كتاب حول الخصوم إلى حلفاء

Book-Cover

كتاب حوّل الخصوم إلى حلفاء (المؤلف: بوب برج)

لدينا أربع نقاط يقوم عليها مبدأ التأثير في الناس وتحويلهم من خصوم ضدك لحلفاء يقفون في صفك:

  • استيعاب التعارض بين منظومات المعتقدات. 
  •  تقبُّل الأنا الخاصة بالطرف الآخر. 
  •  وضع الإطار المناسب. 
  •  التواصل مع الطرف الآخر بكياسة وتعاطف. 

استيعاب التعارض بين منظومات المعتقدات

النقطة الأولى هي استيعاب التعارض بين منظومات المعتقدات الخاصة بك وتلك الخاصة بالطرف الآخر. 

 كل شخص فينا يرى العالم بطريقة فريدة وفقًا لمجموعة عوامل مثل التنشئة والبيئة والدراسة والأشخاص المحيطين به. 

خصمك المحتمل لا يعرف هذه النقطة، ويعتقد بأن كل الناس ترى العالم بنفس الطريقة التي يراه بها، ولذلك تجده يفسر كلماتك وأفعالك في ضوء منظومة معتقداته هو، وغالبًا أنت تفعل الشيء نفسه بدون وعي منك.

منظومة المعتقدات

تخيل أنك تسير في الطريق ورأيت شخصًا تعرفه، فسلّمت عليه، ولكنه رد بجفاء، ستجد نفسك تستنتج في سرّك بأنه هذا الشخص منزعج منك ولذلك لم يبتسم، صحيح؟!

هل لعبت هذه اللعبة من قبل؟ (لعبة تداخل الأفكار). في هذا الموقف أنت تعتقد بأن معتقداتك هي معتقدات الشخص الثاني، وأن ما خمّنته هو ما يفكر فيه الطرف الثاني، بالرغم من أن ما فعله ذلك الشخص له أكثر من تفسير – ممكن مثلًا أنه يعاني مشكلات عائلية أو أنه متضايق من أي شيء آخر – ولكنك اقتنعتَ بما شعرت به.

 هل تريد أن تكون صاحب تأثير كبير وناجح؟

انتبه لهذه النقطة! التعارض وخصوصًا مع الأمور السلبية. حاول أن تجعل دائمًا حكمك منصفًا لصالح الطرف الثاني وأحسن الظن به. 

ذلك سيساعدك على بدء العلاقة معه في المرات المقبلة بإطار إيجابي بدلًا من البدء بإطار سلبي (كما سيأتي ذكره عند نقطة الإطار). 

أيضًا سيجعلك تشعر بالرضا، ولن تتضايق بمشاعر سلبية بغير داعٍ. 

تقبّل الأنا الخاصة بك وبالآخرين

النقطة الثانية هي تقبّل الأنا، الأنا الخاصة بك والأنا الخاصة بالطرف الآخر.

الأنا هي إحساس الفرد بذاته، بسبب هذا الإحساس عند الطرف الآخر وبسبب عدم اعترافك به قد تواجه صعوبة كبيرة في جعله حليفًا لك يقف بصفك.

في حقيقة الأمر ٩٥٪؜ من الحالات التي يمكنك فيها أن تدفع شخصًا ما لينحاز لصفك تقوم على مدى قدراتك على احترام الأنا الخاصة به وإشعاره بذاته. 

وبالمناسبة إذا تتبّعت المشاعر المدمرة التي تفسد أي تعاون، مثل الإحساس بالغضب أو بالضغينة أو الانزعاج في المواقف، ستجد بأنها كلها مشاعر نابعة من الأنا. 

سيطر على الأنا

حتى تتمكن من أن تحترم الأنا الخاصة بالطرف الآخر عليك أن تكون واعيًا بالأنا الخاصة بك أنت أولًا وتسيطر عليها. 

الموقف الشعوري

حتى تتمكن من فعل ذلك عليك أن تفصل نتيجة الجدال عن ذاتك – وألا تكون مرتبطًا شعوريًّا بالنتيجة – بالطبع أنت تريد أن تحقق نتيجة معينة، فلو حصلت سيكون الأمر رائعًا، لكن لا تجعل سعادتك وراحة بالك معتمدة عليها. 

عندما تنفصل عن النتيجة بهذا الشكل لن تكون شديد الارتباط بأن تدفع الطرف الثاني للموافقة على رأيك.

وكلما كان تقديرك لذاتك مرتبطًا بنجاحك في الجدال ستجادل وتتملق وتطيل الحديث كي تقنع الطرف الآخر بوجهة نظرك، وذلك سيترك انطباعًا له وستظهر أنك تتعالى عليه وعلى الآخرين؛ وذلك سيجعل الطرف الثاني يأخذ موقفًا دفاعيًّا لأنك جرحت إحساسه بالأنا وسيتمسك أكثر بموقفه الحالي.

 على الجانب الآخر لو استطعت أن تتعامل مع الأمر بطريقة مستقلة عن النتيجة؛ فستجد نفسك تتحدث بهدوء غير مهتم بالنتيجة؛ وعندما يحدث ذلك ستجد الطرف الآخر قد تفهّم بأنك تكن له الاحترام، لن يشعر بأنه يحتاج أن يقاوم ويثبت صحة وجهة نظره، وسيكون أكثر رغبة في سماع المزيد منك؛ أي كلما كنت أقل ارتباطًا بالنتيجة النهائية للجدال أصبحت أكثر إقناعًا.

وضع الإطار المناسب

النقطة الثالثة هي الإطار المناسب، الإطار هو السياق الذي يبدأ عنده أي شيء في تعاملاتك مع الآخرين. 

في أي تعامل هناك إطار، والسؤال المهم هنا مَن الذي سيتحكّم بالإطار؟

الشخص الذي يضع الإطار يكون في وضع السيطرة، وهو من يحدد الاتجاه الذي سيجري فيه التعامل. 

تخيل أن هناك شخصين، كل منهما يقود دراجة نارية، واصطدما ببعضهما. 

سنعطي الطرف الأول فرصة كي يبدأ الحوار، سنجده يندفع نحو الشخص الآخر صارخًا في وجهه، ويقول له بأنه المذنب!

هو بذلك قد وضع إطار صراع (إطار غضب). الطرف الآخر سيرد عليه ردًّا مناسبًا داخل نفس الإطار وسيهاجم الشخص الأول. 

ماذا لو أعدنا تخيل نفس الموقف، ولكن هذه المرة سنجعل الشخص الأول يبدأ الحوار بإطار من التعاون وسيقترب من الشخص الثاني ويطمئن على سلامته، سنجد أن الشخص الثاني يعتذر له.

تغيير الإطار كفيل بتغيير الموقف، والشخص الذي يضع الإطار يمكنه توجيه الموقف في اتجاه معين. 

في أي موقف في حياتك كن واعيًا للإطار، وحاول أن تقدم أنت إطارًا إيجابيًّا من البداية، وإن وجدت الإطار الافتراضي سلبيًّا قم بإعادة وضع واجعله إيجابيًّا. 

يمكن أن نستخدم نفس المبدأ هذا في الإقناع. لأي مدى يمكن لأحد أن يغيّر رأيه فجأة في الجدال؟ نادرًا أليس كذلك! 

 لأن الإطار الافتراضي للجدال هو إطار معركة – مسابقة – وشخص ما سيفوز. 

إذا غيّرت هذا الإطار لإطار تعاون، وبدأت من النقاط المشتركة وليس من النقاط المختلفة، ووافقت الطرف الآخر على الجزء المقنع في وجهة نظره، عندها سيميل الشخص المقابل لك بأن يسمع الحقائق منك ويتقبّلها. 

التواصل بكياسة وتعاطف

النقطة الرابعة والأخيرة هي التواصل بكياسة وتعاطف. 

الكياسة هي القدرة على قول شيء ما بطريقة تجعل الطرف الآخر يشعر بأنه أقل تهديدًا وأقل تحفظًا وأكثر تقبلًا لك ولأفكارك؛ أي إنها قول الشيء الصحيح بالطريقة الصحيحة.

فبدلًا من أن تجرح إحساسه بالأنا أو تثير مشاعر الاستياء والمقاومة لديه، بالكياسة ستجعله أكثر تقبلًا بشكل إيجابي لاقتراحاتك؛ فمثلًا لو أنني أقدم خدمة، وتلك الخدمة قدمتها لك ناقصة، إن اشتكيت بصوت عالٍ وطلبت الناقص من الخدمة بفظاظة، سأكون أقل فاعلية وتعاونًا معك من أن تبدأ الحوار معي بشيء من الإيجابية. 

عندما تتكلم مع الناس تذكر أن تقبلهم لكلامك (مدى تقبل الكلام) لا يعتمد بشكل تام على المنطق بل يعتمد على مدى تقبل الأنا الخاص بهم، وأنت بالكياسة تخفف صدمة الكلام وخصوصًا السلبي على ذواتهم.

الكياسة ممكن أن تقوم بها بأكثر من شكل، منها:

وفر لهم مخرجًا

يمكن مثلًا أن تستخدمها عن طريق توفيرك مخرجًا للطرف الثاني. 

وذلك يتم بالطريقة الآتية:

إذا أردت من أحد أن يتقبّل كلامك أو أن يقوم بفعل معين، وصّل له بوضوح فكرة أنه غير مضطر أن يقوم بهذا الفعل، أو بمعنى آخر امنحه مخرجًا - باب خلفي- أن تقول مثلًا:

  • هل هذا وقت مناسب للكلام؟
  • أو هل أتيتك في وقت غير مناسب؟ 
  • أو من فضلك لا تشعر بأنك مُجبر بأي حال من الأحوال أن تقوم بذلك إذا لم يكن مناسبًا لك.

تلك العبارات فعالة للغاية؛ ولكن لماذا؟ 

لأن الأشخاص المقابلين لك عندما يواجهون نزاعًا محتملًا، عادة ما يشعرون بالضغط لأنهم يجب أن يتسجيبوا أو يتصرفوا بطريقة معينة، وهذا يجعلهم في موقف دفاعي، ويمكن أن يصبح إطار الموضوع لديهم عدوانيًّا. 

عندما تمنح الشخص الذي تحدثه المخرج أو عندما يشعر أن لديه خيارًا، ذلك سيسمح له بأن يسرّب الضغط الذي يشعر به، ويشعر براحة أكبر في التعامل معك. 

وبالمناسبة ذلك الضغط الذي يشعر به الشخص المقابل لك والذي تريد أن تسربه ليس شرطًا أن تكون أنت من فرضه عليه، بل يمكن أن يكون مفروضًا ذاتيًّا. 

دعنا نرى مثالًا: 

بفرض أنك ذهبت لموظفة في مصلحة حكومية كي تسألها عن معلومة ما، وهي أمضت بعض الوقت في البحث عنها بدون فائدة، بعد قليل هي ستشعر بالضغط لأنها لم تجدها، وستبدأ تفكر بالاستسلام كي تتخلص من هذا الضغط، عندها سيكون الوقت مناسبًا أن ترفع الضغط عن كاهلها وتمنحها مخرجًا. 

فتقول لها إنها إن لم تجد المعلومة فأنت متفهم جدًّا أنها بذلت جهدًا في البحث، وأنها ليست مضطرة أن تتعب نفسها أكثر من ذلك. 

المخرج سيزوّد الفرصة أن تبذل مجهودًا مضاعفًا كي تساعدك.

إضافة إلى أن المخرج سيجعلها تشعر بالراحة، فهو أيضًا سيرضي الأنا الخاص بها، فهي بذلك ستمضي في البحث هذه المرة لأن القرار أصبح في يديها هي، وستشعر بالرضا وليس بالتعب لأن القرار قرارها. 

 قد يبدو من البديهي أنك لو أردت من أحد ما أن يفعل شيئًا ما لك فيجب عليك أن تقيده في هذا الموضوع وتضعه في موقف صعب، ولكن العكس فعّال أكثر؛ أي كلما جعلت الشخص المقابل لك في موقف مريح أكثر وتركت له مخرجًا أكثر، سعى لمساعدتك أكثر.

طريقة الاعتذار المسبق

هناك طريقة أيضًا للتواصل بكياسة، وهي إظهار التعاطف، ولها أكثر من شكل منها طريقة الاعتذار المسبق.

تخيل موقفًا لموظف آخر تعامل معك وهو مستاء ويُظهر العصبية في تصرفه، وأنت شعرت بأن طريقة تعامله معك غير لطيفة. 

 فإذا قلت له بشكل مباشر: "عاملني بشكل أفضل"، وتخبره ما الذي يجب عليه القيام به، وبقية هذا النوع من الحوار ستحوّله من خصم محتمل إلى خصم حقيقي. 

حتى تخرج في النهاية بشكل رابح من الموقف عليك أن تخرجه بلطف من تلك الحالة، ويمكنك أن تفعل ذلك بالاعتذار المسبق. 

في البداية مثلًا قل:

آسف يبدو أن هناك أمرًا ما يزعجك، ويبدو أنه ألم في الرقبة من الجلوس الطويل على الكرسي، لأنك تجلس طوال اليوم، (وبعد ذلك قُل طلبك). 

بهذا الأسلوب تكون قد أظهرت له أنك متعاطف معه. 

مقدمة بسيطة فقط وبعدها سيقدم الموظف لك أكثر بكثير مما كان مفروضًا عليه أن يقدمه.

مفتاح السر في طريقة عمل الاعتذار المسبق ليس الاعتذار نفسه، ولكن إبداء التعاطف. الموظف الذي ذكرناه كل الذي كان يحتاج إليه هو شخص يتعاطف معه، ويوصل له شعورًا أنه مستوعب لمشاعره، وذلك كفيل بإخراجه من الحالة التي هو فيها.