فأصبح مستعدًا فطريًّا أن ينظر في عيوبه الخاصة ويصلحها ويتعلم منها ومن الآخرين، يتعلم من كل شيء. 

لديه تحدٍ في الوظيفة، ليس هنا مشكلة أن يقبل بها! سيبدأ عمله الخاص أو يعمل مع أشخاص آخرين، لا مشكلة لديه أن يبدأ العمل من الصفر. فهو مستعد لأي شيء؛ لأن تقدير الذات لديه أصبح مرتفعًا ولم يعد يعاني أي عراقيل في عملية التعلم فيتعلم بسرعة. 

  • الدرجة 350 - القبول

في هذا المستوى يحدث تحول كبير في الوعي، وسيرى الإنسان أنه هو مصدر وسبب كل ما يختبره في حياته.

(فيه يعدُّ الشخص أن السعادة تنبع من الداخل ولا يظل شيء اسمه الخارج). 

والقبول ليس شكلًا من أشكال اللامبالاة، لكنه انخراط في الحياة بدون محاولة إخضاعها. مع القبول يعيش الشخص بحالة هدوء نفسي ويتوسع إدراكه لأنه تجاوز الإنكار، فيرى الأمور بدون تشويه أو سوء فهم، وذلك يتوسّع سياق التجربة عنده، ويصبح قادرًا على رؤية الصورة كاملة. 

في هذه المرحلة يدرك الإنسان أن الآخرين لديهم حقوق كحقوقه، فيمجّد المساواة على عكس الناس بالمستويات الأدنى الذين يعتنقون التعصب ويكرهون ما يختلف عنهم. 

  • الدرجة 400 - العقل

في درجة العقل تتجاوز العواطف المستويات الدنيا؛ الذكاء والعقل يحل محلها ويتصدر المواجهة.

لن يقحم الشخص العاطفة وخصوصًا السلبية في حياته، لذلك سيكون العقل صافيًا تمامًا، وهذا ما يجعل الشخص قادرًا على التعامل مع كمية معقدة من المعارف، ويقوم بتوظيفها كي يحقق تقدمًا سريعًا.

ولكن عيب هذه المرحلة هو أن العقل نفسه قاصر!

العقل محدود لا يمكنه أن يميز الجوهر والنقطة الحرجة للمسائل المعقدة، وغالبًا ما يهمل السياق. ممكن أن يتفنن بالمفاهيم والنظريات (يرى الشجرة ويتجاهل الغابة).

  • الدرجة 500 - الحب

الحب كتعريف هنا لا يقصد به الحب المتداول بين الناس، أي الشعور العاطفي المتكون من الانجذاب الجسدي والرغبة بالتملك، ذلك الحب شعور متذبذب ومتغير لكن الحب المقصود هنا هو حب دائم وثابت لأن مصدره الداخل. 

الحب شكل من أشكال الحياة وبه نسمو فوقها، وعند وصولك إلى درجته سيجعلك غفورًا تنمّي الإيجابي وتعالج السلبية بدل مهاجمتها وتحقق أسمى الأعمال بدافع نقي. 

  • الدرجة 540 - الفرح

الفرح ليس فرحًا مفاجئًا مؤقتًا كالذي نشعر به ويكون مصدره عوامل خارجية، لكنه شعور دائم يرافق كل أفعالك ويصدر من ذاتك بدون أي مسبب خارجي.

ما يميز هذه المرحلة هو الصبر على مواجهة أي شيء مهما كان سلبيًّا، لو استطعت الوصول لها سترى في كل شي تجلى للمحبة ولله، وستشعر بأنك جزء من الكون والكون جزء منك. سيكون لديك القدرة على محبة الجميع كما تحب نفسك، وستصبح لديك رغبة في نفع الحياة بأكملها بدلًا من أشخاص بعينهم. 

  • الدرجة ما بين 700 و 1000 - السلام والاستنارة

نادرًا جدًّا أن يستطيع أحد الوصول إلى هاتين المرحلتين لأنهما ذروة الوعي البشري. 

من يصل إليهما سيتجاوز الزمان والمكان، وستختفي الأنا الخاصة به تمامًا، لن يرى نفسه فردًا منفصلًا، لكنه تجسيد للوعي الكلي، وسيُوهب حياته لمنفعة البشرية كلها. 

الإسقاط

درجات الوعي السابقة هي ما ترسم حدود منطقة فهمك للعالم، وهي ما ستشكل الطريقة التي ترى بها الحياة.

دعونا نرى مثالًا:

تخيل متسولًا ينام في الشارع، دعونا نرى كيف سيختلف حكم الناس عليه باختلاف مستوى وعيهم. 

  • عند المستوى ٢٠ (مستوى العار): فالشخص لن يرى المتسول على أنه إنسان، بل على أنه شيء مشين وقذر مثير للاشمئزاز. 
  • في المستوى ٣٠ (مستوى الذنب): سيرى أن المتسول هو شخص كسول، وهو من يقع عليه اللوم على حالته التي وصل إليها. 
  • في المستوى ٥٠ (مستوى اللامبالاة): سيرى اليأس في حياة المتسول، وبأن محنته ليس لها نهاية وبأنها دليل على أن المجتمع عاجز وفاسد. 
  • في المستوى ٧٥ (مستوى الأسى): سيرى أن المتسول يعيش مأساة وبدون دعم ولا سند. 
  • في المستوى ١٠٠ (مستوى الخوف): سيرى في المتسول خطرًا يهدده، وعليه أن يخبر عنه الشرطة. 
  • في المستوى ١٢٥ (مستوى الرغبة): سيرى أن المتسول يمثل مشكلة، وسيتساءل لماذا لا أحد يحاول مساعدته؟ 
  • في المستوى ١٥٠ (مستوى الغضب): سيرى بأن المتسول يمكن أن يكون لصًا، ويغضب لوجوده في المجتمع. 
  • في المستوى ١٧٥ (مستوى الكبرياء): سيرى أن المتسول مصدرًا للإحراج في المكان الذي يجلس فيه.
  •  في المستوى ٢٠٠ (مستوى الشجاعة): سيبحث ويسأل هل هناك ملجأ للمشردين، ويحاول أن يحل المشكلة. 
  • في المستوى٢٥٠ (مستوى الحياد): لن يكون عنده مشكلة نهائيًّا مع المتسول، هو لن يضر أحدًا لو تركه في حال سبيله؛ عش واترك غيرك يعيش! 
  • في المستوى ٣١٠ (مستوى الاستعداد): سيقرر أن يذهب إليه ويحاول مساعدته أو يتطوع لمساعدة أمثاله. 
  • في المستوى ٣٥٠ (مستوى التقبل): سيرى المتسول على أنه مثير للاهتمام ممكن أن يكون لديه قصة تستحق الاستماع، فهو موجود مكانه لأسباب ما. 
  • في المستوى ٤٠٠ (مستوى المنطق): سيرى أن المتسول كأحد أعراض المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ويمكن أن يكون موضوعَ دراسةٍ نفسية، ويستحق منحة حكومية. 
  • في المستوىات الأعلى: سينظر للمتسول خارج نطاق الرؤى النمطية والحدود الاجتماعية، وسيراه على أنه تعبير عن النفس الداخلية للبشر أو سيرى منه حكمته وجهة نظره التي فيها عدم اهتمام تجاه الأشياء المادية. 

التفسير

رؤيتك للأشياء ووعيك هما ما يشكلان حياتك!

تخيل مجموعة من الناس يعيشون في بيئة مرهقة- سجن مثلًا- عند مراقبتهم ستجدهم يتفاعلون مع نفس التجربة بطرق مختلفة. 

  • هناك من سيحاول الانتحار.
  • هناك من سيظل صامتًا.
  • هناك من سيبكي.
  • هناك من سيصبح عنيفًا.
  • وهناك من سيكون إيجابيًّا، وينظر لحياته بشكل مختلف وسيبدأ الإهتمام بها.. عدد ليس بالقليل بدأ التعلّم من السجن، وهناك في عالم السياسة كتب أصبحت الأكثر تأثيرًا تم كتابتها في السجن.

نفس البيئة والظروف، ولكن كل شخص تفاعل معها على حسب درجته من الوعي. 

الارتقاء بالوعي

أغلب الناس يستخدمون تجربتهم الحياتية كي يرتقوا بمستوى وعيهم، ولكن هذا غير كافٍ، عليك أن تختار عن عمد نهجًا صادقًا ومتسامحًا تجاه الحياة. 

وبصورة عامة فرِّق بين أنماط الطاقة الضعيفة والقوية، فمعرفتك بالفروقات ما بينها سيساعدك على تطوير وعيك. 

هناك بعض المفاهيم والقيم تضعفك بمجرد حملها وستجعلك تنخفض درجات، عليك التخلص منها واستبدالها بقيم ترفعك درجات. 

لو امتلكت قيمة الغفران مثلًا ستصبح شخصًا قويًّا، ولكن لو حملت الانتقام فستضعف. 

أيضًا انتبه لأنك قد ترى القيم بشكل غير صحيح.

بعض الناس ترى الحب والعطف على أنه ضعف لكن هو في الحقيقة قوة، وعلى الجانب الآخر الانتقام وإصدار الأحكام أمور تبدو أنها قوة، ولكنها في حقيقة الأمر ضعف!