كتاب المؤمن الصادق

Book-Cover

كتاب المؤمن الصادق (المؤلف: إيريك هوڤر)

هناك نبتان لهما التركيب نفسه تشريحيًّا وعضويًّا؛ لذلك ندرسهما ضمن عائلة واحدة من النباتات - على الرغم من أن الطماطم تؤكل، بينما النبتة الثانية فهي سامة لا تؤكل-.

هذه الفكرة تنطبق على الحركات الجماهيرية، فلها صفات مشتركة (تجعل بينها شَبهًا عائليًّا) بغض النظر عن نتائجها إيجابية كانت أم سلبية.

تستطيع الحركات الجماهيرية (على أساس اجتماعي أو قومي أو ديني أو غيرها) تفجير طاقات الناس، وتولد في نفوس أتباعها استعدادًا للموت وانحيازًا للعمل الجماعي، كما أنها تقوم على استقطاب أتباع جدد مخلصين لها.

الفرضية


الحركات الجماهيرية التي تستهدف تغييرًا شاملًا تحاول دفع الناس ذوي الصفات الآتية:

أولًا: الإحساس بالتذمر والفقر -دون أن يكونوا فقراء جدًّا-.

ثانيًا: الشعور بأنهم قوة لا تقهر إن اعتنقوا الفكرة أو اتبعوا الزعيم المُلهم أو أساليب معينة في العمل الثوري.

ثالثًا: لديهم تطلعات كبيرة للمستقبل.

رابعًا: الجهل التام بالعقبات المحتملة.

وهذا يظهر في الثورة الفرنسية حينما كانت الجماهير لا تملك خبرة سياسية، ولا تعرف العقبات التي قد تواجهها، وكذلك في الثورة الروسية، ومع النازيين.

أما دور ذوي الخبرة فسيكون عند تأكدهم من نجاح الحركة.

جاذبية الحركات الجماهيرية


هذا ما حدث في ألمانيا -قبل هتلر- حينما شعر الناس بوصولهم لـ"مرحلة الصفر"، مما كان دافعًا قويًّا كي يستجيبوا لحركته.

لماذا تستطيع الحركة جذب أتباعها والاحتفاظ بهم؟ تستطيع الحركات جذب الأتباع؛ لكونها تلبي حاجة الأمل الفردي الخائب.

حينما لا يملك الفرد شؤونًا خاصة جديرة بالاحترام، يبدأ بالاهتمام بالشؤون المجتمعية والقومية والعرقية.

أعضاء الحركة الجماهيرية


الفقراء دون فقر مدقع

قد نفكر -بديهيًّا- أن التذمر يزيد كلما زاد الفقر والظلم والبؤس، لكن هذا ما لا يحدث! فالبؤس لا يقود تلقائيًّا للتذمر، ودرجة التذمر غير مرتبطة بدرجة البؤس.

إن الفقراء - فقرًا مدقعًا- محصنون ضد الحركات الجماهيرية؛ وذلك بسبب صراعهم للحصول على الرزق يوميًّا، ومن ثمَّ لم يملكوا رفاهية الشكوى.

متى يصل التذمر إلى أعلى درجاته؟

حينما يكون البؤس محتملًا، وذلك يعني حينما تتحسن الأمور حتى يتخيل الناس أنه ممكن تحسنها أكثر وأكثر.

مثال: لم تقم الثورة الفرنسية إلا بعدما طبق الملك قوانين حسنت حياة الناس، والفترة الأخيرة من حكمه كانت أكثر فترة رخاءٍ لهم.

أيضًا في روسيا، فلم يثر الفلاحون إلا حينما تحسنت القوانين وحصلوا على ثلث الأراضي التي كانوا يزرعونها.

العاجزون عن التأقلم

يعدُّ العاجزون عن التأقلم مُحبَطين -ولو بشكل مؤقت- لأنهم لم يجدوا مكانهم في الحياة بعد.

مثل المراهقين وخريجي الجامعات والعاطلين عن العمل، هذه الفئات تخاف المستقبل بالتالي تلبي نداءات الحركات الجماهيرية التي تَعِدُها بمستقبل أفضل.

الملولون

من الغريب أن الحركات الجماهيرية تجد متعاطفين معها ومتحمسين لها من الملولين أكثر بكثير من ضحايا الظلم.

لا يشعر الإنسان بالملل حينما ينهمك في مهنة ما، لكن أولئك الذين لا يتمتعون بالمواهب أو فرص الإبداع والعمل النافع يميلون أكثر للتصرفات الغريبة والتقلبات الفكرية المدهشة والتي يرونها في رسالة الحركة، أملًا أن يَلْقوا قدرًا من المعنى والهدف من وجودهم.

العمل الجماعي


كيف تسيطر الحركات على أعضائها؟

التماهي مع المجموعة

تسلخ الحركات أعضاءها من الهوية الذاتية وتذيبهم في الجسم الكلي للجماعة؛ لذلك لا يُعرِّف أعضاؤها أنفسهم "أنا فلان" بل "أنا عضو في حركة..." أو أنا ألماني أو روسي أو ياباني.

الأشياء التي لم تكن

تعمل الحركات الجماهيرية على التبشير بالأمل- حتى لو لم يكن مبنيًا على وقائع- فقادة الثورة الفرنسية وعدوا بالحرية والمساواة، وقادة الثورة الروسية وعدوا بالعيش، أما "هتلر" فوعد أنصاره بإنهاء العبودية التي يشعرون بها.

إن الأحلام والآمال الجامحة أسلحة وأدوات فعالة للغاية، وتظهر حكمة القائد من مدى إدراكه للقيمة الفعلية لتلك الأدوات.

إدراك القائد -لأدوات الأحلام والآمال- ينبع أحيانا من فشله في التعامل مع الأمور الواقعية.

فالشخص الناجح في الأمور الواقعية -رجل أعمال مثلًا- غالبًا ما يكون قائدًا سياسيًّا فاشلًا؛ وذلك لأن عقله تجاري مرتبط بما هو كائن فلا يوزع الوعود.

بينما الشخص الفاشل في الأمور الواقعية يستطيع توزيع الأمل بكل ثقة على الجمهور؛ لذلك هو سياسي ناجح أكثر من الأول.

التطرف

يشكل الفرد الذي يرى العالم دون انفعالات خطورةً على الحركة؛ لذلك تُحجِّمه الحركة أو تطرده. تسعى الحركات لأن تثير المشاعر الملتهبة في نفوس أتباعها حتى يسهل توجيههم.

احتقار الحاضر

لا تكتفي الحركات بتصوير الحاضر بأنه بائس، وإنما تحاول جعله كذلك! فتصوِّر أن الرغبات ووسائل الراحة خاطئة، وأن الحياة الصحيحة هي الحياة الصعبة.

إن الهدف الأساسي من إشاعة التقشف هو أن يشعر الفرد بتفاهة حياته- مقارنة بالطقوس الجماعية المثيرة للحركة- فيضحي بنفسه لصالح جماعته.

العقيدة

هي عامل قوي قد يدفع الشخص للتضحية بنفسه لأجل المصلحة العامة.

تصوِّر الحركة أفكارها في صورة الكمال المطلق؛ وذلك كي تحجب الأعضاء عن نقد تجاربهم الذاتية ليتقبلوا فكرة التضحية بأنفسهم.

هذا الإيمان الأعمى تمثل في المتعصبين من اليابانيين بعد الحرب، فقد رفضوا الأدلة التي تثبت هزيمة اليابان حتى بعد مرور سنوات عديدة!

الكراهية

تعدُّ الكراهية عاملًا موحدًا مهمًّا؛ فأي حركة لا بُدَّ أن يكون لها عدو تكرهه.

تلك الكراهية تجعل الشخص دون هوية ذاتية، وإنما يلتحم مع جمهورٍ شديد الاشتعال.

الغريب هو أن أي حركة جماهيرية تستطيع البدء والانتشار دون الإيمان بالله، ولكنها لا تستطيع ذلك دون الإيمان بالشيطان.

نحن نستطيع قياس قوة الحركة الجماهيرية بمدى نجاحها في إيجاد شيطانها وتجسيده!