كتاب استشعر الخوف وأقدم على ما تخاف

Book-Cover

كتاب استشعر الخوف وأقدم على ما تخاف (المؤلف: سوزان جيفرز)

تخيل أن لدينا ميكروسكوبًا، ووضعنا تحته الخوف، أي نوع من الخوف، خوفك من الأماكن المزدحمة مثلًا، ومن تكوين صداقات جديدة.

عندما ننظر للخوف بدون الميكروسكوب تظهر فقط قصته الظاهرة. 

(الموقف الخارجي) مثلًا، أنت تخاف من تكوين صداقات جديدة، هذا هو خوفك (الظاهري)، ولكن عندما ننظر للخوف بشكل عميق سنجد أن السبب خلفه هو موقف داخلي وليس مواقف خارجية؛ ففي صميم أي خوف هناك خوف أعمق.

الخوف الأعمق ذاك يتكوّن من رسالة تقول: "أنا لن أتمكن من التعامل مع الموقف الفلاني"؛ أي إحساس عميق بعدم الثقة بالنفس.

  • خوفك مثلًا من التعرف على الناس وتكوين صداقات نابع من خوفك أنك لن تتمكن من التعامل مع الرفض أو مع الناس. 
  • خوفك مثلًا من تغيير عملك، نابع من خوفك أنك لن تتمكن من التعامل مع البحث عن وظيفة جديدة.
  • خوفك من فقدان أحبائك أو إنهاء أي علاقة نابع من خوفك أنك تعتقد بأنك لن تتمكن من التعامل مع الحياة بدونهم.

عندما نأتي للتعامل مع الخوف ابدأ من الجزء المخفي وليس الظاهري، لأنك لو تعاملت مع الجزء الظاهري فقط فلن تصل إلى أي حل.

مثلًا، خوفك من قلة المال إن حاولت أن تتعامل مع جزئه الظاهري سيكون معناه محاولتك القضاء عليه بتكديس الأموال، ولكنك إن فعلت ذلك ستكتشف بأنك لم تصل إلى الأمان أيضًا، وسيستمر شعور الخوف لديك. من المفترض أن تعمل على زيادة ثقتك بنفسك في التعامل مع أي شيء جديد يطرأ على حياتك.

في تلك الحالة لن تكون قلقًا من خسارة المال لأنك طورت شعورك بالسيطرة على المواقف، وهذه كانت الحقيقة الأولى عن الخوف. 

ألا تستطيع التخلص منه؟!

لننتقل إلى الحقيقة الثانية عن الخوف التي تقول إن مواجهة الخوف أقل صعوبة من التعايش معه.

الأشخاص الذين يقبلون وجود الخوف في حياتهم يتصرفون بطريقة تمكنهم من تجنب مخاوفهم. بتلك الطريقة هم يحاولون أن يجدوا شعور الأمان، ولكنهم بفعلهم ذلك يزوّدون شعورهم بالخوف.

 وإنه من سخرية الواقع أن الأشخاص الذين يرفضون تحمّل المخاطر والمسئولية ويتعايشون مع الخوف يكون في داخلهم شعور أكبر بالخوف من ذلك الشعور الذي ستجلبه المخاطر لهم، لو أنهم وقفوا في وجهها.

من الألم إلى القوة

الحقيقة الثالثة تقول إن المشكلة الحقيقية ليس لها أي علاقة بالخوف في حد ذاته ولكن في طريقة فهمنا له، بدليل أن بعض الناس يتصرفون وفقًا لخوفهم فيكون الخوف هو المحرك والدافع الذي يجعلهم ينجزون ما يريدون في حين أن أشخاصًا آخرين يسبب لهم الخوف حالة من العجز.

سر التعامل مع الخوف هو تغيير نظرتك له، عندها سيصبح شعورك بالخوف نفسه غير مهم على الإطلاق. 

لا تحاول أن تمنع نفسك من الخوف، ولكن اعمل على تغيير رؤيتك له.

عوّد نفسك على الخروج من منطقة راحتك.

جميعنا نتحرك في منطقة تجعلنا نشعر بالراحة، وعندما نحاول الخروج منها ينتابنا شعور بعدم الراحة، فلو راقبت نفسك ستجد بأنك معتاد على حدود معينة من التصرفات.

  • فقد تذهب لمطعم عادي كي تتناول الطعام بمفردك، ولكنك لو ذهبت لمطعم غالٍ جدًّا بمفردك فستشعر بعدم الراحة.
  • قد تكون مستعدًا لتكوين صداقات مع المحيطين بك في المكتب الذين هم في مستواك، ولكنك ستشعر بعدم الراحة عندما تفعل ذلك مع أشخاص هم أعلى منك منصبًا.

راقب التصرفات البسيطة الشبيهة لتلك التصرفات لأنها تشير إلى حدود منطقة الراحة الخاصة بك. 

منطقة الراحة هي الإطار الذي نأخذ قراراتنا اعتمادًا عليها لذلك افعل كل يوم شيئًا ما لتوسيعها. 

  • اتصل مثلًا بشخص كنت تخاف الاتصال به.
  •  اشترِ حذاء أغلى مما اعتدت عليه في الماضي.
  • اطلب أمرًا ما كنت تخاف أن تطلبه في السابق.
  • قم بمخاطرة صغيرة أو كبيرة مرة واحدة على الأقل كل يوم.

كلما خرجت من الحدود التي تبدو لك مريحة ازددت قوة، ومع ازدياد قوتك ستزداد ثقتك بنفسك وسيقل خوفك.

سواء كنت تريده أم لا.. فهو لك

الحقيقة الرابعة عن الخوف هي التخلص من عقلية الضحية، عقلية الضحية ذكية جدًّا، ويمكن أن تخفي نفسها في صور وأشكال مختلفة.

تخيل مثلًا شخصًا لديه عمل رائع صنعه بمجهوده ويجني منه المال الكثير؛ بذلك هو مستقل، لا يعتمد على أحد! لذلك سيعتقد بأنه بعيد جدًّا عن تبنّي عقلية الضحية!

ولكنه يعيش في حالة دائمة من التوتر، فهو مستقل في حياته ولكنه غير مستقل نفسيًّا.

شعوره الدائم بالتوتر يرى أن سببه أخطاء الآخرين وليست مشكلته هو، ويرى بأن الحل كي يعيش حياته بشكل أفضل أن يجعل الناس من حوله يغيّرون من تصرفاتهم.

  • فلو أنك تقوم بعمل تكرهه
  • أو أن حياتك مملة
  • أو أن هناك شخصًا ما يضايقك
  • أو أن أي شيء في حياتك لا يسير على ما يرام

ولكنك تعتقد بأن السبب وراء إحساسك هذا هو شخص آخر غيرك أنت، فبذلك أنت تلعب دور الضحية.

ولن يكون غريبًا أن تشعر بالخوف؛ فالضحايا ليس لهم لا حول ولا قوة!

حتى تتمكن من التعامل مع دور الضحية

كن واعيًا بالمزايا التي تؤمنها لك شخصية الضحية أولًا وبمجرد إدراكك لتلك المزايا ستصبح سلوكياتك أكثر منطقية بالنسبة لك.

تخيل فتاة متضايقة من عملها وترغب في تركه، فلو أنها أحبت أن تتعمق في تفكيرها ستجد نفسها تلعب دور الضحية فهي تقول لنفسها بأن ما يمنعها من أخذ قرار بترك العمل هو أن سوق العمل نفسه سيئ.

تفكيرها يوفر لها درجة أمان كبيرة، فهي في وضعها الحالي (وهو الشكوى من العمل بدون البحث عن عمل جديد) لن تواجه الرفض الذي من الطبيعي أن يواجهه أي شخص يبحث عن عمل، ولن تشكك في كفاءتها.

تلك هي المزايا التي توفرها عقلية الضحية!

إذا انتبهت تلك الفتاة لها ستدرك عندها أنها اختارت البقاء في عملها بسبب النتائج تلك وليس بسبب المبررات التي كانت تقولها لنفسها، وعندها ستكون فرصتها أكبر بأن تتمكن من مواجهة نفسها وأن تتغلب على خوفها.

كيف تتخذ قرارًا لا يجلب الخسارة؟

الحقيقة الخامسة هي عن الخوف من الوقوع في الخطأ.

الوقوع في الخطأ من ضمن أحد أكبر الأشياء التي تمنعنا من المضي قدمًا في حياتنا وتجعلنا نخاف، والحل هنا هو أن نبني نموذج عدم الخسارة.

مثلًا أنت تخاف من أن تأخذ قرارًا

  • بأن تكمل وتستمر في عملك
  • أو أن تنتقل لعمل جديد

وتشعر بثقل الاختيار عليك لأنك خائف من الخسارة، ولكن ماذا لو أنك فكرت بهذه الطريقة.. أمامي الآن اختياران:

  • الاختيار الأول: أنني ذهبت للعمل الجديد، هناك سأقابل أشخاصًا جددًا وستكون تجربة جديدة بالنسبة لي، وفي أسوأ الأحوال إن لم أُوفق في هذا العمل فسأتمكن من التعامل مع الأمر، وسأجد عملًا جديدًا آخر، فحتى إن فشلت هذه المحاولة ستكون بالنسبة لي تجربة مثيرة، وسأتعلم منها كيفية التعامل مع فقدان العمل وحل المشكلات التي أواجهها إن أصبحت عاطلًا عن العمل.
  • الاختيار الثاني: هو أن أبقى في عملي الحالي عندها سيكون لدي فرصة كي أُعمّق علاقاتي وبالنسبة للعرض الجديد فهو سيزيد من شعوري بأنني مطلوب وأحصل على عروض التوظيف، ويمكنني أن أطلب ترقية وحتى وإن لم يُقبل طلبي فسأجد فرصة ثانية واتبعها.

الأشخاص الذين يتعاملون مع الحياة بهذه الطريقة بالإضافة لأن الخيارات تكون أسهل لهم، فإن البقاء معهم يصبح أمرًا ممتعًا بحق. 

لكي تتمكن من بناء نموذج عدم الخسارة ذلك، يجب أن تعيد تفكيرك في النتائج والفرص، وتغيّر تفكيرك عن الأمان والخسارة. 

الأمان لا يكون بامتلاك الأشياء، بل بالقدرة على التعامل مع الأمور، أنت لن تشعر بالأمان عندما تمتلك مالًا يكفيك طوال حياتك بل ستشعر بالأمان عندما تمتلك قناعة بأنك مهما خسرت من المال فستتمكن من جلب المزيد وستتمكن من التعامل مع الأمر.

إذا استطعت تبنّي هذه النظرة فستتمكن من التعامل مع مواقف الحياة وأنت واثق بأنك لن تخسر شيئًا، خسارتك ليست مادية أصلًا وسيتبدد الخوف من حياتك. 

إلى أي مدى تجد حياتك بالكامل "متكاملة"؟

الحقيقة السادسة عن الخوف هي التعامل مع أساس وجودنا.

فلنتأمل في المثالين الآتيين:

  •  مدير تنفيذي في شركة كبيرة- ناجح- هويته مرتبطة بعمله؛ فبالنسبة له عمله هو كل حياته.
  • سيدة أطفالها هم كل حياتها، وهي ترى نفسها بأنها أم صالحة. 

الأمر المشترك بينهما هو الإحساس الشديد بالحاجة- أراهن أن معظمنا هكذا مرتبط على المستوى العاطفي بأمر واحد ويرى أن حياته بالكامل في وجود هذا الارتباط، فلو اختفى هذا الشيء فأنا لن يعد لي أي وجود، وهذا أمر خطير جدًّا- ربط الحياة بشيء واحد بهذا الشكل من ضمن أحد الأسباب التي تؤدي للخوف. 

من المفترض أن تكون حياتك غنية وليست مرتبطة كلها بجزء واحد مما تقوم به في حياتك.

المشكلة هي أننا لا نتعلم الدرس!

فأنت مثلًا مرتبط بشيء ما في الماضي وخسرته وعانيت كثيرًا لفقدانه، ما الذي ستفعله الآن بعد خسارته؟

 عوضًا أن تعيد تفكيرك في تصرفك وتجعل حياتك متكاملة ليست معتمدة على شيء واحد ستجد بأنك ستبحث عن البديل لهذا الشيء الذي خسرته وستربط حياتك كلها به من جديد!

فقط أومئ برأسك وقل: نعم.

الحقيقة السابعة والأخيرة عن الخوف هي قول نعم.

أنا لدي صورة في رأسي وأريد أن تسير الأمور وفقًا لهذه الصورة ولكن، في بعض الأحيان لا تتم الأمور كما أرغب وتحدث أمور بشكل غير متوقع. 

عندما أقول "لا" للأشياء غير المتوقعة سيسبب هذا الأمر لي توترًا وتعبًا، فـ"لا" تؤدي لألم الرفض وتعطي شعورًا بالضعف.

لكن عندما أقول "نعم" لكل ما يحدث لي سأُزوّد قدرتي على التكيف مع ما يحدث، وسأتصرف من منطلق قوة وليس من منطلق ضعف.

فكرة أصلًا عدم تقبل الاحتمالات تولّد الخوف، ولكن لا يوجد خوف أبدًا مع القبول التام لأي أمر يحدث.