كتاب تجاوز مخاوفك

Book-Cover

كتاب تجاوز مخاوفك (المؤلف: هرفيه منيان)

عقدة النقص

تخيل أن هناك طفلًا، أهله يدفعونه دائمًا للشعور بعدم الأهمية ويرون أن رأيه غير مهم، وينتقدونه بشكل مستمر على أي شيء يقوم به.

الطفل سيتكيّف مع تلك البيئة ويكبر ولديه شك في قدراته وتقييمه لنفسه، هذا التكيّف سيسبب له عقدة نقص.

البشر لديهم عقد نقص مختلفة، وليس ضروريًّا أن تكون العقد تمت بطريقة قاسية كالمثال الذي بدأنا به، فيمكن أن تكون العقدة تمت بنعومة ولطف وفي جو محبب وعائلي. هي بصورة عامة تنشأ من حدود اجتماعية غير سوية، يتكيّف الشخص معها فيتكون لديه عقدة بسببها؛ كل عقدة يكون لها بُعدان يولّدان سلوكًا انتحاليًّا. 

  • بُعد إدراكي: مقاومة للتفكير الحر في المجال المثبط؛ فأنا لن أفكر في المشكلة الموجودة لدي.
  • بُعد سلوكي: مقاومة للتصرف ضمن المجال المثبط؛ فأنا لن أتصرف أو أتحرك لحل المشكلة الموجودة لدي.

البُعدان الإدراكي والسلوكي، سيدفعاني للتأقلم والعيش مع العقدة من دون أن أشعر أن هناك شيئًا خاطئًا، فهما سيجنباني المشكلة والتفكير فيها.

يمكن أن تتعرف على عقدة النقص لديك، بأن تركّز على الأمور التي لا تستطيع تقبلها من الآخرين ولا تتساهل فيها أبدًا، تجنبك لها ممكن أن يكون دليلًا على وجود عقدة، ولكن دعنا في البداية قبل أن نحكم، نتعمق في الموضوع بشكل أفضل.  

عقدة الإفراط

كل عقدة نقص تولّد مقابلها عقدة إفراط.

أنت لديك احتياج، والشعور بالاحتياج شيء مؤلم. الطريقة التي تلبي بها هذا الاحتياج لنفسك متعطلة بسبب عقدة النقص، فما الذي ستفعله؟ ستعتمد على الناس كي يلبوه لك.

لو كنت مثل صديقنا الذي بدأنا به الحكاية، تعاني عقدةَ نقصٍ فيما يتعلق بثقتك بنفسك، كيف ستعرف مشكلتك، وأنت أساسًا تتجنب التفكير فيها؟! 

ستعرفها عندما تجد نفسك دائمًا تسعى لجعل الآخرين يقرون بمميزاتك وتخاف من انتقاداتهم، وتسعى دائمًا لجعلهم يعترفون بك، فتفرح كثيرًا عندما ترى الناس يتحدثون عنك بالحسنى (إفراط في الإشباع).

ولكن ما علاقة كل هذا بالمخاوف وبكتابنا اليوم؟

كل المخاوف غير الطبيعية يكون خلفها عقدة نقص، وكل عقدة نقص يمكننا أن نعرفها من خلال عقدة الإفراط الناتجة عنها. التحرر من الخوف يبدأ من التعرف على تلك العقد والتحرر منها.

العقدة التي بدأنا بها مثلًا يمكن أن تظهر في أكثر من شكل من أشكال المخاوف، كأن تخاف من أن تسأل عن أمر ما في محاضرة على سبيل المثال.

اضطرابات الخوف

الخوف مثله مثل الكثير من الوظائف العضوية، عبارة عن نظام منظم ذاتيًّا. يمكن أن نعتبره مثل منظم الحرارة.

 فلو كان جيد الضبط ستكون الحرارة معقولة في الغرفة. وأنت عندها تخاف من الأشياء التي تستحق الخوف فقط، ولكن لو أنه كان سيئ الضبط فستعاني:

  • برودة شديدة، لا تشعر بالخوف نهائيًّا من أي شيء حتى من الأخطار الحقيقية.
  • أو ستكون حرارة شديدة، وهنا ستشعر بالخوف من كل شيء سواء أكان أمرًا خطيرًا أم لا.

الاحتياجات (هرم ماسلو)

لكي نفهم المخاوف بشكل أفضل، دعونا أولًا نتعرف على الاحتياجات.

البشر لديهم خمس فئات من الحاجات أو الاحتياجات:

  • في قاعدة الهرم توجد الاحتياجات الفسيولوجية، الخاصة بالبقاء والسلامة الجسدية.
  • ثم تأتي احتياجات الأمان، والحماية.
  • ثم تأتي الاحتياجات الاجتماعية أو الحاجة إلى الانتماء. 
  • ثم تأتي الحاجة إلى التقدير أو الاعتراف.
  • وآخر حاجة هي الحاجة إلى تحقيق الذات.

تلك الاحتياجات مرتبة في تسلسل هرمي وكل احتياج منها تقوم بتلبيته وتدركه بشكل تصاعدي، أي تصعد من الأسفل للأعلى (فلا أحد يفكر في الحاجة إلى التقدير مثلًا قبل أن يلبي احتياجاته الفسيولوجية وهكذا).

لو أردتَ اختبار هذه الفرضية يمكنك أن تذهب لمتشرد لا يملك بيتًا، وينام في الشارع وتخبره بأنه ليس من التحضّر أن يرمي الأوراق على الأرض، ستجده ينظر إليك ويضحك من كلامك، هو لم يلبِ احتياجاته الموجودة في أسفل الهرم؛ فمن غير المنطقية أن يفكر في احتياج من أعلى الهرم!

ولكن ما الذي سنستفيده من معرفة تلك المستويات؟ 

ستفيدنا في تقسيم العقد والمخاوف. فقد يكون لديك عقدة إفراط في احتياج من المستوى الثالث الخاص بالانتماء، أو لديك مخاوف من المستوى الرابع الخاص بالإحساس بالتقدير وهكذا. عليك معرفة ذلك كي تتمكن من دراسة تاريخك الشخصي وتعدّل واقعك الحالي.

ماذا أفعل بخوفي؟

كي تتعامل مع الخوف عليك أولًا أن تتقبله، وذلك ليس أمرًا سهلًا فهو يتطلب منك شجاعة كبيرة، لأنك في هذه الحالة تواجه خوفين:

  • الخوف من الشيء المسبب للخطر في خيالك.
  • والخوف من رأي المجتمع فيك كشخص يعاني الخوف. 

وهذا سيزيد من ضغط الإنكار لديك.

مفتاح التغلب على هذه المعضلة هو اللامبالاة!

لو تغلبت على حسك العالي لطلب الكمال، وتواضعت ستجد نفسك تتساءل ما المشكلة إن كنت أخاف؟ وبذلك يكون لديك الرفاهية بأن تحول التحريم إلى فضول.

الفضول سنستخدمه في الخطوة المقبلة، بأن نسأل ونفكر في الخوف وننقب خلفه بأريحية وسهولة.

السهم الهابط

حتى تفهم خوفك، أنت تحتاج أن تقوم بعملية تنقيب ذهني والتقنية المستخدمة في تلك العملية اسمها السهم الهابط.

أنت مثلًا تعاني الخجل وتخاف من التحدث في الاجتماعات، لاحظت تلك المشكلة لديك واعترفت بها، دعنا نجرب إذًا تقنية السهم الهابط، ونبدأ الاستجواب النفسي:

  • لماذا تخاف أن تعلّق أو أن تسأل؟
  • لأنني أخاف أن أقول شيئًا خاطئًا.
  • وما المشكلة في ذلك؟
  • أخاف من الآخرين أن يسخروا مني، ويعتقدوا بأنني غير كفء.
  • وما المشكلة في ذلك؟
  • لو اعتقدوا بأنني غير كفء سأُطرد من العمل.
  • وما المشكلة في ذلك؟
  • لن أجد طعامًا، ولن أتمكن من دفع إيجار المنزل.
  • وما المشكلة في ذلك؟
  • إذا لم آكل ولم أجد مكانًا أعيش فيه سأموت.

مثلما هو الحال في لعبة العرائس الروسية، التي تجد فيها عروسة داخلها عروسة أصغر داخلها عروسة أصغر، ذلك ما تفعله تقنية السهم الهابط.

مخاوف داخل مخاوف داخل مخاوف، بدأنا بالخوف من السخرية الذي هو خوف في المستوى الرابع للاحتياجات، ووجدنا تحته خوفًا من النبذ الذي هو خوف من المستوى الثالث بعده خوف من المستوى الثاني فالأول وهكذا.

تجاوز مخاوفك

بالطريقة تلك يمكنك التنقيب في اللاوعي الخاص بك إلى أن تصل إلى المستوى الذي توجد فيه المشكلة.

  في الخوف أنت تلجأ إلى التهويل، الخيال المتضخم، حيث تخلق لنفسك سيناريو وحبكة كبيرة، ذلك السيناريو من الممكن ألا تكون واعيًا به أصلًا، فأنت تشعر بالخوف ولكنك لا تتساءل ما السبب خلف إحساسك هذا.

ولكن عندما تنقب خلفه ستتمكن من أن تتشكك فيه.

ما احتمالية أنك ستموت في الشارع لو أنك تحدثت في الاجتماع وقلت كلامًا ما، بدون تفكير، احتمالية شبه مستحيلة.

 عقلك في التفكير المنطقي يمكنه تقدير الأخطار على نحو واقعي؛ لذلك من المهم أن نظهر الخيال على السطح، وعقلنا سيتصرف ويحكم عليه بما يستحقه.

العقلانية

غالبًا ما يكون هناك تناسب طردي بين الخوف والجهل.

جهل عن الأمر المسبب للخوف وجهل عن الأمر الذي سيحدث ونتيجة رد الفعل لو أنك لم تخف.

والحل أن تستعلم عن الأمرين: 

  • تستعلم عن السبب المسبب لخوفك. 
  • وتستعلم عن ما قد يحدث إن لم تخف.

لتعالج المشكلتين عليك بالاستعلام والمعرفة الكافية، وكما قلنا سابقًا ما احتمالية أنك ستموت من الجوع لو تكلمت؟ احتمال شبه معدوم! حسنًا لماذا تشعر بالخطر الآن؟

أي خطر يكون له محوران:

  • احتمال حدوثه.
  • شدة الأذى.

وبتقاطع هذين المحورين يمكننا أن نحسب معدل فعالية الخطر. 

خطر = احتمال × شدة

فعندما تحس بالخوف من المهم أن تستحضر شخصًا ناقدًا يسأل عن هذين المحورين:

  • هل الأمر خطير؟ 
  • هل الأمر محتمل؟

لكي تتمكن من فعل ذلك عليك أن تتجنب أمرًا معينًا.

عند الخوف يكون بداخلك إحساس يقول لك إنه من الأفضل أن تفعل ما يمليه عليك إحساسك الذي بالطبع يسوّغ هروبك وانسحابك، ويجعلك تتجنب الأمر بأكمله. 

ليس فقط التجنب المادي، أيضًا التجنب المعنوي. فتتجنب الاقتراب منه وتتجنب التفكير فيه فيكون الوهم ملك الوضع.

قاوم هذا الإحساس! ليس معنى أن تشعر بأنك في خطر أن تكون في خطر فعلًا.

مشكلة الشخص الذي يعاني الخوف أنه يستمر في الهروب طوال حياته. الهروب من المواجهة مع نفسه.