كتاب ابن عضلاتك المالية

كتاب ابن عضلاتك المالية (المؤلف: جوان سوتكن)
لماذا قد نجد شخصين، كلاهما تخرّج في الجامعة نفسها ولديهما الوضع المادي نفسها من ناحية الأسرة، لكن أحدهما قادر على تدبّر أمره مع المال بسهولة، والآخر يعاني معظم الوقت وغير قادر على تغطية احتياجاته!
لأن القوى الفاعلة التي تتحكم في علاقاتهما بالمال ليست معتمدة على عوامل خارجية، ولكنها معتمدة على البيئة الداخلية.
الأوضاع المالية كالدخل المنخفض أو الديون وغيرها تبدو بأنها حدثت وتحدث للناس نتيجة لظروف خارجية، لكن في الحقيقة ما هي إلا امتداد لعالمهم الداخلي وعلاقتهم بأنفسهم.
كيف تساهم الأفكار والقناعات والأحاسيس في تكوين وضعك الحالي؟
تخيل شخصًا لديه مشكلات مالية، هذه المشكلات لو تعمّقنا فيها سنجد أن السبب خلفها له ثلاث طبقات:
- الطبقة الأولى: وهي المبرر السطحي. سبب مشكلات ذلك الشخص هو مرتبه القليل أو عدم انتظامه في وظيفة.
- الطبقة الوسطى: التي تبرر الطبقة السابقة وهي أن هذا الشخص مرتبه قليل؛ لأنه شخص كسول، لا يتحرك، يقيّد نفسه لسنوات فلا يتعلم ولا يبحث عن أي عمل يساعده على تطوير نفسه ماليًّا.
- الطبقة الأخيرة: طبقة القناعات، وهي المسبب لكل الطبقات السابقة فهو كسول لأن لديه مشكلات من مرحلة الطفولة، هو يشعر بالخوف ويعتقد بأنه إن تحرك سيحدث له مكروه يخبئه له القدر وسيحدث بدون سبب. مرجع ذلك أن والده كان يعاقبه بدون أن يشرح له لماذا يوقِع عليه العقاب، هذا ما جعله مشوَّشًا وأصبح ذلك تصوره عن الحياة.
إن المشكلات المالية الظاهرية لا ترتبط بالمال.
لو نظرت بعمق لأمورك المالية السيئة ستجد بأن السبب الحقيقي من خلفها والقوى الفاعلة الحقيقية هي أفكارك وقناعاتك وأحساسيك وطريقة رؤيتك للعالم.
الأفكار والقناعات والأحاسيس عادة ما تكون دفينة، وأنت لا تنتبه لها وتبحث عن مبرر خارجي يبرر ما يحدث.
فشلك المالي مثلًا لن تُعزي أنه حدث نتيجة لإحساسك بالخوف من الناس أو من شيء ما معك منذ الطفولة، بل هو نتيجة تخطيطك السيئ أو حظك العاثر أو أن شخصًا ما هو السبب.
لو أردت أن تساند نفسك أكثر لتطور علاقة أفضل مع المال، ومع الحياة عليك أن تكون أكثر وعيًا بنفسك وبقناعاتك وأحساسيك.
نحو هوية مالية جديدة
يمكنك أن تنظر لنفسك على أنك فندق أو بيت، في داخله يوجد أربع شخصيات:
- طفل جريح.
- أب كبير.
- شاب مراهق.
- شخص راشد مسؤول.
كل شخصية منهم تستحوذ على السلطة وتظهر في ظروف معينة، فمرة في العمل مرة في اجتماع، مرة مع الأصدقاء وهكذا.
وكل شخصية منهم تسبب شعورًا معينًا.
- الطفل الجريح دائًما يشعر بالخوف ويحتاج لأن يشعره بالأمان.
- الأب الكبير لا شيء يعجبه ودائمًا ما ينتقد الباقين ويزعزع ثقتهم في أنفسهم.
- الشاب المتمرد المراهق لا يملك أي حس بالمسؤولية تجاه المال ولا تجاه أي شيء.
- الشخص الراشد هو شخص مسؤول وواعٍ، وهو من تحتاج أنت أن تفعّل وجوده دائمًا
حتى تستطيع أن تكوّن هوية مالية جديدة يجب أن تفهم تلك التقسيمة، وتفهم غايات ورغبات كل واحد منهم، وتلبيها له بآلية مناسبة، وأن تدقق النظر فإن وجدت أحد تلك الشخصيات لديه مشكلة كبيرة فعليك أن تحل تلك المشكلة وترضيه، بذلك لن يحتاج إلى فرض سيطرته على الآخرين، وجميعهم سيكونون على وفاق وسيتركون السيطرة للشخص الراشد.
الشخصيات تلك هي التي تشكّل حوارك الذاتي، وتعاملك معها بالطريقة الصحيحة سيقودك لوضع مالي أفضل.
على سبيل المثال يمكنك أن تستبدل الأب الداخلي الذي ينتقد الآخرين بشكل دائم بشخص آخر حنون يشجعك باستمرار، ذلك سيجعل علاقتك الذاتية تتسم بالمحبة والمساندة، مما سينعكس عليك من خلال مظاهر تقدم مادية ومعنوية ومالية.
دور التجارب المشحونة بالأحاسيس التي مر بها الراشدون خلال طفولتهم
هناك خمس مشكلات سيئة مشهورة عادة ما تؤثر في الناس:
- الإحساس بالخوف.
- الإحساس بالهجر.
- الإحساس بالخزي.
- الإحساس بالغضب.
- الإحساس بالحرمان.
تلك الأحاسيس يمكن أن تكون غير واعٍ بوجودها لديك، لأنها تشكلت في سنوات طفولتك.
تجربة مثلًا حدثت منذ زمن بعيد سببت لك جرحًا، ذلك الجرح ترسّخ وبقي موجودًا لهذه اللحظة، وأثّر في رؤيتك للعالم وسيؤثر في سلوكياتك المالية بشكل عام.
قد تكون وأنت في طفل تعرّضت لمرض صعب أو حادث سير أو حدثت تغيرات مفاجئة في مسار عائلتك، طلاق مثلًا أو وفاة أو أنكم انتقلتم لمكان جديد أو حصلت على أخ جديد أو أن أحدًا ما أساء معاملتك، وغيرها…
مشكلات الطفولة تلك ممكن أن تجعلك مثلًا تدمن على محاكمة نفسك أو تجعلك تشعر بأنك منعزل عن الناس تخاف منهم ولا تثق بهم، أو أن تجعلك تحس بشعور الضحية، كل تلك المشاعر تترجم لسلوكيات غير إيجابية تجاه الحياة بصورة عامة ومنها المال.
وبالمناسبة ليس شرطًا أن يكون معنى السلوكيات السلبية تجاه المال هي أنها تحد من قدرتك على جمع المال بل يمكن أن يحدث العكس، فيمكن أن تحفّزك على تكوين الثورة.
إحساسك بالهجر أو الخزي أو الحرمان الذي رافقك من الطفولة يمكن أن يغذي لديك رغبة مضاعفة في تركيزك على المال واهتمامك به على حساب حياتك مثلًا، وهو ما يُعتبر سلوكًا سلبيًّا أيضًا.
تكوين الوعي المالي
لكي تشكل لنفسك هوية مالية جديدة عليك أن تبدأ من الطفولة، ابحث عن الجذور الحسية لتصرفاتك الحالية، تلك الجذور والقناعات لو تمكنت من أن تغيّرها ستظهر لك سلوكيات جديدة وستتغير طبيعتك في التعامل مع المال وبذلك ستُنشأ هوية جديدة.
مثال
تخيل فتاة تشعر طوال الوقت بالضغط المالي، فتبخل على نفسها.
تلك هي هويتها المالية؛ لو أرادت تغييرها بعكس أسلوب حرصها الطفولي، سيكون الموضوع صعبًا ولن تنجح.
بينما لو أنها تتبعت مشكلات طفولتها ستجد بأنها وهي صغيرة كانت تعيش في عائلة لا تمتلك علاقة طيبة مع الجيران فكانت منعزلة طوال الوقت، أثر ذلك فيها بعمق وسبب لها إحساسًا كبيرًا بالوحدة استمر معها لليوم.
إحساسها بالضغط من فقدان المال ليس بسبب اهتمامها بالمال بل هو ناجم عن مخاوفها من الوحدة التي عانت منها منذ وقت طويل.
عندما تُظهر لنفسها تلك الحقيقة بوضوح، سيمكنها أن تستثمر في علاقاتها مع الآخرين وتخفف اضطرابها الذهني. تحسينها لاحتياجاتها المعنوية الدفينة تلك سيحل مشكلتها المالية.
مثال
تخيل مثلًا فتاة كانت تتعرض للتنمر والاستهزاء من قبل الأطفال الآخرين بسبب وزنها الزائد ونظارتها السميكة، وكانت في كل مرة يحصل لها ذلك تشعر بالخزي، الأمر الذي رافقها منذ الطفولة إلى أن كبرت.
والآن هي عندما تتعامل مع الناس تشعر بأنها مستهدفة وبأنهم يقصدون إيذاءها مع أن ذلك غير حقيقي ولا يحدث إلا في تفكيرها، فتتصرف بشكل دفاعي، وذلك سيجعل الناس يقابلون تصرفاتها بسلوكيات سلبية في المقابل، مما يجعلها في النهاية تصل إلى نتيجة سلبية.
عندما تربط طفولتها بما وصلت إليه في حياتها بالشكل الحالي ستعرف بأن المشكلة موجودة فيها وليس في الناس وستبدأ بحلها.
تبنّي القناعات المالية العملية
البيئة الاجتماعية والأسرية، وأيضًا التجارب الشخصية التي يمر بها كل منّا تترك فينا آثارًا تساهم في تكوين قناعاتنا الذاتية.
القناعات تلك تشكّل النتائج المالية التي ستصل إليها.
كي تطور علاقة سليمة مع المال عليك أن تكون واعيًا بقناعاتك تلك، وأن تحول السلبي منها إلى قناعات إيجابية وعملية.
وأن تراقب نفسك في كل مرة تكون منغمسًا في أفكار غير بناءة، أسأل نفسك هل هذه الأفكار تؤثر في أوضاعي المالية سلبًا؟
التأسف على الماضي وتوجيه الانتباه لجروح قديمة يعزز بقاء الحالة الداخلية القديمة.
أيضًا القلق تجاه المستقبل من ضمن أكثر الأفكار المنتشرة غير البناءة، ويعدُّ طابعًا مشتركًا في تفكير كل الأشخاص الذين يغوصون في المشكلات إلى الركب، التفكير بهذا الشكل يثير المخاوف من احتمالات لم تحدث بعد، وذلك سيضاعف فرص حدوثها.
عندما تتوقف عن القلق من المستقبل والخوف من الماضي ستكون قد خطوت خطوة كبيرة في انتهاج سلوكيات مالية عملية أفضل.