كتاب خطوة واحدة صغيرة قد تُغير مجرى حياتك

Book-Cover

كتاب خطوة واحدة صغيرة قد تُغير مجرى حياتك (المؤلف: روبرت موريو)

عندما يريد الناس أن يغيروا شيئًا ما في حياتهم فغالبًا ما يلجأون إلى إستراتيجية التجديد.

إستراتيجية التجديد: هي عملية تغيير شاملة وسريعة في وقت قصير. 

فمثلًا لو أنكِ تعانين من زيادة في الوزن وأردتِ تغيير ذلك؛ فإستراتيجية التجديد بالنسبة لك هي أن تبدئي من الغد باتباع نظام غذائي قاسٍ وتلتزمي بتمارين رياضية لمدة ثلاثة أشهر مثلًا، ومن ثم ستحققين النتيجة التي تريدينها.

تلك الإستراتيجية مفيدة جدًّا، ولكن بها مشكلة بديهية؛ هي أنها صعبة! إذ إن إستراتيجية التجديد تكون أشبه بمحاولتك صعود تل شديد الانحدار.

أي شخص يحاول صعود تل بهذا الوصف سينظر للتل، وقد يقول لنفسه إن ذلك صعب جدًّا؛ فيتقاعس ويقرر بأنه لن يصعد، أو قد يحاول الصعود فعلًا ولكن بعد فترة سيفقد طاقته ويتوقف، أي إننا أمام أكثر من احتمالية للفشل، ولذلك سنتحدث اليوم عن طريقة بديلة لتلك الإستراتيجية.

 

مرحبًا بك في الكايزن

يمكننا أن نختصر تعريف الكايزن بأنه "رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة".

إن كان التجديد يحتاج إلى القيام بإصلاحات صارمة وجذرية؛ فالكايزن هو القيام بخطوات صغيرة ومريحة ولكن بثبات هائل.

وأقصد بـ"صغيرة" صغيرة جدًّا لدرجة أنها قد تبدو لأول وهلة تافهة بل ومثيرة للإحراج (أن تكون صغيرة جدًّا هو أمر مهم كي تكون سهلة لدرجة أنك من المستحيل أن تفشل فيها أو أن تتكاسل عن القيام بها).

إن عدنا للمثال الذي بدأنا به: فأنتِ عوضًا عن التزامكِ بنظام قاسٍ فجأة، ما رأيكِ لو أنك بدأتِ بممارسة المشي لمدة دقيقة واحدة كل يوم أمام التلفاز؟ دقيقة واحدة فقط!

طبعًا الستون ثانيةً تلك لن تبدل حياتك، وتحقق لكِ الهدف الذي تريدينه، ولكنها ستبدل اتجاهكِ.

في التجديد يشعر الناس بالتخاذل وفي النهاية الفشل وخيبة الأمل، وهذا بالتأكيد سيدفع لتغيير الاتجاه بعد فترة والتوقف تمامًا، ولكن في الكايزن بسبب أن الخطوات بسيطة فمن الصعب الفشل في القيام بها، وذلك سيجعل الفرد يحقق نجاحًا صغيرًا. النجاحات الصغيرة ستحمي من الشعور بخيبة أمل وستشجع على إكمال الطريق وعدم تغيير الاتجاه، وفي النهاية سيكتشف الفرد بوصوله إلى الهدف بدون أن ينتبه.

 

سر نجاح الكايزن

 لماذا فرصة نجاح الكايزن أكبر من فرصة نجاح التجديد؟ 

لأن التغيير يستدعي المخاوف. فعندما تحاول الوصول إلى هدفك عن طريق القيام بتغييرات جذرية كبيرة، أنت بذلك تبتعد عن النظام اليومي المعتاد الآمن، وهذا سيدفع المخ الأوسط لتوليد استجابة الكر والفر لشعورك بالخوف. الخوف هو ما يصعّب عليك الأمر.

طبعًا هناك بعض الناس- المحظوظين- يعرفون كيف يلتفون حول هذه المشكلة بأن يحولوا خوفهم إلى انفعال من نوع آخر كإثارة أو حماس مثلًا، ولكن بالنسبة لبقية الناس فالتغييرات الكبيرة تستدعي مخاوف كبيرة تشلّهم وتدفعهم للهرب.

إن أردت أن تتخطى هذه المشكلة، ابتعد عن التغييرات الكبيرة، بذلك ستضلل جسمك ولن توقظ استجابة الكر والفر.

 

اطرح أسئلة صغيرة

كي تبدأ وتمهد حياتك لبرنامج كايزن مناسب، ابتعد عن الأسئلة الكبيرة، عوّد نفسك ألا تسأل سوى الأسئلة الصغيرة!

هناك أسئلة مثل:

  • كيف يمكنني أن أجعل جسمي مناسبًا؟
  • كيف أصبح غنيًّا؟
  •  كيف أصنع منتجًا يضيف الملايين للشركة؟

تلك أسئلة كبيرة جدًّا، ستنشط استجابة المخ الأوسط، وتجعلك تشعر بالخوف وكما ذكرنا سيكون هدف جسدك الأول هو حماية نفسه، فسيهرب ولن يفكر وبذلك ستعوق مسار إبداعك، بينما لو سألت أسئلة صغيرة من نوعية:

  • ما الخطوة الصغيرة (أصغر خطوة) ممكن أن أقوم بها كي أكون أكثر فعالية؟
  • أو ما الذي أستطيع القيام به لمدة خمس دقائق فقط يوميًّا كي أقلل مديونيتي؟!

الأسئلة بذلك الحجم ستسمحً لك بالالتفاف حول مخاوفك، وأيضًا ستسمح لك بالتركيز على حل المشكلة.

 

قُمْ بأفعال صغيرة

بعد جزء الأسئلة نأتي لجزء إجابات الأسئلة – الفعل. 

الأفعال هي جوهر الكايزن!

من المهم أن يكون الفعل صغيرًا بحيث يظهر تافهًا، أو حتى مضحكًا! أن يكون سخيفًا لدرجة أن تشعر أنك لن تستفيد منه شيئًا. في الحقيقة هذا هو الهدف ألا يشعر عقلك بأنك تقوم بتغيير، لأنه لو شعر بذلك سيبدي مقاومة التغيير المتأصلة فينا وسيبدأ كما ذكرنا بالاستجابة بأن يولّد معدلات مرتفعة من هرمونات الضغط ومعدلات متدنية من الإبداع وهو عكس ما نريده.

مثال عن فعل صغير يظهر بأنه سخيف:

أنت مثلًا تريد أن تتوقف عن الإسراف في مشترياتك من السوبر ماركت. الفكرة البسيطة التي يمكنك أن تستخدمها: في كل مرة قبل أن تدفع ثمن مشترياتك اختر منتجًا من عربة التسوق، أقل منتج تحتاجه وأعده إلى مكانه.

لا تقم بأكثر من ذلك.

المهم أن تستمر على هذا التصرف وبعد فترة من الالتزام بالأمر اجعل الفعل أكبر بشكل طفيف، وهكذا مع كل نجاح شهيتك ستزداد أكثر للتغيير.

كل ما نريده هو تغييرات بالغة في الصغر بحث تراها ويراها جسمك على أنها ليست ذات شأن فلا يقوم برفع معدل الجهد، وبذلك تكون قد عرفت كيف تتغلب على مخاوفك وستستمر وتزيد من إنجازاتك خطوة تلو الأخرى.

 

حل مشكلات صغيرة

هناك ثلاثة مكونات أو عناصر مساعدة لتطبيق طريقة الكايزن في حياتك:

العنصر الأول: المشكلات الصغيرة

نحن معتادون أن نعيش مع المضايقات الصغيرة، ولا ننظر إليها على أنها شيء مهم يستدعي منا أن نجد له حلًّا، ولكن عندما نتجاهلها؛ فالمشكلات الصغيرة ستتراكم وستغلق طريقك بالنهاية. لكن لو انتبهت لها وتعاملت معها من البداية ستوفر على نفسك سنوات من التصحيح غالي الثمن.

انظر إلى المشكلات الصغيرة على أنها علامات تحذيرية.

تخيل أن زوجة تشتكي من أن زوجها لا يتعاطف معها ومع الناس بصورة مناسبة؛ تلك مشكلة كبيرة لا يمكنها تحملها.

عندما نرجع بالزمن للماضي سنجد أن المشكلة الكبيرة تلك ظهرت على شكل مشكلات صغيرة في فترة الخطوبة، ولكنها تجاهلتها ولم تتعامل معها وهذا ما أوصلها لذلك الوضع.

ليس من الحكمة أن تتجاهل المشكلات الصغيرة أو تستصغرها.

 

قدم مكافآت صغيرة

العنصر الثاني: المكافآت الصغيرة

إن كنت تطمح لتدريب نفسك أو الآخرين على اكتساب عادات جديدة، فأفضل أسلوب لتشجيعهم- أو تشجيع نفسك- على ذلك هو أسلوب المكافآت الصغيرة (الصغيرة جدًّا). لا تستحقر المكافآت الصغيرة لأنها محفز مهم.

دعنا نشرح ذلك في مثال على مستوى الحياة العملية:

تخيل شركة تقدم للعاملين مكافآت مالية ضخمة كنسبة من حجم المال الذي توفره أفكارهم للشركة، أسلوب جميل سيشجع الموظفين ليعملوا ويقدموا أفكارًا أفضل للشركة، ولكن مشكلة هذا التحفيز- حسن النية- هو أنه سيجعل العمال غير مهتمين إلا بالأفكار الضخمة الكبيرة التي ستوصّل فقط إلى مكافآت مالية ضخمة وفورية ولن يهتموا بأي شيء آخر.

أيضًا هناك نقطة خطيرة، في الطبيعة البشرية كلما كانت المكافآت الخارجية والحافز الخارجي كبيرًا قلَّ الحافز الداخلي إلى أن يتلاشى تمامًا في النهاية، لأن المكافآت ستتحول لهدف في حد ذاتها وتحل محل الرغبة الطبيعة عند العمال في العمل، وبمجرد انتهاء نظام المكافآت الخارجي سيتلاشى لديهم أي حافز للاستمرار في السلوك المنشود.

على العكس منها، المكافآت الصغيرة، المكافآت الصغيرة تشجع الحافز الداخلي، لأنها تعدُّ شكلًا من أشكال الاعتراف والتقدير وليس مكسبًا ماديًّا مباشرًا، فهي تشير إلى اعتراف الناس وتقديرهم للعمل وبذلك تزوّد حافز الشخص الداخلي كي يساهم أكثر في العمل ويطوّر أكثر من مهاراته.

مثال على المكافآت الصغيرة التي نتحدث عنها:

  • رسالة شكر.
  • كلمة بسيطة تعبيرًا عن الحب والاهتمام.
  • مجاملة من المشرف.

أشياء قد لا تكون ذات قيمة مادية، ولكنها ستعطي للشخص شعورًا بالاعتراف والتقدير.

 

اكتشف اللحظات الصغيرة

العنصر الثالث من العناصر المكملة: اللحظات الصغيرة

طريقة الكايزن تتطلب العيش بوتيرة أبطأ والاحتفاء باللحظات الصغيرة؛ العيش بهذا الأسلوب سيقودك للحصول على دفعات يومية نحو التفوق والكمال تجاه هدفك.

هناك فكرة منتشرة عن أن التغيير والتقدم للأمام يأتيان في لحظات استثنائية، كرؤية تأتي للعالم أو الفنان في أثناء جلوسه في صومعته منعزلًا يعذب نفسه بالتفكير! ولكن هذا غير صحيح.

اللحظات العظيمة لو تتبعنا معظمها سنجدها تأتي في لحظات يومية عادية، تأتي من الاهتمام اليومي في العمل بالأمور الصغيرة- اللحظات التي تبدو عادية جدًّا- تلك هي اللحظات التي تأتي فيها أفكار التغيير العظيمة، ولذلك عليك أن تهتم بها.

 أيضًا، عندما تكون منخرطًا مثلًا في لحظات التغيير وشعرت بالإرهاق أو التعب، يمكنك أن تستخدم مبدأ اكتشاف اللحظات الصغيرة هذا كي يساعدك لأن تجد لحظات البهجة المختبئة.

دائمًا، عندما قيامك بأي عمل ابحث عن الأجزاء الممتعة الممكنة فيه حتى وإن كانت صغيرة وفكر فيها.

  • الأشخاص الناجحون في تحسين عاداتهم هم من يمكنهم تحويل التمرينات البدنية أو تناول الطعام الصحي لمصدر للسرور والفخر.
  • كما أننا يمكننا أن نتعرف على المبدع الحقيقي عن طريق قدرته الدائمة على اكتشاف عناصر تستحق الملاحظة حتى في أشد الأمور شيوعًا وتفاهة.