كتاب أوقف الأعذار

Book-Cover

كتاب أوقف الأعذار (المؤلف: واين داير)

ما الذي يقوم به المجرم كي يرتكب جريمته بضمير مرتاح؟ يجد مبررًا لها؛ يختبئ خلفه فلا يشعر بالذنب!

نحن نقوم بتصرفات مشابهة؛ فنكذب على ذواتنا ونقتنع بأعذار وحجج. تبريرنا ذلك يجعلنا نرتكب جرائم ضد أنفسنا بضمير راضٍ.

كأن تعتقد بأن التغيير الذي تحاول القيام به لن يجدي نفعًا لأن:

  • طبيعتك تخالفه.
  • أو أنه صعب.
  • أو أنه سيأخذ وقتًا طويلًا، وأنت مشغول لا تملك وقتًا كافيًا.

بالطريقة تلك أنت تبرر حياتك التعيسة دون أن تشعر بالضغط كي تفعل شيئًا ما لتعديلها!

فتقول لنفسك: "هذا قدري ويجب أن أقبل به!".. ويتحول توصيفك لنفسك (بأن هذا هو طبعك أو طبيعتك، أو أن الأمر صعب وما إلى ذلك من الأشياء) لجدار يمنعك من حل مشكلات حياتك.

نظام المكافآت

كي تستطيع أن تزيح تلك الأعذار من حياتك، من المهم أولًا أن تعرف نظام المكافآت النفسية الذي قمت بتطويره بدون وعي، وهو ما عزز تلك الأعذار. 

هناك أكثر من مكافأة للأعذار:

الأمان

منها مثلًا الأمان، كل الأعذار تنطوي على مكافأة المخرج السهل. لا أحد يحب أن يشعر بعدم الأمان؛ فنحن نميل لتجنب المواقف التي نشعر بأنها تنطوي على خطورة.

لماذا تقوم بأمر مجهول لست معتادًا عليه، ويمكن أن يكون أداؤك فيه سيئًا أو أن تفشل فيه وتتعرض للانتقاد وتظهر بمظهر الغبي؟!

من خلال الأعذار ستؤمن لنفسك الحماية من أي قلق محتمل أو صراع، أو أعمال شاقة مُتَخيَّلَة.

التلاعب

من ضمن المكافآت أيضًا التلاعب.

عندما تقول لنفسك:

  • ليس لديَّ الطاقة الكافية. 
  • أو إنني مشغول جدًّا.
  • أو إنني لست ذكيًّا كفاية.

تلك الأعذار ترجمة غير مباشرة لمعنى واحد: "إنني أحاول أن أحفّز الآخرين لكي يقوموا بإجراء معين بدلًا مني"، وأنا سأجلس مستريحًا وأرمي المسؤولية على كاهل شخص آخر.

أنت طوّرتَ هذه الآلية لأنك في الطفولة كنت تتلاعب مع أهلك ليقوموا بالمهمة نيابة عنك.

اللوم

عند استخدامك عذرًا ما؛ فالمحصلة النهائية تكون إنكار مسئوليتك عن المشكلة وعن مواجهة قصورك.

فلو أنني لا أسير في حياتي بمسار جيد أو أنني معدم أو خائف أو أي توصيف سلبي آخر؛ فذلك ليس خطأي، فتلوم الاقتصاد أو الحزب السياسي الحاكم أو أصحاب الشركات أو أي شخص يخطر ببالك.

 بذلك تكون قد قدمت لنفسك مكافأة وهي الاحتفاظ بالكبرياء. 

الحماية

من ضمن المكافآت التي توفرها الأعذار أيضًا، الحماية.

عندما كنت صغيرًا كانت أسرتك تحميك، فالوالدان هما من يمتلكان السلطة ولديهما القدرة على فهم الأمور بشكل أفضل منك، لذلك -كطفل- لن تقوم بأي أمر قبل أن تستأذن منهما ويكون تنفيذك تحت إشرافهما.

عندما كبرتَ بقيت متشبثًا بالسلوكيات المترسبة تلك، وطورت مجموعة من الأعذار، فائدتها أن تجعلك محتفظًا بشعور الحماية ذلك، واستمررت بالتفكير والتصرّف كالأطفال. بهذه الطريقة ستظل محتفظًا بفوائد الطفولة بدون أن تظهر بمظهر طفولي.

فحجّة أنني لست قويًّا كفاية كي أقوم بهذا التغيير مثلًا، قد يكون معناها: قم بذلك نيابة عني يا أبي!

كتالوج الأعذار

لدينا أربع حجج منتشرة بين الناس:

سيكون هذا صعبًا

يمكن أن تنظر للتغيير على أنه صعب؛ قد يبدو الأمر منطقيًّا في البداية، ولكن لو أنك صادق مع نفسك، في معظم الأوقات يكون الاستمرار في العادة القديمة هو الصعب.

مثلًا أنا أريد أن أقلع عن التدخين، وأقول لنفسي إنه أمر صعب.

 حسنًا! دعنا نقارن الصعوبة بين الاستمرار والتوقف:

  •  أنا كمدخن أكون مضطرًا دائمًا أن أحمل علبة السجائر معي وطالما أنني جالس في أي مكان فأحتاج إلى مطفأة السجائر والولاعة في جيبي! يدي وفمي لهما رائحة سيئة وأسناني صفراء، وعليَّ أن أكسب مالًا أكثر كي أغطي تكاليف شراء السجائر، وذلك طبعًا إضافة للآثار الصحية الخطيرة التي يسببها التدخين.

مواصلة التدخين هي أصعب بكثير من تركه، الذي يتضمن أمرًا واحدًا فقط.. هو عدم التدخين، لكنني أقوم بإلصاق صفة الصعوبة على ترك التدخين دون حتى أن أجرب وأختبر هل هو صعب أم لا، لأنه مجرد عذر يريحني.

عندما تجد نفسك ترفض التغيير لأنه صعب دون حتى أن تختبر الصعوبة تلك؛ فاعلم أنك تخدع نفسك. 

سوف يستغرق الأمر وقتًا طويلًا

أنتِ مثلًا يمكن أن تنظري لموضوع إكمال دراستك على أنه سيأخذ وقتًا طويلًا، وبأنك كبرتِ على ذلك، قد يبدو الأمر منطقيًّا وبأنه عذر وجيه لعدم الحركة.

ولكن تعالي لنناقش هذه الحجة! 

كم سيكون عمرك بعد خمس سنوات لو بدأتِ الدراسة الآن إلى أن تكملي تعليمك؟

39 سنة صح؟

حسنًا، كم سيكون عمرك بعد خمس سنوات لو أنك لن تعودي للدراسة؟

 39 سنة أيضًا!

فكرة الوقت طويل هي مجرد وهم نختبئ خلفه لأننا نشعر بالكسل، فعلى كل الأحوال الوقت يمضي سواء كنا نقوم بأنشطة إيجابية ستحسن حياتنا أم لا.

تلك ليست طبيعتي

من ضمن الأعذار المنتشرة أيضًا "إن هذه هي طبيعتي والمفترض أن أتقبلها فلن أستطيع أن أتغير".

يمكن أن تكون تلك طبيعتك فعلًا. 

ولكن إثباتك لصحة الاستنتاج هذا (أنك لا يمكنك أن تمتلك طبيعة ثانية بدون حتى أن تجرب أن تمتلك طبيعة ثانية أو أن تعدّل طبيعتك) هو ليس إثباتًا ولا يمكن الأخذ به.

فهو بصورة كبيرة مجرد مبرر، أكاذيب تحاول بها حماية نفسك من الألم المجهول الذي تتوقعه.

من المفترض أساسًا أن تكون حقيقة اتسامك بطبيعة معينة طول حياتك، هي سبب ممتاز يشجعك على امتلاك طبيعة أخرى، فتقول لنفسك: "لقد مللت من الشعور بالخوف أو الخجل أو الفقر، أو التنازل أو عدم اللياقة، أريد أن أجرب شيئًا جديدًا!".

 أنا مشغول للغاية

رابع عذر والذي يعتبر من أكثر الأعذار المنتشرة هو "إنني مشغول للغاية".

إن كنت دائم الانشغال فاعلم بأنك أنت من اختار ذلك. كل أنشطة حياتك بما فيها تلك التي تستنزف جزءًا كبيرًا من وقتك هي ببساطة نتاج خياراتك في الحياة.

لو أن جدول أعمالك مشحون فأنت من نظَّمت أولويات حياتك بهذا الشكل، وقررت أن تعيش حياتك بهذه الطريقة. 

لو أنك تستخدم عذرًا مثل "أنا مشغول" كي لا تقوم بأمور تمس حياتك أو مبررًا كي لا تشعر بالسعادة؛ فأنت من اخترت بنفسك ألا تعيش حياتك عن عمد أو ألا تحاول بنشاط تحقيق مصيرك، هي غلطتك أنت وأنت من عليه أن يجد حلًّا بأن تعيد فحص أولوياتك.

توقف عن الأعذار

الحاضر

بصورة عامة كي تتوقف عن الأعذار عليك أن تعيش في الحاضر.

الأنا والحاضر المراوغ

أنت عندما تقول مثلًا "سيكون الأمر صعبًا.. سوف يستغرق وقتًا طويلًا.. أنا لست ذكيًّا كفاية.. أنا عجوز للغاية" ما الذي تفعله؟

 أنت تهدر اللحظة الحالية بأعذار من لحظة فاتت أو لحظة ستأتي.

عندما تتعذر بشيء ما ستجد بأن هذا العذر هو أمر من اثنين:

  •  إما أنك تركز على ما كان يحدث دائمًا في الماضي. 
  • أو أنك تركز على أمور ستحدث في المستقبل.

كل الأعذار تقوم على ذلك، "مبدأ الهروب من الزمن الحالي".

عندما تجد نفسك تفكر بتلك الطريقة، توقف عن التركيز على الماضي أو المستقبل، وركّز بحضور كلي على الحاضر. 

الحياة في الحاضر جوهرها القبول التام لما هو موجود الآن.

الابتعاد عن إصدار الأحكام

والقبول هذا يقوم على عدم إصدار الأحكام.

 كلما تمكنت من الابتعاد عن إصدار الأحكام تمكنت من معايشة اللحظة. 

عندما تجد نفسك تتساءل لماذا يحدث هذا الأمر لي؟! أو لماذا لم يحدث ما كنت أريده؟ أو تجد نفسك تصف ما حدث على أنه تجربة سيئة، أو جيدة بذلك تكون قد أصدرت أحكامًا.

مشكلة الأحكام بصورة عامة هي أنها تشجعك على التحيّز والكسل وإيجاد الأعذار. 

فعندما تصدر الحكم على موقف ستنزع طبيعتك كي تثبت أنك محق وعقلاني وعلى صواب، حتى تهدأ مخاوفك وشكوكك فتبرره لصالحك، وبذلك سينقلب الحكم إلى لوم أو شكوى من الناس أو الأحداث.

هذا اللوم يمنعك من التقدم.

لا شك أن الحوادث التي عشتها في الماضي من سوء المعاملة أو الظروف السيئة، هي أشياء شكلت تحديًا كبيرًا في حياتك، ولكن يمكنك أن تتقبّلها بسهولة عن طريق أن تقتنع بأمرين:

  • الاستسلام. 
  • العطف.

الحياة بأعذار تقوم على مبدأ التمحور حول الذات.

يمكنك أن تزيل هذا التمحور بأمرين:

أولًا: الاستسلام للطاقة العظمى

 أي الاستسلام لله سبحانه وتعالى؛ نحن منغمسون في هوى النفس ونحاول دائمًا أن نتمسك بزمام الأمور، وذلك قد يجعلنا نشعر بأن العالم يعاملنا بقسوة في بعض الأوقات.

عندما تستسلم لقوى أعلى وأكبر منك ستصبح أقل تمسكًا بهذه الفكرة.

عندما تراقب جسمك وهو يكبر، تدرك بأنك لست أنت من يُحدِث فيه تلك التغيرات بل هي تحدث من تلقاء نفسها، جسمك مستسلم لقوة الكون.

طبِّق الفكرة نفسها على حياتك كلها.

الاستسلام معناه عدم الحاجة للتبرير أو الشكوى؛ ففي النهاية كل الأمور ستسير وفقًا لما هو مقدّر.

ثانيًا: العطف

الأمر الآخر الذي سيساعدك على عدم التمحور حول الذات هو العطف.

الأعذار بغض النظر عن أنواعها تقوم على التمحور حول إلقاء اللوم.

  • لوم ماضيك
  • لوم نقائصك الشخصية
  • لوم القدر
  • لوم أبيك
  • لوم أطفالك
  • أو شريك حياتك
  • أو حتى لوم حمضك النووي

كونك عطوفًا سيُخفي اللوم من حياتك، العطف يقهر اللوم ويغلب تقديم الأعذار.

من المستحيل أن تحتاج إلى الأعذار لو أن محور حياتك أصبح الآخرين؛ فالتفكير في الآخرين ومصلحتهم والتعاطف معهم سيساعدك.