كتاب تصبح على خير يا عقلي

Book-Cover

كتاب تصبح على خير يا عقلي (المؤلف: راشيل مانبير)

 

هل سبق وحُشرت يدك بمكان ضيق، وحاولت إخراجها بدون جدوى، وكلما اجتهدت أكثر كي تخرجها شعرت بأنها عالقة أكثر؟!

الحل المناسب للتخلص من هذا الوضع هو أن تتصرف بطريقة معاكسة لما تفعله. لو استخدمت القوة الغاشمة ذلك سيزيد الموقف سوءًا، بينما إن تمكنت من السيطرة على دافعك الذي يقول لك أنْ تخرج يدك بسرعة وقمت بإرخاء يدك بشكل كامل، وأدخلت يدك بعمق في المكان. أنت بذلك تخلق فراغًا أكبر، وستتمكن من تحرير يدك بسهولة كما أدخلتها.

تقبَّل الأمور: ما تقاومه يدوم

المبدأ المستخدم في هذا المثال يشبه المبدأ الذي يجب علينا استخدامه مع الأرق ومشكلات النوم.

لو أنك تريد النوم ولكنك تعاني الأرق مثلًا، فما  الأسلوب الذي تستخدمه لتواجه هذا الوضع؟

ستضع كل جهدك في محاولة التخلص من الأرق بأن تركز على النوم، وتحاول منع نفسك من التفكير، ولكن ما تفعله سيخلق جهدًا وضغطًا، وذلك لن يساعدك على النوم، بل على العكس سيجعل موقفك أكثر سوءًا.

غيّر طريقة نظرتك للأرق أو بمعنى آخر تقبّله، وكن منفتحًا عليه بشكل أكبر. عندما تتعامل مع الوضع بهذه الطريقة ستصبح هادئًا بدرجة كافية كي تنام بسهولة وتحل المشكلة.

كلما تمكنت من تقليل الضغط الذي تضعه على نفسك- الضغط هنا هو مطالبة نفسك بأن تنام الآن- قللت منه واستطعت النوم بشكل أسهل.

كلما كان هناك حاجة ملحة إلى النوم، أصبح النوم أصعب.

عادةً ما يصعب عليك النوم ليلًا، عندما يكون لديك موعد مهم صباح اليوم التالي. لماذا؟

لأنك في هذه الحالة عليك ضغط كبير أن تنام بسرعة.

عندما تحاول النوم بقصد لن تتمكن من ذلك بسهولة، ولكن يمكن أن تجد نفسك في منتصف اليوم قد نمت على الأريكة وأنت تشاهد التلفاز بمنتهى السهولة.

لأن العكس صحيح أيضًا كلما كان هناك ضغط لعدم النوم، كان النوم أسهل وعدم النوم أصعب.

تلك الطريقة تستخدمها الممرضات في غرف الطوارئ ليلًا. فلو أن مريضًا مثلًا لا يستطيع النوم فتخبره الممرضة بأن الطبيب سيأتي قريبًا لرؤيته لذلك ترجو منه ألا ينام. ذلك الأمر ينجح في جعل الكثير من المرضى يغطون في نوم عميق لأنهم أصبحوا واقعين تحت ضغط بقائهم مستيقظين كي يقابلهم الطبيب.

نظام النوم

إن ما يتحكم في عملية النوم أمران:

  • الساعة البيولوجية.
  • الدافع للنوم.

الساعة البيولوجية

الساعة البيولوجية تتحكم في مواعيد الإحساس بالنعاس واليقظة عن طريق إصدارها إشارات كيميائية في النهار تجعلك تشعر باليقظة، واختفاء هذه الإشارات في الليل يجعلك تشعر بالنعاس.

لذلك لو ذهبت للسرير باكرًا جدًّا أو متأخرًا جدًّا عن الوقت المعتاد (أي وقت غير متوقع) بالنسبة للساعة البيولوجية، عندها ستواجه صعوبة في النوم أو أنك ستنام بشكل سيئ.

إن كنت ترغب في النوم بشكل جيد يجب أن تحترم الساعة البيولوجية الخاصة بك؛ فتنام وتستيقظ بشكل منتظم وثابت يوميًّا.

النظام الدافع للنوم

لننتقل للأمر الثاني الذي يتحكم في النوم وهو النظام الدافع للنوم.

هذا النظام اسمه نظام الاتزان الداخلي ووظيفته هي الموازنة بين النوم والاستيقاظ.

كلما كان النظام الدافع للنوم لديك أكبر، سمح لك ذلك بالنوم بشكل أعمق، فتشعر بالراحة.

حتى تتمكن من جعل هذا الدافع أكبر، كُن نشيطًا خلال النهار.

لو استهلكت قدرًا قليلًا جدًّا من الطاقة في يومك لن يكون لديك دافع قوي بدرجة كافية أن تحصل على نوم عميق متواصل.

الدافع للنوم يصبح أقوى عندما تكون مستيقظًا ونشيطًا خلال النهار.

أيضًا لا تحاول أن تعوض حرمانك من النوم بأن تزود من استهلاك الكافيين والمواد المنشطة بصورة عامة.

الكافيين يعيق إنتاج بعض المواد الكيميائية الضرورية للنوم العميق، فهو يرسل رسائل خاطئة لجسمك ويمنع تكوين دافع مناسب للنوم.

مرن عقلك النشط على الهدوء

تحدثنا في النقاط الفائتة عن النظام الخاص بالنوم، والآن سنتحدث عن تجهيز عقلنا للنوم.

دعونا نبدأ بما سنسميه تمارين العقل.

لماذا تشعر بالإنهاك طوال النهار ولكن عندما تضع رأسك على الوسادة تجد نفسك نشطًا جدًّا، وكأن أحدهم قد ضغطت على زر التشغيل الخاص بك؟!

هناك الكثير من الأسباب التي يمكن أن تجعل عقلك نشطًا في أثناء محاولتك للنوم، أهم سبب فيها هو أنك مرنت عقلك أن يصبح نشطًا على السرير من دون قصد.

الحيوانات والبشر يتعلمون الارتباط بالمثيرات، وفي علم النفس يعرّف المثير على أنه الشيء الذي يؤثر في السلوك في اتجاه معين.

أنت قمت بتحويل سريرك إلى مثير.

أمضيت ليالي كثيرة، مفعّل اليقظة والقلق والإحباط، وأنت جالس على السرير فجعلته مثيرًا لتلك السلوكيات.

الاقتران المتكرر بين سريرك ويقظتك وانتباهك هو السبب، ولكنك تستطيع إلغاء التفعيل إن ألغيت ذلك الاقتران، وكوّنت اقترانًا جديدًا، بأن تمرّن جسمك وعقلك على الراحة في السرير بدلًا من النشاط فيه..

حتى تتمكن من فعل ذلك هناك ٣ نصائح مهمة التزم بها:

  • تجنب أداء الأنشطة الباعثة على اليقظة في الفراش

الأمر الأول الذي عليك تجنّبه هو القيام بأي نشاط لا تقوم بها إلا في حالة اليقظة، وهذه الأنشطة تشمل استخدام الكمبيوتر وكتابة الرسائل على الهاتف والحديث على الهاتف وممارسة الألعاب أو أي نشاط يدفع جسدك للشعور باليقظة في الفراش.

 

  • كن في الفراش عندما تكون نائمًا فقط أو على وشك النوم

الأمر الثاني هو ألا تذهب للسرير إلا عندما ترغب في النوم وتشعر بالنعاس.
من المحتمل أنك عندما تبدأ في تطبيق هذه القاعدة ستنام بشكل سيئ، لن تتمكن من النوم إلا في وقت متأخر، ولكن من المفروض أن تفكر بشكل استراتيجي وتتقبل أن الأيام القليلة الحالية من الأرق هي ثمن لبناء نظام نوم جيد.

  • انهض عن الفراش إذا لم تكن قادرًا على النوم

الأمر الثالث هو أن تنهض من السرير إن لم تتمكن من النوم، إن أردت أن يظل السرير- كمكان- مرتبطًا بالنوم- كما اتفقنا- عليك أن تنهض منه عندما تشعر بالأرق، ويفضّل أن تغادر الغرفة أيضًا. انهض وقم بأي نشاط آخر، ولكن بشرط ألا يساعد هذا النشاط على المزيد من اليقظة أو المزيد من الانتباه. مشاهدة التلفاز في غرفة أخرى قد تكون اختيارًا مناسبًا، ولكن عليك ألا تشاهد برنامجًا شائقًا جدًّا لدرجة أنه سيجعلك مستيقظًا حتى ينتهي!

فترة عازلة بين نشاطك اليومي ونومك

أيضًا من ضمن الأمور التي ستساعدك على تهدئة عقلك هي فترة عازلة تفصل ما بين شخصيتك النشيطة التي تتمتع بها خلال النهار، وشخصيتك المسترخية المطلوبة كي تنام.

أنا أقصد بالفترة العازلة أن تخصص فترة هدوء تكون قبل ميعاد نومك كل ليلة، تخصص فيها وقتًا لأداء أنشطة ستعزز الراحة، وتجعلك تنفصل عن حياتك الشخصية.

منطقة عازلة مدتها ساعة مثلًا كل يوم تقوم فيها بنشاط مهدّئ.. بالنسبة للنشاط المهدّئ الذي ستقوم به هناك اقتراحات كثيرة اختر أنت ما يناسبك منها..

الناس تختلف في الطريقة التي يتعاملون بها مع الأنشطة المختلفة – فمثلًا في لعب الورق!

هناك أشخاص تلعب الورق بدون أي اهتمام كي يقضوا وقتًا مسليًا، وهناك أشخاص يكافحون كي يكسبوا التحدي في اللعبة.

  • المجموعة الأولى تعد لعب الورق لديها نشاطًا مهدّئًا لها في الفترة العازلة.
  • ولكن المجموعة الثانية لا يكون الأمر مناسبًا لها لأنه سيسبب لها توترًا أكبر.

انهض من الفراش في الموعد ذاته من كل يوم

أيضًا عليك أن تنظم مواعيد نومك واستيقاظك بصورة ثابتة كل يوم.

قد تقول إن هناك تعارضًا لأنني طلبت منك ألا تذهب للنوم إلا عندما تشعر بالنعاس، والآن أطلب منك أن تذهب للنوم وتستيقظ بشكل منتظم! فما الذي عليَّ فعله إن جاء موعد نومي ولم أكن نعسان؟

طبق القاعدة الثانية التي تقول لا تذهب للنوم إلا عندما تكون مرهقًا تمامًا، وتشعر بالنعاس ولكن حتى وإن نمت متأخرًا حافظ على ميعاد استيقاظ ثابت.

أنت لو حافظت على ميعاد ثابت للاستيقاظ مثلًا الساعة ٨ صباحًا، عندما تنام في الوقت الذي تشعر فيه بالنعاس والإرهاق فرضًا الساعة ٤ فجرًا؛ فأنت بذلك تبني دافعًا أكبر للنوم ستستخدمه في اليوم التالي.

ولو استيقظت كل يوم في الميعاد نفسه ستبدأ بالإحساس بشعور النوم في الميعاد نفسه كل ليلة؛ أي إن جسمك سيتعلم الاستغراق في النوم في ساعات معينة في الليل، مثلما يستيقظ في ساعات محددة بالنهار.

خصص وقتًا للقلق

أيضًا هناك أمر أخير عليك مراعاته، وهو أنك طوال النهار تكون مشغولًا فلا تفكر في الأشياء التي تحدث في يومك لأنك مشغول بالأحداث الجديدة، فلا وقت لديك لتقييم الأحداث القديمة نوعًا ما ولا التفكير فيها.

فلذلك أنت عندما تذهب للسرير تفكر في المسائل التي حدثت معك خلال اليوم، لأنك أصبحت غير مشغول.

حتى تكسر هذه العادة خصص وقتًا للقلق، وقتًا في اليوم غير وقت النوم.

لو خصصت وقتًا لتفكر فيه في الأمور التي تسبب لك القلق من أحداث يومك عندها ستقلل من احتمالية أن يتبعك هذا القلق للسرير.

وبفرض أن القلق أتاك في السرير، ووجدت نفسك تفكر.

  • في البداية حاول أن تتجاهله؛ فلا تفكر فيه، إذا لم تستطع سجله.
  • سجّل الأفكار التي تحتاج إلى حل وقُل لنفسك إنك ستفكر فيها عندما تستيقظ فإن لم تستطع غادر.
  • اذهب إلى غرفة ثانية، وقم بأي نشاط ممل كي يسكّن هذا النشاط العقلي.

تجنب إجراء الحسابات العقلية في منتصف الليل.

عليك تجنب لعب دور خبير حسابات في الليل، لا تبدأ بحساب عدد الساعات التي سوف تنامها، وتقول لنفسك أنا إن نمت الآن سأنام خمس ساعات أو سأنام أربع ساعات…

عندما تحسب باستمرار مقدار النوم المتبقي لك ستشعر بقلق أكبر، وستصبح مهمة النوم أكثر صعوبة -كما أخبرتك في بداية حديثنا- لأنك ستضع على نفسك ضغطًا أكبر.

تجنب العمليات الحسابية تلك وبصورة عامة أبعد عن نظرك الساعات أو أي شيء يمكنك من خلاله معرفة الوقت.

تحدَّ قلقك بشأن الأرق

بمناسبة القلق دعونا نتحدث عن أمر أخير مهم.

تخيلوا شخصين لكل واحد منهما رد فعل مختلف تجاه عدم النوم بسهولة.

كلاهما استيقظا في منتصف الليل وحاولا النوم بدون فائدة.

  • أول شخص منهما فزع عندما نظر للساعة، وقال: الساعة أصبحت ٢:٠٠، إن لم أنم خلال ٢٠ دقيقة سأفقد رغبتي في النوم وستصبح مشكلة كبيرة بالنسبة لي.
  • أما الشخص الآخر فقال لنفسه: بما أن الساعة أصبحت ٢:٠٠، فمن الأفضل أن أقرأ كتابًا أو أفعل أي شيء بدلًا من محاولاتي للنوم بلا فائدة.

برأيك من الذي سيستطيع النوم منهما وسيكون هادئًا بشكل أكبر؟

دائمًا تذكر بأن رد فعلك نحو الأرق أكثر ضررًا من الأرق نفسه.

عندما تنظر إلى الأرق على أنه كارثة ذلك لن يفيدك بشيء، وسيجعلك منزعجًا أكثر وستبقى مستيقظًا لفترة أطول.

بعبارة أخرى سيصعّب نومك. غيّر نظرتك للأرق وسيصبح التعامل معه أسهل بكثير.

طريقه تفكيرك بشأن نومك ستؤثر في طريقة شعورك، وطريقة شعورك ستؤثر في قدرتك على النوم بشكل جيد، وحتى لو لم تنم بعد قيامك بذلك ستكون رابحًا أيضًا.

قد تعتقد بأن نومك السيئ هو الذي يحدث فرقًا في طريقة تعاملك مع الأحداث في اليوم الثاني، ولكن الحقيقة أن رد فعلك تجاه عدم نومك هو الذي يحدث فرقًا.

لو حافظت على هدوئك في الليل قد تظل النتيجة بأنك لم تنم بشكل كافٍ، ولكنك ستشعر بالراحة ولن تشعر بالضغط أو القلق مما يحدث لك.

ستشعر بقدر أكبر من الراحة في اليوم التالي، مقارنةً لو أنك قضيت الليل كله في صراع طويل مع الأرق.